المساس بها عن طريق سَّبّه أو تقبيح وجهه ، وما إلى ذلك. ولكن هذه الرواية حُرّفت بحذف أولها ، فتغيرت دلالتها إلى ما فيه التجسيم لله تعالى ، وان كان ظاهرها يتضمن معاني التكريم للإنسان.
لقد سعى الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام إلى قشع العتمة التي تُخيم على عقول بعض الناس وواجه السذاجة الفكرية وفضح التحريف الذي يحصل في المنابع المعرفية.
ينقل المحدّث القمي : عن الحسين بن خالد ، قال : قلت للرِّضا عليهالسلام : يا بن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إن الله خلق آدم على صورته ! فقال : «قاتلهم الله ، لقد حذفوا أول الحديث ؛ إنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مرَّ برجلين يتسابان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه : قبّح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال : يا عبد الله لا تقل هذا لاَخيك ، فانَّ الله عزَّ وجلّ خلق آدم على صورته» (١).
ولعلّ من هذا الباب نهي الإمام علي عليهالسلام عن أن يسيء ذووه معاملة قاتله ابن ملجم ، أو يمثل به بعد اجراء حكم الله فيه ، بقوله : « .. ولا يُمثّلَ بالرَّجل ، فانِّي سمعتُ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إيَّاكم والمُثلة ولو بالكلب العقور » (٢).
ثالثاً : حق التعليم :
إنَّ العلم حياة للنفس الإنسانية ، وحرمانها منه يعني انتقاص وامتهان
__________________
(١) سفينة البحار ٢ : ٥٥ ـ دار المرتضى ـ بيروت.
(٢) نهج البلاغة ـ شرح الشيخ محمد عبده ـ : ٥٩٤. دار التعارف للمطبوعات طبعة ١٤٠٢ ه.
١٨
كرامتها. ومما يؤكد حق التعلم والتعليم في الإسلام مافعله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأسرى بدر ، إذ جعل فدية الأسير تعليم عشرة من أبناء المسلمين.
وقد أشار الإمام علي عليهالسلام إلى حق التعلم والتعليم في معرض تفسيره لقوله تعالى : ( وإذ أخذَ اللهُ ميثاق الذينَ أُوتوا الكِتابَ لتُبينُنَّهُ للنَّاس ولا تكتُمونَهُ فنبذوهُ وراءَ ظُهورهم ... ) ( آل عمران ٣ : ١٨٧ ).
فقال : « ما أخذ الله ميثاقاً من أهل الجهل بطلب تبيان العلم ، حتّى أخذ ميثاقاً من أهل العلم ببيان العلم للجهّال » (١).
وقال الإمام الصادق عليهالسلام في هذا الصَّدد : « إن العالم الكاتم علمه يُبْعَث أنتن أهل القيامة ريحاً ، تلعنه كلّ دابّة حتى دوابّ الأرض الصغار » (٢).
مما تقدم ، يمكن القول ان الأئمة عليهمالسلام يرفضون مبدئياً احتكار العلم ، ويؤكدون ضرورة بذله لطالبيه. أما في وقتنا الحاضر فتقوم دول ومؤسسات تدّعي التحضر باحتكار العلم وحجبه عن الآخرين أو المتاجرة ببيعه بأغلى الاثمان أو استخدامه كسلاح سياسي لتحقيق مآرب خاصة. والحال ان العلم هبة إلهية ونعمة شرَّف الله تعالى بها الإنسان على باقي المخلوقات ، وقد أوجب الله تعالى على العلم زكاة ، وزكاته نشره. وقد بين الإمام السجاد عليهالسلام في رسالة الحقوق ، حق المتعلم على المعلّم بقوله :
« أمّا حق رعيّتك بالعلم ، فأنْ تعلم أنّ الله عزّ وجلّ إنّما جعلك قيّماً لهم
__________________
(١) بحار الانوار ٢ : ٢٣ ـ مؤسسة الوفاء ـ بيروت ط ٣.
(٢) بحار الانوار ٢ : ٧٢.
١٩
فيما آتاك الله من العلم ، وفتح لك من خزائنه ، فإن أحسنت في تعليم النّاس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم ، زادك الله من فضله ، وإن أنت منعت النّاس علمك وخرقت بهم عند طلبهم العلم ، كان حقّاً على الله عزّ وجل أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلّك » (١).
وبالمقابل حدّد حق المعلّم على المتعلم بقوله : « حق سائسك بالعلم التّعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يُجيب ، ولا تُحدّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذُكر بسوء ، وأن تستر عيوبه ، وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدوّاً ، ولا تعادي له وليّاً ، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ اسمه لا للنّاس » (٢).
رابعاً : حق التفكير والتعبير :
لا يخفى بأنّ الإسلام جعل التفكير فريضة إسلامية. ومن يتدبر القرآن الكريم ، يجد آيات قد بلغت العشرات ، تأمر بالتفكر والتعقل في الانفُس والآفاق ، فلم يضع الإسلام القيود أمام حركة الفكر السليم الذي ينشد الحقيقة ، ويُثير الشك كمقدمة للوصول إلى اليقين. وقد أطلق النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم الفكر من عقال الجاهلية وجعله يتجاوز المحسوس بانطلاقه إلى عوالم الغيب إلى مال لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر.
ولقد آمنت مدرسة أهل البيت عليهمالسلام بحرية التفكير والتعبير ؛ لغرض
__________________
(١) بحار الانوار ٢ : ٦٢.
(٢) شرح رسالة الحقوق ـ حسن السيد علي القبانچي ١ : ٤٠٩ ـ مؤسسة اسماعيليان ط ٢.