العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الإجتماعي

المنتدى الإجتماعي المنتدى مخصص للأمور الإجتماعية

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.37 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى الإجتماعي
افتراضي الشباب تطلع نحو المسؤولية
قديم بتاريخ : 03-09-2017 الساعة : 05:57 PM


الشباب تطلع نحو المسؤولية
نقِّل بصرك في أرجاء هذا الكون الفسيح..
هل ترى من شيء إلاّ وله مسؤولية أو عدّة مسؤوليات يمارسها؟
الشمس والقمر مسؤولان عن إنارة الأرض والسّماء في النهار وفي اللّيل.. ولولا هذا السراج وهذا المصباح لغرق الكون في ظلام دامس مخيف.. ولهما أعمال أخرى..
والليل والنهار مسؤولان في تعاقبهما عن هذا التقسيم الزمنيّ لليوم.. فنهارٌ للنشاط والمعاش وليلٌ للنوم والسبات، ولولا هذا التنظيم الوقتي الدقيق لاختلّ نظام الحياة في نهار طويل لا ليل بعده، أو ليل طويل لا نهار ينسلخ عنه.
وهذه النسائم التي تحلّق بأجنحتها الرخيّة هنا وهناك.. لو لم تهبّ علينا لتنقل لنا أنفاس الحياة.. لكنّا أصبنا بحالة اختناق لا نجاة منه.
وهذا الماء العذب الرقراق الذي يسيل أنهاراً وينابيع وعيوناً.. فيسقي الزرع ويروي عطش الإنسان والحيوان.. والبحر المالح الذي يحمل على صدره السفن الماخرة.. وفي بطنه تعيش ملايين الأسماك..
وهذه الطيـور السـابحة في الجوّ.. والتي تدرج على الأرض.. والماشية والنحل والنملُ، بل حتى الحيوانات المفترسة في الغابة.. كلّ له دوره ووظائفه.
فما بالك بالإنسان وهو أشرف هذه المخلوقات وأكرمها وأعظمها عند الله سبحانه وتعالى؟
منذ بداية الخلق حدّد الله له مسؤوليته: (قالَ إنِّي جاعِل في الأرض خلِيفة)(البقرة/ 30). ومنذ ذلك الحين عرف الإنسان طبيعة مسـؤوليته: (إنّا عرضنا الأمانة على السّـموات والأرض والجِبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان)(الأحزاب/ 72)، أي حمل مسؤولية إعمار الأرض وفقاً لإرادة الله الذي استخلفه.
الكون كلّه إذاً مسؤول.. من أصغر شيء حتى أكبر شيء فيه، فلا تكاد ترى شيئاً إلاّ وله مسؤولية قد تكون معلومة بالنسبة لنا وقد لا تكون.. وإذا كانت الكائنـات الأخرى مسـيّرة لما خلقت له، أي تمضي في القيام بواجباتها حسب نظام كوني قدّره الله لها، فإنّ الكائن الوحيد المختار ذا الإرادة هو الإنسان.. إنّه ـ بحسب طبيعة خلقته أيضاً ـ عليه أن يعمل بمسؤولياته، ويمكنه أيضاً أن يتخلّى عنها. وعلى حسب اختياره ـ عملاً وتخلياً ـ تترتب النتائج فوزاً وخسارة.
فلقد شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن تكون الحياة الدنيا ورشة عمل كبيرة، وساحة سباق وتنافس في الخيرات (هو الّذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا)(الملك/ 2). حتى إذا انتهت هذه الرحلة الأرضـية منذ أبينا آدم (عليه السلام) وحتى آخر مخلوق، أقبلنا على الساحة الثانية (المحشر والقيامة) التي يعلو فيها النداء: (وقِفوهُم إنّهُم مَسؤولون)(الصافات/ 24).
هناك تتوالى الأسئلة: ماذا فعلتم بمسؤولياتكم؟ هل أدّيتموها كما يجب؟ لماذا أنجزتم بعضها وأهملتم البعض الآخر؟ هل قمتم بها إبتغاء مرضاة الله أم لأغراض دنيوية وشخصية بحتة؟.. إلخ.
وبإختصار شديد، فإنّ الله سبحانه وتعالى خلق كلّ مخلوق لغاية معيّنة، ولمسؤولية معيّنة، وقد هداه إلى كيفية ممارستها ضمن ما آتاه من إمكانات تتناسب وأداء هذه المسؤولية. ولا يوجد مخلوق على هذه الأرض لا يعرف ما هي المسؤولية أو المسؤوليات التي خُلِق من أجلها. فالكون الفسيح الذي يحيطنا في أرضه ومائه وسمائه مصمّم على أساس المسؤولية التي تهدف إلى خدمة الإنسان، والإنسان مزوّد بطاقات مسـؤولة عن أعمار وإصلاح وازدهار هذا الكـون، فلا عبث ولا سدى (أفحسـبتُم أنّما خلقناكم عبـثا)(المؤمنون/ 115)، (أحسب الإنسان أن يُترك سدى)(القيامة/ 26).

إنسان بلا مسؤوليات
هل فكّرت مرّة بإنسان بلا مسؤوليات؟ هل يمكن أن تتصوّر نفسك في حلّ من أيّة مسؤولية في الحياة؟ كيف يكون شكل الحياة حينئذ؟
إنّ حياة خالية من المسؤوليات هي أشبه شيء بمدرسة بلا وظائف وتكاليف، لا يشعر فيها التلاميذ بأيّة إلتزامات، كيف تسير عملية الدراسة فيها؟ وكيف يمكن تحقيق النتائج المرجوّة؟ كيف يمكن تمييز العامل من الخامل والمنتج من المتـقاعس؟ فمـجرّد التفـكير بالحـياة الفارغة التي لا يجد فيها الإنسان إنسانيته من خلال كونه مسؤولاً يجعلنا نشعر بالدوار والعبث والفراغ الهائل، لأ نّها تصبح عند ذاك حياة الغرائز المنفلتة.
انّك حين تعيش المسؤولية في البيت فإنّك تعيش الإلتزام الأخلاقي إزاء الأسرة، فللأب مسؤولياته تجاه أولاده وزوجته، وللزوجة مسؤوليات إزاء زوجها وأولادها، وللأولاد مسؤولياتهم إزاء الأبوين وإزاء بعضهم البعض، وإذا تحلّلنا من ذلك وتنصّلنا عنه تزعزعت أركان الأسرة وتصدّعت، فلا يعود هناك أب يهتم بشؤون أسرته ولا أُم ترعى مصالح أبنائها، ولا أبناء يشعرون بوجوب الإحسان للوالدين.
عالم بلا مسؤوليات هو عالم مهدّد بالفساد والخراب وبالحروب الضارية وبالتنازع والفشل والخصومات التي لا حدود لها.. إنّه انهيار كلِّي شامل، فمثل المسؤول كمثل ربّان السفينة إذا ترك سفينته في مهبّ الريح وبيد الأمواج المتصارعة فإنّه يكون قد أسلمها وأسلم ركّابها وحمولتها إلى الخطر الداهم والغرق المحقق.
ولذلك، فإنّ من بين ملامح الجمال والحكمة في هذا العالم هي هذه المسؤوليات التي تناط بنا، ونتنافس على أدائها بأفضل وجه.

بداية المسؤولية:
ها أنت تغادر مسرح طفولتك وملعب صباك لتطأ أعتاب شبابك.. تلك مرحلة انطوت لم تكن فيها مسؤولاً.. أبوك وأمّك كانا يتوليان رعايتك ويقومان بمسؤولية تربيتك والإنفاق عليك.. اليوم اختلف الأمر.. ما زلت قريباً منهما وتحظى بعنايتهما لكنّك لم تعد ذلك الطفل الصغير اللاّهي.. لقد تغيّرت فيك أشياء كثيرة سواء في جسدك أو في مداركك العقلية.. إنّك الآن تدخل عالم الكبار.. تتحوّل من طفل إلى رجل.
هذا التغيّر الذي يحصل لكل فتى وفتاة يمثل إنتقالة طبيعية لكلّ منهما، لكنّه أيضاً يمثِّل مرحلة جديدة في عالم المسؤوليات.. فمن (طفل لاه) إلى (رجل مسؤول) أو (امرأة مسؤولة).
في هذه السنّ التي يطلق عليها بـ(المراهقة) يصبح الشاب والشابّة مسؤولين أمام الله سبحانه وتعالى ضمن تكاليف وفروض وواجبات عليهما أن يمارساها خلال فترة حياتهما.
ماذا يعني ذلك؟
يعني أنّ الشابّ ـ فتى كان أو فتاة لا فرق ـ سيقف منذ اليوم هو والأكبر سناً منه على قدم المساواة في ساحة المسؤولية والمحاسبة، فأنا ـ حديث العهد بالإلتزام بالمسؤولية ـ وأبي وأمّي اللذان سبقاني إلى تحمّل مسؤولياتهما مطالبون بأداء نفس المسؤوليات.. هما يتحملان مسؤولية أعمالهما وأنا أتحمّل مسؤولية أعمالي أداءً وتقصيرا..
لقد ولّى عهد التواكل والإسترخاء واللهو والعبث الطفولي، ودقّت ساعة العمل الجادّ، ففي هذا المعمل الواسع الكبير الذي اسمه الكون لك موقعك بين مواقع العمل المسؤول، وهو أشبه شيء بورشات متعددة تعمل باتجاه هدف واحد هو كسب مرضـاة الله سبحانه وتعالى: (يا أيُّها الإنسانُ إنّك كادحٌ إلى ربِّكَ كدحاً فمُلاقيه)(الإنشقاق/ 6).

