روح المعاني
للالوسي
الجزءالاول
ص26
وأما ترتيب السور ففي كونه اجتهاديا أو توقيفيا خلاف والجمهور على الثاني «3» قال أبو بكر الأنباري : أنزل اللّه تعالى القرآن كله إلى سماء الدنيا ثم فرقه في بضع وعشرين فكانت السورة تنزل لأمر يحدث والآية جوابا بالمستخبر فيوقف جبريل النبي صلى اللّه تعالى عليه وسلم على موضع الآية والسورة ، فمن قدم أو أخر فقد أفسد «4» نظم القرآن وقال الكرماني : ترتيب السور هكذا هو عند اللّه تعالى في اللوح المحفوظ وعليه كان رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم يعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه وعرض عليه في السنة التي توفي فيها مرتين ، وقال الطيبي
___________
مثله وهو المروي عن جمع غفير إلا أنه يشكل على هذا ما
أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين «1» فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر
بسم اللّه الرحمن الرحيم
ووضعتموها في السبع الطوال؟ فقال عثمان :
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ينزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول دعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطربسم اللّه الرحمن الرحيم
ووضعتهما في السبع الطوال.
فهذا يدل على أن الاجتهاد دخل في ترتيب السور ولهذا ذهب البيهقي إلى أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال وله انشرح صدر الإمام السيوطي لما ضاق ذرعا عن الجواب ، والذي ينشرح له صدر هذا الفقير هو ما انشرحت له صدور الجمع الغفير من أن ما بين اللوحين الآن موافق لما في اللوح من القرآن وحاشا أن يهمل صلى اللّه تعالى عليه وسلم أمر القرآن وهو نور نبوته وبرهان شريعته فلا بد إما من التصريح بمواضع الآي والسور وإما من الرمز إليهم بذلك وإجماع الصحابة في المآل على هذا الترتيب وعدولهم عما كان أولا من بعضهم على غيره من الأساليب ، وهم الذين لا تلين قناتهم لباطل ، ولا يصدهم عن اتباع الحق لوم لائم ولا قول قائل ، أقوى دليل على أنهم وجدوا ما أفادهم علما ، ولم يدع عندهم خيالا ولا وهما
--- وعثمان رضي اللّه تعالى عنه وإن لم يقف على ما يفيده القطع في براءة والأنفال وفعل ما فعل بناء على ظنه إلا أن غيره وقف ، وقبل ما فعله ولم يتوقف ، وكم لعمر رضي اللّه تعالى عنه موافقات لربه أدى إليها ظنه فليكن لعثمان هذه الموافقة التي ظفر غيره بتحقيقها من النصوص أو الرموز فسكت على أن ذلك كان قبل ما فعل عثمان عند التحقيق ولكن لما رفعت الأقلام وجفت الصحف واجتمعت الكلمة في أيامه واقتدت المسلمون في سائر الآفاق بإمامه نسب ذلك إليه ، وقصر من دونهم عليه والسؤال منه وجوابه ليسا قطعيين في الدلالة على الاستقلال لجواز أن يكون السؤال للاستخبار عن سر عدم المخالفة ، والجواب لابدائه على ما خطر في البال ، وبالجملة بعد إجماع الأمة على هذا المصحف لا ينبغي أن يصاخ إلى آحاد الأخبار ولا يشرأب إلى تطلع غرائب الآثار فافهم ذاك واللّه سبحانه وتعالى يتولى هداك
والوثيقه