الأخ العزيز الفاضل علي نعم الأمير حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشاطرك اللوعة واحزن مثلما تحزن على وضعنا البائس، وما هو أدهى وأمر أننا يقتلنا الإرهاب والفرقة والفساد والتخلف والحلول أمامنا ولعلها في متناول أيدينا، فما الذي يمنعنا من معالجة هذه المشاكل قبل استفحالها وتوطنها في الجسد العراقي؟
قبل أن احاول الإجابة على هذا السؤال - ولا أظن بأنني سأقدم جديداً وللأسف - اسمح لي بالتعليق على النقاط التي ضمنتها ردك الكريم:
أولاً: اتفق معك تماماً في أن قادة الشيعة ضعفاء، بل أزيد بأنهم عجزة، ولكنني لم أعد أحسن الظن بهم، لأنهم ارتضوا نظاماً سياسياً فاسداً، يكرس مباديء المحاصصة الطائفية وما يسمى بالتوافق الوطني والمصالحة الوطنية، وهم بذلك فرطوا بحقوق الشيعة السياسية، وأذعنوا لضغوط وابتزازات ساسة السنة والأكراد والمحتلين، وبالنتيجة نجد أن مشاركة الشيعة في الحكم مقيدة، بل تكاد أن تكون رمزية وظاهرية لا أكثر.
ثانياً: يرى الكثيرون أن السياسة مستنقع آسن، وهذا هو بالفعل حال النظام السياسي في العراق، ولكن هذا ليس حتمياً بالضرورة، بل هو بالتأكيد مخالف للفطرة السليمة، فليس من المستحيل ان يكون النظام السياسي صالحاً، أي نهراً عذباً بدلاً من مستنقع آسن، ولولا أن ذلك ممكناً لما وجدنا في القرآن الكريم الوعد التالي: (وان لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً) كما أن تحقيق هذا النظام السياسي الصالح، لا المثالي بالضرورة، ممكن حتى لو لم يتولى الأمر نبي أو إمام معصوم، والعلة في تصميم النظام السياسي العراقي الذي فتح أوسع الثغرات للإبتزاز والخداع والاستغلال والفساد وبالتالي الشلل شبه الكامل، والخاسرون في هذه العملية هم الشيعة بلا شك.
ثالثاً: أتفق معك تماماً بأن أصل المشكلة هو الدستور، وقد شخصت أحد نقاط الخلل فيه، وهي كونه هجين يجمع بين مساويء النظامين البرلماني والرئاسي، فالبرلمان يمتلك سلطة اختيار وعزل الحكومة، لكن تشكيل الحكومة وفقاً لقواعد المحاصصة والتوافق مستعصي، كما شهدنا في السنوات الماضية، لذلك لا يجرأ على ممارسة سلطاته الرقابية ومحاسبة الحكومة وبالطبع حجب الثقة عنها أمر مستبعد جداً، وبمكن تشبيه البرلمان بشخص يحاول ولأول مرة في حياته السير على الحبل في سيرك حاملاً كرة في يده، والتي تمثل الحكومة، وكل اهتمامه مركز على الحفاظ على توازنه خوفاً من السقوط وعدم افلات الكرة. كما أن منح صلاحيات تنفيذية لرئيس الجمهورية ونوابه مخالفة جسيمة لوحدة السلطة التنفيذية، والحل كما تفضلت يكون في تعديل الدستور والنظام السياسي ليكون رئاسياً خالصاً، أي رئيس واحد للسلطة التنفيذية هو رئيس الجمهورية أو رئيس للوزراء ينتخب بالاقتراع الشعبي المباشر كما هو الحال في فرنسا وإيران - أو حتى يختار من بين أغلبية النواب باشتراط إلغاء المحاصصة والتوافق من النظام السياسي - ويتولى تأليف حكومة أغلبية لا توافقية ولا تحاصصية.
