بسم الله قاصم الجبارين
بسم الله ناصر المستضعفين
بسم الله مذل المستکبرين
عودة إلى فلسطين. وهذه المرة إلى سمائها. الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كان مفاجئاً ليلة الخميس. الطائرة التي أعلن الجيش الإسرائيلي خرقها أجواء فلسطين المحتلة قبل أيام لم تعد مجهولة المصدر. أطلقتها المقاومة من لبنان. جمعها المقاومون، بعدما صنعت في إيران. كذلك أعلن تسميتها باسم الشهيد حسين أيوب، وهي ليست الأولى التي تخرق فيها المقاومة الأجواء الفلسطينية، ولن تكون الأخيرة. إعلان نصرالله سيترك أثراً كبيراً على المواجهة المفتوحة مع إسرائيل. فعادة المقاومة أنها عندما تكشف عن واحدة من مفاجآتها، تخفي خلف ما تكشف عنه مستويات أعلى من القدرات التقنية والعسكرية. وأهمية الطائرة التي وصلت إلى سماء فلسطين المحتلة تكمن في تطورها، وقدرتها على حمل أجهزة الرصد والتصوير والتوجيه والبث، كما قدرتها على حمل أوزان كبيرة. وبالتالي، فإن البعد الاستطلاعي لهذه الطائرة يخفي بعداً عملياتياً عسكرياً سيفتح أفقاً جديداً أمام المقاومة في أي حرب مقبلة. وبحسب بعض المطلعين على التكنولوجيا الإيرانية، فإن محركات هذا النوع من الطائرات وأجهزة البث والتحكم الموجودة فيها تمكنها من التحليق على ارتفاع آلاف الأمتار، والوصول إلى مئات الكيلومترات. ويبرز هنا تلميح نصرالله إلى أن بإمكان الطائرة الوصول إلى جزيرتي صنافير وتيران السعوديتين اللتين احتلتهما إسرائيل عام 1967، والواقعتين جنوبي شبه جزيرة سيناء. وهذه الطائرة قادرة على التقاط صور دقيقة حتى للأشياء الفائقة الصغر، علماً بأنها حلقت فوق مواقع إسرائيلية شديدة الحساسية. وهي تبث ما تلتقطه من صور مباشرة، أي إن مستخدميها لا ينتظرون إعادتها لتفريغ ما صوّرته.
ويكشف هذا الخرق الذي حققته المقاومة واقع القدرات الردعية الإسرائيلية، بعد الدعاية التي قامت بها قوات الاحتلال لمشروع «القبة الفولاذية» الذي قيل إنه سيحمي إسرائيل من أي خرق صاروخي أو جوي بشكل عام. وسبق أن صورت إسرائيل هذا المشروع _ الذي نُفّذ بمشاركة تقنية ومالية أميركية (مئات ملايين الدولارات) _ لجمهورها كأنه أداة حماية غير قابلة للخرق. لكن الخرق وقع، ولا بد أن يترك أسئلة لدى هذا الجمهور، فضلاً عن أثره السلبي على الصناعات العسكرية الإسرائيلية (والأميركية ضمناً، ربطاً بالتقنية المستخدمة في المشروع، وبشبكة الرادارات التي تغطي فلسطين المحتلة وشرقي المتوسط) التي سبق لها أن تلقت ضربة تسويقية كبيرة في حرب تموز 2006، حين اختبر ميدانياً الجيل الأحدث من دبابات الميركافا وأظهر عيوباً قاتلة.
من جهة المقاومة، فإن إطلاق الطائرة نحو فلسطين المحتلة يعيد ترتيب الأولويات لناحية إشارة الأمين العام لحزب الله أمس إلى أن القوة الرئيسية من المقاومة لا تزال تصبّ جهدها في المكان نفسه، أي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. كذلك فإنه يفتح الباب أمام المقاومة لإرساء معادلة جديدة في الصراع مع الاحتلال، مفادها أن الخرق الجوي للبنان يقابله الخرق الجوي لسماء فلسطين المحتلة.
