ضعف الأمة يغري بالإساءة لرسول الله
مكتب الشيخ حسن الصفار - « القطيف: تركي مكي علي » - 23 / 2 / 2008م - 12:01 ص
وجّه سماحة الشيخ حسن الصفّار عتاباً للمسلمين لتقاعسهم عن الدفاع عن رسول الله مؤكداً أنهم يتحملون مسؤولية كبيرة تجاه الإساءة المتعمّدة من قبل (17) صحيفة دانماركية عبر إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لشخصية الرسول الأعظم . مضيفاً: إن هذه الإساءة تكشف عن مهانة الأمة على المستوى الدولي والعالمي، والحل لا يكمن برفع الشعارات والمظاهرات وإنما بتعديل الواقع الدولي لهذه الأمة. وأعرب عن وجوب الاعتذار لرسول الله على هذا التقصير.
وفي سياق آخر تحدث الشيخ الصفار في خطابٍ وعظي عن خسارة الإنسان نفسه مؤكداً أنها تحمل أحد معنين: خسارة الإنسان لصفته الإنسانية، وخسارة الإنسان لسعادته في الآخرة، مؤكداً أنه ينبغي لكل واحد أن يُفكّر بعمق في مستقبله الأخروي، كما يُفكّر في وضعه الدنيوي.
الخطبة ألأولى
أشار الشيخ الصفار في بداية خطبة الجمعة 15 صفر 1429هـ (22 فبراير 2008م) أن تاريخ البشرية على مر العصور لم يشهد صفحةً أبيض ولا أنصع من سيرة رسول الله ، ولم يكن على مر التاريخ قائد أوسع قلباً وأعظم حلماً وأشمل رحمةً من رسول الله ، فقد كان قلبه يفيض رحمةً وحباً وشفقةً وعطفاً على الناس جميعاً، وليس فقط على أتباعه من المؤمنين، وكما قال : ((إنما أنا رحمة مهداة)).
مضيفاً: وتعاليم شريعته تؤكد هذه الحقيقة أيضاً، والله تعالى يقول في كتابه العزيز: ﴿وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين﴾.
واقتطف الشيخ الصفار من سيرة الرسول الأعظم بعض المشاهد التي تبرز تلك الملكة العظيمة من الرحمة والعطف التي كان رسول الله يتحلى بها.
- أرسل ذات يوم وصيفة له في حاجة فأبطأت، فقال: لو لا القصاص لأوجعتك بهذا السواك.
- في معركة حنين مرّ رسول الله بامرأة قتلها خالد بن الوليد والناس مجتمعون عليها، فقال: ما هذا؟ قالوا: امرأة قتلها خالد بن الوليد. فقال : لبعض من معه أدرك خالداً فقل له: إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأةً أو عسيفاً (الأجير أو العبد المستعان به).
- ولما مرّ بلال في خيبر بنساءٍ من اليهود على القتلى فبكين، فقال لبلال: أنزعت منك الرحمة يا بلال، حيث تمر بامرأتين على قتلى رجالهما.
- كان يُخفف صلاته لسماعه بكاء طفل جاءت به أمه للصلاة.
- ومرةً استوقفت رسول الله امرأة في عقلها شيء، فقالت: إن لي إليك حاجة. فقال اجلسي يا أم فلان، فجلست، فجلس النبي إليها حتى فرغت.
- ورأى رسول الله ناقةً معقولة وعليها جهازها، فقال: أين صاحبها؟ لا مروءة له، فليستعد غداً للخصومة.
- ورأى فرخ طائر في يد رجل وأمه تحوم حوله وترفرف، فغضب ، وقال: أردد إليها ولدها.
وأضاف: هكذا كان رسول الله قلبٌ ينبض بالرحمة ليس على البشر فحسب، بل على جميع المخلوقات.
واستنكر الشيخ الصفار الإساءة التي اقترفتها (17) صحيفة دانماركية من خلال إعادة نشرها لصور مسيئة لشخصية الرسول الأعظم ، مؤكداً أنها إساءة مقصودة ومتعمّدة، بل ومتكررة وتأتي في سياق الحملة الإعلامية الغربية الموجّة ضد الإسلام والمسلمين.
وحول هذه القضية المتجددة وجّه الشيخ الصفار عتابه للمسلمين مؤكداً أنهم يتحملون مسؤوليةً كبيرةً تجاه هذه الإساءة، فالواقع المتخلف الذي تعيشه الأمة الإسلامية في مختلف جوانب حياتها حضارياً واقتصادياً وسياسياً، وما تُعانيه الأمة من نزاعات داخلية وإرهاب، وما تحتضنه من ثقافة الاستبداد واحتقارٍ للمرأة، كل هذه الجوانب جعلت واقع الأمة الإسلامية في الحضيض، فكان من السهل إيقاع مثل هذه الإساءة وغيرها بقائد هذه الأمة الرسول الأعظم .
مضيفاً أن محاولات التجميل الخارجية لواقع الأمة لن تُعطي أثرها طالما كان الواقع الحقيقي مشوّهاً.
ومن ناحيةٍ أخرى أكّد الشيخ الصفّار أن هذه الإساءة تكشف عن مهانة الأمة على المستوى الدولي والعالمي، فمع ضخامة المساحة السكانية للأمة حيث يُقدّر المسلمون بالمليار والربع مليار مسلم، ومع الثروات الهائلة التي تمتلكها الأمة إلا أنها لا تستطيع تحريك ساكنٍ تجاه إساءةٍ موجّهة لرمزها الأعلى وهو رسول الله ، بيد أن اليهود تجدهم تثور ثائرتهم تجاه أي موقف ينتقص من قضية المحرقة (الهولوكوست). حيث تجرّم دول العالم ما تعتبره معاداة للسامية.
وأشار أن الحل لا يكمن في رفع الشعارات والمظاهرات، وإنما يكمن في تعديل الواقع الدولي لهذه الأمة، بحيث تستطيع أن تكوّن لها ثقلاً سياسياً محترماً. معرباً عن استيائه الشديد لواقع الأمة لأنها لا تسعى بهذا الاتجاه، وكل الجهود المبذولة في هذا الأمر محدودة جداً، بيد أن الأمر يحتاج إلى تحرك سياسي وإعلامي ودبلوماسي عالمي حتى تستعيد الأمة قيمتها العالمية التي تُصادر يوماً بعد آخر.
ووجّه الشيخ الصفّار عتابه للأمة على تقصيرها في نشر صورة رسول الله وتبيين مكانته للعالم، مؤكداً أنه ليس هناك من عذرٍ للأمة على هذا التقصير. مشيراً أن كل مشهد من مشاهد سيرته يُمكن أن يتحوّل إلى فيلم أو مسرحية أو روايةمؤثرة، إلا أن ذلك يحتاج من المسلمين جميعاً التحرك. مشيداً بالجهود المبذولة على هذا الصعيد، ومؤكداً على ضرورة تلاحم جهود أكبر للدفاع عن شخصية رسول الله .
مشيراً في نهاية الخطبة أن الاهتمام بشخصية رسول الله وتبيين عظمته للعالم ليس من أجله إنما من أجل الأمة والإنسانية، فالأمة بهذا النهج تقوى مكانتها العالمية، ويُحسب لها ألف حساب.
وأعرب عن وجوب الاعتذار لرسول الله على هذا التقصير، مضيفاً: أننا لا نستحق شخصيته ، ذلك لأننا لم نحافظ على هذه الشخصية ناصعة البياض، بل سمحنا لمن سوّلت لهم أنفسهم تقديم مثل هذه الإساءة لشخصه العظيم.
الخطبة الثانية
وفي الخطبة الثانية تحدث الشيخ الصفّار حديثاً وعظياً حذّر فيه من الوقوع في الخسارة الكبرى يوم القيامة، مقدّماً تعريفاً للخسارة من الناحية الاقتصادية على أنها: أن يفقد الإنسان رأس ماله أو جزءً منه. مضيفاً إن هذه الخسارة تُحدث في نفس الإنسان ألماً شديداً تتفاوت درجاته بحسب درجات الاطمئنان النفسي للإنسان. وهذه الخسارة وإن كانت باهظة الثمن إلا أن تعويضها ممكناً.
ويُتابع وقد يفقد الإنسان من أحبته أشخاصاً، فيتألم لفراقهم، ومع ذلك فإنه قد يُسلّي نفسه بمن بقي منهم.
ويؤكد على نتيجة مهمة وهي أن الخسارة الفعلية هي خسارة الإنسان نفسه، مستحضراً مجموعة من الآيات التي تتحدث عن هذه الحقيقة، يقول تعالى: ﴿قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين﴾، ﴿ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا يظلمون﴾، ﴿ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنّم خالدون﴾.
وفي إجابته على تساؤل يطرحه في هذا السياق: ماذا تعني خسارة النفس؟ يقول الشيخ الصفار:
هناك معنيان:
الأول: خسارة الذات الإنسانية، فالإنسان عندما يعيش حياته كالبهائم، فإن حياته لا قيمة لها، ذلك لأن قيمة الإنسان بما هو إنسان يتمتع بعقله وعواطفه وفطرته. وفقده لهذه الحالة الإنسان يخسر نفسه. يقول تعالى: ﴿أولئك كالأنعام بل هم أضل﴾.
ومن نماذج هذه الحالة أن يلهث الإنسان وراء أهوائه وشهواته، فيُصبح عبداً لهواه، ويعيش المجتمع في بعض حالاته بعض هذه المظاهر ومنها ظاهرة الإدمان على المخدرات، والتي أصبح لها رواج مخيف في المجتمع، مما يستدعي دق ناقوس الخطر، تحسباً لهذه الحالة المخيفة، والتي بالفعل تُعد خسران هؤلاء المدمنين لأنفسهم.
الثاني: خسارة السعادة الأخروية، فالإنسان في هذه الحياة موجوداً لفترة محدودة وسيرحل، كما رحل آخرون، وأمامه حياة خالدة دائمةً في الآخرة، فكيف هو الاستعداد لتلك الحياة، أم أنه سيكون من الخاسرين لها، كما يبين الله تعالى في الكثير من آياته الحكيمة. يقول تعالى: ﴿لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون﴾. ويقول أمير المؤمنين : ((الغنى والفقر بعد العرض على الله سبحانه وتعالى))، ((لا فقر بعد الجنة، ولا غنى بعد النار)).
مؤكداً أنه ينبغي لكل واحد أن يُفكّر بعمق في مستقبله الأخروي، فكما أنه يهتم في هذه الحياة بالسكن والمأكل وبقية متع الحياة، عليه أن يهتم بذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
والحمد لله رب العالمين
منقول من موقع الشيخ حسن الصفار
منقول