مسؤولياتنا مشتركة:
قد تختلفين أنت كفتاة بالغة مع أخيك البالغ في العمر الذي يتحمّل فيه كلّ منكما مسؤوليته ـ بحسب طبيعة تكوين كلّ منكما ـ لكنّ المسؤوليات بينكما مشتركة.. فهو مكلّف بأمور معيّنة، وأنت كذلك أصبحت مكلّفة بالأمور نفسها. وقد تكون هناك بعض الفوارق في مسؤولياتك ومسؤولياته إلاّ أنّكما بصفة عامّة لكما مسؤولياتكما التي لا تختلف بين فتى أو فتاة.
فمنذ أن عاش أبونا آدم وأمّنا حوّاء في الجنّة التي ذكرها الله تعالى في كتابه، توجّهت المسؤولية إليهما معاً: (ألم أنهكما) و(أقل لكما) و(إنّ الشّيطان لكما عدو)(الأعراف/ 22)، وهذا واضح من التثنية في الخطاب، فلآدم مسؤوليته ولحواء مسؤوليتها.
على ضوء هذا نعرف أنّنا كشبّان أو كفتيات نتحمّل مسؤولياتنا كلٌّ بصفته الشخصية، فإذا استقام الشاب وأحسن فله جزاء عمله الحسنى وزيادة، وإذا قصّر وأخطأ فهو يدفع ضريبة تقصيره وأخطائه (يوم تأتي كلّ نفس تجادل عن نفسها)(النحل/ 111).
وقد يتصور بعض الشباب خطأ أنّ مسؤولية الفتى الشاب هي أخفّ من مسؤولية الفتاة الشابّة، وكأنّ سمعة الفتاة غير سمعة الفتى. في حين أنّ المسؤولية في الأخطاء واحدة. وكما تتحمّل الفتاة الخاطئة نتائج ومسؤولية عملها، فكذلك الفتى المخطئ، حتى لو اختلف الناس في النظرة إلى كلّ منهما.
إنّ كلّ خطاب في القرآن الكريم سواء جاء بلغة الجمع المخاطَب أو بكلمة (الناس) أو (الّذين آمنوا) أو (يا بني آدم) هو خطاب للجنسين معاً: الذكر والأنثى، وقد وردت بعض الآيات التي تقرن وتجمع بينهما في إطار المسؤوليات الملقاة على عاتق كلّ منهما كما في الآية الكريمة: (إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصّـادقين والصّـادقات والصّـابرين والصّابرات والخاشـعين والخاشـعات والمتصـدِّقين والمتصـدِّقات والصّـائمين والصّـائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذّاكرين الله كثـيراً والذّاكرات أعدّ الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً) (الأحزاب/ 35).

نماذج قرآنية:
على شاشـة القرآن الكريم، يمكن مشـاهدة العديد من النماذج والعينات الشبابية التي عرفت مسؤوليتها بعمق وتحملتها بشرف، فقدّمت بذلك المثال الذي يحتذى لكل شاب أو شابّة يريدان أن ينهضا بمسؤولياتهما في هذه الحياة.
ففي عالم الأنبيـاء (عليهم السلام) نلتقي بـ(الفتى إبراهيم) في مرحلة تفتّح شبابه لنطالع وجهاً ينضح بالفتوّة ويطفح بالثقة، هازئاً بما يعبد الآباء من الأصنام، حتى أنّه يغافل قومه المشركين فيحطّم أصنامهم بفؤوس أصنامهم، وذلك عندما يعلّق الفأس التي كسّر بها الأصنام في رقبة الصنم الكبير ليجعله في موضع اتهام ومساءلة، وقد عرف قومه ذلك من خلال مواقفه الهازئة المستخفّة بعبادة ما لا يضرّ ولا ينفع (قالوا سمعنا فتى يذكرهم يُقال له إبراهيم) (الأنبياء/ 60).
إنّ فتوة إبراهيم (عليه السلام) المسخّرة في إلفات نظر قومه إلى ضرورة عبادة الله الواحد الأحد، سواء من خلال محاورة النجوم، أو محاورة الحاكم الطاغية (نمرود) أو في دعوة أبيه إلى الهدى، وصبره ومقاومته في تحمّل نتائج مسـؤوليته، ترسـم لنا صـورة الفتـوّة الإبراهيمـية المسؤولة التي يراد لنا أن نقتدي بها (لقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والّذين معه)(الممتحنة/ 4).
ثمّ يطل علينا وجه الغـلام (إسماعيل) الذي شرب من نهر أبيه إبراهيم (عليه السلام) ماء الفتـوّة المطيعة لله سـبحانه وتعالى، وكيف أبدى استعداداً عالياً للتضحية بنفسه من أجل تنفيذ إرادة الله سبحانه وتعالى، ثمّ وهو يساعد أباه في مهمّة بناء الكعبة المشرّفة.
وعلى مثل هذه الفتـوّة المطيعـة لله، المعـينة على البرِّ والإحسان (وصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب قال يا بني إنّ الله اصطفى لكم الدِّين فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون) (البقرة/ 132).
ويشرق على شاشة القرآن وجه الفتى (داود) الذي يوظّف فتوّته اليافعة في مقاومة الظالمين وإدهاشهم بالروح الاستشهادية من أجل الحقّ.
وأمّا فتوّة الشاب الجميل النبيل (يوسف) (عليه السلام) فكانت مسؤولة عن ضرب المثل الرائع للشاب العفيف الذي يربأ بنفسـه أن يقع في أحضان الرذيلة، والشاب الذي يمارس الدعوة إلى توحيد الله حتى وهو في السجن.
وتتجلّى فتوّة (موسى) (عليه السلام) في استقامته على الإيمان رغم أنّه نشأ وترعرع في الأجواء الكافرة، وفي (مدين) حينما يسقي للفتاتين بكلّ شهامة وحياء إيماني، وفيما يجابه من غطرسة فرعون وجبروته.
ثمّ يطلّ علينا وجه الفتى (عيسى) (عليه السلام) برّاً بوالدته ولم يكن جباراً عصياً، فلقد حمل مسؤوليته منذ نعومة أظفاره في رسم منهج أخلاقي لقومه يربطهم من خلاله بعبادة الله تعالى وحده.
وأمّا (محمّد) (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّنا لم نقرأ في القرآن شيئاً عن مسؤولياته في شبابه، ولكنّنا عرفنا من خلال سيرته المطهّرة كيف أنّه كان ينصرف عن الترّهات والخرافات والأوهام ليتعبّد في (غار حراء).. وكيف بنى شخصيته التي اتسمت بالصدق وطبعت بالأمانة حتى صارت مضرب الأمثال بين قريش.
وعلى غير صعيد الأنبياء (عليهم السلام) يطالعنا على الشاشة القرآنية، التي تعرض لنا صوراً عن الفتوّة المسؤولة، (الفتية أصحاب الكهف) الذين شعروا أن مسؤوليتهم هي في اجتناب التعامل مع الحاكم الظالم، وعدم الانخراط في مشاريعه الإفسادية.
وتتألق صورة الشابة المسؤولة (مريم بنت عمران) (عليها السلام) في مثل أعلى من الحياء والعفاف والصون والعبادة يحـتذى، و(أخت موسى) التي تلعب دوراً مسؤولاً في إنقاذ أخيها من الموت جوعاً بعدما حرّم الله عليه المراضع، والعمل على إنفاذ وعد الله لأمِّه في عودته سالماً كي تقرّ به عيناً.
هذه المشاهد القرآنية للشباب المسؤول تريد أن تقول:
الأنبياء (عليهم السلام) والمؤمنون كانوا جميعاً مسـؤولين في شبابهم.. وهم قدوات وأسوات حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر.. فخذوا من شبابهم لشبابكم.. ومن عطائهم لعطائكم.. إن كنتم تريدون معرفة: ما هي المسؤولية في الإسلام؟!


نماذج من السـيرة:
احتضن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) الشباب المسلم ورعاه وأولاه من المسؤوليات ما يجعلنا ـ كشباب ـ نعيد النظر في أدوارنا في الحياة، وما ذاك إلاّ لأ نّه كان يرى أنّهم الأرقّ أفئدة والأنقى سريرة والأقدر على التعاطي مع الحياة المتفتحة، والتفاعل مع المسؤوليات الثقيلة بإيجابية كبيرة. جاء في الحديث الشريف: «عليكم بالأحداث فإنّهم أسرع إلى كلّ خير».
ولعلّك قرأت في سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه أرسل ذلك الشاب الوديع (مصعب بن عمير) في أوّل مهمّة تبليغية للإسلام إلى المدينة المنوّرة، وقد اعتمد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الأسلوب في تسـخير طاقات الشباب واهتمامهم بمسؤولياتهم الرسالية في أكثر من نموذج.
- فـ(سعد بن مالك) لم يكن يتجاوز السابعة عشر من عمره، لكنّه كان إسلامياً متحرّكاً، وداعية للإسلام نشيطاً ينافس الكبار في عطائهم، ويحرّك في أمثاله من الشبان استعدادهم لفعل الخير، فكان موضع تقدير النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة.
- و(عمار بن ياسر) كان إبّان شبابه ـ كما بقي حتى آخر عمره ـ شعلة وهّاجة من الإيمان، لا يدع فرصة في زيادة الخـير والأعمال الصالحة وخدمة الإسلام والدفاع عنه إلاّ واغتنمها، بل وكان السبّاق إليها.
- و(عليّ بن أبي طالـب) هذا الذي وصـف النـبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فتـوّته بالقول «لا فتى إلاّ عليّ» كان يمثِّل فتـوّة الإسلام النمـوذجية الذي لم يدّخر طاقة من طاقات شبابه إلاّ وفجّرها في طريق الإسلام سواء في ساحات الجهاد، أو في ساحات البذل والعطاء.
- ولقد عيّن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) (عتاب بن أسيد) قائداً لمكّة بعد الفتح وهو لمّا يناهز الحادية والعشرين من عمره، تقديراً منه لكفاءة الشباب المؤمن العامل المكافح.
- كما عيّن (صلى الله عليه وآله وسلم) (أسامة بن زيد) قائداً للجيش في حربه ضدّ الروم، وكان عمره آنذاك (18) عاماً، وطلب إلى شيوخ قريش أن يسيروا تحت لوائه.
- وهكذا تعامل مع (معاذ بن جبل) و(معاذ بن عمرو بن الجموح) وغيرهم من شبان المسلمين من خلال رؤية واعية لدور الشاب المسلم وتقدير دقيق لمؤهلاته في حمل المسؤولية، وإدارة الأمور، أو قيادة الجيوش، أو التبليغ لرسالة الإسلام، فهم أقدر على تحمّل المشاق والصعاب، والدفاع عن الإسلام، وحمل همومه وتطلّعاته.
وقد لعب الشبان المسلمون والشابّات المسلمات ـ حتى بعد عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ أدواراً مشرّفة.. وما زالوا يشكّلون العماد في كلّ حركة وثورة وإصلاح وتغيير.

