|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 82198
|
الإنتساب : Aug 2015
|
المشاركات : 847
|
بمعدل : 0.25 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
صدى المهدي
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 12-09-2022 الساعة : 09:18 AM
المحور السادس: البناء الأمني:
تُشكِّل الحصانة الأمنية للشعوب والدول ركيزة أساسية في البناء السليم لها ودفع المخاطر عنها، لذلك تقاس قوَّة الدول وقدرتها على مقاومة المخاطر بقوَّة نظامها الأمني العامّ.
إنَّ التحصين الأمني يُعَدُّ اليوم من أهمّ مقوّمات النجاح لأيِّ حركة تريد الإصلاح والتغيير، وهذا التحصين الأمني لا ينفع كثيراً إذا لم يخرج من النظرية إلى التطبيق، فلا يُكتفى بمعرفة البناء الأمني والمباني الأمنية من دون أن تُحوَّل تلك المعرفة إلى تطبيق عملي على أرض الواقع.
وآل البيت (عليهم السلام) جعلوا نظاماً أمنياً كبيراً - يستحقُّ دراسات مستقلَّة - في كيفية التعامل مع الصديق والعدوِّ، ولعلَّ أهمّ مفاصله روايات التقيَّة(ظ¢ظ،) وروايات كشف الأسرار والإذاعة(ظ¢ظ¢)، فهي تُؤسِّس لنظام أمني مركَّز في التعامل العامّ وكيفية تحصين الأُمَّة المؤمنة.
وزيارة الأربعين هي بناء وتدريب أمني معمَّق لعموم المكلَّفين وبالأخصّ لأصحاب المسؤولية في المواكب والزيارة.
فهم يعملون على عدم السماح بالاختراق لأيِّ شخص غريب أو غير معرَّف سواء داخل الموكب أو أثناء المسير أو ممَّن يُوزِّع الطعام أو غيرها من الخدمات، وحتَّى من يُشتَبه به يبقى تحت المراقبة والاختبار حتَّى يرفع اللبس عنه ويتبيَّن أمره.
وهذا ملاحظ بشكل كثير خصوصاً من له تجربة عملية مع أصحاب المواكب والخدمات والزائرين، فهم يلاحظون حركات وتصـرّفات وسكنات الزائر وتوجّهاته وحتَّى كلامه ومواقفه، ويسهرون إلى الصباح للحفاظ على أمن الزائر وممتلكاته وحرمته. خصوصاً أمن الزائرات المؤمنات، لذا ترى أنَّ المرأة تعيش أيّام الزيارة حالة من الأمن من كلِّ النواحي، فلا تخاف على عرضها ولا على مالها ولا على حياتها ما دامت سائرة في هذا الطريق المبارك، وحتَّى الزائرات الأجنبيات عن العراق يسرن لوحدهنَّ، بل أحياناً امرأة منفردة لوحدها تسير بلا خوف.
وهذا كلُّه بسبب النظام الأمني العالي الذي يكتنف الزيارة، وهو يفوق أيَّ نظام أمني في العالم وفي أعظم الدول الأمنية، فلا تجد مشاكل ولا تعدّياً ولا غير ذلك، وهذا لا يحصل في أعظم المجتمعات بسبب الاحتكاك والاختلاط.
وفي هذا الصدد نقل لي أحد أساتذتي عن أحد السياسيين العراقييين أنَّ أحد القادة الأمنيين الأمريكيين رأى زيارة الأربعين - إبّان الاحتلال الأمريكي للعراق -، وأنَّ هذا الأمريكي كان يقول: (إنّي أتعجَّب من الشعور بالأمن طوال زيارة الأربعين، وعدم وجود المشاكل بين الزائرين، وعدم التعدّي على حرمة الزائرات طوال وقت الزيارة، والحال أنَّنا في أمريكا لو أصبح خلل في الطاقة الكهربائية في واشنطن أو نيويورك لكانت مئات حالات الاغتصاب والتعدّي والسـرقة والخ)، ثمّ قال لي: (أيُّ شخص ربّى هكذا مجتمع؟)، فقلت: (إنَّ الذي ربّاه شخص اسمه الحسين (عليه السلام).
