بعد أن تناولنا في المقالات السابقة كل ما يتعلق بالتنمية من جانب وبالعمل الخيري من جانب آخر، ننهي هذه السلسلة من المقالات
بتوضيح وتحليل العلاقة الوثيقة والتكاملية بين العمل الخيري والتنمية. وبداية فلقد أدت التطورات العالمية والمحلية في الحقب الأخيرة،
وكذلك ظهور مفاهيم التنمية البشرية وحقوق الإنسان، إلى وضع الإنسان في بؤرة حركة المجتمع وتقدمه،
وارتبط بذلك التوسع في دور منظمات المجتمع المدني ليشمل ـ إلى جانب الدور الخيري والخدمي والرعائي ـ دورها كآلية لتأطير المواطنين
وتنظيمهم من أجل المشاركة الواعية والفاعلة في العملية الإنمائية (1).
كما شهد العالم اهتماماً متزايداً ببعض القضايا، والتي من أهمها قضية التطوع والمجتمع المدني، فالجهود التطوعية تعبر عن اتجاهات
وقيم مرغوبة لصالح المجتمع، فهي تعبر عن مدى الانتماء الذي يشعر به الفرد نحو مجتمعه، ورغبته في العطاء له بالصورة التي يستطيعها
ويراها مناسبة، وشعوره بأن هذا العطاء يسد احتياجاً معيناً. ويعبر التطوع عن مناخ ديموقراطي يتيح للمواطن اختيار قضية معينة
أو مشكلة مجتمعية تهمه والمساهمة في حلها برغبة منه دون فرض أو إجبار، وحينما يتطوع المواطنون بشكل منظم من خلال المؤسسات المختلفة،
فإن ذلك يزيد من توحدهم، ويعظم من ناتج عطائهم (2).
فمن خصائص النشاط الخيري أنه نشاط نابع من داخل الأفراد والجماعات، وقائم على الفكر التطوعي، كما أنه لا يعمل في فراغ ولا بشكل نظري،
إنما ينبع من الرغبة القوية في التعرف على احتياجات الناس، ويسد هذه الاحتياجات، والتوصل إلى حلول عملية لما يواجهونه من مشكلات (3).
ونتيجة لذلك، ظهر مفهوم الشراكة مع المجتمع المدني في أعمال مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية خلال تسعينات القرن الماضي،
حيث كان من التوصيات الأساسية التي تبنتها الحكومات في المؤتمر الثاني للمستوطنات البشرية عام 1996 (4).
وتضمنت وثيقة الأهداف الإنمائية ثلاث أفكار أساسية عن المجتمع المدني تتمثل في (5):
1- التأكيد على مفهوم المجتمع المدني القوي: بمعنى الفعالية والكفاءة في تحقيق الأهداف والوصول إلى الفئات المستهدفة،
وليس مجرد توفر بنية أساسية يكفل لنا القول بأن هناك مجتمعاً مدنياً، أو الاعتماد على الأرقام التي لا تعد بذاتها مؤشراً على قوة المجتمع المدني.
2- التأكيد على قيمة الشراكة: وهي فكرة برزت في تسعينات القرن الماضي، ونصت عليها المواثيق الدولية، وتشير إلى علاقة بين طرفين أو أكثر
تتوجه لتحقيق النفع والصالح العام، وتستند إلى اعتبارات المساواة والاحترام المتبادل والتكامل.
3- التأكيد على المشاركة الشعبية والقاعدية: بمعنى تحريك همم وطاقات المواطنين في المجتمع المحلي للمساهمة في مواجهة تحديات التنمية البشرية.
وتعتبر المشاركة كمبدأ إحدى المكونات الهامة في برامج التنمية الناجحة؛ حيث إنها تؤدي إلى زيادة وعي الفاعلين والجماعات الرئيسية على مستوى المجتمع المحلي،
كما تحسن من كمية ونوعية المعلومات عن الظروف والأوضاع المحلية (6).
وتكمن أهمية المشاركة الشعبية في مساعدة المواطنين على تنظيم أنفسهم في مؤسسات أو منظمات مدنية تدعم المنظمات الحكومية في تحقيق حاجات الأفراد وتطلعاتهم،
وتدعم الديموقراطية، وتمد جسور الثقة بين الحكومة والمواطنين، وتمكن الأفراد من تحمل أعباء التنمية والاستفادة من ثمارها بشكل عادل (7).
وتعمل منظمات المجتمع المدني على استثارة مشاعر وحماس المواطنين على المشاركة السياسية، وزيادة الإقبال على ممارسة حقوقهم الديمقراطية،
وتنمية كثير من القيم الديمقراطية مثل: التسامح، والاعتدال، وإرادة الاتفاق، واحترام وجهات النظر المعارضة، وغير ذلك من القيم التي تمارس داخل مؤسسات المجتمع المدني (8).
