كان بهلول يذهب في بعض الأوقات إلى المقبرة ويجلس بين القبور ، ثم يقرأ سورة الفاتحة للأموات سواء
كان يعرفهم أو لا وذات يوم وعلى عادته كان البهلول قاصدا مقبرة المسلمين فصادفه هارون اللارشيد
وهو يريد الذهاب الى الصيد .
حينما وصل هارون قرب البهلول سمعه يردد كلمة
الصراط ... الصراط .
فلما رأوه هارون سأله قائلا : ماذا تفعل يابهلول ؟ وماذا تعني بالصراط ؟
أجابه بهلول وكان جالسا على قبر من القبور : جئت أناسا لا يغتابون أحدا ولا يرجون مني شيئا
ولا يؤذوني .
نهض بهلول من القبر ووقف الى جانب هارون وكان مطرقا إلى الارض تريد معرفة معنى الصراط ؟
قل لهؤلاء أن يوقدوا نار هنا .
أمر هارون من حوله ليذهب في طلب الحطب فلما أحضرت النار قال بهلول لهارون أن يأمر له بطشت فيه
ماء فيضعوه على النار ، فلما نفذوا أمر هارون وأشتدت حرارة الطشت واخذ الماء يغلي .
قال لهارون : ياهارون قف على هذا الطشت ثم عرف عن نفسك وما أكلك وملبسك فإن أتممت كلامك أقف
أنا أيضا وأفعل مثل ذلك .
كان هارون يخشى الوقوف داخل الطشت فحاول صرف بهلول مما ينويه فقال لبهلول:
عليك أن تفعل ذلك أنت أولا .
كان يشم من كلام هارون رائحة الخوف الممزوج بالتهديد ، لكن ذلك لم يكن ليثني بهلولا عن عزيمته
فقال : نعم أفعل ذلك أنا أولا .
ثم ذهب إلى الطشت فوقف في وسطه وقال : أنا بهلول طعامي التمر وخبزي الشعير ولباسي من الصوف .
فلما أتم بهلول كلامه خرج وليس في قدميه آثار الحروق .
والآن وصل دورهارون وقد أمسكوا به من تحت أبطيه ليخلع نعليه ، فقد تقدم وهو يلفظ أنفاسه بسرعة
والعرق يتصبب من جبينه ، وأخيرا خلع نعليه ودخل الطشت على عجل فلم تكن له طاقة الوقوف أكثر من
لحظه قال فيها : أنا هارون ............
ثم قفز بسرعة .
لم يجرأ من كان حول هارون على الضحك من هارون وحاولوا أن يمسكوا أمامه أفواههم .
لم يكن يستطيع هارون الوقوف على قدميه أمام حاشيته فأخذ ينظر إلى من حوله بغضب
قل لي الان ماذا أردت من ذلك ؟
تبسم بهلول وقال : اعلم أن يوم القيامة بهذا النحو فأن الذين لا يملكون في الدنيا مالا ولا ذهبا يعبرون
الصراط آمنين وأما من كان متعلقا بالدنيا وزينتها فليس له قدرة العبور على الصراط ، فأن من كان كذلك
يسقط في اللحظة الأولى من وقوفه على الصراط .