مسـؤولياتنا اليوم:
مسـؤولياتنا اليوم كشبّان مسلمين كما هي مسـؤولياتنا بالأمس وزيادة. فبالإضافة إلى المسؤولية الرِّسالية التي يفرضها الإنتماء إلى الإسلام وما يستتبع ذلك من العمل به ونشر تعاليمه وتوسيع رقعته والدفاع عنه، هناك مسؤوليات حضارية علمية وثقافية وعملية يتطلّب واقع المسلمين والتحدِّيات التي تواجههم النهوض بها.
هذه هي بعض مفردات هذه المسؤوليات وبشيء من الإختصار:

1- المسؤوليّة أمام الله تعالى:
كلّ المسؤوليات تجتمع في النهاية لديه، فالله سبحانه وتعالى لم يخلقنا عبثا: (إنّا هديناه النّجدين إمّا شاكراً وإمّا كفوراً) (الإنسان/ 3)، فهناك خط مستقيم واحد وإلى يمينه وشماله خطوط متعرجة كثيرة، ولا سبيل للفوز برضوان الله وجنّته إلاّ بسلوك الصراط المستقيم (اهدنا الصِّراط المسـتقيم * صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالِّين) (الحمد/ 6-7).
ولذا فإنّ مسؤوليتنا كشباب إزاء خالقنا ومحمّلنا مسؤولياتنا ومحاسبنا عليها، يمكن أن نتعرّف عليها من خلال الإجابة على ثلاثة أسئلة: ممّ ؟ وفيمَ ؟ وإلامَ؟
ممّ؟ وهو السؤال الخاصّ بمعرفتنا بالله.. فنحن نعرفه على نحو الإجمال، ولكن نحتاج أن نعرفه على وجه التفصيل: في آياته في الكون، وفي آياته في الكتاب الكريم، فكلّما ازددتَ معرفةً بالله ازددت إيماناً به وحبّاً له وطاعة لما يريد.
وفيم؟ وتختصّ بالسؤال عن الهدف من وراء الخلقة؛ هل خلقنا ليُعذِّبنا؟ هل خلقنا لنكون تُعساء في هذه الحـياة؟ هل أوجدنا لنمثِّل مسرحية معينة ثمّ ينتهي دور كلّ واحد منّا ليغادر المسرح وتنطفئ الأضواء؟ أم أنّ الغاية أسمى وأعظم؟
هذا بناء شامخٌ كبير.. لكلّ منّا يدٌ مساهمة فيه بلبنة أو بعدّة لبنات.. وهناك تصميم هندسي يشـبه ذاك الذي يضعه مهندس كبير لبناء ضخم.
هناك من يحاول أن يهدم البناء وأن ينسفه وأن لا يتركه يكتمل، ولذلك فالمهمة شاقّة لا تسير بلا معوقات أو عقبات.. إصلاح هنا وترميم هناك، وإعادة بناء هنا واستكمال للبناء هناك.
وإلامَ؟ وهذا سؤال يتعلّق بالاتجاه وبالمصير.. فإلى أين يراد بنا؟ هل نحن في سفينة تتلاطم بها الأمواج لا تعرف وجهتها؟ أم أنّ هناك مناراً تستنير به لتتجه نحوه؟
بالإجابة على هذه الأسئلة نكون قد عرفنا مسؤوليتنا أمام الله في الإنطلاق، وأثناء المسير، وفي نقطة الهدف.
أنت إذاً مسؤول أمام الله بقدر ما أعطاك من مواهب عقلية وجسدية ونفسية وروحية، وبما هداك إلى سبل الإيمان، وما مكّنك من أعمال، وأسبغ عليك من نعم.
الطريق إلى معرفة هذه المسؤولية يمرّ عبر: العقل، وكتاب الله، وسنّة نبيّه وشعور عال بالمسؤولية.

2- مسؤولية الإنتماء إلى الإسلام:
أنت مسلم؟ إذاً أنت مسؤول.
فالإسلام مسؤولية الإنسان المسلم، وهو ـ كما نعرف ـ ليس مجرّد نطق بالشهادتين، ولا مجرد عبادات شكلية، بل هو عملٌ كلّه، فإذا دخلت شركة الإيمان فعليك أن تلتزم ببرامج عملها وأنشطتها وفعالياتها المختلفة، أي أنّك اخترت بإرادة حرّة أن تكون عضواً فيها، والعضوية في أيّة شركة لها حقوق ولها واجبات لابدّ لكلّ عضو منتسب أن يتعرّف عليها وإلاّ تحرّك كالمكفوف أو المعصوب العينين.
فأن تشهد بوحدانية الله يستوجب أن تمتنع في حركتك في الحياة عن كلّ ما هو شرك وكفر وضلال وعصيان، وأن تشهد بنبوّة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) يتطلّب منك أن تجسّد ذلك بالطاعة والإمتثال والتصديق والعمل بما جاء به (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (الأحزاب/ 36). وأن تُصلِّ فإنّ صلاتك تنهاك عن الفحشـاء والمنكر، وأن تصـوم فإنّ صومك يستدعي الإعراض عن كلّ المحرّمات المادية والمعنوية مما يمكن أن نطلق عليه صفة الإنحراف.
ولهذا السبب نرى أنّ هناك عدداً من الأحاديث أخرجت بعض المسلمين من أسرة المسلمين أو من شركة الإيمان لأنّهم لم يلتزموا ولم يعملوا بمتطلبات هذا الإيمان، ومنها:
- «مَن أصبحَ ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم».
- «ليس منّا من غشّ مسلماً أو ضرّه».
- «ليس منّا مَنْ لم يبجِّل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف عالمنا».
- «ليس منّا مَنْ دعا إلى عصبية».
- «ليس منّا مَنْ لم يحاسب نفسه كلّ يوم».
- «ليس منّا مَنْ باتَ شبعاناً وجاره جائع».
- «ليس منّا مَنْ لا يرى دنيا لآخرته».
- «ليس منّا من لم يملك نفسه عند غضبه، ومن لم يحسن صحبة من صحبه، ومخالقة من خالقه، ومرافقة من رافقه، ومجاورة من جاوره».
إنّ نظرة فاحصة في هذه الأحاديث تبيّن لنا أنّ (الإسلام مسؤولية) في كلّ شيء، وأن كلمة (ليس منّا) هي استبعاد، لكلّ من لا يشعر بمسؤوليته، عن دائرة الإسلام.

3- مسؤولية الوقت:
أعمارنا هبة الله إلينا.. وهي المساحات الواسعة أو الضيِّقة من الأراضي الزراعية التي ترك لنا خيار زراعتها، حتى إذا كان يوم الحصاد الأكبر (يوم القيامة) سألنا عمّا فعلنا بمزارعنا، وعن محاصيلنا فيها.
لقد أعطى الله سبحانه وتعالى كلّ واحد منّا آنية وقال له: خذها واملأها بما تشاء فأنت وما تملأ.. واختلفنا: فمنّا من ملأ آنيته تراباً، ومنّا من ملأها معدناً ثميناً، ومنّا من ملأها سمّاً زعافاً.
وهي الآن بأيدينا.. فلينظر كلّ واحد منّا بمَ يملأ إناءه (عمره)؟
- فنحن كشباب مسؤولون عن اغتنام فرصة شبابنا لأنّها الأثمن والأغنى في حياتنا كلّها، ولأنّها ميدان الخير وحقل العطاء ومسرح التطوّر والرقي في مجالات خدمة الدين من خلال خدمة الإنسان ذاته.
- ومسؤولون عن عدم تضييع أوقاتنا باللهو العابث الطويل، وبالثرثرة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وبالتسكّع على أرصفة الشوارع وفي الأسواق وأمام واجهات المحلاّت، وعن تعبئتها بالنافع الصالح المثمر من الأعمال ممّا يذهب عناؤه ويبقى أجره وثوابه وأثره في الناس.
- ومسؤولون عن بناء شخصيتنا في فترة نموها ونضجها لنكون مميزين في عطائنا بين الناس، تماماً كما يعمل أحدنا ليكون مميزاً بجدِّه واجتهاده بين تلامذة فصله ومدرسته.
- ومسؤولون أيضاً عن مسابقة الزمن وليس مواكبته فقط، وذلك بأن نعتصر كلّ دقائقه وثوانيه ـ ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ـ في تطوير وتنمية كل ما يقع تحت أيدينا من جوانب شخصيتنا أو من واقع أمّتنا.
إن مسابقة الزمن هي أن تنظر إلى الأفق البعيد أيضاً وليس إلى ما يقع عليه بصرك في اللحظة الراهنة.. فأنت مسؤول عن أمسك ويومك ومستقبلك أيضاً.
الزمن يمضي.. إرم ببصرك في أقصى الغد وسترى أنّ الزمن ـ على قصر أيامه ولياليه، وبالرغم من ركضه السريع ـ يمكن أن يقدم ما هو أوسع من الساعات والأيام والأشهر والسنين.
وتذكّر.. أنّ يومك هو يوم مساو ليوم أي مكتشف أو مخترع أو عالم أو مبدع.. فليس هناك يوم طوله (24) ساعة وآخر (30) ساعة، ولكنّه الفرق بين إدراك مسؤولية الزمن وبين تمزيقه إرباً.
إنّ مسؤولية الوقت لا تتعلق بالزمن الذي نحياه بل تمتد إلى ما بعد الممات أيضاً حيث انّ الذكر العاطر والسيرة الحسنة وما يخلفه الإنسان من تجارب علم وعمل يبقى أثراً خالداً في الناس، وفي ذلك يقول الشاعر:
احفظ لنفسك بعد موتك ذكرها إنّ الذِّكر للإنسان عمر ثاني

