بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك يا ابا عبد الله
شكرا لكريم مرور الاخوة الموالين وفقهم الله تعالى لكل خير.
نكمل البحث مع الدليل الثاني : انَّ يزيد بن معاوية حين ولَّى ابن زياد على الكوفة أمره بأن يستشيره في كل ما يتصل بقضية الحسين (عليه السلام) وان يبعث اليه بتفاصيل الأخبار ، وهذا ما يؤكده التاريخ ، واليك هذا النص الذي ينقله الينا الطبري :
« إنَّ عبيد الله بن زياد لمَّا قتل مسلماً وهانئاً بعث برؤسهما مع هانئ بن ابي حيَّة الوادعي والزبير بن الأروح التميمي الى يزيد بن معاوية وأمر كاتبه ان يكتب الى يزيد بن معاوية بما كان من مسلم وهانئ ... اكتب أما بعد : فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقه وكفاه مؤنة عدوه ، اُخبر أمير المؤمنين أكرمه الله انَّ مسلماً بن عقيل لجأ الى دار هانئ بن عروة المرادي وانِّي جعلت عليهما العيون ودسست اليهما الرجال وكدتهما حتى استخرجتهما وأمكن الله منهما ، فقدمتهما وضربت أعناقهما ، وقد بعثت اليك برؤسهما مع هانئ بن ابي حيَّة الهمداني والزبير بن الأروح التميمي ، هما من أهل السمع والطاعة والنصيحة ، فليسألهما أمير المؤمنين عمَّا أحبَّ من أمر ، فإنَّ عندهما علماً وصدقاً وورعاً ، والسلام .
فكتب اليه يزيد : أما بعد فإنك لم تعدُ ان كنت كما اُحب عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش ، فقد أغنيت وكفيت وصدقت ظنّي بك ورأيي فيك ، وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت ، فاستوصِ بهما خيراً .
وانَّه قد بلغني انَّ الحسين بن علي قد توجَّه نحو العراق ، فضع المناظر والمسالح واحترس على الظن وخذ على التهمة ، غير ان لا تقتل إلاّ من قاتلك ، واكتب اليَّ في كل ما يحدث من الخبر والسلام عليك رحمة الله وبركاته »(تاريخ الطبري ج4 / 285 ، مقتل الخوارزمي ج1 / 308 ) .
هذا النص التاريخي يُوضح تعيُّن الدليل الثاني وانَّ يزيد بن معاوية لم يفوِّض الامر الى عبيد الله بن زياد بل أمره بأن يكتب اليه عن شأن الحسين (عليه السلام) « بكلِّ ما يحدث » ، ومن الواضح انَّ ذلك ليس لغرض التعرُّف على الأخبار فحسب وانَّما لغرض التصدي لمعالجتها كما هو شأن كلِّ من هو في موقع يزيد .
وتلاحظون انَّ عبيد الله بن زياد كان يعلم بأنَّه لم يكن مفوَّضاً ، والذي يُعبِّر عن ذلك انَّه حينما بعث برأس هانئ بن عروة مع رأس مسلم بن عقيل رغم انَّه لم يُؤمر بقتل هاني وانما امر بقتل مسلم بن عقيل ـ كما يوضحه النص السابق الذي ذكرناه ـ تلاحظون انَّه برَّر قتل هاني بأنَّه كان قد آوى مسلم بن عقيل ، ولو كان مفوضاً لما كان عليه أن يُبرِّر قتل هاني ، إذ انَّ المبرِّر حينئذ هو الصلاحية المعطاة له من قبل يزيد وانَّ له أن يفعل ما يراه مناسباً ، إذ انَّ ذلك هو مقتضى التفويض .
(( يتبع انشاء الله تعالى ))
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك يا ابا عبد عبد الله
شكري وامتناني لكل من مر على سطوري هذه اسال الله لهم السداد.
هذه جملة من النصوص التي تثبت امره بقتل ريحانة رسول الله ص وهي كثيرة نكتفي في المقام بذكر النصوص المعبِّرة عن هذا الإهتمام البالغ وماهي السياسة التي عزم يزيد على ممارستها إذا رفض الحسين بن علي (عليه السلام) البيعة .
