المزاعم الباطلة عن جذور الهوية البحرانية التي حاولوا عبثاً تزويرها مراراً وتكراراً.. بعدما طالت أيدي التدنيس كل حاضرنا، طالت لتصل إلى تاريخنا العريق وماضينا المشرف وسعت إلى نسف تاريخ قرى جذورها ضاربة إلى ما قبل العهد الدلموني حاولت عبثا ذلك مراراً،
وآخر محاولاتها العقيمة هو تقرير أقرت فيه أن البحرين وفي العام 1825 كانت تضم تسع قرى فقط ونسفت الـ360 قرية التي كانت مأهولة بالسكان..
كيف يمكن لنا أن نقرأ محاولة إعادة كتابة التاريخ البحريني ونسف كل ما هو موثق ومؤكد في معظم الكتب والوثائقيات بشأن القرى البحرينية؟ وما مدى الاختلاف حول العراقة
التاريخية لقرى البحرين الـ360 الأصلية؟ وهل هناك ما يدحض فكرة أن القرى البحرينية الأساسية 9 ومن مذهب معين؟
إلى ذلك خص الكاتب والباحث التاريخي حسين محمد حسين الجمري «الوفاق» بدراسة أعدها حول التقرير المزعوم جاء فيها:
«زعم البعض مِن من لم يطلع على مراجع تاريخ البحرين أنه لم يكن هناك قرى بحرانية قبل عام 1825 وكان هناك، على حد زعمه 9 مناطق مأهولة. أضف إلى ذلك التشكيك في تاريخ التواجد الشيعي».
وأوضح الجمري «إذاً أمامنا هدفان لإثبات وجود استيطان في مواقع القرى الشيعية يعود لتاريخ قريب من 1825 ويمتد للماضي البعيد والثاني، وإثبات قدم التواجد الشيعي في المنطقة، بالنسبة للهدف الأول لا نحتاج لدراسات تفصيلية للرد على هذا الزعم بل تكفي الخارطة التالية التي توضح المناطق التي عثر فيها على لقى تدل على وجود استيطان بها بين عامي 1500م-1700م . وهي جزء من دراسة (لارسين) التي سنتناولها بشيء من التفصيل».
وتابع «فقط قارن بين خارطة الاستيطان للحقبة 1500م-1700م ومزاعم البعض وستجد مناطق قرى البحارنة عامرة، بينما يدعي البعض أن البحرين بها تسع مناطق استيطان فقط في العام 1825م، فأين اختفت تلك القرى التي عادت للظهور العام 1900م وذلك بحسب (دليل الخليج للوريمر) الذي ذكر فيه القرى المأهولة وحدد مواقعها، الأهم من ذلك أن أسماء عدد من تلك القرى القديمة ذكرت في ديوان (ابن مقرب العيوني توفي عام 1233م) وديوان (جعفر الخطي توفي العام 1618م) وهي لازالت تعرف بنفس الاسم حتى يومنا هذا» وتساءل الجمري لماذا 9 مناطق بالتحديد؟.
تسع مناطق بتسع محطات
إلى ذلك يجيب الباحث الجمري على تساؤله «تذكرني ‹›تسع المناطق›› بتسع المحطات التي وصفها عبد الجليل الطباطبائي في أهزوجة له يصف فيها رحلة له قام بها حول جزيرة البحرين الكبرى ونزل في ‹›››9 محطات وذلك في العام 1825م ولا أدري كيف أصبحت تلك التسع محطات هي تسع أماكن استيطان في البحرين في تلك الفترة وكأنما تك الأهزوجة تغنينا عن كل الدراسات التاريخية والآثارية التي نشرت. فقط للتعريف بصاحب الأهزوجة عبد الجليل الطباطبائي فقد ولد في البصرة العام 1776م ثم انتقل للزبارة، حيث وطد علاقته بآل خليفة وانتقل للبحرين معهم العام 1810م، حيث أوكلوا إليه أمر مراسلاتهم. وللوقوف على الأهزوجة كاملة بالشرح فقد وردت في مجلة الوثيقة العدد التاسع والأربعون (يناير 2006) والموضوع بعنوان:
«منظومة نزهة الجليس لعبد الجليل الطباطبائي: قراءة وثائقية فنية، للدكتور عبد الجليل العريض».