4- مسؤولية العلم والمعرفة:
كان العلم والمعرفة منذ البدء وسيبقيان سلاحين في معركة الإنسان ضدّ الجهل والكـفر والتخلّـف.. فالفرق كبـير بين (مَن يعلم) و(مَن لا يعلم).. الأوّل في نور والثاني في ظلمات.. الأوّل قوي والثاني ضعيف.. الأوّل غني والثاني معدم.
والعلم والمعرفة ليسا مجرّد عملية تخزين أو تكديس للمعلومات، فالمعرفة في الإسلام مسؤولية «من عرف دلته معرفته على العمل». ومن هنا فلابدّ من العمل على تنويع وتوظيف معارفنا وعلومنا في خدمة أمّتنا والإنسانية كلّها.
والعلم والمعرفة ليسا قراءة في الكتب فقط، وإنّما هما تأمّل وتفكّر وتجريب، ولا يعني ذلك الإعراض عن قراءة الكتب والتزوّد بزادها الذي يمثِّل تراث الأجيال وملكيتها الفكرية المشتركة.
ثمّ أنّ مسؤولية المعرفة هي أن تكون حائزاً على قسط وافر منها، وأن تعمل على نشرها بين الناس، ولذا قيل: «زكاة العلم أن تعلِّمه مَن لا يعلمه» فلا تخشَ نفاداً أو شحة، فالعلم من الأرصدة التي لا تنتهي بل تزيد مع الإنفاق «العلم يزكو على الإنفاق».
ومسؤولية العلم لا تجوّز لك أن تكتم علمك أو تحجبه أو تخفيه عمّن هم بحاجة إليه فذلك أخطر من أن تحتكر غذاء، ذلك أنّ العلم الذي حصلت عليه بالدراسة، أو من خلال تجارب الحياة الواسـعة، أو بالمساعي الشخصية من خلال تنمية المواهب والمهارات هو مسؤوليتك أمام الله: هل أعطيته لمن يحتاجه؟ هل جعلته في طريق الدمار والتخريب؟ هل سخرته في المصالح الحيوية النافعة التي تغني الحياة وتطورها؟ هل أودعته في صناديق مقفلة؟... إلخ.
إنّ العلم للجميع ومن بخل بعلمه سلبه الله إيّاه.
وفي عصر موصوف بأنّه (عصر العلم) نحتاج إلى معرفة الكثير مما يبحثه وينتجه هذا العلم «العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس». وأن نربط عجلة المعهد أو الجامعة بحركة المجتمع، فعربة الحياة لا تسير إلاّ بهذين الحصانين، وأن نتعلم أوليات وأسس البحث العلمي والتخصص في مجالاته المتنوعة، ذلك أنّ المسؤولية الشرعية تقتضي أن يكون لدى المسلمين الكم الكافي من الطاقات والاختصاصات التي تسد حاجات المسلمين في شؤون العلم والمعرفة كلّها[1].
إنّ مسؤولية العلم تتطلب كذلك عدم الإستسلام للواقع العلمي الموجود فلا يصح أن نراه نهائياً أو على غاية في الكمال، بل علينا أن نعمل كشباب ـ كل حسب طاقته ـ على مزيد من الإبتكار والإبداع والتجديد، فكما لغيرنا عقول تفكر وتتأمل وتنتج، فإن لنا عقولنا التي تفعل ذلك أيضاً، فليست عقول الآخرين من ذهب وعقولنا من حديد أو أن عقولهم من حديد وعقولنا من تراب، إلاّ انّ ذلك لا يكون إلاّ من خلال منهج في التفكير يعتمد السؤال والإستشارة والتنافس والحوار، وشمولية في التفكير بأن نلم بالموضوع من جوانبه كلّها، ولا يتناقض ذلك مع التركيز في البحث على مشكلة محددة حتى لا نضيع في شعاب البحـث. ولابدّ أيضاً من تربية الحس النقـدي الذي يرفض الخطأ والباطل والإنحراف والتحريف من أيّة جهة صدر.
مسؤوليتنا العلمية تقتضي أيضاً الاسـتزادة من المعارف القديمة والعـصرية (وقُل ربِّ زدني علماً) (طه/ 114). فالقوي اليوم هو الأكثر علماً، والمؤمن القوي هو المؤمن العالم العامل، وهو بالتأكيد خير من مائة مؤمن ضعيف. على أن هذه المسؤولية تتطلب اجتناب الغرور العلمي الذي يصد عن اكتساب المزيد من المعرفة «الإعجاب يمنع الإزدياد»، واجتناب الترف الفكري وهو العلم الذي لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه، وتجاوز حالة التناقض الفكري بين ما هو أصيل وما هو دخيل، والانفصام بين العلم والعمل. وان تساهم بما حباك الله من طاقات عقلية باضافة ولو لبنة واحدة في بناء الحضارة الإسلامية.

5- مسؤولية الكلمة:
ليست الكلمات التي نتفوه بها فقاعات صابون تطفو على سطح ألسنتنا لتنفجر في الهواء بسرعة.. فالكلمة في الإسلام مسؤولية (ما يلفظ من قول إلاّ لديهِ رقيب عتيد) (ق/ 1)، رقيب يراقب أقواله في الخير وفي الشّر، ذلك لأنّ اللسان كما في الحديث «مفتاح خير ومفتاح شر».
ومسؤولية الكلمة تتحدد في التفكير بها قبل إطلاقها، واختيار الأحسن من بين الكلمات الحسنة الكثيرة، واتباع الأسلوب الأمثل في إطلاقها، ودراسة انعكاسها وتأثيرها على من يتلقّونها.
وتلك عملية تحتاج إلى شيء من التدريـب، فالتسرّع في قذف الكلمات كثيراً ما يؤدي إلى نتائج سلبية وأحياناً وخيمة، والتأني في انتقاء الألفاظ وصياغتها بأسلوب محبب، غالباً ما يؤدي إلى نتائج إيجابية طيِّبة.
إن كلماتنا الجميلة هي مثل الهدايا.. يستحسن أن نقدمها مغلّفة بغلاف جميل حتى تسر الذين نقدمها إليهم.
وكلماتنا الناقـدة مثل وخزات الإبر.. يفضل أن لا تكون موجعة للدرجة التي تجرح سامعيها.
وبعد حين من المراس والتمرين سـيكون لنا قاموسـنا الخاص في الكلمات المهذبة والكلمات النقدية الصريحة، فنحن في الحالين نريد أن نصل إلى عقول الناس عن طريق قلوبهـم، ولا يكون ذلك إلاّ باتباع الأسلوب الذي علّمنا القـرآن إيّاه (وقُل لعـبادي يقـولوا الّتي هي أحسن) (الإسراء/ 52).
فالكلمات كالبضائع في السوق، فيها الجيد وفيها الرديء.. وعلينا أن نتخير (الكلمة الطيِّبة) في لفظها وفي معناها وفي مرادها لتكون رسولنا إلى الآخرين.. وتلك ليست مهمّة سهلة لكنّها ليست صعبة على من يعيش مسؤولية الكلمة.
والكلمات بعد ذلك درجات (طيِّبات) و(خبيثات).
هناك (الكلمة المعروفة) التي درج الناس على تقديرها واستحسانها: (وقولوا لهم قولاً معروفاً) (النِّساء/ 8).
وهناك (الكلمة اللينة) التي تخفق بأجنحتها فوق سمع السامعين فلا تجرحهم (فقولا له قولاً ليناً لعلّه يتذكّر أو يخشى) (طه/ 44).
وهناك (الكلمة السديدة) المطبوخة على نار هادئة، والموزونة بميزان الذهـب، والتي تهدف إلى الرّشـاد والتسديد لخطى السامع (فليتّقوا الله وليقولوا قولاً سديدا) (النِّساء/ 9).
وهناك (الكلمة الكريمة) بما تحمله من جود وسخاء نفس قائلها بحيث تثري سامعها إنْ بموعظة أو نصح أو توجيه أو تصحيح للأخطاء ونقد للعـثرات، أو في ثناء وتشـجيع وحث وشكر (وقل لهما قولاً كريما) (الإسراء/ 23).
وهناك (الكلمة البليغة) التي تبلغ أسماع الناس فتؤثر فيهم، فكأن قائلها يتريث كثيراً في تقدير إصابتها للهدف، كمن يطلق سهماً وهو مطمئن أنّه سيصيب كبد هدفه (أعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغا) (الذاريات/ 63).
إنّ انتقاء الكلمات الأحسن، واختيار الأسلوب الأمثل في إطلاقها، محاولة وتمرين منّا، وتوفيق وهدايـة من ربّ العالمين (وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد) (الحج/ 24).
وأمّا الكلمات الخبيثة التي تحتاج إلى تمرين آخر في اجتنابها، والإعراض عنها، والهروب منها هروبنا من الجراثيم والميكروبات، فمنها:
(كلمة الزور): وهي الكلمة التي لا أساس لها من الصحّة أو هي الشهادة بالباطل (واجتنبوا قول الزّور)(الحج/ 30). (وإنّهم ليقولون منكراً من القول وزورا) (المجادلة/ 2).
و(كلمة التشهير والتسـقيط): بما لا يبقي حرمة للآخر المسلم (لا يحبّ الله الجهر بالسُّوء من القول إلاّ من ظلم) (النِّساء/ 148).
و(الكلمة المزخرفة): التي لها شكل جمـيل، وهي إمّا خاويـة من الداخل أو تحمل مضموناً قبيحاً (يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) (الأنعام/ 112). ومثلها (الكلمة المزوقة المزيفة) التي لها رنين ووقع في السـمع لكنّها منقـوعة بالسم (ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدُّنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام) (البقرة/ 204).
و(الكلمة المتأففة): التي يطلقها الابن العاق أو المسيء بوجه أبويه وكأنّه يصفعهما بها (فلا تقل لهما أُفٌّ ولا تنهرهما) (الإسراء/ 23).
فنحن في سوق الكلمات، كما نحن في سوق البضائع، لابدّ أن نتخيّر أجودها.. فالكلمة الجيِّدة كالبضاعة الجيِّدة تحتاج إلى أن ندفع من أجلها ثمناً أكبر لكنّها تدوم أكثر وتترك تأثيراً أكبر، والكلمة السيِّئة أو الرديئة علاوة على أنّها سريعة التلف فإنّ لها ضريبتها أيضاً في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة.
فإذا كانت الكلمة من نوع الكلمات الطيِّبة فهي: الهادية، والمرققة للقلوب، والفاتحة للأذهان، والمشجّعة على فعل الخير، والمعلّمة، والمربية، والمفتّحة لنوافذ البرّ والإحسان.
وإن كانت من صنف الكلمات الخبيثة فهي الجارحة للمشاعر، المخدشة للذوق، المثيرة للعواصف، المفجّرة للغضب، الفاتحة لأبواب الشر.
كلمتك إذاً مسؤوليتك، وما دامت في عهدتك وتحت طي لسانك فأنت قادر على التحكّم بها، فإذا خرجت صارت في عهدة الآخرين وعليها تترتب النتائج السلبية والإيجابية.
وكشباب، ما زلنا نتعلم درس الكلمات في مدرسة المسؤولية، ستواجهنا كلمات: الوعد والعهد والتعليم والوعظ والدعوة إلى الله والتأييد للعدل وللحق والرفض للباطل وللظلم.. وهي كلمات تحتاج إلى الصدق أوّلاً. فعلى سبيل المثال فإن كلمة (الوعد) مسؤولة، فأنت حين تعدني بشيء لابدّ أن تفي به، ذلك أنّ «المؤمن إذا وعد وفى» وكما قيل في الأمثال «وعد الحر دين».. ولنتذكر دائماً أن كلمة (نعم) ليست سهلة كما نظن.
وستواجهنا كلمات: السخرية والإستهزاء والإنتقاص والتجريح وإثارة الحساسـيات والتناقض والافتراء والمداهنة. وهي كلمات شـائعة للأسف يتداولها بعض الناس غير ملتفتـين إلى أنّها تشـبه الشرارات التي تشعل الحرائق، أو المعاول التي تهدم البيوت، أو المطارق التي تكسر القلوب.
كلمتك صوتك.. هي أنت.. فلا تتبرع بها بالمجان.. ولا تجعلها السفلى في تأييد باطل هنا ومنكر هناك.
كلمتك ليست نبرة صوتك أو أحرفاً تائهة.. إنّها مسؤوليتك.

