طرح هذا السؤال علي بعد إلقاء محاضرة على النساء في ايطاليا وبالتحديد في ميلانو في شهر مايو/2000، ولقد طرحت الأخوات المشاركات عدة مشاكل أسرية تعاني منها الجالية الإسلامية المغتربة هناك، ومن أمثلة المشاكل التي تواجه النساء، هي عودة الأسرة المغتربة إلى موطنها الأصلي بعد مكوث أكثر من عشر سنوات في الغربة.
كان الزوجان متفاهمين متحابين لا يتدخل أحد في حياتهما، ويخرجان معا في الأجازات والمناسبات، فإذا عادا إلى موطنهما الأصلي أصبح للزوج علاقات اجتماعية وتدخلت والدته ووالدة زوجته في حياتهما، فلا يعرفان كيف يتعاملان مع هذا التغير الجديد.
قالت إحدى الحاضرات: إن مشكلتي مع زوجي أنه صار يخاف على أبنائه عندما وصلوا إلى سن البلوغ، ويريد أن يرسلهم إلى بلدهم العربي وأبقى أنا معه في الغربة بعيدة عن أبنائي.
وقالت أخرى: إن مشكلتنا الأسرية إن المدارس في ايطاليا تعلم أبناءنا الجنس من سن سبع سنوات…
وذكرت الأخوات عدة مشاكل تربوية، وبدأنا النقاش لنضع تصوراً مشتركاً من خلال المناقشة والحوار والاستماع إلى التجارب وكان لقاء طيباً ومثمراً، ثم بدأت إحدى الأخوات بطرح قضية مهمة جداً، وهي: متى تتنازل الزوجة عن رأيها من أجل زوجها؟
ومتى تصمم على رأيها وتقف عنده ولا تتنازل عنه؟
فذكرت للأخت عدة نقاط متعلقة بالتنازل، وقلت لها: نحن دائما نصف كثير التنازل بأنه إنسان ساذج ومغفل وهذا مفهوم خاطئ، بل إن الإنسان كثير التنازل هو إنسان يحسن كسب العلاقات واحتواء الناس وتجنب المصادمة معهم، وهذا ينطبق على الزوجة مع زوجها أو الزوج مع زوجته، فالأصل في العلاقة الزوجية تبادل التنازلات بين الطرفين، فمرة تتنازل الزوجة عن رأيها من أجل الزوج، ومرة يتنازل الزوج عن رأيه من أجلها، حتى يشعر كل منهما بتضحية الآخر وحبه له. ثم إننا لابد أن نفرق بين التنازل عن أحكام الدين والعقيدة والتنازل عن بعض العادات والتقاليد..
فلا بأس بأن يتم التنازل عن العادات والتقاليد ما لم يترتب على التنازل عنها ضرر..
بينما في أحكام الدين، يمكننا أن نتنازل عن رأينا في الأمور الاجتهادية المختلف عليها عند الفقهاء، ولكل منها دليل صحيح، إذا كانت القضية متفقا عليها، ففي هذه الحالة لا تنازل لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وأما التنازل في السلوكيات فلا مانع من تغيير سلوك معين إذا كان هذا يحقق رضا وسعادة الطرف الآخر، أما التنازل الفكري ففيه تفصيل لأن الفكر غالبا منبثق من عقيدة الإنسان ودينه والتنازل في الأمور العقدية قد يؤدي بالإنسان إلى الكفر.
فالتنازل مبدأ مهم و عظيم من مبادئ أسرار الحياة الزوجية وسعادتها، كما أننا نفضل أن يكون التنازل أحيانا أمام الأبناء، لنربيهم على التنازل والسماحة مع الآخرين ، فيسمعون الزوجة وهي تقول لزوجها: (لقد فعلت هذا الأمر من أجلك والا فان رغبتي عكس ذلك)، ويسمعون الزوج يقول لزوجته: (وأنا فعلت هذا الأمر من أجلك والا فان رغبتي عكس ذلك).
وهكذا يجد الأبناء أمامهم نماذج في (التنازل)، ولهذا فمن العبارات المشهورة عند جداتنا في الماضي كانوا يقولون للزوج: ((علشانك فعلت ذلك)) فيرد عليها: (الله يعز شأنك).
|
فعلا التنازل عن بعض العادات المتبعة وبعض الامور الثانوية التي لو تركت لا تسبب اي علة او ضرر لكل الطرفين لا باس فيها وقد يكون تركها افضل من فعلها وقد تجلب لنا الحياة الهادئة والسعادة حتى ولو كرهنا علىتركها ,,