الطائفة البحرانية وجذور الهوية
وتابع الجمري حديثه «تم دراسة تاريخ المجتمع البحريني من أكثر من ناحية ومن قبل أكثر من باحث وباستخدام العديد من الآليات والمنهجيات، وما يميز تلك الدراسات أنها جاءت منفصلة ومستقلة عن بعضها البعض ولكنها في النهاية تعطي كلها نفس الاستنتاج وهو وجود امتداد حضاري ثقافي له جذور ضاربة في عمق التاريخ، ويتمثل ذلك الامتداد في وجود طائفة حضرية من السكان في البحرين تكونت في الأساس من جراء اندماج عرقين».
ولفت إلى أن «العرق الأول عبارة عن عرق حضري يمثل الامتداد الطبيعي للحضارات السابقة التي نشأت على أرض البحرين والعرق الآخر عرق قبلي تمثل في القبائل العربية التي سكنت البحرين والتي غلب عليها عرق قبيلة عبد القيس بالتحديد، وقد عرفت هذه الطائفة باسم «البحارنة». وفي سنوات لاحقة لكون الطائفة البحرانية سكنت البحرين مجموعات ذوي أصول قبلية لم تندمج مع طائفة البحارنة بسبب الاختلاف المذهبي بينهما، حيث اعتنقت الطائفة البحرانية المذهب الجعفري والأخرى اعتنقت المذهب السني».
وأشار «كما سكنت البحرين جماعات عرقية أخرى، وقد كونت كل تلك الطوائف المجتمع البحريني بهويته الحالية. ولكن، وكما حددت لنا نتائج البحوث العديدة تبقى طائفة البحارنة من بين كل تلك الطوائف هي الطائفة الأقدم والطائفة ذات الامتداد التاريخي».
منهجيات دراسة تاريخ وتطور المجتمع البحريني القديم
وأكد على أن «النتيجة السابقة لم تصغ بصورة اعتباطية ولكنها نتيجة توصل لها العديد من الكتاب باستخدام أكثر من منهج، وحتى نثبت أن هذه النتيجة خاطئة علينا أن نثبت خطأ كل بحث على حدة ونقده بصورة علمية مستخدمين المنهجية ذاتها المستخدمة في البحث المراد نقده، ونورد هنا بعض المنهجيات المختلفة التي استخدمت من قبل عدد كبير من الباحثين بصورة مستقلة».
1 – فقه اللغة المقارن
وأوضح الجمري في بحثه «نأخذ مثالاً على ذلك دراسة الدكتور عبد العزيز مطر في السبعينات من القرن المنصرم «ظواهر نادرة في لهجات الخليج العربي» والذي يثبت فيها أن اللهجة البحرانية هي لهجة قائمة بذاتها وأن الخصائص العامة لهذه اللهجة تكونت بفعل تأثرها باللغة الآرامية. وتطرح هذه الدراسة هنا سؤالاً مهماً وهو «متى وكيف حدث هذا التأثر؟»، إلا إذا كان هناك اندماج بين عرق عربي وعرق آرامي».
1 – مطر عبد العزيز (1976)، ظواهر نادرة في لهجات الخليج العربي. كلية التربية، دولة قطر.
2 – المنهج التاريخي/ الأركيولوجي
وتابع «وهو الاعتماد على المصادر التاريخية ودراسة الآثار، ومن أقدم تلك الدراسات دراسة محمد سعيد المسلم في العام 1986م في مجلة العرب «الجذور الأساسية للسكان في واحة القطيف» والذي يتحدث فيه الكاتب عن حدوث اندماج وانصهار كتل عرقية مختلفة أدى لتكوين سكان شرق الجزيرة العربية القديم». وهناك دراسات حديثة غيره ككتاب دانيال بوتس «الخليج العربي في العصور القديمة» والذي ترجم للعربية العام 2003م.
المسلم، محمد سعيد. الجذور الأساسية للسكان في واحة القطيف والمنطقة الشرقية. مجلة العرب، ج 8.7 ، سبتمبر/ أكتوبر 1986م. منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة و النشر. الرياض – المملكة العربية السعودية.
4 – المنهج التاريخي/ الأركيولوجي/ الاجتماعي/ الجيولوجي
وأكد «لا يوجد من هذا النوع إلا دراسة واحدة يتيمة وهي دراسة توضح كيف تكون المجتمع البحريني القديم هي دراسة لارسن، وهي الدراسة التي نتج عنها رسم خرائط الاستيطان في جزيرة البحرين الكبرى منذ حقبة باربار حتى 1700م وهي الخرائط التي اعتمدت عليها العديد من الدراسات. وقد استنتج لارسين هذه الخرائط من خلال دراسة «استخدام الأرض» واللقى الأثرية الموجودة في المنطقة وتحديد زمن حقب الاستيطان لكل منطقة عن طريق تحليل الفخار الذي عثر عليه في كل منطقة. بالطبع بعد لارسين ظهرت دراسات أحدث منها تضيف مناطق أخرى لتلك المناطق الذي حددها لارسين».
