قال الرسول الأكرم (ص): "معرفة آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد جواز على الصراط، والولاية لآل محمد أمان من العذاب".
هذه الرواية وضعت أمامنا ثلاثة من العناوين، كلها ترتبط بموضوع العلاقة مع أهل البيت (ع)، والكل منها يرتبط بالآخر ارتباطاً عضوياً، وهي: معرفة أهل البيت (ع) وحبهم وولايتهم.
وقد جاءت هذه الرواية على نحو ترتيبـي لتشعرنا بأن هذه العناوين لا ينفك بعضها عن البعض الآخر، وإنما يُنْظَر إلى كل عنوان منها في إطار علاقته مع بقية العناوين، بمعنى أن معرفة أهل البيت (ع) مطلوبة ولكنها لا تكفي بنفسها، بل بضميمة عناوين أخرى.
*ما هي الولاية؟
للولاية ثلاثة معالم عند الشيعة، هي:
أولاً/ التعيين (التنصيب) وهو بمعنى الجعل من قبل الله سبحانه وتعالى، وبالتالي فالولاية جعلية وليست ترشيحية.
ثانياً/ العصمة.
ثالثاً/ الديمومة: أي أنها دائمة لا تنقطع.
كل هذه العناوين ننتزعها من سورة البقرة، حيث يقول الباري عز وجل: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً...} [البقرة:30].
*الولاية مجعولة من الله عز وجل:
الولاية أو الإمامة قضية مجعولة من قبل الله جل جلاله، فسبحانه يقول: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}، أي أنه ليس غيري هو صاحب الخيار في هذا الأمر، بل (أنا) من أجعل وأعيّن خليفة. ومع أن السياق كان متعلقاً بآدم (ع) إلا أن الله سبحانه وتعالى لم يقل: (إني جاعل آدم خليفة)، فآدم (ع) يعد مصداقاً من مصاديق (الخليفة).
فالله عز وجل يجعل الخليفة بمعنى الولي الحاكم، والصلاحية في ذلك الجعل هي له سبحانه وتعالى، ولهذا يذهب العلماء إلى القول بأن الأصل الأولي في موضوع الولاية هو كونها مجعولة من قبل الله عز وجل.
وإليك أدلة أخرى على أن الله سبحانه هو وحده الجاعل خليفة دون سواه، حيث يقول: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [السجدة:24]، ويقول في موضع آخر: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء:73].
وهذا موقف آخر مع نبي الله إبراهيم (ع): {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124]، فبعد أن جعل الباري عز وجل نبيه إبراهيم الخليل (ع) إماماً؛ استأذن (ع) من الله سبحانه وتعالى بأن يجعل ذريته أيضاً، وهذا دليل على أن الله جل وعلا هو الجاعل لا أحد غيره، فإبراهيم (ع) الذي هو كان في مقام النبوة والإمامة ويمثل موقعية الحاكم الشرعي المطلق الصلاحية مع ذلك لم يعط صلاحية لجعل ذريته حكاماً وأئمة.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى تعيين الإمام علي بن أبي طالب (ع) من قبل الرسول الأكرم (ص) يوم الغدير، فلم يكن ترشيحاً وإنما كان جعلاً من الله سبحانه وتعالى، حيث قال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ (بَلِّغْ) مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67].
وهكذا الأمر أيضاً بالنسبة إلى بني إسرائيل عندما جعل الله سبحانه وتعالى لهم ملكاً، فلم يرضوا بذلك: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:247].
*الولاية معصومة:
هكذا يأتي سياق الآية المباركة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة:30]، أي أتجعل فيها غير معصوم؟ أتجعل فيها إنساناً كثير الفساد والأخطاء؟، {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:30].. (نسبح) بصيغة المضارع الذي يفيد الاستمرار وعدم الانقطاع، وهذا دليل على أنهم يمتلكون شيئاً من العصمة فلا ينقطعون أبداً، وبالتالي لا يرتكبون أخطاء ومعاصي.
ويأتي الرد الإلهي بأنه سبحانه يعلم بأنكم معصومون، ولكن سيجعل من هو أرقى منكم في العصمة، حيث ميز الله جل وعلا نبيه آدم (ع) على سائر الملائكة بمعرفته لأهل البيت (ع)، وبذلك تكون عصمته أرقى من الملائكة.
*الولاية دائمة لا تنقطع:
إلى جانب كون الولاية مجعولة من الله عز وجل ومعصومة لا بد أن تكون دائمة أيضاً. ومن هنا تمر علينا الروايات التي تقول بأن الأرض لا تخلو من حجة قط، ولو خلت لساخت بمن عليها، لماذا؟!
نحن لا نعلم سر الجواب على ذلك.. قد يكون لاعتبار: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال:33]، أي أنك إذا خرجت عنهم سينزل الله جلت قدرته بهم العذاب. وقد يكون لأمر آخر لا دراية لنا به..
ما يهم هو أن نعلم أن الولاية دائمة بمعنى أنها مستمرة غير منقطعة، حيث يذهب بعض المحققين في الآية ثلاثين من سورة البقرة {إِنِّي جَاعِلٌ...} إلى أن الله يجعل الإمام قبل خلق الخليقة، فهو قال للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} قبل أن يخلق الخلق، بمعنى أن الخليفة أولاً ثم الخلق ثانياً، لأنه لا يتصور أن يكون الخلق بلا خليفة مطلقاً ولا للحظة واحدة.
*الولاية ليست ترخيصية:
الولاية ليست ترخيصية وإنما إلزامية، فالغريب أنه قد ورد في كثير من العبادات بعض الترخيص، إلا أنه في موضوع (الإمامة) لا نرى ذلك.
يروي سلمان أن رجلاً من بني عامر دخل على رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله جاءنا رسولك، فأمرنا بالتوحيد فأعلناه، وأمرنا بالصلاة والصوم والجهاد ففعلنا، ثم جاءنا رسولك يقول لنا أن نحب ابن عمك علي بن أبي طالب، فما هو السر؟. فرد الرسول الأعظم (ص) بكلام طويل، وفي أحد مقاطع كلامه (ص) أشار إلى اعتبارات وراء ذلك، منها:
1- إن الله عز وجل أنزل عليه جبريل (ع) بعد غزوة بدر، وقال له: "يا محمد، إن الله سبحانه وتعالى يخبرك أنه باهى بعلي الملائكة في بدر، فكلما كبَّر علي كبرت معه الملائكة، وإنه يقول إنني لا ألهم حب علي إلا من أحبه، ولا ألهم بغض علي إلا من أبغضه".
2- إن جبريل (ع) نزل على الرسول الأكرم (ص) بعد أحد وبعد الفراغ من دفن الحمزة (ع)، وقال: "يا محمد، إن الله فرض الصلاة ورفعها عن المريض، وفرض الصيام ورفعه عن المريض والمسافر، وفرض الحج ورفعه عن الفقير المدقع، وفرض الزكاة ورفعها عمن لا يملك النصاب، وفرض حب علي بن أبي طالب ولم يجعل فيه رخصة".
وبذلك تكون ولاية أهل البيت (ع) قضية مركزية، ولذلك نجد أن أهل البيت (ع) يتنازلون عن الحكم والدولة، ولكنهم لا يتنازلون عن الولاية أو الإمامة.