حياكم الله أخي آكسل
نشكركم على هذا السؤال المهم وننتظر الإخوة السنة للإجابة
سؤالكم هذا ذكرني بهذه المحاورة في مركز الأبحاث العقائدية
وتم نسف الشبهة فيها :
يقول الذي خلقنا والذي له تصرف جميع عباداتنا خالصة: (( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنَّاتٍ تَجرِي تَحتَهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ )) (التوبة:100).
هذه الآية الكريمة تتكلّم عن مهاجرين وأنصار وآخرين اتبعوهم بإحسان... هل تدبّرت.. هل تفكّرت.. فهل آل البيت من جملتهم ومن ضمنهم أم لا؟
إن قلتَ: نعم، فهذا يعني أنّهم فريق واحد رضي الله عنهم جميعاً لا فريقان.. وإن قلت: لا، فإنّك تخرج آل البيت من فضل هذه الآية الكريمة... فهل فهمت قصدي الآن؟... أرجو ذلك وأتمناه!!!
وهذه الآية على سبيل المثال لا الحصر... فالآيات في هذا المعنى كثيرة..
فهل يوجد في كتاب الله تبارك وتعالى آية (واحدة) تقسّم كلّ من لقيَّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) مؤمناً به ومات على ذلك إلى فريقين.. فريق اسمه آل البيت وفريق اسمه الصحابة؟
الإجابة
الأخ أبا زهراء المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل كلّ شيء يجب أن نبيّن: إنّ اجتماع مفهومين في مصداق واحد لا يعني اتّحادهما، فمفهوم أهل البيت (عليهم السلام) غير مفهوم الصحابة، ومع ذلك فيمكن أن يصدقا على مصداق واحد، كما يصدق على عليّ (عليه السلام) أنّه من أهل البيت (عليهم السلام) ومن الصحابة.
وكذلك فإنّ مفهوم المهاجرين ومفهوم الأنصار غير مفهوم الصحابة، وإن كان من الصحابة مهاجرون وأنصار، ومثله يمكن أن يكون من أهل البيت (عليهم السلام) مهاجرون.
وقد بُيّن في علم المنطق علاقة المفاهيم فيما بينها من جهة صدقها على المصاديق، كالخصوص والعموم المطلق، أو من وجه، أو التباين، أو التساوي(1).
ومن هنا فنحن نقول جواباً على السؤال الأوّل: نعم، إنّ من كان من آل البيت الذين هم آل محمّد - عليّ، وفاطمة، والحسن والحسين (عليهم السلام) - زمن الهجرة فهو من جملة السابقين الأوّلين، ومن جملة المهاجرين، وهم حائزون على رضوان الله وفضله.
ولكنّا لا نقول: بأنّ المهاجرين مساوون لأهل البيت (عليهم السلام)، بحيث كلّ من صدق عليه الهجرة يكون مثلهم، إذ الهجرة لوحدها لا يلزمها نيل رضوان الله لمن هاجرها!
نعم، إنّ الظاهر البدوي من الآية أنّ مجرّد السبق إلى الهجرة والنصرة كافٍ ووافٍ في رضوان الله، وأنّه حسنة لا تضرّ معه سيئة؛ ولكن هل هذا الظاهر حجّة ملزمة، بحيث يجب علينا أن نقدّس كلّ من سبق إلى الهجرة والنصرة حتّى ولو ثبتت عليه المعصية؟
والجواب: إنّ المراد بالسابقين الأوّلين من أقام على طاعة الله، ومات على سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، أمّا من عصى وأساء بعد الهجرة والنصرة فلا تشمله مرضاة الله؛ كيف وهو القائل: (( مَن يَعمَل سُوءاً يُجزَ بِهِ وَلاَ يَجِد لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً )) (النساء:123)، والقائل: (( لِيَجزِيَ اللَّهُ كلّ نَفسٍ مَا كَسَبَت إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ )) (إبراهيم:51)؛ وروى البخاري في صحيحه (كتاب الفتن): ((إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم القيامة: (أي ربّي أصحابي)، فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك))، وزاد عن أبي سعيد الخدري: ((فأقول: (سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي)))(2).
