الحمد لله رب العالمين،الحمد لله الذي لا يَبلغ مدحتَه القائلون ولا يُحصي نعماءَه العادُّون ولا يُؤدي حقَّه المجتهدون،
ثم أفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا وشفيع ذنوبنا محمد بن عبدالله وآله الطيبين الطاهرين،
ولا سيما مَدَار الدَّهر ونامُوس العَصْر إمام الزمان عجل الله فرجه الشريف
وبعد
لايخفى ان لكل زمان قادة ولكل أناسا سادة
وان لكل علم حملته ولكل سرا حفظته
وان لكل انسان لابد له من ربيب
واليوم نحن نستعرض سيرة
قائدنا وسيدنا وحامل علوم اهل البيت
وحافظ اسرارهم
وربيب عليعليه السلام محمد بن ابي بكر عليه السلام
اسمه وكنيته ونسبه(رضي الله عنه)
أبو القاسم، وقيل: أبو عبد الرحمن، محمّد بن أبي بكر بن أبي قُحافة.
أُمّه(رضي الله عنه)
السيّدة أسماء بنت عُميس الخثعمية.
ولادته(رضي الله عنه)
ولد عام 10ﻫ بذي الحُلَيفة، في وقت كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد تهيّأ مع جميع أصحابه لأداء حجّة الوداع.
نشأته(رضي الله عنه)
كانت أُمّه السيّدة أسماء قد تزوّجت جعفر بن أبي طالب(رضي الله عنه)، وهاجرت معه إلى الحبشة، وبعد استشهاده في معركة مؤتة تزوّجها أبو بكر، وبعد موته تزوّجها الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، فانتقلت إلى بيته مع أولادها، وفيهم محمّد الذي كان يومئذٍ ابن ثلاث سنين.
فنشأ في حِجر الإمام عليّ(عليه السلام) إلى جانب الحسن والحسين(عليهما السلام)، وامتزجت روحه بهما، وكان الإمام(عليه السلام) يعتبره مثل أبناءه حيث يقول فيه: (محمّد ابني من صُلب أبي بكر).
قرابته من آل عليعليه السّلام
لم يكن محمد بن أبي بكر ربيباً لعليعليه السّلام فحسب، وإن كان حَسْبه شرفاً وفخراً أن يحظى بتلك الكفالة التي حظي بمثلها إمامه عند رسول الله صلّى الله عليه وآله، كما حظي كافلو النبيّ صلّى الله عليه وآله والقائمون على تنشئته وإرضاعه مثل عبدالمطلب وأبي طالب وحليمة السعدية، لأن الفيوضات الروحية، والكمالات الإنسانية تسري من الأكثر كمالاً إلى مَنْ له القابلية لتلقي تلك الفيوضات الروحانية والمزايا السَّنية.
لقد كان محمد أخاً لعبدالله بن جعفر لأمه، وعاش ردحاً من الزمن في كنف الحسنين عليهم السّلام يقتبس من نوريهما ويتأثر بهما، ثم جاء فتح فارس في معركة القادسيّة، فأُسِر ليزدجرد أربع بنات، كانت إحداهن من نصيب الإمام الحسينعليه السّلام، فأنجبت له الإمام زين العابدينعليه السّلام، وهي شاهزنان، والثانية شهربانويه، تزوجها محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم، وتوفيت شاهزنان أم الإمام زين العابدين، فقامت بتربيته خالته شهربانويه زوجة محمد، فأنزلها الإمام زين العابدينعليه السّلام بمنزلة أمه. أمّا البنتان الأخريان فتزوج إحداهما الإمام الحسنعليه السّلام والثانية عبدالله بن عمر. فعلى هذا يكون القاسم بن محمد والإمام زين العابدينعليه السّلام أبناء خالة. وكان للقاسم ابنة اسمها « أم فروة » تزوجها إمامنا الباقرعليه السّلام، فولدت له الإمام الصادقعليه السّلام، فيكون محمد بن أبي بكر جد الإمام الصادقعليه السّلام لأمه، مع العلم أن أمّها هي ابنة عبدالرحمان بن أبي بكر شقيق محمد. ومن ألطاف الله على محمّد بن أبي بكر أن جعل ذريته موصولة الرحم بذرية الرسول صلّى الله عليه وآله.