وأشار نصرالله إلى أن حديثه هو بمثابة إعلان وتبنّي لطائرة الاستطلاع، معتبراً العملية نوعية ومهمة جداً في تاريخ المقاومة في لبنان والمنطقة، و«القصة أجمع الإسرائيليون على أهميتها ودلالاتها». وأوضح أن المقاومة أرسلت طائرة استطلاع متطورة _ أكثر من طائرة الاستطلاع «مرصاد» التي كشف عنها سابقاً _ من الأراضي اللبنانية باتجاه البحر، «وسيّرتها مئات الكيلومترات فوق البحر، ثم اخترقت إجراءات العدو الحديدية ودخلت جنوب فلسطين وحلقت فوق العديد من المواقع المهمة قبل أن يتم اكتشافها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي».
وأكد نصرالله أن الطائرة «أقلعت وسارت في المسار المحدد لها عشرات الكيلومترات، وهي صناعة إيرانية، وليست روسية، وهي من تجميع شباب من حزب الله»، وأنها المرة الأولى التي يجري فيها استخدام طائرة من هذا النوع، وتصل الى هذا العمق وتلك المنطقة الحساسة.
ولفت السيد إلى أن إسقاط الطائرة «أمر طبيعي ومتوقع»، وأن الإنجاز هو أن تسير مئات الكيلومترات في منطقة مليئة بالرادارات. و«في كل الأحوال، بعض الاسرائيليين تحدثوا عن فشل موضوعي بالقول إن الفخر الإسرائيلي بأن المجال الجوي غير مخترق، تصدّع».
ونوّه نصرالله بالمجاهدين، وتوجه إليهم بالشكر لأنهم «سخّروا عقولهم وجهدهم في سبيل الدفاع عن أهلهم وأمتهم». وترك السيّد للإسرائيليين «البحث عن قدرات الطائرة الاستخبارية والعملانية، خصوصاً أنها تمكنت في التجربة الأولى من السير فوق الماء، وكلنا يعرف ماذا يوجد فوق الماء، ومن السير فوق اليابسة وكلنا يعرف ماذا يوجد فوق اليابسة».
وأشار نصرالله إلى أن ما حصل يكشف جزءاً من قدرات المقاومة، ولا ينتقص من حجم المفاجآت التي لديها، بل تكشف هذه العملية «أننا نملك القدرة على إخفاء قدراتنا، وعلى إظهارها في الوقت المناسب، وبعث الرسائل المناسبة في الوقت المناسب، ومن حقنا الطبيعي أن نسيّر رحلات استطلاع متى نشاء، وهذه الرحلة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ومع هذا النوع من الطائرات نستطيع الوصول الى أماكن كثيرة».
وأطلق السّيد على هذه العملية اسم الشهيد حسين أيوب، «الذي كان من أوائل المؤسسين لهذا السلاح في الحزب»، وعلى الطائرة اسم «أيوب»، مؤكّداً أن هذا العمل وهذه القدرة استغرق إعدادهما وقتاً طويلاً، و«هذا يؤكد أن فريقنا الأساسي لا يشغله عن العدو الاسرائيلي أي شيء، مهما كانت النزاعات الإقليمية والمحلية كبيرة».
المعادلة مع العدو الصهيوني الآن توسعت بعد أن كانت " إنسان " مقابل " إنسان " و " أرض " مقابل " أرض " الآن تم إضافة " جو " مقابل " جو " ولسه الدائرة الصراع مع هذا العدو في إتساع ..
في عيني أيوب تسكن صورة القمر. يستعيره ضوءاً يشق له درباً في السماء وريحها الباردة. يركض كمن يطير في الهواء. يلاعبه القمر، يقفز أمامه كل لحظة، فاتحاً له درباً في عتمة تشارين.
تحت سرير من حديد، محشور بين جدران لم يصلها الدهان يوماً، خبّأ أيوب أوراق الصحف العتيقة. صفراء هي، مثل سجادة من ورق شجر الخريف. جمع لها خشباً صغيراً من شجرة لوز انتظر موعد تبديل ثوبها السنوي.
