في خطب أمير المؤمنين عليه السلام حكم ومواعض ودروس أخلاق ، والباحث فيها قد يصل إلى نتائج كثيرة ، فمثلاً يمكننا أن نحلل شخصية الناس واتجاهاتهم وأهواءهم من خلال نوع الكلام الذي كان الإمام عليه السلام يوجهه إلى الناس ، وذلك إذا لاحظنا كلامه عليه السلام وهو يزهِّد الناس في الدنيا نتيقَّن من وجود فئة من الناس قد إهتموا في أمر الدنيا وإبتعدوا عن الآخرة فقام الإمام عليه السلام يزهدهم ويحثهم على الزهد فيها، وقد يطلب بعضهم سبيل الرشد والهداية كما قال رجل لأمير المؤمنين عليه السلام و هو في خطبته صف لنا الدّنيا ، فقال عليه السلام :
((مَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ وَ آخِرُهَا فَنَاءٌ فِي حَلاَلِهَا حِسَابٌ وَ فِي حَرَامِهَا عِقَابٌ مَنِ اِسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ وَ مَنِ اِفْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ وَ مَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ وَ مَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْهُ وَ مَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ وَ مَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ))
الشرح :
« ما أصف من دار أوّلها عناء » أي :تعب ، حيث أنّ الإنسان لابدّ أن يكدّ و يجهد في أوّل عمره حتّى يؤمّن معاشه بمشقّات كثيرة .
« و آخرها فناء » حيث أنّه بعد تحصيل الأموال و العلائق يتركها و يرحل
« و من قعد عنها واتته » أي : وافقته و طاوعته ، روى المفضّل عن الصادق عليه السلام قال : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله : أوحى اللّه تعالى إلى الدّنيا أن أتعبي من خدمك و اخدمي من رفضك .
« و من أبصر بها بصّرته » الباء في « بها » للسّببيّة أي : من أبصر بسبب تغيّرات الدّنيا و اعتبر بعبرها بصّرته الدّنيا و جعلته بصيراً.
« و من أبصر إليها أعمته » أي : من كان نظره إليها فقط و لتحصيلها تجعله أعمى فلا يرى عيوبها و مهلكاتها .