النص الاول : في تاريخ اليعقوبي انَّ يزيد « كتب الى الوليد بن عتبة بن ابي سفيان وهو عامل المدينة ، إذا أتاك كتابي هذا فأحضر الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير ، فخذهما بالبيعة لي فإن امتنعا فاضرب أعناقهما وابعث لي برؤسهما ، وخذ الناس بالبيعة فمن امتنع فانفذ فيه الحكم وفي الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير والسلام » ( تاريخ اليعقوبي ج2 / 241 ، وذكر الخوارزمي في مقتل الحسين (عليه السلام) ما يُقارب هذا النص ، ج1/262 ، ونقل ما يقارب هذا النص ابن أعثم في كتاب الفتوح ج5/10 ـ 11 وهذا بعض ما جاء فيه : « فخذ الحسين ... فمن أبى فاضرب عنقه وابعث اليَّ برأسه » .
النص الثاني : ماذكره الطبري عن بعض الرواة قال « سمعت الحسين بن علي وهو بمكة وهو واقف مع عبد الله بن الزبير ... ثم التفت الينا الحسين فقال أتدرون ما يقول ابن الزبير ، فقلنا لا ندري جعلنا الله فداك فقال : قال : أقِمْ في هذا المسجد أجمع لك الناس ، ثم قال الحسين (عليه السلام) : والله لإنْ اقتل خارجاً منها بشبر أحب اليَّ من ان اقتل داخلا منها بشبر وأيم الله لو كنت في حجر هامَّة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيَّ حاجتهم ، والله ليعتدن عليَّ كما اعتدت اليهود في يوم السبت »(تاريخ الطبري ج4 / 289 ، الكامل في التاريخ ج3 / 276 ، أنساب الاشراف للبلاذري 279 هـ ج3/375 ، ونقل ابن كثير في البداية والنهاية انه قال ذلك لابن عباس أيضاً « قال لابن عباس : لإنْ اُقتل بمكان كذا وكذا أحبُّ اليَّ من ان اُقتل بمكَّة ، فكان هذا الذي سلَّى نفسي عنه » ج8/172 ، ونقل ابن أعثم في كتاب الفتوح ما يقارب نص الطبري وابن الأثير) .
النص الثالث : قال السيوطي في (تاريخ الخلفاء ص 207): (( وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم, فخرج من مكة إلى العراق في عشرة ذي الحجة , ومعه طائفة من آل بيته رجالاً ونساءاً وصبياناً. فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله, فوجه إليه جيشاً أربعة آلاف , عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص.
النص الرابع : ذكر ابن الأثير في كامله رسالة ابن عباس ليزيد بعد مقتل الحسين (عليه السلام) , وطلب يزيد لمودته وقربه بعد امتناع ابن عباس عن بيعة ابن الزبير: (( أما بعد فقد جائني كتابك فأما تركي بيعة ابن الزبير فو الله ما أرجو بذلك برك ولا حمدك ولكن الله بالذي أنوي عليم وزعمت أنك لست بناس بري فأحبس أيّها الإنسان برك عني فإني حابس عنك بري وسألت أن أحبب الناس إليك وأبغضهم وأخذلهم لابن الزبير فلا ولا سرور ولا كرامة كيف وقد قتلت حسيناً وفتيان عبد المطلب مصابيح الهدى ونجوم الاعلام غادرتهم خيولك بأمرك في صعيد واحد مرحلين بالدماء مسلوبين بالعراء مقتولين بالظماء لا مكفنين ولا مسودين تسفي عليهم الرياح وينشي بهم عرج البطاح حتى أتاح الله بقوم لم يشركوا في دمائهم كفنوهم وأجنوهم وبي......)) (الكامل في التاريخ : 3 / 466 و467)
النص الخامس : قال ابن حجر المكي في (الصواعق المحرقة ص134): (لما ولي معاوية بن يزيد صعد المنبر فقال: إن هذه الخلافة حبل الله, وإن جدي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحق به منه علي بن أبي طالب, وركب بكم ما تعلمون, حتى أتته منيته فصار في قبره رهيناً بذنوبه, ثم قلد أبي الأمر وكان غير أهل له, ونازع ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقصف عمره وانبتر عقبه وصار في قبره رهيناً بذنوبه.....))الخ
وهناك الكثير من النصوص التي تثبت هذا الخطب الجسيم فالى الله تعالى المشتكى .
انتهى من تسويدها يوم دفن الاجساد الطاهرة عام 1432.