بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
من المشاكل الاجتماعيّة التي نعانيها اليوم، وهي من علامات الساعة، انتشار الزنا والخيانة الزوجيّة وعدم العفة، قال(ص): «إنّ من أشراط السّاعة ـ فذكر أموراً منها ـ ويظهر الزنا».
ومن أسباب ضياع العفّة:
1- التساهل من المسلمين في الالتزام بحرمات الله تعالى، والتّهاون في إدخال الرجال والخدم إلى البيوت، ما يؤدي إلى وقوع كثير من المحرّمات.
2- عدم غضّ البصر والنظر إلى الحرام، واستخدام النّساء الكاسيات العاريات وسائل ترويج للبضاعة والسّلع.
3 - الإعلام الّذي لا يقدّم إلا البرامج والمسلسلات التي فيها ألوان العشق المحرّم والغرام الكاذب والأفلام غير الأخلاقيّة، وزاد الأمر كارثةً، سوء استخدامنا للإنترنت، ما أدّى إلى أن تكون العفّة في كثير من الأسر نادرة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف نكتسب العفة في هذه الأيّام، لكي لا نقع في الخيانة، سواء الرّجال أو النّساء؟ والجواب هو باتّباع الخطوات التالية:
أوّلاً: التربية الإيمانيّة: بأن نربّي أنفسنا تربية إيمانيّة، وبأن نقوّي صلتنا بالله ربّ العالمين، ونعلم أنّ الله تعالى يرانا في السّرّ وفي العلن, يقول تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر: 19]، قال ابن عبّاس في قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ}: «هو الرجل يكون بين الرّجال، فتمرّ المرأة، فيتظاهر بأنه يغضّ بصره، فإذا وجد فرصة، نظر إلى المرأة وهو يحبّ أن ينظر إلى عورتها».
ومن الوسائل الّتي تقوّي الإيمان، الصيام، قال(ص): «فمن لم يستطع (الزواج)، فعليه بالصّوم، فإنّه له وجاء» (قاطع للشّهوة)، ومنها الإكثار من ذكر الله، ليحصل لنا الوجل من الله، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ َ}[الأنفال: 2].
ثانياً: التربية الأخلاقيّة: يقول(ص): «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا، وخياركم خياركم لنسائكم»...
ثالثاً: تجنّب المثيرات الخارجيّة: لا ينبغي للإنسان أن يوقع نفسه في أوساط المثيرات والمغريات، وهذا يتأتّى بغضّ البصر، والابتعاد عن مواطن الفساد، قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}[النّور: 30]، فهذا الخطاب للرّجال، وأيضاً وجّه الخطاب إلى النّساء، فقد قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}[النّور: 31].
رابعاً: الصّحبة الصّالحة: فإنّ الصّحبة الصّالحة تعينه على أن يحفظ بصره ويحفظ فرجه، وإن لم يستحِ من الله، فإنّه سيستحي من الصّحبة الصّالحة الذين هم حوله، والذين يذكّرونه إذا نسي، ويعينونه إذا تذكّر.
هذه الخطوات لا بدّ لها من شرط هامّ؛ هذا الشّرط هو العزيمة والإرادة على التّنفيذ، مع التّوبة النّصوح الصّادقة...
إنّ العفّة عنوان بارز من عناوين الشّخصيّة الإيمانيّة الملتزمة، التي تمارس فعل الإيمان بكلّ صدق وإخلاص وتفاعل إيجابيّ مع روح الأخلاقيّات الإسلاميّة العامّة، لجهة ممارسة العفّة على مستوى القول والفعل. فأن يكون المرء عفيفاً، فهذا ما يعبّر بأصدق تعبير عن أصالة الهويّة والانتماء إلى الفطرة السويّة، وإلى التشريع في بعده القيميّ الأخلاقيّ، الّذي يدعو إلى التمسّك بالعفّة، والعمل على مرتكزاتها، وتكريسها بكلّ الأساليب في حياة الأفراد والجماعات، لتكون فيصلاً يحكم كلّ واقعنا وعلاقاتنا العامّة والخاصّة، الّتي باتت اليوم بحاجة ماسّة إلى العفّة التي تعيد إليها قوّتها وأصالتها وحيويّتها في توجيه مسيرة النّاس والحياة.
والجميع اليوم مسؤول عن إبراز كلّ القيم والمفاهيم الإنسانيّة والإسلاميّة الأصيلة، ومن ذلك، العفّة من خلال كلّ السلوكيّات الّتي تعزّز استقرار المجتمع وتقدّمه.
"أمّا بالنّسبة إلى التمنيات غير الأخلاقية، أو الأفكار غير الأخلاقية، فلا بدّ للإنسان إذا طرأت عليه، من أن يتعامل معها بالطريقة التي يعمّق فيها القيمة الأخلاقيّة. فمثلاً، بالنّسبة إلى العفّة، سواء كانت أمام شهوة الإنسان في ما يحرم عليه، أو عفّة اليد من أن يسرق أو يخون الأمانة، أو غيرها، لا بدّ للإنسان من أن يربّي العفّة في نفسه، بالتّفكير في السلبيات الّتي يمكن أن تحدث لو اندفع في ما يتمنّاه هنا أو هناك على مستوى الدّنيا والآخرة.. وهذا يجمعه شيء واحد، وهو أن نسهر على قلوبنا وعقولنا، بحيث يحاول أحدنا أن يربّي قلبه وعقله وإحساسه وشعوره، لأنّ ما في الخارج ينطلق مما في الدّاخل، فإذا كان داخلك ثابتاً مستقرّاً واعياً عاقلاً منفتحاً على الحقيقة، فإنّ كلّ حركتك في الخارج سوف تكون بهذا الاتجاه وهذا المستوى. وهذا ما يؤكّده الله في مستوى القاعدة {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرّعد: 11]. فلا بدّ من أن تغيّر ما في نفسك من القلق والحيرة والأحلام غير الواقعيّة وغير الشرعيّة، لتغير واقعك.
لهذا، لا بدّ لنا من أن نجلس مع أنفسنا، لأنّ مشكلتنا هي أنّنا نجلس مع الآخرين أكثر مما نجلس مع أنفسنا، حتّى إنّ البعض منا يخاف الجلوس مع نفسه، لأنّه يستوحش من ذلك. ونضرب على ذلك مثلاً، فقد تسير في السيّارة والطريق طويل، وفرصة التّفكير حينئذ متاحة، لكنّك تفتح المذياع أو المسجّلة على أيّ شيء، فالمهمّ أن لا تصمت أو تخلد إلى الهدوء الّذي يقودك إلى التّفكير ومحاسبة النّفس، فإذا لم يكن لديك من تتكلّم معه، فإنك لا تتكلم مع نفسك، بل تحاول أن تسمع كلاماً يشغلك عن هذا الهدوء الّذي تعيشه. فما أحوجنا إزاء هذا الضّجيج؛ ضجيج الواقع، وضجيج السياسة، وضجيج الاقتصاد، أن نمنح أنفسنا فترةً من الهدوء لنفهم أنفسنا جيّداً، فإذا لم تفهم نفسك في ما تعتقده، وفي ما تحبّ وتبغض، وفيما هو خطّك في الحياة وأهدافك فيها، فمن الصّعب أن تجيب عن الأسئلة الحيويّة والمهمّة الّتي تطرح عليك، لأنّ معرفة النفس وما يطوف به الشّيطان عليها، أمر ضروريّ، حتّى تجعل المنطقة الداخليّة منطقة رحمانيّة، بحيث لا يكون في عقلك إلا الله من خلال الحقّ، ولا في قلبك إلا الله، ولا في حركتك في الحياة إلا الله.. فالله أوّلاً والله أخيراً، وهذا ما يحتاج إلى معاناة ووعي يتحرّك فيه الإنسان، ونسأل الله أن يعيننا على أنفسنا بما يعين به الصّالحين على أنفسهم