العقل والعاطفة شيئان مُتبَاينان قد جمعهما الله سبحانه وتعالى في الإنسان لكي يكون متكاملاً ، فالعقل لا يعرف العاطفة والعاطفة لا تعرف العقل لأن العقل كالسيف لا يتعامل إلا بالحد دون النظر إلى حالة الشخص ، فالمجرم إذا ثبتت جريمته وجب إن يُقَامَ عليه الحد وهنا تقف العاطفة لتعارض العقل وتأتي بالمبررات ، وإذا غلبت العاطفةُ في هذه الحالةِ العقلَ تعطلت الحدود وأحكام الله في عباده ، وبالتالي يتفشى الجور والظلم ومن هنا تنطلق المقولة المشهورة ( أنا واخوي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب ) تلك المقولة التي ليست من الدين في شيء ، فإنه عندما يكون مثلاً هناك قضية بين أحد الأرحام وشخص بعيد من ناحية القرابة فإنه ليس من العدل الاستماع إلى ذلك القريب وأخذ كلامه على أنه صحيح ودقيق وعدم الاستماع إلى ذلك البعيد أو الاستماع إليه وأخذ قوله على أنه غير صحيح هذا إذا وُضِعَ الإنسان في موضع الحكم وإلا إن لم يكن كذلك فإن لم يتقصى الحقيقة لنصرة المظلوم وردع الظالم فأضعف الإيمان إن يصمت ، ولو رجعنا إلى قصة نبي الله داوود على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام فإِنَّهُ عندما جَاءَهُ متخاصمان كما ورد في القرآن الكريم وبَدَأَ أحدهما قائلاً: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) فقال داوود عليه السلام قبل الاستماع إلى الخصم الآخر (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ) فجاء النداء من الله سبحانه (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) وهنا داوود عليه السلام ( َاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ) ، فاستخدام العاطفة دون اللجوء إلى العقل يؤدي إلى اتباع الهوى وإذ نذكر قصة النبي داوود عليه السلام فمن باب الاستدلال كما جاء في القرآن وإلا فهو نبي معصوم، وهناك مواقفُ بارزةٌ لسيدنا ومولانا أميرالمؤمنين عليه السلام أكثر من أن تحصى في هذا المضمار فهو الحق الأصوب فقد حل عليه ضيفٌ وبعد فترة علم أن هذا الضيف جاء متخاصماً مع رجل آخر وعندها اعتذر عليه السلام من ضيافته قائلاً أُمِرْنَا أَنْ لا نُضَيَّفَ أحد متخاصمين ، وفي موقف آخر وقف الإمام علي عليه السلام مع خصم له أمام أحد القضاة وخلال مخاطبة القاضي لأمير المؤمنين قال له يا أبا الحسن فلم يقبل الإمام عليه السلام بذلك وقال لماذا كَنَيتَني وسميت خصمي ، ومن ذلك كله نفهم أنه يجب أن يكون مقدارالعاطفة في حياتنا كمقدار الملح في الطعام فهي شيءٌ لا غنى عنه فحياتنا كلها مرتكزة على العاطفة والعقل معاً، فلا يمكن العيش بالعاطفة وحدها ولا بالعقل وحده بل بهما معاً ، ولكن كُلٌّ بمقدارٍ مناسبٍ ألا نرى أَنَّ الوالدين يُمَثِّالان ذلك تماماً فالأب يُمَثِّلُ العقل والأم تُمَثِّلُ العاطفة وكل منهما يُكَمِّلُ الأخر فتجد الولدَ يخرج سوياً ، وبعد ذلك كله تجدر الإشارة في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَان) بِأَنَّهُ في بعض التفاسير: العدل يقابله العقل والإحسان تقابله العاطفة هذا في ميزاننا البشري أما في الميزان الإلهي فالأمرُ مختلفٌ تماماً فلو أننا أتلفنا أنفسنا في عبادة الله وعَامَلَنَا عَزَّ شَأَنُهُ بعدله لما استحق أحدنا رحمته سبحانه (اللهم عاملنا باحسانك وفضلك وعفوك ولا تعاملنا بعدلك فإِنَّا لا طاقة لنا على عدلك يا كريم بحق محمد وآله المعصومين صلواتك عليه وعليهم أجمعين