ذات مساء، استلّ خيطاً من عباءة أمه. ومشى صوب التل الأخضر. وقف على شرفة فلسطين، أشاح وجهه خفراً، ثم صار يركض في العشب المديد. رأسه مرفوع إلى السماء. وعيناه تلحقان طائرته الورقية، وقد رسم على أجنحتها صور رفاقه الذين أسقطتهم طائرة من حديد ونار.
على حافة تلك الأرض، وقف أيوب طويلاً، يخاطب الله وحدَه. واثق بأنه ينصت إليه وحدَه. يستجيره باسم ايوب. يناجيه طالباً الصبر بعد صبر. سائلاً إياه ألّا يجعل الوقت مملاً. لا ينفع معه سكون الليل وصمت ساكنيه، ولا طعن السكاكين. رجاه أن يعينه في السير عكس الريح.
رسم أيوب لنفسه صورة عصفور طيب. يذكره طفلاً عندما كان يسبقه إلى كوز التين. ثم صادقه طيراً يقفز من غصن إلى غصن. ثم كبر معه نسراً يرتفع إلى أعلى من ناظريه في السماء. كان ينتظره كل صباح وكل مساء. وعتبه على طيوره أنهم رفضوا كشف سرّهم له. كان سؤال يؤرقه: كيف ينام الصقر في غيمة؟
خشي أيوب العار، إن لم يشفع له اسمه عند الطيور لمساكنتها، أو صداقتها على الأقل، كان مستعداً لأي شيء مقابل رحلة واحدة معها. احتال على كل شيء. رسم نفسه على شكل حبة قمح، زهرة لوز، وكوز رمان مكسور. ولما طوى جسده على شكل أوراق الصنوبر، صار عشاً سكنته العصافير. كان يسترق السمع إلى أمهم تقصّ عليهم حكاية الصقر والغيمة.
أفاقت العصافير وبقي أيوب غافياً. لا هواء يفتح له العينين. ولا شتاء يوقظه من حلمه الأجمل. صوت وحيد يلفه كله. صوت عصفورة تمنحه البشارة. قالت له: صنعتُ لك جناحين، واستعرت لك من النسر عينه. وجمعت لك ريش الأسراب كلها. ثم قبّلته باسم الله، وهمست في أذنه:
قم يا أيوب، قم يا طير الله الجميل، اذهب بعيداً واصرخ ملء السماء...
حتى أن صحيفة «يديعوت أحرونوت» نقلت عن مسؤول أمني إسرائيلي، التقاه المحلل الأمني رونن برغمن في الشهر الرابع من العام الجاري، قوله إنه «في حال شن هجوم ضد إيران فإن «حزب الله» سيحاول إدخال طائرات من دون طيار من طراز «أبابيل» وتفجيرها بمواقع إسرائيلية»، موضحاً ان «حزب الله» يستثمر جهوداً في محاولة لتحسين وحدة الطائرات الصغيرة من دون طيار لديه «بهدف استخدامها في مهاجمة إسرائيل».
و«أبابيل» هذه طائرة صغيرة من دون طيار طورتها الصناعات الجوية الإيرانية بتكلفة مالية صغيرة نسبياً، وتتوافر في نسخ عدة وقادرة على حمل رأس حربي يزن عشرات الكيلوغرامات من المتفجرات، وهي لا تستوجب تدريباً كبيراً لكن ميزتها الرئيسية صعوبة رصدها بسبب بصمتها الرادارية المنخفضة جداً.
ويقوم الإيرانيون بتطوير طائرات من دون طيار منذ عقد من الزمن. النسخة المعروفة من «أبابيل» تزن 84 كيلوغراماً تقريباً، وعرض أجنحتها حوالي 3 أمتار، قادرة على حمل مواد متفجرة زنة 40 كيلوغراماً. تبلغ سرعتها 290 كلم في الساعة، ويمكنها التحليق لمدة 90 دقيقة متواصلة، ويمكنها العمل على بعد 120 كلم من المركز الأرضي الذي يتحكم بها، لكن يمكنها أيضاً التحليق بواسطة برنامج ملاحة أو توجيه يُبرمج مسبقاً ويتم ادخال مسار أو وجهة معينة اليه، من ثم تعود إلى إمرة مركز التحكم الأرضي للقيام بعملية الهبوط (الهبوط يتم بواسطة مظلّة «بارشوت»). يمكن لطائرة «أبابيل» حمل مجموعة متنوعة من الكاميرات الليلية والنهارية، ما يمكّنها من التقاط صور ثابتة أو تصوير «فيديو» بدقة عالية.
