[kumait]

بان كي مون.. و الشيخ القرضاوي
علي طه

في الايام القليلة الماضية قام حزب الله اللبناني بإرسال طائرة بدون طيار فوق اسرائيل و استطاعت الطائرة من اختراق الأجواء الاسرائيلية المحصنة لمئات الأميال قبل ان تكتشفها الرادارات العبرية و تقوم بإسقاطها في مكان ليس ببعيد عن مفاعل ديمومة شديد التحصين.. و الخبر يحتاج الى اكثر من وقفة للتأمل و البحث فمغزاه السياسي و الإعلامي لا يمكن القفز عليه او تجاهله علاوة على المغزى العسكري لمثل هذا الحدث..

و قبل الولوج الى التحليل لا بد من الاشارة الى ان الحدث أتي على يد الجهة الوحيدة في العالم العربي التي سجلت انتصارا واضحا و صريحا على العدو الاسرائيلي و ذلك عندما حررت ارض الجنوب و القت بجنود الاحتلال و العملاء الى خارج الحدود كما دخل الحزب في صراع مرير حتى حرر كل الأسرى اللبنانيين و المئات من الأسرى العرب من سجون الاحتلال بخلاف الدرس القاسي الذي لقنه للجيش الاسرائيلي في حرب تموز من العام ٢٠٠٦.. و هذه الانجازات لم تتحملها بعض الأنظمة العربية و خاصة تللك المرتبطة عضويا و مصيريا و جدليا بمصالح الغرب و اسرائيل فحركت ماكنتها الإعلامية و السياسية ضد المواقف السياسية لحزب الله و شنت حملة شعواء مشككة بمواقفه و خلفياته و دوافعه اضافة الى الادعاء القديم الجديد بان الحزب ينفذ أجندة إيرانية في المنطقة..

و قد بلغت الحملة ذروتها اثناء حرب تموز الاخيرة و بشكل سافر عندما حرضت بعض الدول الإقليمية و القوى السياسية اللبنانية اسرائيل الى الاستمرار في العدوان و عدم إيقافه رغم ان جيش العدو تكبد خسائر غير متوقعة و أخذ بالبحث عن مخرج يحفظ له ماء الوجه.. و كعادتهم استخدم بعض العربان الورقة الطائفية و لم يجدوا ورقة غيرها لتحريك مشاعر الجمهور و هي الورقة الرابحة في ايديهم بعد ان عجزت كل الوسائل الاخرى في تطويق شعبية حزب الله و الدعم الشعبي العربي و الاسلامي الجارف الذي حصل عليه عقب انتصاره على العدو في مايو من العام ٢٠٠١ فحركوا علماء السوء (مدفوعي الأجر) لإصدار الفتوى سيئة ألصيت الشهيرة و التي حرمت حتى الدعاء بالنصر لحزب الله اثناء حرب تموز لانه حزب شيعي و لا يجدر بأهل السنة و الجماعة ان يدعوا له فضلا عن مناصرته او التبرع له حتى و ان كان العدو واحد و الهدف مشترك .. الغريب و الطريف في الامر ان الشيوخ الذين اصدروا هذه الفتوى (العورة) نسوا او تناسوا تحريم الدعاء لليهود الذين كان حزب الله يقاتلهم على ارض الجنوب اللبناني إذ كان جل همهم إيقاف هدير و مسيرة الحزب الشيعي الصفوي الإيراني الهوى!!...

و لست بصدد مناقشة الجهود الحثيثة التي يبذلها بعض الأعراب من اجل بث الفتنة الطائفية بين السنة و الشيعة في العالم العربي فقد أشبعت الموضوع بحثا في مقالات سابقة و ان كنت اميل الى أن المنطقة مقبلة على صراع طائفي مقيت لا يبقي و لا يذر و ستكون عواقبه وخيمة و هذا مطلب صهيوني و غربي بأمتياز و يخدم مصالحهم في المنطقة. و عودة الى الرسائل السياسية و الإعلامية و العسكرية التي أراد حزب الله ان يبعث بها الى الأطراف كافة.. في البداية لابد من الاعتراف بان ادخال الجو الى الصراع الاسرائيلي مع حزب الله يعتبر تطورا عسكريا خطيرا و خرقا لمعادلة كانت قائمة لعقود كان فيها الجو ملكا للعدو الاسرائيلي وحده و هو الامر الذي مكنه من حسم العديد من الحروب مع العرب بسبب تفوقهم في الجو و لابد من الاشارة الى ان الحزب حصل على تقنية الطائرة المذكورة من ايران (الصفوية بمقاييس الفكر الوهابي) و قام بتجميعها بإمكانياته الذاتية ...