جهاده
اشترك محمد بن أبي بكر في معركة الصواري البحرية سنة 31هـ، في عهد عثمان بن عفان ، وهي معركة بحرية جرت بين المسلمين والروم، وأُرْسِل محمد في سفارة إلى أبي موسى الأشعري بالكوفة في عهد أمير المؤمنين عليه السّلام ، وفي معركة الجمل كان قائد الرجّالة . وهو الذي حمل الهودج من بين القتلى، فأمر الإمام عليعليه السّلام أن يضرب عليه قبة، ثم قال لمحمد: « أنظر هل وصل إلى اختك عائشة شيء من جروح ». وعندما أقبل الليل أدخلها البصرة وأنزلها دار عبدالله بن خلف الخزاعي، ضيفة عند صفيةً بنت الحرث بن أبي طلحة، ثم أعادها الإمام علي السّلام إلى المدينة المنورة برفقة أخيها محمد مع أربعين امرأة متنكرات بزيّ ثياب الرجال حرساً لها
ولاية مصر وما جرى له فيها
وبعد أن عُزل قيس بن سعد عن ولاية مصر، عيّن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام محمد بن أبي بكر والياً عليها. ثمّ إن الإمام عهد إليه وأوصاه ناصحاً له بقوله:
« بسم الله الرحمان الرحيم، هذا ما عهد به عبدالله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر، وأمره بالتقوى والطاعة في السر والعلانية، وخوف الله عزّوجلّ في الغيب والمشهد، واللِّين على المسلمين، والغلظة على الفاجر، وبالعدل على أهل الذمة، وبإنصاف المظلوم، والشدة على الظالم، والعفو عن الناس، والإحسان ما استطاع، والله يجزي المحسنين ويعذب المجرمين »
وعندما نزل محمد مصر تلا على الناس عهد أمير المؤمنين إليه، ثمّ عقب على كتاب الولاية فقال: « الحمد لله الذي هدانا وإياكم لما اختّلِف فيه من الحق، وبصرّنا وإياكم كثيراً مما كان عُمِيَ علمه. ألا إن أمير المؤمنين ولاني أمركم، وعهد إليّ ما سمعتم، وما توفيقي إلاّ بالله، عليه توكلت وإليه أنيب، فإن يكن ما ترون من إمارتي وأعمالي طاعةً لله، فأحمد الله على ما كان من ذلك، فإنه هو الهادي له، وإن رأيتم عاملاً لي عمل بغير الحق، فارفعوه إليّ وعاتبوني فيه، فإني بذلك أسعد وأنتم بذلك جديرون، وفقنا الله وإياكم لصالح الأعمال برحمته »
ولبث شهراً كاملاً مدبّراً أمور الولاية، حتى بعث إلى قوم من أهالي « خرِبْتا » البلدة العثمانية المعارضة لخلافة الإمام عليعليه السّلام، فقال لهم محمد بن أبي بكر: « إما أن تدخلوا في طاعتنا، وإمّا أن تخرجوا من بلادنا، فأجابوه:إنا لا نفعل، فدعنا حتّى ننظر إلى ما يصير إليه أمرنا، فلا تعجل لحربنا. فأبى عليهم، فامتنعوا منه، وأخذوا حذرهم. وكانت وقعة صفين وهم لمحمد هائبون، فلما رجع عليّ عليه السّلام عن معاوية، وصار الأمر إلى التحكيم، طمعوا به وأظهروا له المبارزة، فأرسل لهم محمدَ ابن الحرث بن جهمان الجعفي ليؤدبهم، فوصل إلى « خرِبْتا » وكان فيها يزيد بن الحرث مع بني كنانة ومن معه من قبائل أخرى مختلفة، فقاتلهم الحرث فقتلوه، فأرسل محمد إليهم ابنَ مضاهم الكلبي فقتلوه كذلك. وكان محمد قد أصاب منهم غليةً من قبل حين أرسل إليهم عمرو بن بديل بن الورقاء الخزاعي. ولكن الذي قلب الموازين هو إرسال معاوية عمرَو بن العاص في جيش كثيف إلى مصر بعد توجه الإمام عليّ عليه السّلام إلى العراق.
ولما بلغ الإمام عليّ عليه السّلام اضطراب الأمر في ولاية مصر، سارع إلى إرسال القائد مالك الأشتر، وذلك قبل أن تستشري الفتنة، ولكن معاوية استطاع بحيلة منه أن يدسّ السم للوالي الجديد وهو في طريقه إلى تسلم ولايته، مستعيناً بأحد رجال الخراج في مكان يقال له القلزم وهو السويس حالياً، فشرب الأشتر وهو لا يشك في مضيّفه، شربة ماء ممزوجة بالسم والعسل فاستُشهِد، وبذلك أضحى محمد بن أبي بكر وجهاً لوجه مع اثنين من الدهاة معاوية وعمرو بن العاص..