وتلعب الجمعيات الخيرية، باعتبارها العمود الفقري للمجتمع المدني، دوراً في عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية في كثير من الدول النامية،
خاصة بعد تعثر خطط بعض التنمية التي اضطلعت بها الحكومات؛ مما اضطرها إلى البحث عن منهج أكثر مرونة والتزاماً وكفاءة في العمل التنموي
ولا تحركه بواعث الربح الخاص (9). فبناء جسور مع المنظمات الخيرية سيدعم المدخل التنموي القائم على المشاركة الشعبية والتنمية المتخصصة
من القاع إلى القمة bottom-up لتحقيق الاستدامة البيئية (10).
ووفقاً لهذا توجد ثلاثة أدوار أساسية للمنظمات الخيرية تتمثل في: (11)
أ- دور الرفاهية الاجتماعية: وتتمثل في الأعمال الأساسية في البر والإحسان.
ب- دور الوسيط: حيث تشكل شبكة اتصال هامة للعمل الاجتماعي والتنمية.
ج- دور المدعم: حيث تدعم وتوثق المعلومات والخبرات الضرورية.
وإذا كان المجتمع العالمي يُلقي مسؤولية كبيرة على الجمعيات الخيرية في تحقيق التنمية في ظل شراكة قوية مع الدولة والقطاع الخاص،
فهل الجمعيات الخيرية في المجتمع العربي قادرة على تحقيق هذه الشراكة؟
ويلاحظ في الإجابة على هذا التساؤل الهام أن الجمعيات الخيرية العربية العاملة في مجال التنمية تواجه مشكلات عديدة تؤثر بالتالي على وضعها في تحقيق الشراكة،
ومن بين هذه المشكلات: (12)
1- التمركز في المدن الكبرى، وضعف شديد في التواجد في الريف.
2- ضعف بنية الجمعيات الخيرية ومحدودية نجاحها في استقطاب مشاركة شعبية واسعة، وغياب آليات العمل الديموقراطي داخل هذه الجمعيات.
ويلاحظ ـ بشكل عام ـ ارتباط الجمعيات بمجموعة محدودة من الأشخاص تتمثل في اللجنة التنفيذية، أو الهيئة القيادية للجمعية.
وفي حالات أخرى، يرتبط اسم الجمعية واستمرارها بشخص واحد هو رئيس الجمعية؛ مما يؤدي إلى مجموعة من السلبيات أهمها:
ضعف التجديد في الرؤى والممارسة، وحرمان الجمعيات من كفاءات جديدة قادرة على الفعل، وضعف ثقة الجمهور بالجمعية، وغياب المساءلة والشفافية.
3- يطغى على خدمات هذه الجمعيات البعد الخيري القائم على المساعدة المالية والعينية، مع إغفال كبير للبعد التنموي. ويمكن أن يرجع ذلك إلى اتساع رقعة الفقر،
والأساس الديني الذي تستند إليه مجموعة كبيرة من المنظمات الخيرية؛ مما يدفعها إلى الأخذ بالمفهوم التقليدي في العمل الخيري.
4- تتمحور خدمات الجمعيات الخيرية حول رعاية الأفراد كتقديم مساعدات للأيتام والأرامل والفقراء، وفي المقابل لا تحظى الخدمات الموجهة نحو المجتمع المحلي،
سواء أكانت اجتماعية أم اقتصادية أم ثقافية بنفس الدرجة من الاهتمام. كما أن الخدمات الموجهة نحو الفقراء لا تقوم على مبدأ تمكين هذه الفئات وإدماجها في المجتمع،
بل إنها تقود بشكل غير مباشر إلى تعزيز ضعف واعتمادية تلك الفئات.
5- لم تتمكن هذه الجمعيات من تحقيق الاستقلالية المطلوبة عن المؤسسات الحكومية، خاصة الوزارات ذات الصلة.
كما تتجلى قدرة الجمعيات الخيرية في مدى التعبير بصدق وشفافية عن وجدان وضمير واحتياجات المجتمعات المحلية التي تعيش فيها،
وصياغة هذه الاحتياجات على شكل برامج ومشروعات تدعم بالمشاركة الشعبية، وتفرض الأجندة الوطنية وجودها ومسؤولياتها لتعيد صياغة
وبلورة المتغيرات التي تطرأ على المجتمع والناتجة عن عوامل داخلية (سياسات اقتصادية واجتماعية) وعوامل خارجية (العولمة)،
ولتطرح من جديد أمام المنخرطين في شؤون الوطن والصياغة الإنسانية والحضارية الجديدة لتحديد العلاقة بين الدول والجمعيات والمنظمات الخيرية،
ولتحديد عقد اجتماعي جديد يعبر عن هذه الصياغة، ووصولاً إلى هذه الصياغة لا بد من تدعيم وجود مجتمع خيري قائم على:
- قدرة المنظمات الخيرية على التواصــل والاستمراريــة مـــع أفــراد المجتمعات المحلية؛ لخلق وعى بمفاهيم المشاركة والانتماء، والقدرة على التأثير في مسارها وحركتها الداخلية.
- أن تدعم المنظمات الخيرية مفهوم الديمقراطية لدى أفرادها، والقائم على أن يكون الفرد صاحب قرار وعنصراً فاعلاً.