إذن لا بد من التنويه الى ان الجو سيكون ساحة مواجهة في أية حرب محتملة بين الحزب و اسرائيل في المستقبل بعد ان نجح الحزب في ادخال البحر الى ساحة الصراع في حرب تموز الماضية و بطريقة إعلامية و إخراجية فريدة من قبل السيد حسن نصر الله فقعت مرارة الاسرائيلي و الكثير من العرب الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة ضد الاسرائيلي و لكنهم على أتم الاستعداد لإطلاق المئات من الفتاوى التكفيرية التي تبيح دماء المسلمين و أموالهم و أعراضهم.. و سياسيا فان توقيت إرسال الطائرة بدون طيار من قبل حزب الله استوقفت العديد من المراقبين فمن المعروف ان اسرائيل تبذل جهودا محمومة من اجل إقناع الغرب بتوجيه ضربة استباقية الى ايران بحجة البرنامج النووي و المزاعم بان النظام الإيراني بصدد انتاج قنبلة نووية قد تشكل مصدر تهديد لإسرائيل و الغرب في ان واحد ..

و في المقابل فان ايران أوضحت بشكل لا يقبل الشك بانها سترد بضربة مقابلة ضد اسرائيل و المصالح الغربية في المنطقة في حالة الاعتداء عليها و الرسالة بسيطة و غيرًعصية على الفهم .. ان طائرات حزب الله بدون طيار اضافة آلى قوة الحزب العسكرية لن تكون بعيدة عن أية مواجهة قادمة بين اسرائيل و ايران و ان الحدود الشمالية لإسرائيل ستلتهب ناقلة الصراع الى بعد اقليمي و منحى خطير قد يشعل المنطقة باسرها... إذن ادخل حزب الله عنصرا جديدا في معادلة الصراع مع اسرائيل و هو نوع من انواع توازن الرعب ألذي تدركه اسرائيل جيدا و خبرته في صراعها الطويل و المرير مع الحزب (الصفوي و الإيراني الهوى)..

و هنا تحركت الماكنة الإعلامية لبعض العربان و لم تجد الا الورقة الطائفية لتستفزها من جديد فخرج علينا شيخ عجوز مدفوع له الاجر (بالبترودولار) مقدما لكي يوجه نصيحة مجانية و خالصة لوجه الله تعالي الى حجاج بيت الله الحرام بان يرفعوا أصواتهم بالدعاء على ايران الصفوية لانها عدوة العرب و على حزب الله لانه شيعي و صفوي إيراني الهوى و هنا نسى الشيخ او تناسى ان يحث حجاج بيت الله الحرام على الدعاء على اليهود او الصهاينة بل ان الدعوة محصورة (فقط لا غير) على ايران و حزب الله الذي يقاتل اسرائيل و يقف بوجهها منذ عقود من الزمان لأنهم شيعة و لا يصح و لا ينبغي لأهل السنة و الجماعة ان يفرطوا بفرصة الحج و الوقوف في عرفات بين يدي الله دون الدعاء عليهم بالويل و الثبور و عظائم الامور...

و لعل من سخرية الأقدار ان تجد فتوى الشيخ الغارق الى أذنيه بالدولارات صداها لدى مواطن من كوريا الجنوبية ساقته المقادير الى ان يكون أمينا عاما للأمم المتحدة فاصدر تقريرا لا يقل في (عورته) عن الفتوى البترودولارية حيث أدان الأمين العام بأشد العبارات و أقواها قيام حزب الله بإرسال طائرة بدون طيار فوق اسرائيل و اعتبر ذلك خرقا للقرار الأممي الخاص بحرب تموز و طالب الدولة اللبنانية بتحمل مسؤولياتها القانونية و الأخلاقية اتجاه اسرائيل و من باب رفع العتب ذكر الأمين العام اسرائيل بانها تخترق الأجواء اللبنانية منذ اكثر من ثلاثين عام دون ان يحرك مجلس الأمن او الامم المتحدة اي ساكن و كان الامر اصبح روتينيا.. و مهما كانت الدوافع وراء الفتاوى أممية كانت ام وهابية فان رائحة النفاق السياسي و التدليس تفوح منها و الا كيف يمكن ان نفسر ان يصطف شيخ عجوز و مسؤولا أممي مع الظالم و ضد المظلوم و كلاهما يرى بأم عينيه الحقيقة و هي عارية تصرخ بصوت عالي ... ترى ماذا جمع بان كي مون بالقرضاوي... وحدة مصالح.. ام هو البترودولار اللعين ؟