وليس من شكّ أنّ للسابق في الهجرة والنصرة الأفضلية على اللاحق، ولكن هذا شيء والسماح له بالمعصية أو عدم الحساب عليها شيء آخر، لأنّ في الآية قيد لا بدّ من الالتفات إليه، وهو: (( وَرَضُوا عَنهُ ))، ولا يصدق على العاصي لله والمشاقق لرسول (صلى الله عليه وآله) أنّه راضٍ عن الله.
ونجيب عن سؤالك الثاني: هنالك آيات كثيرة تشير إلى تقدّم أهل البيت وتذكرهم بالاسم كآية التطهير أو تشير إليهم كآية المباهلة، بينما لا يوجد في كتاب الله آية واحدة تذكر الصحابة بالاسم، سوى آية الغار التي وردت التسمية فيها بصيغة المفرد (صاحبه) ولا يراد منه المعنى الاصطلاحي، ولا يمكن أن يستفاد منها أيّة مزية لمن أُدّعيت له.
أمّا نفس التقسيم إلى أهل البيت والصحابة فلا يوجد في القرآن، وهذا يدلّ على أنّ ذكر أهل البيت مع ما أسند إليهم من الفضل العظيم في كتاب الله دون الصحابة يثبت ما أشرنا إليه آنفاً من أنّ مجرّد الهجرة والنصرة بل والصحبة لا تدلّ على رضوان الله، بل العبرة كلّ العبرة في الثبات على الهجرة والنصرة والاقتداء بالسُنّة، فإن استطعت أن تثبت لنا أنّ جميع المهاجرين والأنصار قد ثبتوا على مقتضى رضوان الله وأنّهم رضوا عن الله حتّى قبضوا فأنت أنت، وإلّا فلا.
ثمّ إنّ انطباق معنى كلّي على فئة من الناس لا يعني أنّهم جميعاً متساوون من جميع الجهات، نعم هم متساوون من جهة صدق هذا المعنى والمفهوم عليهم، وأمّا أنّ بعضهم لا يصدق عليه مفهوم آخر أخصّ فلا يقول به متعلّم فضلاً عن عالم.
وصدق مفهوم السابقين من المهاجرين على مجموعة من الناس منهم أهل البيت (عليهم السلام)، لا يعني عدم تميّز أهل البيت (عليهم السلام) بمفهوم آخر أخصّ من الأوّل، فهذه طبيعة المفاهيم أحدها أخصّ من الآخر أو أعمّ، وبالتالي تكون مصاديقها حسب الانطباق أخصّ أو أعمّ، ولك مثلاً على ذلك: فإنّ الله اختار العرب من البشر، واختار قريش من العرب، واختار بني هاشم من قريش، واختار النبيّ (صلى الله عليه وآله) من بني هاشم(3)، فهل في هذا منافاة؟ أو هل يحقّ لأحد إن يقول أنّ كلّ العرب أو كلّ قريش يساوون رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالفضيلة؟! - أستغفر الله -.
وإن قلت: أنّي اعترف بوجود العموم والخصوص المطلق بين هذه المفاهيم، ولكن هذا غير التباين والانفصال كما تدّعون.
قلنا: من قال إنّنا ندّعي التباين والانفصال بين مفهوم السابقين الأوّلين وبين مفهوم أهل البيت (عليهم السلام)، فإنّ أهل البيت (عليهم السلام) يدخلون تحت السابقين وإن كانوا مميزين وأفضل منهم.
ولكن دعوانا أوّلاً: إنّ السابقين الأوّلين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنهم لا يساوون أهل البيت (عليهم السلام) في الرتبة.
وثانياً: عدم صدق السابقين الأوّلين على أولئك البعض الذين كانوا في الطرف الآخر، مقابل أهل البيت (عليهم السلام)، وتدّعي أنت دخولهم فيهم؛ فتأمّل!
ودمتم في رعاية الله
(1) انظر: المنطق، للمظفّر: 77 النسب الأربعة.
(2) صحيح البخاري 8: 87 كتاب الفتن.
(3) انظر: الخصال، للصدوق: 26 باب الاثنين الحديث (11)، طبقات ابن سعد 1: 20.
تعليق على الجواب
عامر ناصرالعراق
العراق
السلام عليكم
قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ)(التوبة: 100)، فمن يعلم الغيب أنتم أم الله سبحانه وتعالى!
فكيف تقولون أنّ الصحابة انقلبوا على الرسول الكريم بعد موته؟!
فهو من قال: (خَالِدِينَ فِيهَا)، ألا يعلم الله سبحانه من سيدخل الجنّة؟ إن قلتم: لا، وقعتم في كفر، لأنّ الله علام الغيوب.
جواب المركز
الأخ عامر المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قد وقعت بكلامك هذا في إشكالين بعد الاستناد على مغالطات واضحة..
أولاها: عدم الجمع بين آيات الكتاب المبين، والاكتفاء بظاهر هذه الآية الكريمة!
والثانيها: اتهامك لنا بعدم الإيمان والاعتقاد بأنّ الله تعالى علاّم الغيوب، وهذا كلام باطل لا نلتزم به.
هذا وليست الشيعة من قال بأنّ الصحابة سترتد من بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن أمر كانوا عليه معه ويحدثوا حدثا واحدا بعينه يتفقون عليه، بل الرسول الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال ذلك بحسب رواياتكم الصحيحة المتواترة، كما في أحاديث الحوض، من بعد تنصيب أمير المؤمنين(عليه السلام) وليّا للمؤمنين وخليفة له بأمر من الله تعالى، ولكنّهم انقلبوا عليه بمجرد وفاة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعقدوا الخلافة لأبي بكر ببيعة الفلتة على حد مقولة عمر، وتحقق ما أخبر به (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وما وصفهم به تجاه عليّ(عليه السلام)، حتّى روى الحاكم في (مستدركه 3/140و142) بسندين صحيحين عن عليّ(عليه السلام)، قال: (إنّ ممّا عهد إليَّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّ الأُمّة ستغدر بي بعده)، ووافقه على تصحيحهما الذهبي، وأخرج من طريق ثالث عن عليّ(عليه السلام) أيضاً رواه عنه ثعلبة، قال: قال عليّ على المنبر: (والله إنّه لعهد النبي الأُمّي إليَّ أنّ الأُمّة ستغدر بي)، وذكره الهيثمي في المجمع 9/137) فقال: رواه البزار وفيه علي بن قادم وقد وثق وضعف. هذا أوّلاً.
وثانياً: (المهاجرون) عنوان كـ(المسلمين، والمؤمنين، والكفار، والمرتدين) لا يمكن حصر معناها في معنى واحد يستفاد منه ظاهر اللفظ.
فالمسلم يمكن أن يكون مؤمناً صالحاً، بل نبيّاً معصوماً (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(الأنعام: 163)، و(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)(آل عمران: 18)، و(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(آل عمران: 85)، وغيرها.
وكذلك يمكن أن يكون على ظاهر الإسلام كقوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَظ°كِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)(الحجرات: 14)، و (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىظ° إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَظ°لِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا)(النساء: 94)، و(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(الحجرات: 17). ويمكن إطلاقه على المنافقين حيث إنّ المنافق يظهر الإسلام والإيمان ويبطن الكفر، ولذلك كان المنافقون عبد الله بن أبي بن سلول وأتباعه محسوبين على الصحابة والمسلمين لأنّهم يظهرون الإسلام، فحقنوا دمائهم بإظهار الإسلام والإيمان مع كونهم كفّاراً واقعاً، وقال تعالى عنهم: (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ)(المنافقون: 1ـ4).
وكذا الحال في الإيمان فهو درجات وأصناف كالإسلام بالضبط، وكذا الكفر، كما قال ابن عبّاس أنّ هناك (كفر دون كفر)، والردّة أيضاً كما في حديث الحوض (ردّة دون ردّة).
ولذلك لا يمكن حمل المهاجر أو الأنصاري على المدح وأعلى درجات القبول والرضا دائماً، ولو كان الأمر كذلك لما قال لهم رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مخاطباً المهاجرين حين هجرتهم: (إنّما الأعمال بالنيات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)(مسند أحمد 1:25). وكذلك الأنصار منهم سعد بن عبادة الذي تمرّد على أبي بكر وعمر ومات، بل قتل، وهو لم يبايعهما لخلفاء وأئمّة له إضافة لمن انتحر وإضافة إلى من ارتد من المهاجرين والإنصار أو تنصر ناهيك عن المنافقين وما أكثرهم... الخ.
فلو كانت هذه الآيات مطلقة تشمل كلّ مهاجر لَما قال لهم رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما قال، ولما حذّرهم وطلب منهم النية الخالصة وعدم قصد شيء من حطام الدنيا، ولقال لهم: أيّها المهاجرون أنتم مبشّرون بالجنّة كلّكم وقد رضي الله عنكم جميعاً.
ودمتم في رعاية الله.
هل يستطيع المخالف إدخال مهاجر أم قيس في الآية الكريمة!
أنقل مايلي:
فتح الباري بشرح صحيح البخاري المؤلف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الناشر: دار المعرفة - بيروت، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (1/ 10) ( كَانَ فِينَا رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قَيْسٍ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ حَتَّى يُهَاجِرَ فَهَاجَرَ فَتَزَوَّجَهَا فَكُنَّا نُسَمِّيهِ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ).
( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة 100
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِــــــــــــــنَ الْمُهَاجِرِينَ ).. الذين عنتهم الآية هم من أرغموا على الخروج من ديارهم وعذبوا في سبيل الله.. وليس كل المهاجرين أخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيله تعالى ؟ عُرِف ذلك من تبعيض الآية للمهاجرين بـ (مِــــــــــــــنَ ) (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِــــــــــــــنَ الْمُهَاجِرِينَ ).وهذه البعضية قد عرفهم القرآن فقال ( فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي) سورة آل عمران 195.
فمن هم ؟؟؟ ( يروي ابن إسحاق بسنده أن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاصي بن وائل السهمي، وكانوا ذوي أسنان في قومهم، اعترضوا محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالكعبة وقالوا له: يا محمد، هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرًا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرًا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل الله تعالى فيهم: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (الكافرون:. فكانت المفاصلة الكاملة بين الإيمان والكفر.
لما رأى كفار مكة أن بني هاشم وبني المطلب تواثقوا وتعاهدوا جميعًا، على حماية محمد صلى الله عليه وسلم عملوا على مقاطعتهم وعدم التعامل معهم مطلقًا، وتحالفوا على ألا يجالسوهم، ولا يبيعونهم ولا يشترون منهم، ولا يدخلون بيوتهم، ولا يكلمونهم، ولا يتزوجون منهم ولا يزوّجوهم، حتى يسلِّموا محمدًا صلى الله عليه وسلم لقتله والانتهاء من أمره.
وكتبوا بذلك ميثاقًا علقوه في جوف الكعبة، واستمرت المقاطعة ثلاث سنوات، واشتد الأمر على بني هاشم وبني المطلب، حتى أكلوا ورق الشجر، وحوصروا في شِعبهم ولا يخرجون منه إلا في الأشهر الحرم، للتعامل مع وفود الحج والعمرة، وكان أهل مكة يزايدون عليهم لحرمانهم من كل خير، حيث منعوا أن يتصل بهم أحد من القبائل البعيدة عن مكة، وكانوا إذا رأوا تجارة قادمة سارعوا بشرائها، قبل أن تصل إلى المحاصرين في الشعب، مبالغين في ثمنها، ودام الحال على ذلك، حتى قضى الله بنقض المقاطعة وتمزيق الميثاق المكتوب ) " من الكتاب: أصول الدعوة وطرقها تأليف: مناهج جامعة المدينة العالمية. الناشر: جامعة المدينة العالمية, ص 15 /16"
فتبيّن أن السابقين الأولين الذين أخرجوا من ديارهم في سبيل الله ليس هم إلا بنو هاشم ...
