تاثير لقمة الحرام علي النسل
قال الله تعالى في القرآن الكريم: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ}(عبس:24).
بلا شك ان للغذاء الحرام تاثيرا على مستقبل الطفل قبل انعقاد نطفته ، فاذا انعقدت النطفة من الحرام سيكون ذلك بمثابة الارض الصلبة لتعاسة الطفل وشقائه.
ونشير إلى أمرٍ غاية في الأهمية أوضحته الروايات بشيءٍ من البيان والتفصيل، هو أنّ المرء عليه أن يتحرى الأسباب المشروعة التي يأتي منها الطعام، ذلك أن الطعام يحصل من خلال الكد والكدح، وعليه فإن الحصول على الطعام له أسباب، وإذا لم ينظر المرء إلى تلك الأسباب فإنّ الطعام وإن كان حلالاً ظاهراً غير أنه حرام في الواقع .
فمن هنا لابد ان يتنبه الاباء الى وظيفتهم في تنقية مصادر الطعام واختيار ما هو الحلال منه والابتعاد عن المشبوه .
في البداية نذکرنموذج عن اللقمة الحرام ، وهي قصة شريك بن عبدالله النخعي:
كان شريك من فقهاء القرن الثاني الهجري المعروف بالزهد والعبادة والعلم ، وكان الخليفة المهدي العباسي راغبا في ان يوليه منصب القضاء ، ولكنه كان يرفض تسلمه لانه يعلم ان في ذلك مساعدة للظالم ، كما ان الخليفة كان يريده ان يعلم اطفاله وكان شريك يرفض ايضا .
وفي يوم من لايام ارسل المهدي الى شريك وقال له :
لابد ان تجيبني الى واحدة من ثلاث :
اما ان تتولى القضاء او تحدث ولدي وتعلمهما او تاكل معنا اكلة .
ففكر شريك فقال ان الاكلة اخفهن علي ، فامر المهدي الطباخ باعداد الوان الطعام الشهية ، فلما فرغ شريك من طعامه قال القيم على المطبخ : لن ينجو الشيخ بعد هذه الاكلة ابدا .
وفعلا فلم تمض مدة طويلة حتى ولي منصب القضاء وصار معلما لاولاد الخليفة ، وصار له راتب من بيت المال .
وفي يوم من الايام حدث نزاع بينه وبين خازن بيت المال حول درهم مغشوش وجده شريك في مرتبه ، فاعاده الى الخازن طالبا تبديله ، فتعجب القائم على بيت المال وقال له : انك لم تبع برا - وهو يقصد ان راتب شريك يبلغ الف درهم فكيف لم يترفع عن هذا الدرهم المغشوش ، فقال له شريك : بلى لقد بعت اكبر من البر لقد بعت ديني .
تأثير تناول الغذاء الحرام
الأول: عدم الإذعان للحق تعالى.
إنّ الابتعاد عن الحق وعدم السير في الصراط السوي لظلمة القلب، إذْ أنّ من جملة الأسباب الرئيسة لعدم إذعانه للحق وعدم اتباعه الصراط السوي أكل المال بالباطل، فالأموال جائية له عبر طرق غير مشروعة وأسباب غير مرضية عند الله تعالى، قال الإمام الحسين عليه السلام: ”¹”¹فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم”؛”؛(بحار الأنوار ج45 ص8) وأشار القرآن الكريم إلى ذلك، قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(المطففين:14) أي أنّ كسبهم بوسائل غير مشروعة أدى إلى ظلمة قلوبهم فلا يرون الهدى ولا يبصرون معالم الحق، فضلاً عن اتباعه، فهم بمنأى عنه، إذن فأكل المال الحرام له تأثيرات متعددة، كظُلمة القلب، وهو تعبير كنائي يراد به الغشاوة وعدم إبصار الحق، والبعد عن الصواب.
الثاني: قساوة القلب
ومنها القساوة فأكل المال من غير حله، من آثاره قساوة القلب وعدم التأثر بالموعظة.
الثالث: ارتكاب الجريمة
ومنها اقتراف الحرام وارتكاب الجريمة، ذلك أن أكل الحرام يؤدي إلى الحرام، والمرء قد يأكل لحماً ذبح بالطرق الشرعية، غير أن أمواله جاءت بأسباب غير مشروعة، وحينئذٍ تكون اللقمة التي يأكلها حراماً وسحتاً، ذلك أن المال لا أصل له بل مقطوع من جذره، ولا قابلية له للبقاء، والعكس صحيح، فأكل الطعام عبر الوسائل المشروعة حلال ومبارك.