- قدرة المنظمات الخيرية على الإبداع، وخلق آليات جديدة وحضارية، والبعد عن البيروقراطية.
- استقلالية العمل الخيري، وتذليل جميع العقبات والقيود المكبلة لحركته (13).
ومما سبق يمكن القول إن العلاقة بين العمل الخيري والتنمية علاقة وثيقة وتكاملية؛ فالدور التنموي للعمل الخيري دور أساسي بجانب الدور الرعائي والخدمي.
ويلخص هذه الرؤية الحديث النبوي الشريف لرسول الرحمة ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خيرٌ له من أن يسأل أحداً يعطيه أو يمنعه ".
لذا فمن المهم أن تتجاوز الجمعيات الخيرية المفهوم التقليدي للعمل الخيري القائم على البر والإحسان، والانتقال من المساعدات المؤقتة إلى التنمية،
في إطار منظومة متكاملة من البرامج الهادفة إلى تحقيق الاستدامة في العمل الخيري. المراجع
(1) معهد التخطيط القومي، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مصر: تقرير التنمية البشرية 2003: التنمية المحلية بالمشاركة، القاهرة، 2003، ص57.
(2) محمد سيد فهمي، المشاركة الاجتماعية والسياسية للمرأة في العالم الثالث، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، 2007، ص 316.
(3) عزة عبد العزيز سليمان وآخرون، التخطيط بالمشاركة بين المخططين والجمعيات الأهلية على المستويين المركزي والمحافظات،
سلسلة قضايا التخطيط والتنمية، العدد رقم 145، معهد التخطيط القومي، القاهرة، فبراير، 2002،ص 20.
(4) UN-Habitat , United Nations , Human Challenge of Slum: Global Report On Human Settlements , 2003 , Earthscan Publications , London , 2003 , p.p 183-184 . [online] :
http://www.unhabitat.org.jo/pdf/GRHS.2003.pdf
(5) أماني قنديل، دور الجمعيات الأهلية في تنفيذ الأهداف الإنمائية، ورقة عمل مقدمة في المؤتمر الخامس للمجلس القومي للمرأة، 14-16 مارس 2005:http://www.ananjordan.org/anan_studies
(6) Thompson , John & Mitlin , Diana , Participatory Approaches in Urban Areas : Strengthening Civil Society or Reinforcing The Status quo? , Environment & Urbanization , vol.7 , no.1 , April , 1995 ,p.p 235-236 [online] :
http://www.archidev.org/IMG/pdf/participatory_approaches_in_urban_areas.pdf.
(7) معهد التخطيط القومي، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مصر: تقرير التنمية البشرية 2003: التنمية المحلية بالمشاركة، القاهرة،2003، ص 6.
(8) المشاركة الشعبية ودورها في تعاظم أهداف خطط التنمية المعاصرة المحلية الريفية والحضرية، ودراسة حالة لنموذج تنمية الإسكندرية بالمشاركة الشعبية،
سلسلة قضايا التخطيط والتنمية، رقم (150)، معهد التخطيط القومي، القاهرة، أبريل 2002، ص87.
(9) نادرة وهدان وآخرون، المنظمات غير الحكومية والتنمية في مصر: دراسة حالات، سلسلة قضايا التخطيط والتنمية رقم 106، معهد التخطيط القومي، ديسمبر 2006، ص 2.
(10) World Bank , Arab Republic of Egypt : Country Environmental Analysis (1992-2002) April , 2005 , p.xxvi [online] :gttp://siteresources.worledbank.org
(11) Srinivas, Hari, NGOs Partnerships for Sustainable Urban Development [online]:
http://www.gdrc.org/ngo-partnerships.html.
(12) يوسف القريوتي، بناء القدرات الذاتية للمنظمات غير الحكومية، عالم العمل، المكتب الإقليمي للدول العربية، بيروت، العددان 41 ، 42، يونيو 2002.
(13) التخطيط بالمشاركة بين المخططين والجمعيات الأهلية على المستويين المركزي والمحافظات، سلسلة قضايا التخطيط والتنمية،
رقم (145)، معهد التخطيط القومي، القاهرة، فبراير 2002، ص56.
د. محمد سعيد عبد المجيد : المصدر: المركز الدولي للأبحاث والدراسات (مداد) : عن نشرة فيكوس 11 أبريل 2013
المنظمات الخيرية له دور اساسي في التنمية ومن الواجب القيام بالعمل على دعمها وتطويرها من جميع النواحي للإرتقاء بالواقع الحياتي
شكرا لك ولفيض عطائك
لاحرمنا جديدك
تحياتي
المنظمات الخيرية له دور اساسي في التنمية ومن الواجب القيام بالعمل على دعمها وتطويرها من جميع النواحي للإرتقاء بالواقع الحياتي
شكرا لك ولفيض عطائك
لاحرمنا جديدك
تحياتي
أختي الكريمة نور النجف
باركك الرحمن
والشكر موصول لك ولمرورك العطر
وتواصلك الطيب
تقبلي احترامي