رابعاً: من يستطيع مخالفتك حول أولوية توفير الحاجات المعيشية الأساسية؟ وفي القرآن الكريم تقول الآية الكريمة ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) وهنا تقدم سد الجوع على تحقيق الأمن، لأن الإنسان يستطيع العيش بخوف ولو إلى حين ولكن إن اصابته المجاعة هلك، ولكن كيف نتوصل إلى رفع المستوى المعاشي للشيعة بل العراقيين أجمعين إذا كانت العملية السياسية مشلولة والساسة منشغلين بمناصبهم وامتيازاتهم وجمع الثروات وبناء قصورهم وتعيين أقاربهم ومحاسيبهم غير آبهين لشكاوى العاطلين وآنين المرضى والمعوقين واستغاثات اليتامى والأرامل والمحرومين؟
إذا كنت تعتقد بأننا لا نستطيع تغيير الوضع من خلال صناديق الاقتراع لأن الخلل مستوطن في العملية السياسية نفسها فلا يكون الحل في مقاطعة الانتخابات القادمة إلا إذا كانت المقاطعة عامة وكاسحة، وحتى لو فشلت الانتخابات فسيجدون المخرج لبقائهم في الحكم حتى يصاب المقاطعون باليأس.
لعل البديل الأفضل هو ترشيح أشخاص من (أصحاب الضمائر الحية) - كما سميتهم - في الانتخابات القادمة لكي يشكلوا حكومة أغلبية تبادر إلى تعديل الدستور وتحسين الخدمات ورفع المستوى المعيشي، ولكن هذا المطلب لا يتحقق بالأمنيات، فلا بد من حشد أكبر عدد من المناصرين من الشيعة، الذين سيتولون تنظيم أنفسهم في كل محافظة وترشيح الأجدر بينهم، بحيث يكون ضميره حياً ومسؤولاً أمامهم عن قراراته في البرلمان إن نجح في الانتخابات ومسائلاً من قبلهم، وهنا يأتي يا أخي العزيز دور العَلَم أو أي رمز لهذه الحركة الشعبية الاصلاحية، يتحلق حوله الناس ويتخذونه شعاراً لحركتهم الخيرة.
خامساًً: كل ما ذكرته في وصفك لبعض جوانب الحالة الثقافية لقطاع كبير من مجتمعنا الشيعي صحيحة، وهو أمر محزن، وعندما يسود الجهل ويقل الوعي الديني ولا تتوفر الحلول لمعاناة ومشاكل الناس يلجأ بعضهم للسحر والشعوذة، قد ضمنت كتاباً لي عن المدينة التي ولدت وترعرت فيها وهي الشامية نقداً صريحاً لمظاهر التخلف هذه، الأمر الذي أثار استياء بعض أقاربي وسكانها، وقد ألفت هذا الكتاب قبل عشرين سنة ولكني لم أنشره إلا بعد سقوط النظام العراقي، وبالتأكيد كلنا مسؤولون عن هذا التخلف وبالذات المثقفون ورجال الدين والمؤسسات التربوية، ولا يمكن تغيير الفكر والسلوك بفترة قصيرة، ولكن ذلك ممكن متى ما توحد الشيعة حول أهداف وبرنامج موحد، ويقال أن نجاح فرد أو مجموعة في تحقيق هدف ما ولو كان محدوداً ومتواضعاً هو خير محفز لبلوغ انجازات أخرى أهم وأكبر، ونحن بحاجة ماسة لهذا النجاح.
سادساً: الأحزاب التي وصفتها بدقة بالغة هي مثل الاعشاب الطفيلية التي لا تنبت وتتكاثر إلا في الأرض البور أو مثل الطحالب التي تنموا في المياه الراكدة أو بطيئة التدفق، وكما أن استصلاح الأرض كفيل بالقضاء على الطفيليات و فتح مجرى الماء سيجرف الطحالب فإن افضل طريقة لمحاربة الأحزاب الانتهازية هي بإصلاح النظام السياسي وجمع كلمة الشيعة.
كتبت مرة ناصحاً السنة والأكراد بأن مصلحتهم هي في عراق قوي، ولن يكون العراق قوياً إلا إذا كانت أكثريته الشيعية قوية، ولكن كيف يكون الشيعة أقوياء وهم لا يسعون لذلك بل أن بعضهم ( موفق الربيعي وحسن العلوي على سبيل المثال) يجاهدون في سبيل اضعاف الشيعة؟ نحتاج إلى خطوة ولو رمزية، ولكنها عملية، على طريق الاتحاد لذا اقترحت العلم الشيعي، وإن كان لدى أحد فكرة أخرى فليتفضل بطرحها حتى نتوصل إلى الهدف المنشود، وما التوفيق إلا من عند الله.
معذرة فقد أطلت عليك
ودمتم بألف خير وعز وسؤدد
أخوكم
حامد العطية