5 – المنهج التاريخي/ الأركيولوجي/ الأنثروبلوجي
وأشار الجمري «هناك دراستان لباحثة واحدة هي Judith Littleton تصف التركيبة الاجتماعية في المجتمع البحريني في الفترة الهلنستية، وتركز على أدوات الحضارة والأمراض وكذلك تحليلات ديمغرافية مختلفة. وقد أثبتت الباحثة وجود مرض السكلر في سكان البحرين قبل الإسلام».
6 – منهجية علم الجينات
وأكد «في 1989م عمل فريق فرنسي – أمريكي (Labie et al 1989) على طفرة تسبب فقر الدم المنجلي (السكلر) وهي طفرة خاصة بشرق الجزيرة العربية والشعب القبلي في شبه القارة الهندية وتم وضع احتمالات عدة لأصل وجودها في شرق الجزيرة العربية وجميع الاحتمالات تؤدي لنتيجة واحدة وهي أن هناك طائفة من السكان في شرق الجزيرة العربية يحملون طفرة خاصة بهم تختلف عن الطفرة التي توجد في إفريقيا تسبب مرض فقر الدم المنجلي، وأن هذه المجموعة من السكان تمثل امتدادا طبيعيا لسكان الحضارات القديمة في البحرين، وتتركز هذه الطفرة التي تسبب فقر الدم المنجلي في طائفة البحارنة بصورة أساسية (Al-Arrayed et al 2003)».
مشيرا الجمري إلى ان أحد العاملين مع نفس المجموعة الفرنسية الأمريكية في النصف الثاني من تسعينات القرن المنصرم أكد على النتائج السابقة (Daar, Hussain et al 2000)، وقد أصبحت تلك النتائج من المسلمات في تاريخ هذه الطفرة، حيث أكدت عليها العديد من البحوث التي تلت الأعمال السابقة.
7 – منهجية دراسة اللهجة والثقافة
ولفت إلى أن «هناك العديد منها ولكن سنكتفي بالإشارة لسلسلة بحوث بروفسور كلايف هولز من جامعة أكسفورد والذي جمعها مؤخرا في كتاب «اللهجة والثقافة والمجتمع في شرق الجزيرة العربية» والذي يتكون من ثلاثة مجلدات، وقد أكد في غالبية دراساته على وجود الطائفة الحضرية ذات الامتداد القديم ويخصها باسم «البحارنة» في مقابل الطائفة الأخرى ذات الأصول القبلية التي يسميها «العرب»، راجع على سبيل المثال (Holes 2001 and Holes 2002)».
التواجد الشيعي في البحرين
ولفت الجمري «بعد أن دخل العيونيون جزر البحرين في القرن الثاني عشر أصبحت الهوية المذهبية لها هي الهوية الشيعية بدون أي شك، إلا أن بعض الباحثين يعتقدون أن هويتها كانت وسأكتفي بذكر واحدة منها وهي دراسة (نايف الشرعان) التي أصدرت كتابا من قبل مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وقد تناول الباحث في هذه الدراسة نقود الدولة العيونية والتي نقش عليها «لا آله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله». والعملة تعكس هوية الدولة وهي واضحة هنا.
الشرعان، نايف بن عبدالله، نقود الدولة العيونية في بلاد البحرين، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، المملكة العربية السعودية – الرياض 1423 هـ
كتاب لدفيك كالوس
وفي ختام دراسته أكد على أن «لدفيك كالوس أحد أفراد البعثة الفرنسية للتنقيب وهو متخصص في دراسة النقوشات الإسلامية، وقد درس كالوس النقوشات الإسلامية في مسجد الخميس وعدد من المساجد وعدد كبير من القرى، ويعود تاريخ تلك النقوشات للقرنين الحادي عشر والسابع عشر الميلاديين وجميع تلك النقوشات شيعية بامتياز، وهي نقوشات تثبت بدون أدنى شك هوية مسجد الخميس الشيعية وهوية القرى التي كانت آهلة بالسكان بين القرنين الحادي عشر والسابع عشر الميلاديين».