بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
كان ( مالك الأشتر ) قائد جيش الإمام علي عليه السلام، وهو من أشجع الفرسان في المعارك، و اشدهم في الحروب. وهو رجل طويل القامة ضخم الجثة، يرتدي قميصا وعمامة، تركت الحرب آثارها على وجهه، وطبعت شخصية استاذه الإمام علي عليه السلام بأخلاقه السامية علامتها على طباعه وسلوكه.
وفي يوم من الأيام، مر ( مالك الأشتر ) في سوق الكوفة، وهو بزيه ذاك، فأراد أحد السوقيين أن يزدري به، ويسخر منه، فأخذ بندقة ورماه بها، وانتظر قليلا ليرى ما سيفعله هذا العابر. تعجب أهل السوق من هذا العمل المشين.
إلا أن مالك الأشتر، لم يعبأ بما فعله هذا السوقي، فلم يعره أيما اهتمام، و واصل سيره في السوق، حتى اختفى في زحام السوق، وتوارى عن الانظار، بمشيته المتواضعة، وزيه المعتاد.
"" بماذا فكر مالك الأشتر ؟! "" "" وماذا دار في خلده ؟!! ""
عند ذلك قال أحد أصحاب الدكاكين في ذلك السوق لهذا الرجل : ( هل تعرف من هو الشخص الذي رميته ؟ )، فقال الرجل : ( لا، إنه عابر مثل بقية العابرين ). فقال له الرجل : ( لا، ليس كبقية الناس، إنه ( مالك الأشتر ) صاحب أمير المؤمنين عليه السلام وقائد جيشه ). فقال الرجل : ( أهذا هو مالك الأشتر الذي ترتعد فرائض الأسد خيفة منه، وتفز منه الشجعان في المعارك ؟).
فأجابه صاحبه : ( نعم، إنه هو ). فركض الرجل نحو مالك الأشتر يريد الحاق به ليعتذر منه، فلم يدركه فقد غاب بين الناس، وابتعد عن السوق. فأخذ الرجل يسأل عنه فقيل له إنه دخل في مسجد، فوقف الرجل بباب المسجد يبحث عن مالك فرآه في آخر صلاته، وهو يدعوا ويناجي ربه.
ولما أكمل مالك صلاته، اكب الرجل على أقدام مالك الأشتر يقبلها، ويعتذر منه، ولأنه كان يتوقع أن يعاقبه قائد الجيش أشد عقوبة، لما فعله به في السوق، ولكن مالك الأشتر أبعد قدميه عن الرجل وأمسكه من يديه وسأله : ( ما الأمر، ما بك ؟!! ) فقال السوقي : ( أعتذر منك عما بدر مني في السوق فأنا من رماك بالبندقة واستهزأ بك وجئت طالبا العذر منك ). فقال له مالك الأشتر بروح طيبة و أخلاق سامية : ( لا بأس، فوالله ما دخلت المسجد إلا لأستغفرن لك ... إذهب فليس في قلبي ضغينه عليك )