ولعلّ أكثر ما يخشاه الإسرائيليون لناحية قدرات «أبابيل» هو قدرتها على التحليق على علو منخفض واستخدام نظام توجيه GPS يمكنّها من اصابة الاهداف بدقة.
إشارة الى ان تاريخ «سلاح الجو في المقاومة الإسلامية»(«حزب الله»)، يزخر بإنجازات سابقة، ففي العام 1987 دخل عنصر من القوات الخاصة في «حزب الله» إلى شمال إسرائيل بواسطة طائرة خفيفة (أكبر بقليل من طائرة «أبابيل») ولم يتم اكتشافه، وقد حطّ بالقرب من معسكر للتدريب، حيث تمكّن من قتل 6 جنود إسرائيليين قبل أن يستشهد.
وفي نيسان 2005 حلقت طائرة من طراز «مرصاد» مسافة 30 كلم داخل الحدود الإسرائيلية، من ثم استدارت عائدة إلى المجال الجوي اللبناني.
وقد تحدثت وسائل الإعلام الاسرائيلية مرات عدة عن قيام «حزب الله» بمحاولة إدخال طائرات من هذا النوع الى شمال الأراضي المحتلة في الأيام الأخيرة من حرب تموز 2006، حين قامت طائرة «أف 16» ومنصة صاروخية دفاع جوي من طراز «بانتر» بتفجير طائرتين من طراز «أبابيل» تحملان مواد متفجرة بزنة 40 إلى 50 كيلوغراما كانتا تستهدفان مواقع إسرائيلية استراتيجية.
منذ تلك الحادثة، التفت الخبراء الاسرائيليون الى صعوبة اعتراض طائرة صغيرة الحجم، بطيئة السرعة، بطائرة مقاتلة نوعية مثل «أف 16»، وانكبت قيادة الدفاع الجوي في الجيش على دراسة سبل مواجهة تهديد من نوع «أبابيل».
كذلك، قامت قوات «الحرس الثوري» الايراني في العام الماضي، بتصوير حاملة طائرات اميركية لمدة 50 دقيقة في مياه الخليج عبر طائرة من دون طيار حلقت فوقها من على مسافة لا تتجاوز 500 متر، في رسالة دقيقة المغزى عسكرياً.
يُشار الى أن سلاح الجو الإسرائيلي أقام بعد «حرب تموز» 2006 تدريبات استخدمت فيها طائرات من دون طيار، صينية الصنع (في محاكاة لمواجهة سيناريو وجود طائرات من دون طيار لدى «حزب الله») للتدرّب على إصابة الأهداف. وقد حلّق الطيار بطائرته الـ F16، وحدد مكان الطائرة من دون طيار، من ثم أسقطها بواسطة مدفع الطائرة الرشاش من عيار 20 ملم. غير أن النموذج الصيني الذي تدرّبت عليه اسرائيل يختلف عن «أبابيل»، فهو يعتمد على طائرة من طراز ASN-206/207 تزن 220 كيلوغراماً ويمكنها حمل 50 كيلوغراماً من المتفجرات والطيران لمدة 8 ساعات كحد أقصى والابتعاد عن محطة التشغيل لمدى أقصاه 150 كلم، أما سرعتها القصوى فتبلغ 180 كلم/ساعة.
وعادة ما تتألف وحدة الطائرات من دون طيار الصينية الصنع، من «عربة» للتحكم ومن 6 إلى 10 شاحنات تحمل كل منها طائرة ومنصة إقلاع، تتم عملية هبوط الطائرة بواسطة مظلة، لذلك تتعرض الطائرة للكثير من الصدمات. يمكن لفرقة من 10 طائرات أن تؤمن مراقبة على مدار الساعة لمدة أسبوع كحد أقصى. ويمكن للطائرة أن تبث بشكل حي، كما يمكن إعدادها للحروب الإلكترونية.