فهذا البناء العملي الأمني يعطينا دروساً عملية تنفعنا كثيراً في التمهيد للحركة المهدوية المباركة، والحفاظ عليها، ومراقبة من يسير فيها.
المحور السابع: البناء الأخلاقي:
من أهمّ المبادئ التي ركَّز عليها التشـريع هو خلق ملكات أخلاقية وصفات نفسانية في الفرد والمجتمع، وقد دأب المشـرِّع على التنظير لذلك بعشـرات الآيات ومئات الروايات من جهة، وأرسل أئمَّة وأنبياء بمكارم الأخلاق العظيمة عملياً من جهة أُخرى.
وزيارة الأربعين تُعتَبر من الدروس الأخلاقية العملية التي تكون ملكات أخلاقية من جهة، وتكشف عملياً عن مستوانا الأخلاقي ودرجته من جهة أُخرى.
ففي زيارة الحسين (عليه السلام) مشياً عدَّة معطيات أخلاقية نذكرها إجمالاً:
ظ، - الصبر: فإنَّ الصبر قيمة أخلاقية عالية أكَّدت عليها الآيات والروايات، وإليك جملة منها:
أمَّا الآيات كما في قوله تعالى: ï´؟وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَـيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّـرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ * أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَï´¾ (البقرة: ظ،ظ¥ظ¥ - ظ،ظ¥ظ§).
أمَّا الرواغŒات فمنها ما عن أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «... الصَّبْرُ يُعْقِبُ خَيْراً، فَاصْبِرُوا وَوَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الصَّبْرِ تُوجَرُوا»(ظ¢ظ£).
وعن حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «الْجَنَّةُ مَحْفُوفَةٌ بِالمَكَارِهِ وَالصَّبْرِ، فَمَنْ صَبَرَ عَلَى المَكَارِهِ فِي الدُّنْيَا دَخَلَ الْجَنَّةَ. وَجَهَنَّمُ مَحْفُوفَةٌ بِاللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ، فَمَنْ أَعْطَى نَفْسَهُ لَذَّتَهَا وَشَهْوَتَهَا دَخَلَ النَّارَ»(ظ¢ظ¤).
وعن أَبِي سَيَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «إِذَا دَخَلَ المُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ كَانَتِ الصَّلَاةُ عَنْ يَمِينِهِ، وَالزَّكَاةُ عَنْ يَسَارِهِ، وَالْبِرُّ مُطِلٌّ عَلَيْهِ، وَيَتَنَحَّى الصَّبْرُ نَاحِيَةً، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ المَلَكَانِ اللَّذَانِ يَلِيَانِ مُسَاءَلَتَهُ قَالَ الصَّبْرُ لِلصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْبِرِّ: دُونَكُمْ صَاحِبَكُمْ، فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْهُ فَأَنَا دُونَهُ»(ظ¢ظ¥).
فتبيَّن أنَّ الصبر له قيمة معنوية عالية، وله أجر عظيم، وأثر بالغ في الدنيا والبرزخ والآخرة.
والمشـي في الأربعين وتحمّل عناء السفر ووعثائه وما يحدث من صعاب لهو من المصاديق الواضحة للصبر، وخصوصاً المشي من أماكن بعيدة مع كثرة الزحام والابتلاءات.
فزيارة الأربعين تعطينا دروساً عملية في الصبر على ما نكره من تحمّل الأذى أو الجوع أو الألم أو غيرها، والصبر على ما نُحِبُّ من طاعات.
ظ¢ - التواضع: إنَّ سمة التواضع من أهمّ سمات وفضائل المؤمن، وهي تقع في قبال رذيلة التكبّر، وقد وقع التواضع موضوعاً للمدح في العديد من الآيات والروايات.
فمن الآغŒات قوله تعالى: ï´؟وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماًï´¾ (الفرقان: ظ¦ظ£)، وقوله تعالى: ï´؟وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَï´¾ (الحجر: ظ¨ظ¨).
ومن الروايات نذكر رواية واحدة، فغŒ مستدرك الوسائل عن مِصْبَاحِ الشَّـرِيعَةِ، قَالَ الصَّادِقُ (عليه السلام): «التَّوَاضُعُ أَصْلُ كُلِّ شَرَفٍ وَخَيْرٍ وَنَفِيسٍ، وَمَرْتَبَةٍ رَفِيعَةٍ، وَلَوْ كَانَ لِلتَّوَاضُعِ لُغَةٌ يَفْهَمُهَا الْخَلْقُ لَنَطَقَ عَنْ حَقَائِقِ مَا فِي مَخْفِيَّاتِ الْعَوَاقِبِ، وَالتَّوَاضُعُ مَا يَكُونُ لله وَفِي الله، وَمَا سِوَاهُ مَكْرٌ، وَمَنْ تَوَاضَعَ لله شَرَّفَهُ اللهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ، وَلِأَهْلِ التَّوَاضُعِ سِيمَاءُ يَعْرِفُهَا أَهْلُ السَّمَاوَاتِ مِنَ المَلَائِكَةِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ مِنَ الْعَارِفِينَ، قَالَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ): ï´؟وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْï´¾ [الأعراف: ظ¤ظ¦]، وَقَالَ أَيْضاً: ï´؟مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْï´¾ الْآيَةَ [المائدة: ظ¥ظ¤]. وَأَصْلُ التَّوَاضُعِ مِنْ إِجْلَالِ الله وَهَيْبَتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَلَيْسَ لله (عَزَّ وَجَلَّ) عِبَادَةٌ يَقْبَلُهَا وَيَرْضَاهَا إِلَّا وَبَابُهَا التَّوَاضُعُ، وَلَا يَعْرِفُ مَا فِي مَعْنَى حَقِيقَةِ التَّوَاضُعِ إِلَّا المُقَرَّبُونَ مِنْ عِبَادِهِ المُتَّصِلُونَ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، قَالَ اللهُ (عَزَّ وَ جَلَّ): ï´؟وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماًï´¾ [الفرقان: ظ¦ظ£]، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) أَعَزَّ خَلْقِهِ وَسَيِّدَ بَرِيَّتِهِ مُحَمَّداً بِالتَّوَاضُعِ فَقَالَ (عَزَّ وَجَلَّ): ï´؟وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَï´¾ [الشعراء: ظ¢ظ،ظ¥]، وَالتَّوَاضُعُ مَزْرَعَةُ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالْخَشْيَةِ وَالْحَيَاءِ، وَإِنَّهُنَّ لَا يَنْبُتْنَ إِلَّا مِنْهَا وَفِيهَا، وَلَا يَسْلَمُ الشَّوْقُ التَّامُّ الْحَقِيقِيُّ إِلَّا لِلْمُتَوَاضِعِ فِي ذَاتِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى»(ظ¢ظ¦).
وفي المشـي إلى كربلاء يمرُّ الماشي بتمارين واضحة في التواضع والبساطة، فقد يبيت على فراش غير لائق، أو يمشـي في الطرق الوعرة، أو يخدم غيره من الزوّار، أو يبتدأ بالسلام على من يلاقيه، وهذه كلّها من علامات التواضع كما في الرواية، ففي مشكاة الأنوار، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مِنْ رَأْسِ التَّوَاضُعِ أَنْ تَبْدَأَ بِالسَّلَامِ عَلَى مَنْ لَقِيتَ، وَتَرُدَّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ، وَأَنْ تَرْضَى بِالدُّونِ مِنَ المَجْلِسِ، وَلَا تُحِبَّ الْمِدْحَةَ وَالتَّزْكِيَةَ»(ظ¢ظ§).
كما أنَّ ما يُقدِّمه أصحاب الموكب هو من أعظم صور التواضع، فيقومون بفرش الفراش للزوّار، وإطعامهم، والسهر على خدمتهم، وتوفير كلِّ الأُمور لهم تواضعاً لله وخدمةً لعنوان قد تعنونوا به وهو عنوان: (زائر الحسين).
ظ£ - الإيثار: من الكمالات التي تكشف عن رقيِّ نفس الإنسان اتِّصافه بالإيثار، وهو (تقديم الطرف الآخر لمصلحته وتفضيله على النفس مراعاةً له وتقديمه بمادَّة - مال مثلاً - أو منفعة أو حقّ من الحقوق)(ظ¢ظ¨).
وقد جاءت الآيات والروايات مادحة لهذه الصفة.
فمن الآيات قوله تعالى: ï´؟وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَï´¾ (الحشـر: ظ©)، وقوله تعالى: ï´؟وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْـرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِï´¾ (البقرة: ظ¢ظ*ظ§).
ومن الرواغŒات ما عن عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ السَّائِيِّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَوْصِنِي، فَقَالَ: «آمُرُكَ بِتَقْوَى الله»، ثُمَّ سَكَتَ، فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ قِلَّةَ ذَاتِ يَدِي، وَقُلْتُ: وَاللهِ لَقَدْ عَرِيتُ حَتَّى بَلَغَ مِنْ عُرْيِي أَنَّ أَبَا فُلَانٍ نَزَعَ ثَوْبَيْنِ كَانَا عَلَيْهِ فَكَسَانِيهِمَا، فَقَالَ: «صُمْ وَتَصَدَّقْ»، فَقُلْتُ: أَتَصَدَّقُ مِمَّا وَصَلَنِي بِهِ إِخْوَانِي وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا؟ قَالَ: «تَصَدَّقْ بِمَا رَزَقَكَ اللهُ وَلَوْ آثَرْتَ عَلَى نَفْسِكَ»(ظ¢ظ©).
عن أبان بن تغلب، قَالَ: كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فَعَرَضَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَانَ سَأَلَنِي الذَّهَابَ مَعَهُ فِي حَاجَةٍ، فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) وَأَذْهَبَ إِلَيْهِ، فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ إِذْ أَشَارَ إِلَيَّ أَيْضاً، فَرَآهُ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) فَقَالَ: «يَا أَبَانُ، إِيَّاكَ يُرِيدُ هَذَا؟»، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَمَنْ هُوَ؟»، قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَ: «هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ؟»، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاذْهَبْ إِلَيْهِ»، قُلْتُ: فَأَقْطَعُ الطَّوَافَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْدُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَقِّ المُؤْمِنِ عَلَى المُؤْمِنِ، فَقَالَ: «يَا أَبَانُ، دَعْهُ لَا تَرِدْهُ»، قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَلَمْ أَزَلْ أُرَدِّدُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «يَا أَبَانُ تُقَاسِمُهُ شَطْرَ مَالِكَ»، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ فَرَأَى مَا دَخَلَنِي، فَقَالَ: «يَا أَبَانُ، أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ اللهَ (عَزَّ وَجَلَّ) قَدْ ذَكَرَ المُؤْثِرِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ؟»، قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَقَالَ: «أَمَّا إِذَا أَنْتَ قَاسَمْتَهُ فَلَمْ تُؤْثِرْهُ بَعْدُ إِنَّمَا أَنْتَ وَهُوَ سَوَاءٌ إِنَّمَا تُؤْثِرُهُ إِذَا أَنْتَ أَعْطَيْتَهُ مِنَ النِّصْفِ الْآخَرِ»(ظ£ظ*).
وفي الأربعغŒن نجد مصاديق الإيثار واضحة، فإنَّ تقديم الآخرين على النفس من أعظم ما يقوم به السائر إلى الحسين والخادم في موكب الحسين، فيُقدِّم مصلحة الزائر على مصلحة نفسه، وراحة الزائر على راحة نفسه، ويُنفِق من ماله لكي لا ينفق الزائر من ماله، وهكذا، فيتعلَّم من الزيارة درساً عظيماً وهو الإيثار.
ظ¤ - التضحية: فإنَّ الماشي إلى زيارة الحسين يُقدِّم الجهد الجهيد والتضحية بماله أو بوقته أو بنفسه تضحية منه لأجل هذه الشعيرة وهذا الدين، وفي ذلك تمرين على التضحية لأجل المبادئ والقيم السامية، وقد أشار الإمام الصادق إلى ذلك في دعائه لهم: «... اغْفِرْ لِي وَلِإِخْوَانِي وَزُوَّارِ قَبْرِ أَبِيَ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا وَرَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا وَسُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِيِّكَ وَإِجَابَةً مِنْهُمْ لِأَمْرِنَا وَغَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا...، وَأَعْطِهِمْ أَفْضَلَ مَا أَمَّلُوا مِنْكَ فِي غُرْبَتِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَمَا آثَرُونَا بِهِ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَأَهَالِيهِمْ وَقَرَابَاتِهِم...»(ظ£ظ،).
ظ¥ - العفَّة: من الصفات التي ركَّزت عليها الشـريعة صفة العفَّة في البطن والفرج، بل وصفت العفَّة بأنَّها من أفضل العبادات، وجاءت النصوص مبيِّنة لذلك:
فمن القرآن قوله تعالى: ï´؟وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَï´¾ (المؤمنون: ظ¥)، وقوله تعالى: ï´؟وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِï´¾ (الأحزاب: ظ£ظ¥).
ومن الرواغŒات ما عَنْ المُفَضَّلٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «إِيَّاكَ وَالسَّفِلَةَ فَإِنَّمَا شِيعَةُ عَلِيٍّ مَنْ عَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ، وَاشْتَدَّ جِهَادُهُ، وَعَمِلَ لِخَالِقِهِ وَرَجَا ثَوَابَهُ وَخَافَ عِقَابَهُ، فَإِذَا رَأَيْتَ أُولَئِكَ فَأُولَئِكَ شِيعَةُ جَعْفَرٍ»(ظ£ظ¢).
فإنَّ الزيارة فيها نحو من أنحاء الاختلاط، وهو وجود الزائرات والزائرين في مكان واحد، وهنا تبرز العفَّة في التعامل مع الجنس الآخر من خلال غضِّ البصـر وحفظ اللسان وحفظ اليد والفرج عن التعدّي، ومنع النظرات المحرَّمة والتزام الحجاب الشـرعي والتعامل مع الآخر بأنَّه من المحارم كما ورد في الروايات: صحغŒح صَفْوَانَ الْجَمَّالِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): قَدْ عَرَفْتَنِي بِعَمَلِي تَأْتِينِي المَرْأَةُ أَعْرِفُهَا بِإِسْلَامِهَا وَحُبِّهَا إِيَّاكُمْ وَوَلَايَتِهَا لَكُمْ لَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ قَالَ: «إِذَا جَاءَتِ المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ فَاحْمِلْهَا فَإِنَّ المُؤْمِنَ مَحْرَمُ المُؤْمِنَةِ»، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: «ï´؟وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍï´¾ [التوبة: ظ§ظ،]»(ظ£ظ£).
لذا ذهب الفقهاء إلى عدم اشتراط المحرم في الحجِّ والزيارة ما دامت المرأة مأمونة على نفسها كما بيَّنت ذلك في بحثٍ مستقلٍّ بعنوان (مشي النساء إلى كربلاء)(ظ£ظ¤).
ظ¦ - الشجاعة: فإنَّ الزيارة تُعلِّم الإنسان الشجاعة في اتِّخاذ الموقف، والصبر على الخوف، وقوَّة الإقدام خصوصاً مع المنع للزيارة كما كان يحصل أيّام الطاغية.
ففيها توطين للنفس على المواجهة والتعدّي للموت والقتل والسجن والتعذيب، وما هذا إلَّا صور رائعة من صور الشجاعة والإقدام في سبيل المبادئ والقيم الدينية​
|
|
|
|
|