الموضوع منقول من أحد الكتب كتاب " مسير الأرواح في عالم البرزخ للكاتب " أصغر بهنمي "
قال الإمام علي { علية الســلام }
:: الناسُ نِيام .. فإذا ماتوا انتبهوا ::
الاحتضار
منذُ أيام عمّ الألمُ جسدي وأخذ يؤذيني .. وبدأت علامات الموت تدنو مني وحلّت بي حالة الاحتضار .
أداروا برجليَّ نحو القبلة .. وأحاط بي زوجتي وأبنائي وأقربائي وبعضُ أصدقائي .. ومنهم مَنْ ترقرقت دموع عينيه .. فأغمضتُ عينيّ بهدوء وغرقتُ في بحر أفكاري .. وأخذتُ أفكر مع نفسي .. بمّ قضيتُ عمري .. ؟ .. ومنْ أين لملَمتُ أموالي .. ؟ – رغم قلّتها – وأين أنفقْتُها .. ؟ !!!
لقدْ كان التفكير بذلك يؤلمني كثيراً .. ومن شدّة القلق فتحتُ عيوني .
الموت (( خروج الروح من الجسد ))
في تلك الأثناء انتبهتُ إلى وجود شبحٍ طويل القامة يرتدي ثياباً بيضاء قد نشب يديه على أطراف أصابع قدميَّ وأخذ يتجه نحو الأعلى من جسدي .. ولمْ أكن أشعر بالألم عندما كان عند قدميَّ لكن الألم أخذ يزداد كلّما إرتفع نحو الأعلى وكأنّ الألم باجمهِ أخذ يتحرك إلى الأعلى من جسدي حتى وصلت يديه إلى حلقومي .. حينها أصبح جسدي بلا شعور .. بيد أنّ رأسي أصبح ثقيلاً بحيث كنتُ أشعر بأنهُ سينفجر من شدة الضغط .. أو أنّ عينيَّ ستخرجان من حدقتيهما .
تقدّم عمّي الشيخ العجوز نحوي وقدْ امتلأت عيناهُ بالدموع وقال لي : يا ولدي اقرأ الشهادتين .. أنا أقرأها وأنت رددها معي : أشهد أنّ لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله وأنّ علياً وليّ الله ...
لقدْ كنتُ أراه وأسمع صوته .. فتحركتْ شفتاي ببطء .. وما إن أردتُ التلّفظ بالشهادتين حتى أحاطت بي أشباح سوداء قبيحة وألحّوا عليَّ أن لا أنطق بالشهادتين .. لقدْ كنت سمعتُ بأنّ الشياطين تحاول سلبَ إيمان المرء عندَ موته .. لكنني لمْ أكن أتصوّر أبداً أنهم يفلحون في صدّي .ومرّة أخرى أدنى عمي وجههُ مني وتلّفظ بالشهادتين .. ولمّا أردتُ تحريك لساني تحرّك الشياطين مرّة أخرى ولكن عن طريق التهديد في هذهِ المرّة .
لقد كانت لحظات عجيبة .. فمن ناحية كان الذي يرتدي ثياباً بيضاء يمارس أعمالاً مدهشة .. ومن جهة ثانية .. كنتُ أواجه إصرار عمي على النطق بالشهادتين .. وثالثة محاولات الأشباح الخبيثة في سلب إيماني في آخر لحظات حياتي .
ثَقُل لساني وكأن شفتي قد خبطت مع بعضها .. لقد اعتراني العجز .. وكنتُ أريد الخلاص من هذا الوضع المؤلم ولكن كيف ..؟ !! وعنْ أي طريق ..؟ !! وبرواسطة منْ ..؟ !! في غضون ذلك التجاذب ظهرت من بعيد أنوارٌ ساطعة فقام الرجل ذو الثياب البيضاء إجلالاً لها فيما ولّت تلك الوجوه القبيحة هاربة .. ورغم عدم معرفتي في تلك اللحظات لتلك الأنوار الطاهرة الفريدة لكنني عرفت فيما بعد أنهم الأئمة الأطهار { عليهم السلام } قدْ حضروني في اللحظات الحساسة وببركة وجودهم اشرق وجهي وانفتح لساني فتحركت شفتيَّ ونطقتُ بالشهادتين هنا امتدت يدُ ذلك الرجل ذي الثياب البيضاء لتمسح على وجهي .. وشعرتُ بالإطمئنان بعد أن كنتُ أعاني شدة الألم والإضطراب .
لقد أصبحتُ وكأنني ألقيتُ الآلام والعذاب بأجمعهِ على كاهل أهل الدُنيا لأنني شعرتُ بالإستقرار وكأنني لمْ أرَ حرية وإستقراراً كالذي عشتهْ في ذلك اليوم فقدْ انفتحَ لساني وارحَ عقلي .
كنتُ أرى الجميع وأسمع أحاديثَهُم .. هُنا وقعت عينان على ذلك الرجل ذي الثياب البيضاء فسألتُهْ : منْ أنت ..؟ !! وماذا تُريدُ مني ..؟ !! فإنني أعرفُ كلّ الذين حولي إلاّ أنت .. ؟ .!
فقال : كانَ عليكَ أن تعرفني .. أنا ملكُ الموت .
فأضطْربتُ لسماع إسمه وأهتزَّ كياني .. فوقفتُ أمامهِ أتخّضع وقلت : السلامُ عليكَ يا ملكَ ربي فلطالما سمعتُ بإسمك ومع ذلك لمْ أستطع معرفتك حين الموت .. هل تريد الإذنَ مني كيْ تقبِضَ روحي .. ؟ !!
فأجاب ملك الموت مبتسماً : إنني لا أحتاج إلى إذنِ من أيِّ أحد لأنتزعَ روحه من جسده .. وإذا ما تأملّت جيداً سترى أنّكَ قدْ ودّعتَ الحياةَ الفانية .. أنظر إلى جسدك قدْ بقيَ بين أهل الأرض !
فنظرتُ إلى الأسفل فأستحوذتْ عليَّ الدهشة والحيرة .. إذْ إنّ جسدي مطروح على الأرض بلا حراك بينَ أقربائي ومعارفي .. فيما كانت زوجتي وأبنائي وكثيرٌ من الأقارب يحومون حولي وهمْ يبكون وترتفع صرخاتهم إلى عنان السماء وأخذَ آخرون بالشكوى والتساؤل : لقدْ تعّجلَ عليهِ الموت .. لماذا .. ؟ !!!
أخذتُ أفكر مع نفسي : لِمَ ينوح هؤلاء .. ؟ !! ومِنْ أجل مَنْ .. ؟ !! أردتُ دعوتهمْ لإلتزام الهدوء .. وهل يكون ذلك .. ؟ !! ....
صرختُ فيهم : أيّها الأعزاء إلتزموا الهدوء .. أما تريدون راحتي وإستقراري .. ؟ !! فلماذا هذا التفّجع والحزن .. ؟ !!
بعدَ الألم المضني أصبحتُ الآن في كامل الراحة والسعادة
إنني أخاطبكمْ أما تسمعون .. !! لِمَ هذا البكاء ..؟ !! مِمَّ عويلكمْ وبكاؤكمْ ..؟ !! نوّروا الدار بالدعاء وذكر الحق تعالى .