إنّ من يضع نفسه في خدمة الإمام الحسين سلام الله عليه ويشجّع الآخرين لقضاياه وعزائه ومجالسه وشعائره، فإنّ الله تعالى يصنع به ويعامله معاملة استثنائية، وكذلك يعاقب الذين خذلوه، وخذلوا مجالسه وأيامه من بعده، بعقوبة استثنائية في الدنيا والآخرة، وعقوبة الله ستلحق مَن خذَل الحسين وخذل قضيته، وهي عقوبة استثنائية كما أن مثوبة من نصره وخدمه سلام الله عليه استثنائية أيضاً.
نقل المرحوم السيد الأخ أعلى الله درجاته في بعض كتبه أنه ذكر عند أحد أن تربة الحسين سلام الله عليه شفاء من كلّ مرض بإذن الله تعالى، فطلب - وكان من المستهزئين - قليلاً من التربة الحسينية، وعندما جيء له بها أهانها، فلم يبق حتى صباح اليوم التالي مع أنه كان معافى. وقيل إن هذا الشخص كان من شخصيات بني العباس، أي أنه لم يكن ممن حضر الواقعة ولكن الأرض انتقمت منه لأنه أهان تربة الحسين سلام الله عليه.
وروي أنّه سَأل عبدُالله بن رباح القاضي، أعمى عن عمائه، فقال: كنت حضرت كربلاء وما قاتلت؛ فنمت فرأيت شخصاً هائلاً؛ قال لي: أجبرسول الله صلى الله عليه وآله. فقلت: لا أطيق! فجرّني إلى رسول الله؛ فوجدته حزيناً وفي يده حربة، وبسط قدّامه نطع، وملك قبله قائم في يده سيف من النار يضرب أعناق القوم وتقع النار فيهم فتحرقهم ثم يحيون ويقتلهم أيضاً هكذا. فقلت: السلام عليك يا رسول الله، والله، ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت سهماً. فقال النبي: ألستَ كثّرت السواد؟! فسلمني وأخذ من طست فيه دم فكحلني من ذلك الدم، فاحترقت عيناي، فلما انتبهت كنت أعمى(1).
وهذا معناه أن هذا الرجل لم يكن راضياً بالمجيء والمشاركة في قتل الإمام الحسين سلام الله عليه ولكنه كان يخاف نقمة ابن زياد ففكّر أن يذهب ولا يمارس أيّ فعل بل يكتفي بمغادرة الكوفة والحضور في كربلاء مع العسكر ولكن معتزلاً القتال. فهو لم يحمل على أحد بسيف ولا طعن برمح ولا رمى نبلاً، أي لم تلوّث يده ولكنه مع ذلك لقي ذلك العقاب الأليم. فإذا كان هذا حال من مثله فكيف بمن شارك في قتل الإمام أو حارب شعائره من بعده؟
لقد بلغ الذين اشتركوا في قتال الإمام سلام الله عليه في كربلاء 30000 على أقلّ الروايات، فما الذي يؤثّره هذا الفرد الذي لم يقم بفعل سوى الحضور؟ لقد استحقّ العذاب على مجرّد حضوره في الصفّ المعادي للإمام سلام الله عليه. وهكذا حضورك اليوم في مجلس عزائه فإن الألوف والألوف من المجالس تقام، فما حجم مشاركتك وحضورك قياساً للحضور الجماهيري الفخم، ولكن لا ينبغي أن تستصغر حضورك وتستهين به وتقول: إنه لا يؤثّر كثيراً، بل اشترك دائماً، وهكذا زيارة الإمام فحتى لو كان يحضرها الملايين فلا تقل ما الذي يضرّ لو لم أحضر لأني قطرة من البحر، وذلك لأن قضيّة الإمام الحسين سلام الله عليه استثناء سواء في جهة المؤيد أو المعارض؛ ولذا حاول أن لا تشترك بلسان ولا عمل ضد أية شعيرة من شعائر الإمام الحسين سلام الله عليه، ولا تتكلم ضدّ أيّ من القائمين بمجالس الإمام، حتى لو وجدت فيه نقصاً فلا تشهّر به، ولا تنتقد أيّاً من الشعارات حتى لو كنت لا تراها كما يراها غيرك، بل دع غيرك يقل ويفعل ما يحلو له.