وقد هاجر من الآخرين في يوم الأمر وفيهم من التحق بعد شهر وبعد عام وأكثر... وفيهم من هاجر رغبة, ومن هاجر مصلحة, كما رُويىّ ( عن ابن مسعود، قال: كان فينا رجلٌ خطبَ امرأةً يقال لها: أمَّ قيسٍ، فأبت أن تزوَّجَه حتَّى يهاجِرَ، فهاجرَ، فتزوَّجها، فكنَّا نسمِّيه مهاجرَ أمِّ قيسٍ. قال ابنُ مسعودٍ: مَنْ هاجرَ لشيءٍ فهو له/... وقد اشتهرَ أن قصَّةَ مُهاجرِ أمِّ قيسٍ هي كانت سببَ قولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم -مَنْ كانت هجرتُه إلى دُنيا يُصيبُها أو امرأةٍ ينكِحُها-، وذكر ذلك كثير من المتأخِّرين). "جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم, لاين رجب الحنبلي , حققه: شعيب الأرناؤوط ,الناشر: مؤسسة الرسالة بيروت, ج 1 ص 74 قال شعيب رجاله ثقاة "
وفيهم من هاجر نفاقا لإكمال مشروع قريش (قتل محمد)...فهؤلاء أصناف أربعة ؟
فأهل الفضل والرضوان الذين تفرّدوا بلقب "السابقون" هم من أخرجوا من ديارهم , يشاركهم في السبقة و الفضل من ( تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) قال ابن كثير ( وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، أَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ - يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ - عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي ï·؟؟ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ الرَّجُلُ: مِنْ هَمْدَانَ. قَالَ: فَهَلْ عِنْدَ قَوْمِكَ مِنْ مَنَعَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَشِيَ أَنْ يَحْقِرَهُ قَوْمُهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: آتِيهِمْ فَأُخْبِرُهُمْ ثُمَّ آتِيكَ مِنْ عَامِ قَابِلٍ. قَالَ: نَعَمْ. فَانْطَلَقَ، وَجَاءَ وَفْدُ الْأَنْصَارِ فِي رَجَبٍ. وَقَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيح ) " البداية والنهاية لابن كثير القرشي الدمشقي, تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي
بالتعاون مع: مركز البحوث والدارسات العربية والإسلامية بدار هجر الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان, ج 4 ص 362/363 "
فهؤلاء مثل السابقين بواو العطف ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ ) إذ حرف العطف يستخدم ليفيد الجمع أو مشاركة المعطوف للمعطوف عليه في الحكم: المعنى - واو العطف - تُفيد أن ما بعدها يشترك مع ما قبلها في معنى واحد..فالأنصار كانوا أيضا من السابقين إلى النصرة .
ويليهم ( وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)..وهم المؤمنون الذين لم يُحاصروا مع السابقين الأولين الذين أخرجوا ديارهم إلى شعب أبي طالب, لأن الحصار كان خاصا ببني هاشم وبعض مواليهم, ولا من السابقين إلى النصرة .. فهؤلاء لمّا أمر النبي صلوات الله عليه وآله بالهجرة رغبوا في اتباع النبي والسابقين؟ فـــ(اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ...)..
ثم ألحق الله بهم من آمن بعد هذه الحادثة وهاجروا إلى النبي ,أيضا أشركهم في الفضل فقال ( وَالَّذِينَ آمَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَظ°ئِكَ مِنكُمْ..) الانفال75.
أمّا الصنف الخطير جدّا من المهاجرين, هم من عملقتهم الأقلام وجعلتهم أبطالا أعزّوا بهم الإسلام وعتقوا العبيد وحفروا الآبار وجهزوا الجيوش...هذا وأكثر بما وصفوهم قبل الحصار !
لكن لمّا تآمرت قريش على قتل النبي وأخرجته وأهله من ديارهم وكان النبي في أمس الحاجة إلى من ينصره ..لم يكن لهم ذكر ولا يوم واحد في السنوات الثلاثة للحصار !