6- مسؤولية العمل:
إذا كانت مسـؤولية الكلمات والأقوال هي هذه، فكيف يا ترى تكون مسؤولية الأعمال؟
نحن أتباع دين يريد لنا أن نقرن (القول) بـ(العمل).. وأن لا تكون كلماتنا فضفاضة أوسع من حنجرتنا، وأكبر من حجم قدراتنا، ولاتلتقي بأقوالنا من أي طريق (أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم) (البقرة/ 44). (يا أيُّها الّذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) (الصف/ 2-3).
فلو أنّك وجدتني أتحدث عن قيمة الصدق وأثره في إشاعة الطمأنينة بين الناس، وحين تصحبني تجد لي كذبة هنا وكذبة هناك، فكيف سيكون انطباعك عنِّي؟
ستعتبرني منافقاً أو متناقضاً أعيش الإزدواجية بين كلمتي وموقفي مما يدعوك إلى النفور منِّي، وقد تتقلص الثقة وتنعدم بيننا جراء ذلك.
والمسلم الذي يحمل فكر الإسلام ولا يعمل به يصدق عليه تشبيه (مثلهم كمثل الحمار يحمل أسـفاراً بئسَ مثل القـومِ الّذين كذّبوا بآيات الله) (الجمعة/ 5)، إذ ما فائدة مكتبة فيها كتب قيمة يحملها حمار؟ إنّه يتحسس ثقلها على ظهره لكنّه لا يشعر بثقلها المعرفي في عقله وقلبه وحياته.
ولعلّ الذين يقولون إنّ العمل هو أفضل أسلوب للتأثير محقّـون، فالأعمال عادة تتكلم بصوت أعلى من الأقوال، ولذا جاء في الحديث: «كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم حتى يروا منكم الورع والاجتهاد والتقوى فذلك داعية». وكلمة (فذلك داعية) دلالة على قدرة العمل الخارجي على التأثير.
فأنت مثلاً تقرأ في الكتاب الكريم (وقُل اعْملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) (التوبة/ 105)، فهل تغلق سـمعك عن النداء وكأنّ الأمر لا يعنيك؟ ألست المسلم الذي يقول الخير ويعمل الخير؟
وكما أنّ اللغو واللهو والثرثرة والتصرفات اللاّمسؤولة ضيعت من طاقات شبابنا الكثير، فإنّ الخمول والكسل والتقاعس والإسترخاء الطويل أفقدنا من طاقاتهم أكثر وأكثر.
ولذا ففي موسم العطاء (مرحلة الشباب) نحن مسؤولون عن كل عمل ينفع الناس ويكون لله فيه رضا، وأن نقول قليلاً ونعمل كثيراً، وأن نجانس بين أعمالنا وأقوالنا حتى يرى الناس منّا الصدق.
هناك لعن كثير للظلام يتفشى بين الشبان وبين الأكبر سناً، ولكنّ القليلين هم الذين يشعلون الشمعة.. فكن من هؤلاء الذين يقلصون الدوائر السوداء ويفتحون ويوسعون الدوائر البيضاء، إنّها مسؤولية الحياة المسلمة.

7- المسؤولية الشرعية:
التفقّـه في الدين مسؤوليتك كشاب منذ أن تطأ قدماك ساحة البلوغ. وهي مسـؤولية تتطلب التعرف على حلال الله وحرامه في شؤون الحياة كلّها.
إنّ الثقافة الفقهية ليست حاجة كمالية بل هي حاجة أساسية على اعتبار أنّها تحدد لك موقفك الشرعي من الأحداث والسلوك والمعاملات والعلاقات، ذلك انّ الشريعة هي قانون الحياة الإسلامية ودستورها، وأي جهل بالقانون يؤدِّي لا محالة إلى عدد من المخالفات التي تضر بالمخالف نفسه من جهة وبمن يتعامل معهم في المحيط الإجتماعي من جهة ثانية.
فالحلال ما سـمحت به الشريعة ورخصت العمل به، والحرام ما لا تجوّز فعلـه، فهو خط أحمر. والحلال أوسع دائرة من الحرام.. وما حرّم الله شيئاً إلاّ وفيه ضرر وأذى، وما أحلّ شيئاً إلاّ وفيه نفع ومصلحة سواء عرفنا النفع هنا والضرر هناك أو لم نعرف.
والشريعة الإسلامية هي أشبه بإشارات المرور في شوارع الحياة.. منها ما هو أخضر يفتح المجال للحركة بشروط، ومنها ما هو أصفر يدعو للتوقف والتريث، ومنها ما هو أحمر يمنع الحركة ويجمدها، ومنها ما هو مفتوح بلا قيد ولا شرط.
والمسؤولية الشرعية تتطلب منِّي كشاب أن لا أقدم رجلاً ولا أؤخر أخرى إلاّ بمعرفة: هل هذا يرضي الله أم يسخطه؟ هل هذا ما أجازه بحدود أم لم يجزه مطلقاً؟ هل يكره لي أن أفعل ذلك أم أنّه يستحب، أم أنّه مباح؟
إنّ الطريق إلى هذه المسؤولية يمر عبر الرجوع إلى الأمناء على الشريعة ممن وثق الناس بعلمهم وبدينهم وبأخلاقهم ممن يستنبطون أحكام الحلال والحرام من مصادرها الشرعية المعتبرة.
ثمّ إنّ السؤال عن كل ما يعترض طريق الشاب من أمر لا يعلم هل هو مما يقع في دائرة رضا الله أو خارج تلك الدائرة، يقلل من احتمالات الإنزلاق في مطبات المخالفة الشرعية والوقوع في الإثم والمعصية.
لقد سادت النظرة إلى أنّ التفقّه في الدين يعني التعرف على مسائل الصلاة والصيام والزكاة والطهارة ونسيان ما عدا ذلك من حركة الشريعة في مدار الحياة كلّها، حتى جاء في الحديث: «ما من واقعة إلاّ ولها حكم». كما أنّ التفقّه بالدين أخذ معنى أوسع من المعنى الدارج فهو (وسيلة لإصلاح المعتقدات والأخلاق والأعمال، والإنسان من خلال معرفتـه بالدين يتمكّن من التفـريق بين العقـيدة الصحيحة والخرافات، وبين الفضائل والرذائل، والخير والشرّ، ومن ثمّ فإنّ التفقّه في الدين يعني معرفة طريق السعادة في جميع الشؤون المادية والمعنوية. فالتفقّه بالدين بشكل جامع وكامل هو أساس سمو وتكامل الإنسان، وطريق للوصول إلى أعلى درجات الإنسانية. عن موسى ابن جعفر (عليه السلام): «الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة والسبب إلى المنازل الرفيعة»)[2].

يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.37 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : المنتدى الإجتماعي
افتراضي
قديم بتاريخ : 03-09-2017 الساعة : 05:57 PM


8- المسؤولية الأدبية والأخلاقية:
ولأنّ الشاب أرق فؤاداً وأنقى فطرة وأكثر استعداداً للتغير من السلبي إلى الإيجابي، فإن مسؤولية أدبية وأخلاقية كبيرة تقع على عاتقه. فهو بما وهبه الله من لطف ذوق ورهافة مشاعر، تخدشه المناظر المخلة والمشاهد القبيحة والمظاهر السلبية.
إنّه مسؤول عن نشر الفضيلة: فالصدق من كل أحد جميل لكنّه من الشاب أجمل، والصبر من الآخرين محبّب لكنّه في الشاب موضع إعجاب، والتواضع عند الشبان له هيبته، ولكرم الطباع عندهم نكهته ولذّته، والعفّة منهم لها زينتها، وللإعتدال في الشاب الذي تعصف به العواطف محاسنه، والتآخي بين الشبان له صورة التآلف الروحي الجميل الأخاذ، وحبّهم للخير مؤشر على خير مأمول، والتقوى من الشاب مؤشر على إيمان عميق.. وهكذا فكلّما تمسك الشبان بالفضائل أكثر شعرنا أنّ الحياة بخير.
إنّ الناس ينظرون إلى الشاب أو الفتاة المهذبين المتخلِّقين بأخلاق الإسـلام نظرة إكبار وإجلال وتقـدير، وكثـيراً ما يشيرون بإصبع الإعـجاب إلى أحد الشبان بالقـول: انظروا إلى عفـافه وإيمـانه واستقامته.
ولمّان كان الشاب بطبيعته النزيهة يكره الظلم والحيف والغشّ والكثير من المظاهر الاجتماعية والسياسية المدانة، فإنّ مسؤوليته تنبع من شـعوره بضرورة إحقاق الحق وإبطال الباطل، ولذا فإنّ من بين مسؤوليات الشباب الأخلاقية مكافحة المساوئ والرذائل الأخلاقية كذباً وغيبة ونفاقاً وعقوقاً للوالدين وسخرية بالآخرين وانتقاصاً لأقدارهم وعصبية للأهل وأبناء الوطن، وغروراً وتكبراً على الناس وخيانة للأمانة وما إلى ذلك.
فعلاوة على أن هذه هي مسؤولية دينية فإنّها مسؤولية اجتماعية أيضاً، فالشـباب أولى من غـيرهم في توقير الكـبار واحترام الجـيل السابق على الرغم من اختلاف أذواقهم وتوجهاتهم مع أبناء ذلك الجيل، ولذا فإنّ المسؤولية تتطلب أن يعقدوا علاقات صداقة وحوار معهم، وأن يقدروا تجاربهم ومعاناتهم «ليس منّا مَن لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا».
والمسؤولية الأدبية تنتظر من الشاب أن لا يكون خشبة في مجرى الحملات المشبوهة التي تريد أن تتخذ منه أداة لمآربها سواء كانت مجوناً أو خلاعة أو تميعاً أو تخنثاً أو انحلالاً، وأن يدرك مرامي تلك الحملات التي تريد أن تنسف هويّته الإسلامية وتدعوه بأساليبها المختلفة إلى نبذ القيم وضرب العادات والتقاليد عرض الحائط.
إنّنا كشبان يمكن أن نعمل بطريقة جماعية للنهوض بهذه المسؤولية بأن نعمل مع أترابنا على مكافحة آفة أخلاقية خطيرة تنخر في زاوية أو دائرة من دوائر المجتمع، بأن نكون القدوة في اجتنابها، والتحدّث بالتي هي أحسن مع الذين يمارسونها معذرة إلى الله ولعلّهم يتّقون.
ومن بين المسؤوليات الأخلاقية التي ليس لها إلاّ همم الشباب، محاربة اعتبار العلاقة الإنسانية علاقة مادية تجارية بحتة، فلقد تشوه الإحساس بالحبّ في الله، وغابت في كثير من الأحيان العلاقات الأخوية القائمة على التسامح والتراشد والتباذل والتواصل والتسامح والإيثار، وقد مسخت الكثير من هذه المفاهيم في سوق يتصارع فيها التجّار.
إنّ نظرات هابطة مثل: «عندك درهم تساوي درهماً وإن لم يكن عندك فلا تساوي شيئاً» أو «كن ذئباً وإلاّ أكلتك الذئاب» أو «حشر مع الناس عيد» أو «عليَّ وعلى أعدائي» أو «إذا متّ ظمآناً فلا نزل القطر»، ليس لها من يتصدّى لها سوى همّـة شاب عرف مسؤوليته الأخلاقية في مجتمعه، وأحزنه أن تسود الصور الشوهاء والمناظر القبيحة فيه، وعمل هو وأمثاله على تغيير تلك الصور بصبر واناة وبالتدريج.

