بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
يدير الله تعالى الكون بفيض واحد. ويرشد النظام التكويني نحو الكمال بفيض واحد. وكذلك يوصل نظام التشريع إلى الكمال اللائق بواسطة هداية نورانية واحدة أيضاً. جاء حول نظام التكوين: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَر﴾ (القمر: 50). وحول نظام التشريع ورد في القرآن الكريم: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ (سبأ: 46).
* أول خطوة اليقظة
يقول الذين بذلوا جهوداً في تهذيب الروح إن الخطوة الأولى هي "اليقظة". النائم عاجز عن النهوض وعن الحركة. وإذا كان الإنسان نائماً وحصل زلزال وتهدّم المنزل أو جرى طوفان، فإنه سيكون عُرضة لكل حادثة أليمة. أما الإنسان اليقظ، فيشعر بالخطر وينجو منه.
الإنسان الغافل كالنائم، وإلى هذا أشار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا"(1). وجاء في عبارات الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام النورانية: "نعوذ بالله من سبات العقل"(2).
عندما لا يكون عقل الإنسان قادراً على الفهم فهو معطل. وعندما يفهم ولا يعمل فهو نائم. إذا استيقظ الإنسان فإن يقظته هذه ترافقها الحركة. في البداية يجب أن تحصل اليقظة وبعد ذلك الوقوع ومن ثم الحركة.
*الذّكر طريق طرد الغفلة
أما طريق طرد الغفلة فهو في "الذكر"؛ وذلك من خلال الأذكار التي ظهرت على شكل أدعية وعبادات خاصة، عند الصباح والظهر والمساء، في أيام الأسبوع وفي ساعات اليوم وفي الأعياد الدينية وأمثال ذلك. وأمرنا أن نبدأ كل نوع طعام بذكر "بسم الله الرحمن الرحيم". وإذا لم نوفّق لذلك، اقتصرنا على عبارة "بسم الله من أوله إلى آخره". وقيل بضرورة بدء كل شيء بـ"بسم الله الرحمن الرحيم".
*أهم مصاديق الذكر
أولاً - الصلوات اليومية الخمسة:
من أهم مصاديق ذكر الله ومن أهم الأسباب التي تطرد الغفلة: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ (طه: 14). والمصلّي يخاطب الله تعالى: "المصلّي يناجي ربه"(3).
ثانياً - تسبيح الزهراء عليها السلام :
يستحب بعد هذه المناجاة (الصلاة) أن يقول المصلي أربعاً وثلاثين مرة "الله أكبر" وثلاثاً وثلاثين مرة "الحمد لله" ومثلها "سبحان الله". وهو ذكر علّمه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم للصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام .
أما أفضل أحوال الإنسان، حالة المناجاة مع الله والصلاة هي تجلّي هذه المناجاة: "لو يعلم المصلّي من يناجي ما انفتل"(4). إذا أدرك المصلّي أنه يناجي الله وأن مناجاته عذبة ولذيذة، فلا يترك الصلاة، كما أن الحديث مع الحبيب عذْب عند الإنسان الذي لا يشعر بضعف أو تعب منه مهما طال.
* سوء الظن بالنفس
بعد النجاة من الغفلة يجب أن يكون الإنسان حذراً من الذي يُرجعه إليها مرة أخرى. ولذلك يجب أن يعرف الإنسان النِّعم الإلهيّة، وعليه أن يعرف أنه في المحضر والمشهد الإلهي في كافّة حالاته، وعليه أن لا يظنّ بنفسه حسناً؛ لأن حُسن الظن بالنفس يحمل الإنسان على الاعتقاد بصحّة أعماله وتبريرها. والتبرير لا يتلاءم مع تهذيب الروح. هكذا شخص لا طريق له إلى التوبة، لأنه لا يعتقد بأن أعماله قبيحة فيبادر إلى التوبة منها.
*عدم سوء الظن بالآخرين
ويجب على الإنسان أن لا يسيء الظن بالآخرين إلا إذا دلّت الشواهد على ذلك. نعم يجب أن يسيء الظن بنفسه، فلا يَحمِل أعماله على الصحة فوراً، بل يعمل لتقييمها بالموازين الإلهية. وحالة سوء الظن هذه تمهّد الطريق أمام الإنسان ليدرس أحواله. وإذا أحسن الإنسان الظن بنفسه، فإنه يحمل الأمور الإلهية على الإكرام الإلهي: ﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾ (الفجر: 15). مع العلم أن الله يكون في موقع الممتحن له، وليس في موقع الإكرام له. حسن الظن بالنفس والغفلة عن القبائح والنواقص يدعو إلى التفاخر. والتفاخر سبب احتقار الآخرين. مع العلم أن الإمام الصادق عليه السلام يقول: "إذا قال المؤمن لأخيه أفٍ، خرج من ولايته"(5). فالإنسان لا يحق له قول أفٍ لأخيه المؤمن.
*محبة المؤمنين ونزاهة الروح
فالغفلة تشوّه العلاقة بين الإنسان والله، وتشوّه العلاقة بين الناس أيضاً. وإذا ساءت علاقة الإنسان بربه وبأخيه الإنسان، أصبح عاجزاً عن التهذيب والطهارة. تلعب علاقة المؤمنين ببعضهم بعضاً دوراً في نزاهة الروح حتى جاء في الروايات: "ربح المؤمن على المؤمن رِبَا"(6). وكما جاء في قول لأمير المؤمنين عليه السلام : "من نام لم يُنَم عنه"(7). إذا نام الإنسان استيقظ عدوه الداخلي. والواضح أن السيطرة على النائم سهلة.
من جهة أخرى، إذا وثّق الإنسان علاقته بالله عن طريق طرد الغفلة شملته الرحمة الإلهية واتجهت نحوه أفئدة المجتمع. ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ (مريم: 96).