|
شيعي فاطمي
|
رقم العضوية : 23528
|
الإنتساب : Oct 2008
|
المشاركات : 4,921
|
بمعدل : 0.84 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
شرح دعاء اليوم السادس من شهر رمضان
بتاريخ : 22-08-2010 الساعة : 09:48 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد
شرح أدعية أيام شهر رمضان المبارك دعاء اليوم :السادس( اَللّـهُمَّ !.. لا تَخْذُلْني فيهِ لِتَعَرُّضِ مَعْصِيَتِكَ ، وَلا تَضْرِبْني بِسِياطِ نَقِمَتِكَ ، وَزَحْزِحْني فيهِ مِنْ مُوجِباتِ سَخَطِكَ ، بِمَنِّكَ وَأَياديكَ ، يا مُنْتَهى رَغْبَةِ الرّاغِبينَ ! ).
بغض النظر عن كون هذا الدعاء صادر من المعصوم أو غير صادر ، فهذا الأمر مبحوث في محله.. ولكن مضامين أدعية الأيام في شهر رمضان هي مضامين مغتنمة ومقدرة ، وعلى المؤمن أن يستوعبها بكل أبعادها..
- ( اَللّـهُمَّ لا تَخْذُلْني فيهِ لِتَعَرُّضِ مَعْصِيَتِكَ...) :
وقع بحث طويل وعريض بين علماء الكلام أنه ما معنى التوفيق الإلهي ، وما معنى الخذلان الإلهي ؟.. وأن التوفيق أمر مستوعب ، وهو أن الله عزوجل يهيئ الأسباب للإنسان الذي يستحق التسديد.. ولكن ما هو الكلام في الخذلان ؟.. كيف الله سبحانه وتعالى يخذل العبد ويوفقه لأن يرتكب الحرام ؟.. وكيف يتناسب هذا مع الرأفة الإلهية والرحمة الإلهية ؟..
الجواب : أن الله عزوجل له أسلوبان في التعامل مع العبد.. الأول : أسلوب التسديد والعناية ، وهو المعروف بالتوفيق.. والثاني : أسلوب الإيكال إلى النفس ، وهو المعروف بالخذلان.. ففي الخذلان الله تعالى لا يوقع العبد في المعصية ، فلو كان الأمر كذلك -أي إذا أوقعه في المعصية- فإنه لا معنى للعقاب والحساب يوم القيامة ، وإنما الله عزوجل يرفع عنه التسديد ، ويخلي بينه وبين نفسه ، فعندئذ هذا العبد لا يرى القبيح قبيحاً ، ولا يرى المنكر منكراً..
لتقريب المعنى نضرب هذا المثال في عالم التكوين :
الملاحظ أن بعض الناس يعيش حالة التقزز الشديد والانصراف النفسي ، عندما يرى بعض الحشرات القبيحة أو المزعجة ، فهو لا يطيق مجرد النظر إليها فضلاً عن التعامل معها.. إن الإنسان المؤمن يصل إلى درجة من الاشمئزاز واستقذار الحرام ، بحيث أنه إذا وقع نظره على حرام فإنه لا يطيق النظر إليه ، وكأنه رأى منظراً مقززاً من حشرة لا يطاق النظر إليها.. ولهذا فإن القرآن الكريم في قوله تعالى : {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} ؛ يعتبر من صور المنة الإلهية على العبد المؤمن ، أنه يحبب الإيمان في قلبه ، ويكره إليه الكفر والفسوق والعصيان..
وإذا الإنسان وصل مرحلة تكريه الفسوق وتحبيب الإيمان ، فإن هذه نوع من أنواع العصمة المصغرة.. لأن الإنسان العادل لا يرتكب الحرام ويقوم بالواجب ، وقد يكون في نفسه ميل للحرام ، وميل إلى ترك الواجب ، ولكن هو خوفاً من العقاب ، أو طمعاً في الثواب فإنه يلتزم بالشريعة.. ولكن هذا الإنسان المؤمن الخاص يصل إلى درجة أنه يتأقلم وينسجم مع ما هو مطلوب منه شرعاً ، فلا يحتاج إلى معاناة كثيرة في ترك المنكر وفي أداء الواجب.
ولهذا فلو أن الله عزوجل يخلي بين العبد وبين نفسه ، فإنه عندئذ يرتكب الحرام ، من دون أن يرى أي حزازة أو قذارة في الحرام المرتكب.
- (وَلا تَضْرِبْني بِسِياطِ نَقِمَتِكَ...) :
ورد عن الإمام الباقر (ع) :(إنّ لله عقوبات في القلوب والأبدان : ضنك في المعيشة ، ووهن في العبادة ، وما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب).. يفهم من هذا الحديث : أن لله عزوجل عقوبات في الأبدان : كالمرض والعطب والألم... ، وفي غيره ، ولكن أشد العقوبات على الإنسان هي قسوة القلب..فالإنسان الذي لا يخشع قلبه ، ولا يرق قلبه ، فإنه إنسان ميت ، يعني ميت الأحياء.. وهو ونباتات الطبيعة وحيوانات الطبيعة وجمادات الطبيعة ، على حد سواء.. فإذا كان هو ينمو فالوردة تنمو ، إذا كان يأكل فالحيوان يأكل ، إذا كان يسبح فالبطة تسبح ، إذا كان يحمل الأثقال فالفيل يحمل الأثقال ، إذا كان يركض فالغزال يركض.. إذن، الذي يميز الإنسان عن غيره من الحيوان والنبات ، ليس هو النمو ، وليس هو التكاثر ، وليس هو عملية الطعام والشراب ، وإنما الذي يميزه دركه لملكوت الوجود وباطن الحياة ، ولهذا قيل بأن الإنسان حيوان ناطق ، أي مفكر ، فعندما ينطق ينطق عن تفكير ، لا كالببغاء..إذن، من عقوبات الله تعالى على عبده ، أن يضربه بسياط النقمة ، فلا يفقه قلبه ، أي لا يعقل ، كما في قوله تعالى : {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}..
- (وَزَحْزِحْني فيهِ مِنْ مُوجِباتِ سَخَطِكَ ، بِمَنِّكَ وَأَياديكَ ، يا مُنْتَهى رَغْبَةِ الرّاغِبينَ ! ) :
وفي شهر رمضان من المناسب جداً للمؤمن أن يطلب من ربه بالإضافة إلى المغفرة ، أن يرفع عنه أثر المعصية ، فقد يغفر الله عزوجل للعبد ، فيرتفع عنه عذاب جهنم والمؤاخذة في القبر ، ولكن يبقى أثر المعصية الذي هو ظلمة الفؤاد واسوداد الباطن.. أي يطلب من الله عزوجل الأمرين في آن واحد ، الأمر الأول : أن يرفع عنه العقوبة ، والأمر الآخر: أن يبدل الجو النفسي الذي أوجدته المعصية ؛ حتى يعيش جو الإقبال على الله تعالى..وإذا الإنسان لم يقبل في شهر رمضان ، فمتى يقبل ؟.. إذا الإنسان دخل ضيافة الملك ، والملك لم يستقبله استقبال الراضين عنه ، فهل يتوقع أن يعامله معاملة جيدة ، إذا خرج من القصر ، وإذا لم يكن في ضيافته ؟.. أبداً..
وقد صرح القرآن الكريم بحقيقة ضعف الإنسان ، حيث يقول تعالى : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا }.. فلولا العناية الإلهية ، ما زكى منا أحد أبداً ، فكل ذلك بفضل الله سبحانه وتعالى.. لأن طبيعة الحياة المليئة بالشهوات والغفلات ، طبيعة لا تسمح للإنسان أن يتقدم إلى الله تعالى بما لديه من رصيد ، ومن هنا لابد من وجود قوة أخرى وجهة أخرى متفضلة ، وهي التي تجعل البركة في ما يقوم به المؤمن.
وفقنا الله تعالى وإياكم ، لأن نكون من عباده الصالحين !.. إن شاء الله تعالى.
|
|
|
|
|