9- المسؤولية الاجتماعية:
أنت كشاب تربطك بالمجتمع من حولك شبكة من العلاقات: علاقة مع الوالدين والأسرة والأقرباء، وعلاقة مع الإخوان والأصدقاء والزملاء، وعلاقة مع عامّة الناس.
في العلاقة مع الوالدين والأسرة وبما يتصل بها من أرحامك.. أنت مسـؤول عن الإحسان للوالدين والبرّ بهما (وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه وبالوالدين إحسـانا) (الإسراء/ 29)، وذلك بأن تتجنّب قول (أُف) لهما ولا تنهرهما ولا تسيء إليهما بأيّة لفظة أو فعلة (وصاحبهما في الدُّنيا معروفا) (لقمان/ 19)، وأن تعمل ما في وسـعك لإشعارهما بحبّك الكبير لهما، وبتقديرك لفضلهما عليك، وامتنانك للطفهما بك، وبحاجتك إليهما في المواقف الصـعبة، وإلى دعائهما لك، وذلك بإشـاعة الجوّ الأبوي ـ البنوي الحميم الذي يشعرهما ويشعرك أنّك مهما كبرت ومهما كبرا فإنّ التواصل معهما يسد حاجة نفسية لك ولهما.
وفي العلاقة مع أفراد الأسرة فأنت مسؤول عن احترام الكبير والعطف على الصغير مما يحقق الراحة النفسية للجميع، ويزيد الألفة والمحبّة بينهم، مثلما أنّك مسؤول ـ في نطاق توزيع الأعمال المنزلية ـ بأخذ قسطك منها بقدر ما يسمح به وقتك وامكاناتك، وخير الأعمال ما كان تطوعاً.
إن انتسابك لأسرة ذات سـمعة حسنة بين الناس يحمّـلك أيضاً مسـؤولية الحفاظ على سمعتها نقية زاهية، وذلك بأن لا تجلب لها ما يسيء ويخدش فيها.
وأمّا العلاقة مع الاخوان والأصحاب والأصدقاء فأنت مسؤول بأن تبنيها على أساس (الإيمان): (إنّما المؤمنون إخوة) (الحجرات/ 10)، حتى تنتفع بصحبتهم وينتفعوا بصحبتك في الدنيا والآخرة.. ومسؤول أيضاً عن إصلاح الخلل فيما يقع بين إخوانك المقرّبين (فأصلحوا ذات بينكم) (الأنفال/ 1)، وأن تكون مرآتهم التي يرون فيها جمال تصرّفاتهم وقبحها، فلقد ورد في الحديث أنّ الأخ الذي يمكنك أن تثق به هو الذي يعرّفك عيوبك، وإنّ «المؤمن مرآة أخيه المؤمن».
إنّنا يمكن أن نوسِّع فهمنا للقول المأثـور «سل عن الرفيق قبل الطريق» على أنّه ليس في حال السفر فقط بل حتى في الرفقة في طريق الحياة، ذلك أنّ كل صديق مقرون بصديقه، وقد أشار أحد الشعراء إلى ذلك بقوله:
صاحب أخا ثقة تحظى بصـحبته فالطبع مكتسب من كلّ مصحوب
كالرِّيح آخـذة ممّـا تمرّ به نتناً من النتن أو طيباً من الطيب
وهو ترجمة للحديث «إيّاك ومصاحبة الفسّاق فإنّ الشرّ بالشرّ ملحق».
وكما أنت مسؤول عن الأسرة والأصدقاء فإنّك مسؤول عن الناس من حولك في تعاملك معهم والسعي لخدمتهم، والتخفيف من معاناتهم، والتعاون معهم في أعمال الخير والبرّ والصلاح التي تجلب على النفع العام و«الأقربون أولى بالمعروف» وكلّما امتدّت روحية الشاب المتفاعل اجتماعياً على نطاق أوسع دلل ذلك على عميق إيمانه ورحابة فكره ونبل عواطفه الإنسانية.
إنّك قد تجد لذّة في خدمة (قريب) لكنّ اللذة سوف تتضاعف أكثر حينما تقدم خدمتك لـ(بعيد) أو (غريب) لأ نّك تشعر حينئذ بأنّك تخرج من إطار محدد إلى ساحة مفتوحة على الخير كلّه، وقد جاء في الحديث: «خير الناس من نفع الناس».
إنّ الطريق إلى بناء علاقات إجتماعية أمتن يتطلب منّا كشبان أن نعرف ما هي العوامل التي تقوِّي هذه العلاقات؟ وما هي الأمور التي تضر بها وتضعفها؟ والآثار الايجابية المترتبة على هذا وذاك؟
إنّ معرفة حق الآخر واحترام هذا الحق ـ سواء كان الآخر أباً أو أمّاً أو صديقاً أو قريباً أو غريباً ـ يجعلك موضع تقديره واعتزازه وشكره ودعائه لك بالخير.. وما يدريك فلعل لطفك به ينزل لطفاً من الله بك فـ «الخلق كلّهم عيال الله وأحبّهم إليه أحبّهم لعياله».

10- المسؤولية الاقتصادية:
ونعني بها مسؤوليتك كشاب في ترشيد الإنفاق والاستهلاك، فلقد سادت أو شاعت النظرة المادية في حياتنا حتى تهالك الشبان والفتيات على الإستهلاك المبالغ فيه للحاجيات بما يصل إلى حدّ التبذير والإسراف في بعض الأمور غير الضرورية أو غير الأساسية.
فمع أنّ الاهتمام بالمظهر شيء حسن لكنّ المبالغة في ذلك بحيث تمتلئ خزانة الشاب أو الشابة بملابس قد لا يرتدي بعضها سوى مرّة واحدة أو مرّتين ثمّ يبطل استعمالها، مما يثقل ميزانية الأسرة وكاهلها بنفقات يمكن أن توظف لتلبية احتياجات أكثر أهميّة.
فالشبان مسؤولون عن التنبه إلى (ثقافة الإستهلاك) التي تجيد وسائل الدعاية والإعلان طرحها معتمدة على الإبهار البصري ومناغاة العواطف والأذواق في ذلك، إذ لابدّ من حذر الوقوع في شراك الإغراء بعدم تصديق كل ما يعرض على الشاشة من اعلانات ترويج البضائع والسلع التي تحمل في بعض الأحيان عناوين كبيرة ومضامين صغيرة وغير واقعية أحياناً.
كما أنّ المسؤولية الاقتصادية تتطلب إعادة النظر في بقاء الشباب عالة أو كلاًّ على أسرهم حتى إكمال دراساتهم، فالإستفادة من العطل الصيفية في الإنخراط بأعمال معيّنة سوف يساعد الشاب على خوض تجربة عمل ميدانيـة، وعلى حصـوله على بعض المال الذي يلبي احتياجاته على الأقل.
إنّ من الخطأ أن نبقى عاطلين عن العمل حتى وقت التخرّج من الجامعة، فورشة العمل أو الدورات التدريبية والتأهيلية التي ندخلها اليوم سوف تتيح لنا فرصاً للعمل أوسع بلحاظ الخبرة التي نحصل عليها.
وقد يستطيع الشبان إن هم اجتمعت آراؤهم وأصواتهم الجريئة المطالبة بانشاء مصارف خاصة بهم تمدهم بقروض تسدد بالتقسيط المريح لفتح مشاريع عمل ولو بسيطة، أو الاشتراك في مشاريع أوسع، وقد تساعدهم في تسهيل شؤون زواجهم وتأسيس بيت الزوجية.
كما يمكن المطالبة باسـتثمار أراض زراعية جديدة غير مستثمرة وبناء قرى ومدن حولها يتولّى الشبان إنشاءها وتطويرها، وتقوم الجهات المعنية بالإشراف عليها وتوفير خدماتها الأخرى. وقد لا يستجاب لذلك بسبب ما نعرفه جميعاً من تعقيد الأوضاع لكن كثرة الطرق ربّما تفتح الأبواب المغلقة والآذان المغلقة والعقول المغلقة، وإذا لم يستجب للمطالب كاملة فلبعضها على الأقل، وقديماً قيل «ما ضاع حق وراءه مطالب»، و«إنّ الحقوق تؤخذ ولا تعطى».
إنّ المسؤولية الإقتصـادية تتطلّب أيضاً من الشبان الميسوري الحال أن يكون لهم إنفاق خيري، وما أكثر مجالاته، ومنها دعم إخوانهم الشباب المعسرين.