وقد نُقل لي أنّه كان أيّام المرجع الديني الكبير السيّد البروجردي قدّس سرّه شخصان قد صدر من كلّ منهما سلبية قد تبدو هيّنة في نظر بعضنا إلاّ أنها عند الله عظيمة. حيث كان أحدهما لديه صهر مواظب وبإيمان على الحضور في مجالس العزاء التي تقام لأبي عبد الله سلام الله عليه وكان هذا الشخص بدل أن يثني على صهره ويكبّر فيه روح الإيمان على مواصلة المشاركة كان يثبّطه ويقلّل من عزيمته قائلاً له: لا داعي لكلّ هذا الاهتمام في المشاركة، ويكفيك القليل من الحضور. أما الشخص الآخر فكان يستهزئ ببعض الشعائر ويستخفّ بالقائمين عليها. ففي ليلة العاشر من المحرّم لإحدى السنين رأى أحدهما في منامه ـ ونقل الحادثة بعد ذلك للسيد البروجردي قدّس سرّه ـ كأنّ يوم القيامة قد قام، وهو وزميله ـ الذي يستخفّ ببعض الشعائر ـ في ساحة المحشر حائرين لا يدريان ما يصنعان ولا يعرفان مصيرهما. وإذا بهما يشاهدان مكاناً فيه جنّة! فسألا عنه، فقيل لهما: هناكيجلس الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، ومحبّوه يدخلون عليه، يحدّثهم ويحدّثونه(2). فانبريا قائلين: نحن كذلك من محبّي الإمام الحسين سلام الله عليه وممن يشترك في إحياء مجالس عزائه وإقامة شعائره؛ فلنذهب لزيارته ورؤيته. وعندما همّا بالدخول مع المؤمنين إلى حضرة الإمام الحسين سلام الله عليه، حال الملائكة الموكلون بحراسة مجلسه دونهما، فتعجّبا قائلين: لم لا تسمحون لنا بالدخول؟! فقالت الملائكة لهما: كذلك أُمرنا، ألستما فلاناً وفلانا؟ فقالا: نعم، ولكن هلاّ أخبرتمونا عن السبب؟! وبعد إصرارهما دخل أحد الملائكة ثم خرج، وقال لهما: لقد مُنعتما بما كان منكما في تثبيط أحدكما لصهره، واستهزاء الآخر ببعض شعائر الإمام سلام الله عليه. حينها فزع الشخص من نومه ـ وكان الوقت قبيل الفجر ـ مرهوباً خائفاً، لم يقوَ على معاودة نومه حتى الصباح، ثمّ جمع قواه وذهب إلى بيت صاحبه ـ شريكه في الرؤيا ـ طالباً منه التهيّؤ للذهاب معاً إلى حرم الإمام الحسين سلام الله عليه؛ وبعد أن استقرّ بهما المكان، قصّ لصاحبه المنام بحذافيره، وأخذا يبكيان طالبين من الإمام الصفح عن خطيئتهما، معاهدين على الإقلاع عنها وعن أمثالها.
هذان أدركا نفسيهما بواسطة رؤيا فتابا ونصحا، فما بالك بمن يموت وهو على ما هو من بخل في المشاركة أو الاستخفاف بما لا يعلم؟!
(1) بحار الأنوار: 45/ 303 عن كتاب (مناقب آل أبي طالب): 41 / 58 و 59 .
(2) في الحديث الشريف الذي سيأتي (صفحة35) يقول الإمام الصادق سلام الله عليه: «وكان محدّثه الحسين». فهنيئاً لكم أنتم خدمة الحسين والقائمين بشؤون عزائه والمشجّعين لقضاياه والسائرين في ركبه والمضحّين في سبيله بوقتكم ومالكم وطاقاتكم وكل ما تتمكنون. فأنتم ستجلسون إلى الإمام الحسين سلام الله عليه يحدّثكم وتحدّثونه بمسرّاتكم وأحزانكم، نسأل الله تعالى أن نكون ممن يحدّثهم الحسين سلام الله عليه ويحدّثونه.
اسم المصدر:
من معطيات التضحية الحسينية
تأليف سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله