التغطية على المشتركين في محاولة الاغتيال
للتغطية على المشتركين في محاولة الاغتيال دون المدونون أسماء رجال وذكروهم بالعدد, وهنا يطرح سؤال نفسه , إذا كان الرجال قد عٌرفت أسماءهم فلماذا سأل عمر بن الخطاب عمارا وحذيفة إن كان هو أحدهم؟ ولماذا استعمل المدونون وكتبة التاريخ في أكثر من موضع كلمة (فلان) عند ذكر محاولة الاغتيال في العقبة وقد مر بنا ذلك في قول النبي (ص) لعصبة الاغتيال : قم يافلان وقم يافلان! أليس الاصح أن يكتب المؤرخ اسماء الرجال؟ وقد ذكر الهيثمي في مجمعه اسماء رجال زعم أنهم عصبة الاغتيال في العقبة, وهم رجال خاملون لايمتون بصلة الى الصراع على السلطة , وليس اغتيال النبي يصب في مصالحهم , وبعضهم من اليهود المتأسلمين! عد الهيثمي اسماء الرجال وكما يلي :
(معتب بن قشير بن مليل من بني عمرو بن عوف, ووديعة بن ثابت بن عمرو بن عوف, وجد بن عبد الله بن نبتل بن الحارث من بني عمرو بن عوف, الحارث بن يزيد الطائي حليف لبني عمرو بن عوف, وأوس بن قبطي, الجلاس بن سويد إبن الصامت وهو من بني عمرو بن عوف, وسعد بن زرارة, رجل أسمه سويد , واخر أسمه راعش, قيس بن عمر بن فهد, وزيد بن اللصيت وهو يهودي أسلم, وسلالة بن الحمام وهو يهودي أيضا أسلم كذلك)( مجمع الزوائد للهيثمي ج1 ص110 ).
هؤلاء الرجال الذين ذكرهم الهيثمي لم يكونوا يوماً من أصحاب القوة ,ولم يتسدوا مناصبا في الدولة ولم يزيدوا في الحساب خردلة فظهرت أسمائهم ,لكن أسماء العصبة الحقيقية بقيت في مدونات كتبت خارج سلطة الدولة الحاكمة ومنها ما كتب الوليد بن جميع ثم فُقد ما كتب حتى ذكره ابن حزم في كتابه المحلى كما مر بنا.
إن أعضاء عصبة الاغتيال الحقيقية التي سعى المدونون في التستر عليهم ومنهم أبو حزم الظاهري تبدو أكثر مصداقية عندما تبين أسماء الذين نالوا السلطة والمناصب بعد النبي, وليس اولئك الرجال الذي ذكرهم الهيثمي , وإذن فأعضاء عصبة الاغتيال هم أبو سفيان ومعاوية وعتبة وعمرو بن العاص وأبو الأعور السلمي والمغيرة بن شعبة والخليفة الاول والثاني والثالث وجمع من بني أمية كما تقول الروايات ,فهم الذين نالوا مناصب الدولة وحكموا الناس. وعندما فشلت محاولة الاغتيال في العقبة ,غير الجناة خطتهم وأستعملوا سلاح السم الصامت, وهو ماسيأتي فيما يلي:
هل مات النبي (ص) بالسم ؟
بعد اكمال الدين وإظهار الوصية في غدير خم بتولية الامام علي الخلافة من بعد النبي (ص) –راجع فصل (نظام الحكم) – وفشل المخططين في النيل من النبي في العقبة , سلك المخططون خطاً اخر وهو الاغتيال الصامت عن طريق السم, وكانت هناك محاولات يهودية قبل ذلك قام بها اليهود في خيبر وقبلها اخرى فشلت في قتل النبي , لقد أرتأى المخططون أن يسقوا النبي شراباً رغماً عنه وكيف يستطيعون ذلك ؟ سيتبين ذلك بعد قليل. للتمويه على جريمة السم قام المخططون بألقاء الضوء على محاولات سابقة قام بها اليهود وفيها دس اليهود للنبي سما في أكله, و بإعادة ترويج تلك المحاولات اليهودية استطاع المخططون من أشغال الناس عن جريمتهم الماكرة, ونجحوا في تدبيرهم الشيطاني في ذلك فأقحموا روايات توحي للناس أن اليهود هم الذين سمموا النبي , وهي محاولة للتعتيم على الجاني الحقيقي من المسلمين ,ونجحوا في تدبيرهم ذلك الى حد بعيد , ولاننسى ان المحرفين أقحموا أسماء أثنين من اليهود حديثي عهد بالاسلام في عملية العقبة التي تقدم ذكرها تمويها على الناس .
فيما يلي رواية من الكتاب الاول عند جمهور المسلمين وهو صحيح البخاري :
تروي عائشة أرملة النبي وهي كذلك ابنة الخليفة الاول أن النبي قال في مرضه الاخير : (يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم)( البخاري ج5 باب وفاة النبي), قول النبي(ص) : ( أجد الطعام الذي أكلت بخيبر ) يعني به تسميم اليهود له في مدينة خيبر اليهودية , تأمل أن النبي يقول ذلك قبل يوم وفاته بيوم وليلة.
واضع الحديث اعلاه يريد إثبات أن سم خيبر هو سبب موت النبي, فالرواية تريد ابعاد الشبهة عن الذين سمموا النبي , فأضاف المتآمرون هذه الرواية الى روايات اخرى ليبدو للناس أن موت النبي مسموما يعود الى سم خيبر وليس الى سم الجناة الحقيقين! فات حابك الرواية هذه , قائلها أو كاتبها أو مروجها, أنه لا يمكن للسم أن يفعل مفعوله بعد اربع سنين ! فحادثة سم خيبر كانت في سنة 7سبعة هجرية وموت النبي كان سنة 11 هجرية بأتفاق المؤرخين , وهي لطمة على وجوه الكذابين الذين يقولون أن النبي مات بسبب سم خيبر , ويدخل في ذلك رواية عائشة. فكيف للسم أن يفعل مفعوله بعد أربع سنين؟ إن النبي يوم حادثة سم خيبر عرف بأن الشاة التي اهدوه اياها اليهود مسمومة فلم يأكلها ,
وخلاصة قصة سم خيبر أوردها العلامة الطائي في كتابه إغتيال النبي معتمدا على رواية المؤرخ الطبري وكما يلي:
(في السنة السابعة وبعد معركة خيبر أهدت زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم للنبي شاة مصلية وكانت قد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله فقيل لها الذراع فأكثرت فيها السم، وسمت سائر الشاة ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله تناول الذراع فأخذها فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، وقد أخذ منها كما أخذ رسول الله فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله فلفظها ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم (تاريخ الطبري ج2 ص303) ثم دعا بها فاعترفت. فمات بشر بن البراء من أكلته التي أكل في ذلك الزمن. أي أن بشرأكل السم ولم يأكل رسول الله من ذلك السم شيئا)( انتهى).
من رواية الطبري أعلاه يتبين أن النبي لم يبتلع السم فهو لم يأكل الشاة المسمومة ومضغ مضغة لم يستسيغها ولفظها أي لم يبتلعها,وهو دليل على كذب الروايات التي تريد اسقاط تسميم النبي على اليهود! نعم حاول يهود خيبر تسميم النبي الكريم لكنهم فشلوا ولم يؤثر فيه السم لانه لم يأكله أصلاً, و رواية الطبري اعلاه اثبات على ذلك .ان أعراض التسمم التي ظهرت على النبي في يوم وفاته لم يكن لها دخل في قصة سم خيبر, فأعراض التسمم ورواية عائشة التي روتها وهي تريد أسقاط التسمم على اليهود دليل واضح على أن النبي مات بالسم, لأن الجاني الحقيقي كان يتوقع معرفة الناس بموت النبي مسموماً, فاخترع رواية خيبر على لسان عائشة ليسجل أعترافاً من النبي نفسه بأن سبب موته هو السم ,حيث يقول النبي : ( هذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم). وقد ظهرت أعراض تسمم على النبي منها الصداع والتعب وعدم القدرة على الوقوف الا بمساعدة, فقد جاء في الروايات ان النبي ظهر في اليوم الذي سبق وفاته متكئا على العباس عمه وعلى ابن عمه وزوج ابنته علي بن أبي طالب كما في رواية البخاري الاتية : (عن عائشة قالت : خرج بين رجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس وآخر , فأخبرت بن عباس قال هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة قلت لا قال هو علي ) ما يهم من هذه الرواية هو تعبه فرجلاه تخط الارض وهو لا يقدرعلى المشي الا بمساعدة لضعفه الشديد من تأثير السم. ويقول المؤرخ ابن سعد : (فلما كان يوم الاربعاء بدأ برسول الله المرض فحم وصدع) ( الطبقات لابن سعد ج2 ص249, وعن اغتيال النبي للطائي)
ويذكر ابن سعد كذلك دخول أبو سعيد الخدري على النبي لعيادته وعلى النبي قطيفة (رداء) فوضع أبوسعيد الخدري يده عليها فوجد حرارتها فوق القطيفة وهو دليل على الحمى العالية فقال أبو سعيد للنبي (ص) : ما أشد حماك! ( الطبقات لابن سعد ج2 ص208, اغتيال النبي للطائي)
ويروي البخاري ومسلم كذلك عن الصحابي عبد الله بن مسعود قوله: (دخلت على رسول الله وهو يوعك وعكاً شديداً فمسسته بيدي فقلت يا رسول الله – إنك لتوعك وعكاً شديدا فقال رسول الله (ص) أجل إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم) , فيا لها من حمى !ويروي ابن سعد أيضاً قول السيدة أم البشر بن مالك للنبي عندما زارت النبي وقالت له :ما وجدت مثل هذه الحمى التي عليك على أحد ( طبقات ابن سعد ج2 ص236, اغتيال النبي للطائي).,وهي حمى غير طبيعية قد تكون من فعل السم في الجسم, وقد تكون بسبب حمى أصابته فلما سقط عليه الصلاة والسلام في فراشه من الحمى سقاه القوم سما , وسيأتي تفصيل ذلك, إذن سم خيبر الذي حدث قبل أربع سنوات من وفاة النبي ولم يبتلعه النبي ماهو الا كذبة روجها الجناة الحقيقيون للتغطية على سمهم الذي سقوه للنبي. واذا تبين بطلان وفاة النبي بسم خيبر فمن الذي دس السم للنبي (ص) قبيل رحيله؟
الشراب المسموم
ذكرت رويات عديدة أن النبي ص في أواخر أيامه سُقي شراباً وهو في نومه ,وعند افاقته كان يوصي الذين حوله بأن لايسقوه شيئاً ولكنهم لم يأبهوا لاوامره وانتظروا إغفاءه مرة أخرى ليسقوه شرابا ادعوا بأنه دواء . فكانوا يسقونه وهو نائم مخالفين قوله الذي أمرهم فيه بأن لايسقوه شيئا. وعندما يفيق النبي مرة ثانية ويعلم بأنهم سقوه وهو في نومه يأخذه الغضب فيسأل الناس حوله وهم بعض نساءه عمن فعل ذلك, فيكذبوا عليه ويقولوا له أن عمه العباس هو الذي سقاه الشراب وهو في نومه ! لكن النبي(ص) لم يصدقهم ودافع عن عمه العباس وبرأه من تلك التهمة لعلمه أن عمه العباس لن يخونه ,وكان العباس وقت اغفاء النبي خارج البيت في تلك الساعة, ثم يأمر النبي جميع الحاضرين أن يشربوا من نفس الوعاء الذي سقوه منه ويستثني من ذلك عمه العباس . إن فعل النبي وأمره لمن حوله بشراب ما شرب ماهو الا دليل على شكه بأ ن ما شرب كان شراباً ممزوجاً بسم. وإلا ما هو الداعي للغضب الذي غضبه النبي (ص) ليجبر الحاضرون على شرب الشراب الذي شربه؟ لنقرأ الروايات التي ذكرت تلك الحادثة :
عن عائشة أنها قالت: (لددنا رسول الله في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني. قلنا: كراهية المريض الدواء. فقال: لا يبقى أحد في البيت إلا لد، وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم)( تاريخ الطبري ج2 ص 438, صحيح البخاري ج7 , باب لد النبي).
اللد هو سقي المريض شراباً وهو في حالة الاستلقاء. وقول النبي لاتلدوني يعني لاتسقوني شراباً وأنا في غيبوبة النوم. ثم تقول عائشة : قلنا كراهية المريض الدواء. فهي تبرر فعلتها في لد النبي بأن المريض عادة يأنف الشراب لطعمه أو لمرارته , وهي تقول انها لدت النبي حرصاً على صحته, لانه كان مريضاً والمريض لايحب شرب الدواء, فهي تبدو وكأنها أعلم من النبي وأكثر علما بما يضره وما ينفعه وهو قول سفيه, فهل هناك أعلم من النبي بمصلحته؟ أما قول النبي (ص): (لايبقى في البيت أحد الا لُدَّ, وانا أنظر الا العباس فانه لم يشهدكم) , فإنه يبين أن النبي أراد أن يرى جميع الحاضرين يشربون مما شرب هو ماعدا عمه العباس وذلك لشكه بتسميم الشراب كما يبدو من التحليل الواقعي, أو لمعرفته عليه السلام بما سيؤول إليه الحال فأراد أن تعرف الاجيال أنه فعل ذلك إشارة الى انصاره المخلصين في كل زمان وتنبيها للباحثين عن الحقيقة, وتم له ذلك فهذه الرواية الخالدة في بطون الكتب أهملها المدونون المحرفون فظهرت بجلاء بعد تلك السنين لتبين أن النبي في يوم وفاته كان لايثق بالذين كانوا من حوله وهم عائشة وأنصارها, فكان يشك في شرابه وطعامه , فهل بعد هذا التصريح من تصريح ومن كشف؟
لم يكن من المحال أن يغيَّر الناس ذلك الشراب بعد أن سقوا النبي منه وأتوا بقربة أخرى لم يراها النبي وهو في الغيبوبة ولم يراها العباس عندما كان غائباً خارج الحجرة فشربوا من القربة الثانية أمام النبي ليثبتوا أن ما في القربة شراب لايؤدي الى الموت, أما القربة التي شرب منها النبي وهو في غيبوبة النوم ففعلت فعلها حتى ظهرت أعراض التسمم عليه وهي الصداع الشديد والضعف, ولم يغير ذلك مما سعى اليه النبي الكريم(ص) بإجبار الحضور على الشرب مما شرب هو , فإذا ظن القوم أنهم نجوا من شرب السم الذي سقوه للنبي بحيلتهم بالشرب من قربة آخرى, فإن رسالة النبي لأنصاره ومحبيه وصلتهم تبلغهم أن نبيهم سقي سما قبل رحيله.
وقد ذكرت قصة لد النبي في كتب عديدة منها قول ابن القيم الجوزي (قد أمر من في الدار بأن لا يلدوه و لا يجرعوه أي دواء مهما كان ، إذ روي أنه قال لهم بعد سقيه إياهم ذلك الدواء المزعوم: ألم أنهكم أن لا تلدوني)(الطب النبوي لابن القيم الجوزي ج 1 ص 66) .
ان قول عائشة ( لددنا) وقول النبي كذلك ( لاتلدوني), يدل على ان الذين لدوا النبي هم جماعة وعائشة معهم ,فلو كانت لوحدها لقالت (لددت) ولكنها قالت (لددنا), فمن هم اولئك الناس الذين اشتركوا في لد النبي وماهي مصلحتهم في تعجيل موته؟ كما تدل رواية أخرى أن هناك رجال في البيت حيث يروي الحاكم في مستدركه مايلي:
(والذي نفسي بيده لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي . قال : فرأيتهم يلدونهم رجلاً رجلاً! قالت عائشة : ومن في البيت يومئذ يُذكر فضلهم ، فلُدَّ الرجال أجمعون ، وبلغ اللدود أزواج النبي فلددن امرأة امرأة)( المستدرك للحاكم ج 4 ص 202)
قول عائشة اعلاه ( ومن في البيت يذكر فضلهم..) تعني بذلك المشهورين من صحابة النبي, ونقول من يدخل على النبي في بيت زوجته عائشة وزوجته حفصة من الرجال سوى آبائهن, فليس للاجنبي الدخول على بيت أزواج النبي الا أذا كان محرماً ,وإذن كان هناك أبوعائشة وهو أبوبكر الخليفة الأول , وكذلك كان أبو حفصة وهو عمر الخليفة الثاني, ولكن عائشة لم تذكر أسماء الناس بل قالت : وفي البيت من يذكر فضلهم .. وتكفي هذه النكتة لمعرفة من كان في البيت عندما لدوا رسول الله وهو في غيبوبة النوم والحمى.
لقد علم النبي (ص) بخطة السم الخبيثة وعرف فاعلها الاولي حيث يذكر المؤرخ ابن سعد في كتابه قول النبي عن عائشة بعد أن لدته : ( ويحها لوتستطيع مافعلت)( الطبقات لابن سعد ج 2 ص 203).
نعود الى فصل ( قصة السقيفة وكيف تمت البيعة) حيث يظهر تجاسر الصحابة على النبي وهو في فراشه مريضاً , وقال عمر للنبي ذلك اليوم : (دعوه فأنه ليهجر!) وهي كلمة تعني أنه (يخرف) , ولايهجر الا الذي على وشك الموت, فكيف عرف عمر بأن النبي هو في يومه الاخير ؟وكيف يتجاسر على النبي بتلك الكلمة ؟ الا يخشى العقوبة وعتاب من النبي بعد تحسن صحته وقيامه من حمته تلك ؟ الذي يبدو أن عمر كان متأكداً من عدم عودة النبي للحياة بعد ذلك اليوم, فذلك اليوم هو يومه الاخير, وكأن عمر وباقي الرجال والنساء كانوا متأكدين من موت النبي ولايمكن توقع موت أنسان إلا اذا كان هناك سببا قويا يدل على ذلك, وهوسبب علمه المتجاسرون على النبي, حيث عرفوا أنه قد سٌقي سماً لن يفيقه من رقدته تلك! تقدم كذلك في فصل (نظام الحكم من وجهة نظر الشيعة) أن النبي كان قد جهز جيشا بقيادة الشاب أسامة بن زيد ووضع تحت أمرته جنوداُ منهم أبوبكر وعمر وعثمان وأبوعبيدة وغيرهم, وسبب ذلك أن النبي علم بالمؤامرة وعلم بالجناة ولذلك جعلهم جنوداً في جيش أسامة بن زيد وأمرهم بالخروج من المدينة لابعادهم وكان يحثهم على الخروج الى شمال الجزيرة بعيداً عن المدينة المنورة بمسيرة أيام وليال. لكنهم تخلفوا عن المسير, وعندما يخرج النبي عاصباً رأسه بعصابة من شدة الحمى ويقول : أنفذوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه, رأينا أنهم (ومنهم أبو بكر وعمر) لم يعيروا اهتماماً لكلام النبي ولم يأبهوا بتلك اللعنة ولم يخرجوا, فيتوقف الجيش على بعد أميال قصيرة من بيت النبي, وكأن القوم عرفوا معرفة أكيدة أن النبي
لن يتعافى وسيموت ,وهذا برهان جلي على معرفة اولئك القوم بأن النبي قد سُقي سماً مميتاً.( راجع فصل نظام الحكم) .
لقد عرف النبي أن ساعته قدمت وأن موتته بالسم ستشرفه بشرف الشهادة فوق شرف النبوة وشرف ختم الرسالات ,ولذا بكت ابنته فاطمة لما رأت من حمته وضعف قوته وقالت : (واكرب أباه ), فيقول لها الرسول (ص) : ( ليس على ابيك كرب بعد اليوم) (صحيح البخاري ). فهو يعلم أن تلك الساعات هي الساعات الاخيرة. بعد أن يسمع رسول الانسانية كلمة عمر القبيحة فيه عندما قال عمر : دعوا الرجل فأنه ليهجر ( راجع نص الرواية في كتاب صحيح البخاري , باب رزية يوم الخيمس, وكذلك في فصل السقيفة من هذا الكتاب). يقول الرسول غاضباً : (تباً لكم قوموا عني.)( المصدر السابق). فيخرج الجميع من الحجرة ثم يسأل النبي في ساعاته الاخيرة عن أمين سره ووصيه ليقول له كلماته الاخيرة :
(عن أم سلمة قالت : والذي أحلف به ، ان كان علي بن أبي طالب لأقرب الناس عهدا برسول الله ( ص )- تعني أنه اخر من كان معه قبل رحيله- عدنا رسول الله ( ص ) غداة وهو يقول : جاء علي ، جاء علي , مرارا فقالت فاطمة : كأنك بعثته في حاجة قالت : فجاء بعد ، قالت أم سلمة : فظننت ان له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب وكنت من أدناهم إلى الباب ، فأكب عليه رسول الله ( ص ) وجعل يساره ويناجيه ، ثم قبض رسول الله ( ص ) من يومه ذلك فكان علي أقرب الناس عهدا) (مسند أحمد ج 6 ص 300 , المستدرك للحاكم ج 3 ص 138 ,مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 112 ،كنز العمال للهندي باب فضائل علي بن أبي طالب ، وتذكرة خواص الأمة لابن الجوزي باب حديث النجوى) وروى ابن كثير قول النبي (ص) : ادعوا لي أخي , فدعوا له أبا بكر فأعرض ، عنه ثم قال : ادعوا لي أخي , فدعوا له عمر فأعرض عنه ، ادعوا لي أخي فدعوا له عثمان فأعرض عنه ، ثم قال : ادعو لي أخي فدعي له علي بن أبي طالب فستره بثوب وأكب عليه فلما خرج من عنده قيل له : ما قال ؟ قال : علمني ألف باب يفتح كل باب إلى ألف باب )( البداية والنهاية لابن كثير ج7 ص 359 )
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري ان كعب الأحبار قام زمن عمر فقال ونحن جلوس عند عمر : ما كان آخر ما تكلم به رسول الله ( ص ) ؟ فقال عمر : سل عليا ، قال : أين هو ؟ قال : هو هنا ، فسأله فقال علي : اسندته إلى صدري فوضع رأسه على منكبي فقال : الصلاة الصلاة ! فقال كعب : كذلك آخر عهد الأنبياء وبه أمروا وعليه يبعثون ، قال : فمن غسله يا أمير المؤمنين ؟ قال : سل عليا ، قال : فسأله فقال : كنت أنا أغسله وكان عباس جالسا ، وكان أسامة وشقران يختلفان إلي بالماء)( الطبقات لابن سعد ج2 ص 262) ويفصل ذلك علي بن أبي طالب في خطبة له يصف فيها اخر عهده بالنبي صلوات الله تعالى عليه وعلى آله فيقول فغسلته والملائكة أعواني فضجت الدار والافنية , ملأ يهبط وملأ يصعد, فما ذا أحق به مني حياً وميتاً)( نص الخطبة في نهج البلاغة), هذه النصوص تخالف ما زعمت به عائشة في فصل(مؤامرة المسلمين في تشويه شخصية النبي) حيث أدعت أن النبي مات كالعاشق الولهان وضعا رأسه على صدرها وأنه (ص) لم يوص بوصية , وترك أمته في حيرى وكتاب الله مفرق في الصحف والرقع وعلى الخشب وعظام الحيوانات وغيرها. ثم لم تلبث عائشة أن صححت رواياتها حول موت النبي في حجرها , وكبر سنها واقترابها من أجلها دور في ذلك, فكبر الانسان ودنو أجله يذكره بقرب النهاية فيسعى الى تصحيح ما قال من قبل وهكذا فعلت عائشة , فهي تروي في اخريات أيامها حديثا تذكر فيه اليوم الاخير من حياة النبي الذي قضاه وعلي بن أبي طالب في جواره : ( أي شئ تسألن عن رجل وضع يده من رسول الله موضعاُ فسالت نفسه في يده فمسح بها وجهه , واختلفوا في دفنه فقال (علي): إن أحب البقاع إلى الله مكان قبض فيه نبيه, قالت النساء يسألنها: فلم خرجت عليه ؟ قالت : أمر قضي لوددت أني أفديه بما على الارض) ( البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي ج 7 , ص 397).( ملاحظة: قول النساء لعائشة : لم خرجت عليه ؟. يعنين به الامام علي , فهي (عائشة) خرجت عليه في معركة الجمل).
المتآمرون يجنون ماخططوا له , ويفوزون بالحكم!
في ساعة وفاة النبي صلى الله عليه وآله يختفي الحاضرون من بيته , اولئك الذين طردهم النبي من حضرته عندما قال لهم : تباً لكم قوموا عني( راجع باب رزية يوم الخميس في صحيح البخاري, وفصل السقيفة في هذا الكتاب) . عرف المتآمرون أن تلك الساعة هي ساعة النبي الاخيرة, فوقع السم ظهر جلياً ولن يعود الزمن الى الوراء فالسم الناقع شربه النبي الكريم وهو في غيبوبة النوم حينما لدوه( سقوه) أكثر من مرة , وإذن لن يقوم النبي من رقدته تلك , فهرعوا الى سقيفة بني ساعدة ( راجع فصل السقيفة وكيف تمت البيعة) وبمسرحية مُعدة وبتخطيط رصين يُنصب عرب قريش خليفة للنبي على طريقتهم الخاصة والنبي لم يدفن بعد. وعند إنشغال علي بن ابي طالب وأهل بيته وعمه العباس في تجهيز النبي (ص) لمثواه الاخير, يقوم المتامرون بأخذ البيعة من الناس في تلك الليلة وكان لقبيلة بني أسلم الدور في استتاب الامر لابي بكر بن ابي قحافة كما مر ذكره في فصل السقيفة, حيث يقول عمر فرحا بنجاح الخطة .(إنّ أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايقت بهم السكك فبايعوا أبا بكر ، فكان عمر يقول : لما رأيت أسلم أيقنت بالنصر! )(تاريخ الطبري ج3 ص 222, الكامل لابن الاثير, طبقات ابن سعد) . إن أبا الاعور السلمي كان من زعماء قبيلة أسلم ولدوره ودور قبيلته دور كبير في تثبيت حكم الخليفة الاول أبوبكر , فقبيلته ملأت سكك المدينة لحماية دولة أبي بكر, وكان أبو الاعور السلمي هذا هو أحد عصبة محاولة أغتيال النبي في العقبة كما تقدم ذكره.
لقد فشل الذين حاولوا اغتيال النبي في العقبة لكنهم نجحوا بمحاولتهم الاخرى وقتلوا النبي عندما دسوا له السم ,وساعدهم في عملية الاغتيال الناجحة أثنتين من بناتهم وهن عائشة وحفصة, فعائشة وحفصة كانا من الذين لدوا النبي شراباً وهو في نومه , ونال القتلة مجدا دنيويا زائلا, فأغتصبوا الخلافة وحرفوا الدين كما يشتهون.
لقد عرف الصحابة المخلصون بعملية أغتيال النبي , لكنهم لم يقدروا على قلب الامور بعد فوات الاوان , فالسلطة صارت للمخططين والمنفذين لعملية الاغتيال. يقول الصحابي المخلص عبد الله بن مسعود : (لئن أحلف تسعا أن رسول الله قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل، وذلك إن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا)( سيرة ابن كثير ج4 ص 449 ) .
اللهم صل على محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين والعن عدوهم
ربنا لاتؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا
كان هذا الفصل الاخير من كتابي مؤامرة المسلمين على النبي محمد
تم بعونه تعالى في 2013
أخوكم مروان