أقبل عمرو بن العاص قاصداً مصر باتجاه محمد بن أبي بكر، فقام محمدٌ خطيباً فقال: « أمّا بعد، يا معاشر المؤمنين، فإن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة، ويفشون الضلالة، ويستطيلون بالجبريّة، قد نصبوا لكم العداوة، وساروا إليكم بالجنود، فمَنْ أراد الجنّة والمغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم في الله. انتدِبوا رحمكم الله مع كنانة بن بشر »، ثم ندب معه نحو ألفي رجل، وتخلّف محمد في ألفين، وبعد معارك بين الطرفين، واستشهاد خيرة أصحاب محمد بن أبي بكر، وتفرّق الآخرين عنه، استطاع معاوية بن حديج وهو من أصحاب عمرو بن العاص أن يظفر بمحمد ابن أبي بكر وهو يكاد يموت عطشاً، فوثب أخوه عبدالرحمان بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص، وكان في جنده، فقال: لا والله، يُقتل أخي صبراً! ابعث إلى معاوية بن حديج فَآنْهَه عن قتله، فأرسل عمرو بن العاص أن ائتني بمحمد، فقال معاوية: أقتلتم كنانة بن بشر ابن عمي، وأخلّي عن محمد، هيهات! أكفّارُكم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر ؟! . فقال محمد: اسقوني قطرة من الماء، فقال له معاوية بن حديج: لا أسقاني الله إن سقيتك قطرة أبداً، والله لأقتلنّك يا ابن أبي بكر وأنت ظمآن، ويسقيك الله من الحميم والغسلين، فقال له محمد: يا ابن اليهودية النسّاجة؛ ليس ذلك اليوم إليك، إنما ذلك إلى الله يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه، وهم أنت وقرناؤك ومَن تولاك وتولّيته، والله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم مني ما بلغتم. فقال له معاوية بن حديج: أتدري ما أصنع بك ؟ أدخلك جوف هذا الحمار الميت ثم أحرقه عليك بالنار، وكان في المغارة جيفة حمار ميت. قال: إن فعلتم ذلك بي فطالما فعلتم ذلك بأولياء الله، وأيم الله إني لأرجو أن يجعل الله هذه النار التي تخوفني بها برداً وسلاماً، كما جعلها الله على إبراهيم خليله، وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه، وإني لأرجو أن يحرقك الله وإمامك معاوية، وهذا ( وأشار إلى عمرو بن العاص ) بنار تَلَظّى، كلّما خَبَتْ زادها الله عليكم سعيراً. إلى آخر ما دار من حوار بينهما، ثم غضب معاوية بن حديج، فقدّمه وضرب عنقه، ثم ألقاه في جوف حمار وأحرقه بالنار
حزن الإمام عليّ(عليه السلام) على محمّد بن أبي بكر حتّى رُؤي ذلك فيه، وتبيّن في وجهه، وقام في الناس خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: (فلقد كان إليَّ حبيباً، وكان لي رَبيباً، فعند الله نحتسبه ولداً ناصحاً، وعاملاً كادحاً، وسيفاً قاطعاً، وركناً دافعاً).
قال المدائني: وقيل لعليّ(عليه السلام): (لقد جزعت على محمّد بن أبي بكر يا أمير المؤمنين؟ فقال: وما يمنعني! إنّه كان لي ربيباً، وكان لبني أخاً، وكنت له والداً، أعدّه ولداً)
1ـ قال الإمام الكاظم(عليه السلام): (إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين حواري محمّد بن عبد الله، رسول الله(صلى الله عليه وآله)، الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر.
ثمّ يُنادي: أين حواري عليّ بن أبي طالب، وصيّ محمّد بن عبد الله رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي، ومحمّد بن أبي بكر، وميثم بن يحيى التمّار مولى بني أسد، وأويس القرني)
2ـ قال الإمام عليّ(عليه السلام): (محمّد ابني من صلب أبي بكر)
3ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام): (ما من أهل بيتٍ إلاّ ومنهم نجيب من أنفسهم، وأنجب النجباء من أهل بيت سوء منهم: محمّد بن أبي بكر)