11- المسؤولية السياسية والإعلامية:
في الحديث الشريف: «مَن أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم».
هذه دعوة واسعة، مفتوحة للإهتمام بأمور وشؤون المسلمين أينما كانوا.. الإهتمام هنا لا يقف عند حدّ التألم لما يتألمون له والفرح بما يفرحون، بل يشمل كلّ ما من شأنه أن يجعل حياتهم المادية والمعنوية كأفضل ما يكون: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
هذا البـناء العضـوي لمجتمع المسلمين في (التوادد) و(التراحم) و(التعاطف) و(الشكوى) لا يبيح لليد أن تقول: أنا بخير ولا يهمني إن تألم باقي الجسد، ولا يرتضي للعين أن تقول: ما دخلي أنا في الأمر تلك القدم هي التي تشتكي، إنّه ترابط حميم متداخل يؤثر في بعضه البعض ويتأثر ببعضه البعض.
وعلى ضـوء ذلك، فإن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا ينحصر في الدعوة إلى الإصلاحات الأخلاقية ومحاربة المنكرات الإجتماعية فقط، بل يمثل مسؤوليتنا كمسلمين في أن يكون لنا (موقف) من الصلاح كلّه والفساد كلّه.. بأن نغيِّر الفاسد بمختلف أساليب التغيير وضمن الامكانات المتاحة، وأن نعزز الصالح ونقويه ونثبِّت أركانه.
من هنا يمكن أن نطرح على أنفسنا هذا السؤال: قل لي أي موقف وقفت أقل لك من أنت.. فالشاب الذي لا موقف له هو ريشة في مهب الريح لا يملك قياده بل الريح هي التي تقوده وقد تؤدي به إلى المهالك والمزالق والإنحرافات.
ترى لو فكر هذا الشاب المضحي بحياته في سبيل إنقاذ شعبه أو أمّته من ظلم الحاكم الظالم بطريقة ذاتية آنية ضيقة، وقال: ما لي وللناس، لما كسر شعبٌ قيوده، ولما هُزمت قوّةٌ من قوى الظلام، ولما تغير واقع مزر.
ولو أنّك سكتَّ عن صرخة الحق وخنقتها في حنجرتك وتراجعت عن الدفاع عن المظلـوم، فإنّك سـوف تساعد الظلم بطريق غير مباشر، وقد قيل «الساكت عن الحق شيطان أخرس».
إن ما يصطلح عليه بـ(الشارع السياسي) يشكل جمهور الشباب جانباً كبيراً منـه، والمسؤولية السياسـية تتطلّب أن يكون للشاب رأي في كلّ ما يجري. وكم غيرت مشاركة الشبان في التظاهرات والاعتصامات والإضرابات الحركة على مسرح الأحداث هنا وهناك.
إنّ صوتك مسؤوليتك.. ألا ترى لو أنّك أعطيته للباطل أو للظلم كيف سيقوى ويشتد ساعده؟ فلم لا تعطيه للعدل وللحق وللحرِّيّة؟ ألست أنت المسلم المسؤول عن مخاصمة الظالم ونصرة المظلوم «كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً»[3].
وقد تبدو مقاطعة سلع وبضائع العدو المحتل غير مؤثرة كثيراً على إقتصاد سوقه لكنّها في حساب الموقف كبيرة جداً.. إنّها تمثِّل (ثقافة الحضور)، فمقاطعة هنا ومقاطعة هناك، تجعل الرقعة تتسع والتأثير يكبر والعدو يصرخ متألماً.
ولذا فإنّ الطريق إلى تحمل المسؤولية السياسية يمر من عدّة قنوات:
إحداها (الوعي) واليقظة السياسـية لما يجري هنا وهناك من مخطّطات وشعارات ومؤامرات وتحرّكات ليس على الساحة المحلِّية فقط بل الدولية أيضاً.
ثمّ (الحضور السياسي) بأن يكون للشباب رأيهم في قضايا أمّتهم الحاضرة والمستقبلة لسبب بسيط أنّهم جزء لا يتجزأ من هذه الأمّة. يقول أحد الكتّاب السياسيين: «إنّ استقالة المواطن العربي من الشأن العام بلاء حل بالأمّة وأسهم في انتكاستها وتدهور أوضاعها»[4].
المسؤولية السياسية تستدعي أيضاً أن نعمل كشباب على تنقية العمل السياسي من الدجل والكذب والتلاعب بالشعارات والمواقف الفضفاضة أو النفاقية أو الارتهان السياسي للأجنبي وخيانة الأمّة، أي أن نعمل على أن تكون للسياسة أخلاقها فلا نعتمد الحرام والطرق الملتوية وصولاً إلى غاياتنا السياسية النبيلة.
إنّها لا شكّ مسـؤولية معقّدة وتضامنية، تتحملها أكثر من جهة وطرف، لكن ابتعاد الشبان عنها، لهذا السبب أو ذاك، ربّما يزيدها تعقيداً لأ نّهم إذ ذاك يتركون ملاحة السفينة ـ التي نقف على ظهرها جميعاً ـ إلى ربابنة يخونون ركّابها ويعرضونهم إلى أكثر من حالة غرق.
أمّا من الناحية الإعلامية، فإن مقولة أن هناك إعلاماً شاباً لا تقوم على أساس، فحتى ما يطرح في وسائل الإعلام من قضايا الشباب لا يمس حياة الشـباب بالصميم، فهو إمّا أن يكون منافياً لأخلاقية الشاب المسلم ومخالفاً لعادات مجتمعه وتقاليده وقيمه، وإمّا أن يكون وعظاً وإرشاداً قد يدفع إلى الملل والسأم، وبالتالي فالبرامج الشبابية التي تبثها القنوات الفضائية تمثل حالة انفصال بين المادة المقدّمة وبين المتلقي الشاب فلا يرى فيها نفسه.
ربّما تدغدغ الغرائز في الأغاني والموضات وبرامج السيارات والرياضة العنيفة ومسلسلات الابتذال، لكنّه لا يجد فيها موقعه في مجتمعه ولا اهتماماً بمشاكله ولا طرحاً جاداً لإنقاذه من محنه الكثيرة، ولا ثقافة جادة تغني شخصيته.
إنّ مسؤولية الشاب الإعلامية تتركز في نقد هذا الإعلام وعدم التعاطي مع مواده على أنّها مقدّسة لا يطالها النقد، بل والكتابة إلى الصحف والمجلاّت عن شكواهم من الاعلام التغريبي والبرامج الشبابية التي لا تخاطب في الشبان سوى غرائزهم، والمطالبة بالتوازن إن لم يكن من الممكن وضع حد لها بسبب السيطرة المبرمجة على هذه الأجهزة.
إن غياب النقد الشبابي لهذا الإعلام الهابط سوف يرفع من مكانته ويوسع من قنواته، كما أنّ الاقبال على البرامج النظيفة التي راحت تتنفس في هذه القناة أو تلك، أو هذا الموقع على الشبكة العنكبوتية (الإنترنيت) أو ذاك سوف يفتح للشاب نوافذ للمعرفة جادّة وجديدة.
إنّ المشكلة ليست في الشاب نفسه بل بمن يتولى أمره الإعلامي، وإلاّ فكما نعلم أنّ الشاب لو يجد القناة الجادة النظيفة الواعية لدورها العارفة بأساليب مخاطبـته لأقبل عليها وترك وراء ظهره كل هذا الطعام الإعلامي الفاسد.

12- المسؤولية الوطنية:
«حبّ الوطن من الإيمان».
الحب مسؤولية.. كما أنّ الإيمان مسؤولية.
فالعلاقة مع الوطن الذي يولد فيه الإنسان ينمو ويترعرع ويشب، ليست علاقة عاطفية مجرّدة بحيث يتعلق بأهله ولغته ومعالمه ومناخه وتربته وعاداته وتقاليده، إنّما هي علاقة مسؤولة من جهتين: مسؤولية الوطن إزاء أبنائه ومسؤولية أبنائه إزاءه.
إنّه أسرتنا الكبيرة، فهل نهمل التعاون والتحابب وحل المشاكل في أسرتنا الصغيرة؟ ألا نشـعر بأنّنا جزء منها يصيبنا ما أصابها ويسرّنا ما يسرّها. كذلك هو الوطن.. إنّه الأسرة الأكبر التي تستدعي حرصاً أكبر في بنائه وحمايته من الظلم والاستغلال والحرمان والأمية والجهل والتخلف، كما تتطلب حمايته من الأمراض والأوبئة المادية والمعنوية، وقد يستدعي الأمر حمل السلاح لدفع الأخطار التي تهدده وتهدد أبناءه واقتصاده وأمنه والتضحية من أجل استقلاله وحرِّيّته وكرامته، فكما أنّ البيت الصغير مسـؤولية أهله في الدفاع عن أرواحهم وممتلكاتهم وسمعتهم، فكذلك بيتنا الكبير (الوطن).
إنّ الملاحظ اليوم لدى قطاع من الشباب، فقدانهم للحسّ الوطني، وهو ما تتحمّل التربيـة والثقافة مسـؤوليته. ونعني بالحسّ الوطـني معرفة موقع الوطن وتأريخه ومعرفة رجالاتـه الوطنيين الذين ضحّوا من أجله بالشيء الكثير، ومبدعيه في الفكر والثقافة والفن والسياسة، وأن نربط ماضيه بحاضره ومستقبله.
ومن متطلّبات هذا الحس أن تأخذنا الغيرة على تردِّي أوضاعه الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والأخلاقية، والعمل على إحياء الكثير من عاداته الخيرة وتقاليده الصالحة التي شكّلت ملامحه الأساسـية، والتي عمل الأعـداء على طمسها أو مسخها واستبدالها بعادات التغريب وتقاليده.
والمسؤولية الوطنية بعد ذلك متشـعِّبة تحتاج إلى كل طاقة من الطاقات الحيوية والشبابية في الصدارة منها لتنهض من أجل تطوير أوضاعه وإصلاح الفاسد منها وخدمته في المجالات العلمية والصناعية والفكرية والعملية.
وهي تتطلّب أن نحسن إلى بيئـته في مائها وشجرها وحيواناتها وثرواتها الطبيعية، بالإضافة إلى أن نكون رسله وسفراءه حيثما انتقلنا أو حللنا. يقول علي (عليه السلام): «وللبلاد حقوق عليكم فإنّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم».

13- المسؤولية التأريخية:
صفحات التأريخ بخيرها وشرّها انطوت.. إنّه مسـؤولية الماضين لا نحاسَب على سلبياته ولا نكافأ على إيجابياته (تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عمّا كانوا يفعلون) (البقرة/ 134).
فكيف يكون الموقف من التأريخ؟
هل ندير الظهر لتأريخنا وتراثنا وفيهما من الغنى ما يثري حاضرنا لمجرّد أنّ التأريخ مضى وانقضى؟
إنّ دروس التاريخ وعبره كثـيرة يمكن أن نستلهم منها أفكاراً وخبرات وتجارب جديدة، فلقد ثبت بالتجربة أنّ الذين أمعنوا النظر في التأريخ وتعمقوا في دلالات أحداثه كانوا أقوياء في نظرتهم للواقع وللمستقبل.
إنّ المسؤولية التأريخية تتطلب أن نقرأ تأريخنا وتأريخ العالم بنظرة موضوعية غير انحيازية ولا متعصِّبة ولا متطرِّفة بين رفـض لكل ما فيه وبين قبول لكل ما فيه. إنّه نتاج بشر مثلنا، وقد يكون فيه الصحيح وقد يكون فيه السقيم، وقد يكون فيه الموضوع الدخيل الذي ليس منه، الأمر الذي يستدعي عدم النظر إلى التأريخ على أنّه قرآن منزل أو تراث مقدس لا يمكن مناقشته ونقده، فكل ما في التأريخ خاضع للنظر والبحث والمناقشة والنقد والتأمل.
ربّما يقول بعض الشباب: نحن أبناء اليوم فما لنا وللماضي. ونحن هنا لا ندعو إلى الاسـتغراق في المـاضي، ولكـنّنا نأخذ من ماضـينا لحاضرنا ممّا ينفع ويغني، وتلك دعـوة القرآن إلينا (ألم يسيروا في الأرض ...)(ألم ترَ كيف فعل ربّك ...)(قُل سـيروا في الأرض فانظروا...)، فأحوال الماضين وعلمهم وتجاربهم ليست كلّها باطلة أو ساقطة من التداول. ولذا فإنّ المسؤولية التأريخية تحتاج أن ننظر في الأحداث والأفكار أكثر مما ننظر في الرموز والأشخاص، فهؤلاء قد غادروا مسرح التأريخ ولم يبق منهم سـوى أفكارهم التي هي نتاج بحث وتأمل وتجربـة، وأعمالهم التي يمكن أن نغتني ببعضها ونطور بعضها الآخر.


على طريق المسؤولية:
1- المسؤوليات معرفة: اعرف تفاصيل المسؤولية لتعرف ماذا يراد منك؟.. واعرف أهميّتها حتى تتفاعل معها وتسعى لتحقيقها.
2- «كن مشغولاً بما أنت عنه مسؤول»، فمن اشتغل بغير المهم ضيّع الأهم.. فليس في الحياة متّسع للهوامش والقشور والتوافه من الأمور.
3- الروتين والرتابة يقتلان روح المسؤولية.. حاول أن تجدد في أسلوب التعامل مع مسؤولياتك ولا تجمد على حالة معينة.. فالركود والتقليد الأعمى، يحـولان المسؤوليات إلى أعباء لا يطيق الكاهل حملها.
4- لا تؤجِّل المسؤوليات لأنّها تتراكم وبالتالي فقد تهمل لصعوبة القيام بها. ففي الحديث: «إيّاك والتسويف فإنّه بحر يغرق فيه الهلكى».
5- تعاط مع المسؤولية بروح منفتحة وكأنّك أنت الذي أخذتها على نفسك حتى تتمكّن من انجازها على أحسن وجه.. احبب المسؤولية يتحسن إنتاجك.
6- المسؤولية إثراء لأبعاد الشخصية.. فبقدر ما تأخذ المسؤولية من وقتك وجهدك تعطيك عقلاً أنضج، وقدرة على التحمل أكبر، وتجربة أغنى، ومعرفة أوسع.
7- الكسل والضجر عدوان لدودان للمسؤولية «إيّاك والكسل والضّجر، فمن كسل لم يؤد حقّاً، ومن ضجر لم يصبر على حق».. الكسل خمول وفتور في الهمة، والضجر ملل وسأم وتبرم وانصراف عن القيام بالمسؤولية.
8- الروح الجماعية في انجاز المسؤوليات تساعد على التخفيف من ثقلها، وعلى الإبداع في انجازها، وعلى الشعور بالمسؤولية في تحقيق مهام مشتركة تقرب الأهداف البعيدة.
9- قراءة كتاب الله المجيد والأحاديث الشريفة الصحيحة التي توافق كتاب الله أفضل مجال للتثقيف بالمسؤوليات.. ما هي؟ وكيف يجب أن نعمل بها؟ وكيف نتحمّل متاعبها بصدر رحب؟ وكيف نتبيّن نتائجها الحاضرة والمسـتقبلة؟ فلابدّ للشاب والفتاة المسلمين من الرجوع إلى هذين المرجعين الكبيرين ليزدادا معرفة بمسؤولياتهما.

نتائج الإلتزام بالمسؤولية:
إنّ العمل بأيّة مسؤولية والقيام بمهامها على أكمل وجه سيؤدِّي إلى واحدة أو أكثر من النتائج التالية:
1- إنّ الأخذ بمبدأ المسؤولية يفتح باب الحرِّيّة بطريقة منظمة لا تعدِّي فيها ولا ظلم، وبالتالي فإن من شأن المسؤوليات أن تغلق الباب بوجه الفوضى والانحراف واللاّنظام.
2- كما أن من طبيعة المسؤولية الإسلامية انّها تفتح الآفاق واسعة على مجالات الخير كلّه، فليس هناك حد محدود للاستزادة من الخير في المسؤوليات كلّها.
3- المسؤولية توجه نشاط الإنسان وتجعله ذا موقف وإرادة وتقرير للمصير، أي أنّ الإنسان المسؤول يتحول بتحمله لأعباء المسؤولية إلى إنسان هادف لاينطلق ولايتحرّك إلاّ نحو هدف مرصود.
4- كما تهدف المسؤولية إلى إحداث حالة من التطابق بين الأفكار وبين السلوك، فما يحمله الشاب المسلم أو الفتاة المسلمة من نظرة أو رؤية عن أيّة مسـؤولية يتبلور ويتجسد من خلال ما تفرضه تلك المسـؤولية من التزامات، يهب الشاب أو الفتاة للقيام بها كما ينبغي، فلا تناقض ولا ازدواجية.
5- المسؤولية الإسلامية لا هويّة جغرافية لها، فمساحتها العالم كلّه، صحيح أنّ الأقربين أولى بالمعروف لكنّنا مسؤولون عن الإصلاح في الأرض كلّها، ولو اقتصرت المسؤولية على حدود الوطن والأمّة لما شهدنا انتشار الإسلام في بقاع الأرض وأرجاء الدنيا.
6- إنّ المسؤولية، بما تفرض من روح الإلتزام، تقلص وتحجم دوائر الإنحراف والجريمة والتهاون والخيانة والذلّة وكل أشكال السقوط والتواكل والكسل والتبعية، فالإنسان المسؤول يراعي متطلبات دوره في حركته في الحياة فينضبط وينتظم من خلالها.
7- المسؤولية في الإسلام تخلق حالة من الانسجام بين إرادة الله تبارك وتعالى وبين ارادة العبد المسلم، فلا تكون هناك إرادتان، إنّما هي إرادة واحدة.. الله يطلب والعبد يستجيب ويمتثل، أي أنّه يمضي إرادة الله ويحققها في الأرض، مما يقدم صورة ناصعة عن كونه خليفة صالحاً: (إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) (النور/ 51).
8- النماذج الإيجابية الناهضـة بمسـؤولياتها على ما يرام تعمل كأدوات محرضة أو محفزة على الاحتذاء والتأسي من قبل المتقاعسين أو المتنصلين أو المتساقطين أو المتخففين من أعبائها.. فما دام بوسع الشاب الآخر أو الفتاة الأخرى القيام بهذه المسؤولية أو تلك فإنّ بإمكاني النهوض بها أنا الآخر.
9- إن منظومة المسؤوليات ـ الإسلامية ـ تتكفل بإصلاح الحياة وتغيير ما فسد منها من أفكار وعواطف وعلاقات ومواقف وأخلاق ولا يكون ذلك إلاّ من خلال الفرد المسؤول والمجتمع المسؤول.
10- وبقدر تحمل أعباء المسؤولية في الدنيا تتحدّد مستويات الثواب والعقاب في الآخرة، فهي أشبه شيء بالسعي السنوي للتلميذ في المدرسة، الأمر الذي يجعل إمكانية الحصول على مزيد من الثواب مفتوحة لكل راغب في ازدياد.

كلمة أخيرة:
حينما قال رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كلّكم راع وكلّكم مسـؤول عن رعيته»، فإنّه قد جعل كل مسلم مسؤولاً مهما كان موقعه في المجتمع لئلاّ يقول شخص: أنا لست معنياً بهذا الأمر.. إنّه مسؤولية غيري.
من هنا، فإن حالة القنـوط والأياس والتشـاؤم والإحـباط التي تنتشر في أوساط كثير من المسلمين تتطلب من الشباب بما يحملونه من روح متطلعة إلى الأفضل ومتفائلة في أغلب الأحيان إلى نزع هذه الألغام من طريق النّاس، والعمل على بث روح التفاؤل والأمل، بأن ننظر إلى النصف الملآن من الكأس، وإلى الألطاف الخفية حتى في الأحزان والمآسي والمحن، وإلى إشعال شمعة مع لعن الظلام، وأن ننير الزاوية التي نحن فيها، وأن نتذكر دائماً (فإنّ مع العُسر يُسراً * إنّ مع العُسر يُسرا) (الإنشراح/ 5-6).
كما انّ فتح أبواب الحـوار الجاد والمثمر القـائم على احترام رأي الآخر حتى لو اختلف معنا، مسؤولية الشباب في عصر يفتح تلك الأبواب على مصاريعها.. ذلك انّ عملية التعارف التي أرادها الله تعالى للأمم وللشعوب والقبائل تبدأ من احـترام مَن يخالفوننا الرأي والعقيدة والسلوك ومجادلتهم بالتي هي أحسن.
وهناك أيضاً مسؤولية تنمية الحس النقدي لكلّ الأفكار والمظاهر والمشاهدات والمسموعات والمستوردات بعرضها على ميزان العقل والشرع والكتاب المجيد والسيرة المطهرة، وهو أمر لا ينشأ بغتة بل يحتاج إلى تدريب وتهذيب، فليس كل نقد مطلوباً، بل البنّاء منه الذي يستهدف الإصلاح (إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت)(هود/ 88).
________________________________________
[1]- يطلق على هذه المسؤولية الشرعية اسم (الواجب الكفائي) الذي يتطلب من المسلمين التعاون على انجازه، فإذا قام به عدد منهم وحققوا الكفاية المطلوبة فإنّهم يؤجرون وإلاّ فإنّ التخلّف عنه بما يوجد ثغرات في حاجات المسلمين فلا تجد مَن يلبِّيها يعدّ إثماً، يحاسب عليه المسلمون جميعاً.
[2]- الأفكار والرغبات بين الشيوخ والشباب، محمّد تقي فلسفي، ص309.
[3]- كانت الصحف الاغترابية في كندا قد صدرت قبل تحرير جنوب لبنان من الاحتلال، فتعذر نشر وقائعه، فما كان من بعض الشباب الجامعيين هناك إلاّ أن يتولّوا سد هذه الثغرة الإعلامية باللّجوء إلى شبكات الانترنيت لنشر الخبر وتعميمه، بل والقيام بتظاهرة إعلاميـة طافت شوارع مونتريال لتعبِّر عن الابتهاج بالحدث وتعريف الناس به.
[4]- انظر (مجلّة المجلّة)، (أسباب اسـتقالة المواطن العربي من الشأن العام)، فهمي هويدي، 23/10/2000.

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 05:30 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية