إن ســـر نجاح الأمم والشعوب نابع من الإمكانات البشرية المودعة لدى قادتها، صانعي تاريخها وراسمي خطط نهضتها، فمن خلال سيرة هؤلاء القادة كانت الحضارة، ولو دققنا النظر في صفحات التاريخ، نجد نوعين من هذه الحضارات، الأولى الحضارات المادية والتي غالباً ما تفنى وتتلاشى فتبقى بعض شواخصها كدلالات للأجيال التي تليها، وأما الثانية فهي الحضارات الرسالية والتي تتميز بأن قادتها جاءوا بما لم يأت به غيرهم من أصحاب الحضارات وأسسوا بناءً جديداً للإنسان يسمو به نحو الكمال والموقع الذي أراده الله له..
ومن أسرار الرسالة الإسلامية المحمدية، هي غزارة منظومة القيم التي جادت بها الأخلاق الحميدة لشخصية نبي الإسلام محمد (ص) والذي قال في بدء حركته الرسالية (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وقد وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (وإنك لعلى خلق عظيم).
ولا يمكن الوقوف على سر هذا الدين الحنيف إلا بتقصي الآثار والوقائع المدونة تاريخياً.
ومن الكتب التي سجلت هذه الأحداث ودوّنت هذه السيرة هو كتاب (ولأول مرّة في تاريخ العالم) لمؤلفه سماحة المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى الإمام الشيرازي (أعلى الله درجاته) والذي يتناول حياة الرسول الأكرم (ص) منذ ولادته ونشأته حتى بعثته فأواخر حياته الشريفة.
ويقع الكتاب الذي طبع في العام 1416هـ ـ 1995م للمرة الأولى في جزئين، ومن الجدير بالإشارة، أن الكتاب يبتعد عن الطريقة المعتمدة في كتابة السيرة مـن نـاحية منهـجـية طرحها وإبراز الأحداث الـهامة في هـذه السيرة التاريخية المطهرة، ولا يخلو الكتاب من إحالات إلى القارئ لإعادة فهم النصوص التاريخية من خلال طرح سندها الموثوق والمتمثل بعترة النبي المصطفى (ص) وخلّص أصحابه...
المقدمة