وكانوا ينتظرون هلاك النبي وآله في الشعب!؟
إلى أن جاء يوم حزن النبي صلوات الله عليه وآله بوفاة وزيرة المالية –خديجة عليها السلام - ووزير الدفاع – ابي طالب عليه السلام – ووصلت الشّدّة بالمحاصرين إلى ربط الحجارة على بطونهم من الجوع ! اضطر النبي إلى الابتعاد عن هؤلاة القساة , فأمر بالهجرة...
ظهر المختفون في مكة ثلاثة أعوام كاملة ! بغتة فهاجروا مع المهاجرين لإكمال المهمّة التي فشلت فيها قريش في مكة (قتل النبي), وقد تمكّنوا من تنفيذها بعد ما كملت الرسالة.. يوم اللّد..
ولقد فضح القرآن المجيد أمرهم فِي اَلْمَدِينَةِ, حيث أخبر الله نبيه أن المنافقين الذين كانوا يكيدون له في مكة قد اتبعوه إلى المدينة وانضموا إلى منافقيها فقال تعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ) وهم الأعراب الموجون في المدينة وليس هم إلا هم , ثم أضاف من هم مثلهم من أهل المدينة فقال ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) التوبة/10... و هؤلاء الأعراب هُمْ اَلَّذِينَ ( إِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ) مِنْ منافقي المدينة و يَهُودِ يثرب ( قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ )
ولقد دوّن التاريخ أَنَّ عُمَرَ بن اَلْخَطَّابْ كَانَ كَثِيرُ اَلِاحْتِكَاكِ بِيَهُودِ اَلْمَدِينَةِ, وَكَانَ تعجبُه اَلتَّوْرَاةُ وَرُبَّمَا فَضَّلَهَا عَلَى اَلْقُرْآنِ ! كَمَا وَرَدَ ( عَنْ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَتَاهُ عُمَرْ ، فَقَالَ : إِنَّا نَسْمَع أَحَادِيثُ مِنْ يَهُودِ تُعْجِبُنَا ، أفَتَرَى أَنْ نَكْتُبَ بَعْضُهَا !!؟ (عجيــــــــــــــــــــــــــب)
فَقَالَ : أَمْتُهُوكُونْ أَنْتُمْ كَمَا تَهَوَّكْتْ اَلْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ؟ ! لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءٌ نَقِيَّةٌ ، وَلَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وُسْعُهُ إِلَّا اِتِّبَاعِي ) حَسَنْ"تَخْرِيجِ شَرْحِ اَلسَّنَةِ لِشُعَيْبْ اَلْأَرْنَاوُوطْ رَقْمَ 126 "
ومن هنا يتبيّن أن عُمَر بن الخطاب ما كان يؤمن بوحي محمّد صلوات الله عليه وآله ولا كان يهتمّ بدينه بقدر ما كَانَ مُولَعًا بِتَوْرَاةِ أهل يثرب , وَأَمَّا اَلْقُرْآنُ العظيم فَقَدْ ( تَعَلَّمَ عُمْرُ اَلْبَقَرَةِ فِي اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا خَتَمَهَا نَحْرَ جُزُورَا ) "الجامع لأحكام القرآن تفسير القرطبي طبعة التوفيقية ج 1 ص 45" .. وكل السرّ يكمن في تلقيب اليهود له بالفاروق ( قَالَ بْنْ شِهَابْ: بَلَغْنَا أَنَّ أَهْلَ اَلْكِتَابِ كَانُوا أَوَّلَ مَنْ قَالَ: لِعُمْرِ اَلْفَارُوقْ، وَكَانَ اَلْمُسْلِمُونَ يُؤَثِّرُونَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَلَمْ يُبْلِغْنَا أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذِكْرُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ) "الطبقات الكبرى لابن سعد طبعة دار صادر ج 3 ص 270" ... ولا يقصدون به إلا تفريق أمة محمد صلوات الله عليه وآله , وهذا الذي هو مشاهد اليوم , والحمد لله رب العالمين .