|
عضو نشط
|
رقم العضوية : 90
|
الإنتساب : Aug 2006
|
المشاركات : 192
|
بمعدل : 0.03 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
من خطبة للامام علي عليه السلام( تخففوا تلحقوا)
بتاريخ : 26-08-2006 الساعة : 11:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمتان مهمتان في ميزان الأعمال احداهما ايجابية المعنى والأخرى سلبية وبالتأكيد كل منا يسأل عن الايجابية أولا ليمتطي أثرها ويترك الأخرى لأنها خسارة في ميزان أعماله
هاتان الكلمتان وردتا في احدى خطب الامام علي عليه السلام
في قوله:«فإنّ الغايَةَ أمامَكُم، وإنَّ وَراءَكُم السّاعَةَ تَحْدُوكُم. تَخَفَّفوا تَلحَقُوا، فَإنَّما يُنتَظر بِأَوّلِكُم آخِرُكُم».
فأورد(عليه السلام) هذه الجملة المقتضبة العميقة المعنى: «تخففوا تلحقوا»
عادة إذا ما انطلقت قافلة من الناس إلى مكان وواجهت هذه القافلة بعض المنعطفات التي لايمكن اجتيازها بسهولة فإنَّ أولئك الأفراد المثقلين بالأحمال غالباً ما يتخلفون عن القافلة التي لا يسعها الوقوف من أجل فرد أو بضعة أفراد فلا يكون أمامها سوى تجاوز ذلك الفرد ومواصلة السير والحركة. أمّا ذلك الفرد الذي تخلف عن القافلة فإنَّه سيكون لقمة سائغة لقطاع الطرق واللصوص وذئاب الصحراء، بينما يشقّ المخفون طريقهم بسرعة تجعلهم يصلون إلى هدفهم أسرع من الجميع. وهذا هو حال بني آدم في هذه الدنيا، فهم مسافرون وقد شدّوا الرحال إلى الحياة الأبدية التي تعقّب الموت. فمن ثقل حمله من متاع الدنيا وحطامها كان لقمة سائغة للشيطان، أمّا أهل الورع والزهد والتقوى فإنَّهم سيحثون الخطى سريعاً لينالوا سعادة الآخرة والفوز بالخلود.
وقد أكّد الإمام(عليه السلام) هذا المعنى ـ في الخطبة 204 ـ حين نادى أصحابه: «تجهَّزوا ـ رحمكم الله ـ فقد نودى فيكم بالرحيل وأقلّوا العُرجة على الدنيا... فإنَّ أمامكم عقبة كؤودا ومنازل مخوفة مهولة».
وقد شبه بعض شرّاح النهج الإنسان بالمسافر الذي يجوب البحر وهو يواجه أمواجه العاتية حيث سيكون الغرق مصيره الحتمي إذا لم يخف مؤونة سفينته.
وقد شبهوا قلب الإنسان بهذه السفينة، التي ستواجه الغرق لا محالة إذا ما أثقل ذلك القلب بحبِّ الدنيا والانغماس في الشهوات.(1).
وأخيراً يختتم الإمام علي(عليه السلام) خطبته بقوله: «فانما ينتظر بأولكم آخركم». وتدل هذه العبارة بوضوح على أنّ عالم البشرية بحكم القافلة الواحدة التي تشتمل على المقدمة ـ التي سبقت بالحركة ـ والوسط والمؤخرة; وهى تواصل مسيرتها لتلتحق مؤخّرتها بمقدمتها، وبعبارة اُخرى فإنّ قانون الموت لا يعرف الحصر والاستثناء وهو المحطة التي سيتوقف عندها الجميع. وبناءً على ما تقدّم فإنَّ عاقبة الأولين نذير مبين للآخرين.
عاقبة المثقلين!
إنَّ أهم عامل يقف وراء خسران طائفة من الناس والذي تضمنته كلمات الإمام(عليه السلام) في خطبته إنَّما يكمن في إثقال كاهلها بالتكالب على متاع الدنيا الزائد عن حاجتها في حياتها الدنيوية المتواضعة.
ولك أن تفرض أنَّ فرداً ينطلق للسفر ليوم واحد وقد حمل مقداراً من الخبز والماء والفاكهة لما يكفيه لذلك اليوم، بينما حمل الآخر عدة حقائب وقد ملأها بمختلف الأطعمة والأشربة والفاكهة وانطلق إلى سفره. فمن البداهة أن ينطلق الأول بكل هدوء وخفة وخطى واثقة وحثيثة دون أن يشعر بالكلل والتعب، في حين سينقطع نفس الثاني ولا يسعه مواصلة السير والحركة. وهذا هو المصير الذي ينتظر أولئك الأفراد الذين جعلوا همهم في الدنيا ومتاعها الزائل وجعلوا يفكّرون ليل نهار في كيفية حفظ هذه الأموال، حتى أنستهم ذكر الله، ولم يكتفوا بذلك ففقدوا حتى السكينة والطمأنينة في حياتهم الدنيا.
هذا وقد تطرق بعض شرّاح نهج البلاغة إلى قصة الصحابي الجليل سلمان الفارسي(رضي الله عنه)كشاهد حي ونموذج لقول الإمام علي(عليه السلام) «تخففوا تلحقوا» وذلك حين نصب والياً على منطقة المدائن فركب دابته وانطلق بمفرده إليها.
فاتصل بالمدائن خبر قدومه، فاستقبله أصناف الناس على طبقاتهم، فلما رأوه قالوا: أيها الشيخ أين خلّفت أميرنا؟ قال: ومن أميركم؟ قالوا: الأمير سلمان الفارسي صاحب رسول الله(صلى الله عليه وآله).
قال: لا أعرف الأمير، وأنا سلمان.
فترجلوا له وقادوا اليه المراكب والجنائب. فقال: إنّ حماري هذا خير لي وأوفق. فلما دخل البلد أرادوا أن ينزلوه دارالامارة قال: ولست بأمير. فنزل على حانوت في السوق وقال إدعوا إليّ صاحب الحانوت فاستأجر منه. وكان معه وطاء يجلس عليه ومطهرة يتطهّر بها للصلاة وعكازة يعتمد عليها في المشي. فأتفق أنّ سيلا وقع في البلد فارتفع صياح النّاس بالويل والعويل يقولون: وا أهلاه وا ولداه و وا مالاه، فقام سلمان ووضع وطائه في عاتقه وأخذ مطهرته وعكازته بيده وإرتفع على صعيد وقال: هكذا ينجو المخفّفون يوم القيامة.(2)
والطريف في الأمر ما ذكره السيد الرضي(رضي الله عنه) من أنّ هذا الكلام لو وزن بعد كلام الله سبحانه وبعد كلام رسول الله(صلى الله عليه وآله)بكل كلام لمال به راجحاً. ولاسيما قوله(عليه السلام): تخففوا تلحقوا.
فما أبعد غورها وأعظمها من حكمة وموعظة رغم قصرها; الأمر الذي دفع بالسيد الرضي(رضي الله عنه) إلى الإسهاب في الخوض في تفاصيلها في كتابة «الخصائص».
________________________________________
1. . معارج نهج البلاغه، بيهقى / 109
2- منهاج البراعة 3/ 4 ـ 3.
مقتطف من000
كتاب نفحات الولاية في شرح نهج البلاغة
لسماحة آية الله لشيخ مكارم الشيرازي
|
|
|
|
|