الرابع: التأثير على النسل
بينت الروايات الأهمية الفائقة لأكل المال بالطرق المشروعة، والآثار المترتبة على ذلك، التي تنعكس على النسل، فالنسل قد يأتي في المستقبل بعد مئات السنين ليؤثر تأثيراً إيجابياً، كما أشارت بعض كتب التفسير إلى ذلك .
أكل الحرام طريق لكل حرام
حدث النبي ص حديثاً قدسياً عن الله تعالى أنه قال عز وجل: ”¹”¹من لم يبال من أي باب اكتسب الدينار والدرهم، لم أبالي يوم القيامة من أي أبواب النار أدخلته”؛”؛(مستدرك الوسائل للميرزا النووي ج13 ص22) أي من لم يبال في كيفية حصول رزقه من الحلال استحق دخول النار من كل أبوابها، والتعبير يدلل على أنه أقترف كل المعاصي فاستحق دخول النار من أبوابها المختلفة، تعبير كنائي يراد به اقتراف الكثير من الحرام لأكله الحرام، فالحرام يؤدي إلى الحرام، وقد قيل إن بعض الخلفاء دعا صالحاً فخيره بين ثلاثة إما أن يتولى القضاء وإما أن يؤدب أولاده وإما أن يجيبه على مائدة طعام، فظن العالم الذي لم يأخذ علمه عن أهل البيت ع أن إجابته الدعوى أسهل، فأكل مع الخليفة مالذّ وطاب من الحرام، ثم تصدى بعد ذلك للقضاء والتأديب.
آثار الإنفاق بأموال الحرام
إن بعض الصالحين الأفذاذ بإمكانه أن يلج الحرام بكلمة، غير أنه لا يفعل حفاظاً على شخصيته، فتسهل له الأمور، قال تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ}(الطلاق:2-3) غير أن بعض الناس يرى مغفلاً، فيبيعه بأكثر، أو يشتري منه بأقل، ليأكل مالاً حراماً، معتبراً أن ذلك من الذكاء، لأنه خدع المغفل، ثم يدفع المال لبناء مساجد وحسينيات ظناً منه أن ذلك يعود عليه بالخير، غير أنه واهم، لأن الله تعالى سيمحقه.
قال النبي صلى الله عليه وآله: ”¹”¹لا يكتسب العبد مالاً حراماً ويتصدق به فيؤجر عليه، ولا ينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتركه خلف ظهره إلاّ كان زاده إلى النار”؛”؛(بحار الأنوار ج100 ص14) قوله ص ”¹”¹لا يكتسب العبد مالاً حراماً”؛”؛ أي يأخذ المال بالحرام لينفقه في الخير – يتصدق به ـ فيؤجر عليه، بل أن الأجر يذهب إلى صاحب المال، ولو عاد الأجر إليه لكان الله ظالماً، قال تعالى: {إِنَّ الله لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }(يونس:44)، أما قوله صلى الله عليه وآله: ”¹”¹ولا ينفق منه فيبارك له فيه”؛”؛ تبيان أن الإنفاق له أثر وضعي فمن أنفق نمى ماله، غير أن الله لا يبارك لمن أخذ المال بالحرام.
إن البركة أثر وضعي للإنفاق في سبيل الله، فالفقير قد يتحول إلى غني بالإنفاق في سبيل الله، وذلك من أسرار الله تعالى، فمن يمتلك أموالاً قليلة ثم ينفق جزءً منها في سبيل الله، فإن الله تعالى يبارك سعيه ويحوله إلى ثري ببركة الإنفاق في سبيله تعالى، أما أخذ الأموال بطرق غير مشروعة ثم إنفاقها في سبيل الله فلن يؤدي إلى بركة في المال.
عدم استفادة الورثة من المال
قوله صلى الله عليه وآله: ”¹”¹ولا يتركه خلف ظهره إلاّ كان زاده إلى النار”؛”؛ إن الأموال إذا أخذت اختلاساً بالدهاء وحلاوة اللسان ومهارة التعامل، فإن العاقبة عدم الاستفادة منها للورثة، بل يدخلون نزاعاً يؤدي بهم إلى متاهات لا حدود لها.
منقــــــــــــــــــــــــــــــــــول