بَذَرات
كتب السمهودي: كان البقيع غَرْقَداً، فلمّا تُوفي عثمان بن مظعون دُفن بالبقيع، وقُطِع الغَرقَد، والغَرقَد: اسمُ شجر، لذلك كان يُعرف بـ « بقيع الغرقد ». ودُفن العبّاس بن عبدالمطّلب عند قبر فاطمة بنت أسد بن هاشم في أوّل مقابر بني هاشم التي في دار عقيل. والنصوص تشهد بأنّ البقيع في بداية الأمر كان أرضاً مَواتاً فيه شجر الغرقد، فلمّا دَفَن رسولُ الله صلّى الله عليه وآله ابنَه إبراهيم، رغب المسلمون في دفن موتاهم هناك. وأضاف: رغب الناس في البقيع، وقطعوا الشجر، فاختارت كلُّ قبيلةٍ ناحية . وكتب السيّد محسن الأمين العامليّ: ذكر المؤرّخون وعلماء الأثر وكلّ مَن كتب في التراجم، أنّ الأئمّة: زين العابدين والباقر والصادق عليهم السّلام دُفنوا في قبّة الحسن عليه السّلام والعبّاس بالبقيع، وكان وفاة زين العابدين ( أي شهادته عليه السّلام ) عام 95 هجري . من هذا يظهر.. أنّ القبّة على قبر الإمام الحسن عليه السّلام كانت قبل سنة 59 هجريّة.
تآريخ
البقيع عُرِف أنّه مقبرة المدينة المنوّرة في العهد النبويّ الشريف، بعد أن دُفِن فيه جمعٌ كثير من الصحابة والشخصيّات المعروفة، منهم: أمّ النبيّ صلّى الله عليه وآله، وعمّ النبيّ العباس بن عبدالمطّلب، وابن النبيّ صلّى الله عليه وآله إبراهيم، ثمّ دُفن فيما بعد: ـ الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام، وقد استُشهِد في 7 صفر / سنة 50 هجريّة. ـ الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام، وقد استُشهِد في 25 محرّم / سنة 95 هجريّة. ـ الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام، وقد استُشهد في 7 ذي الحجّة / سنة 112 هجريّة. ـ الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام، وقد استُشهد في 25 شوّال / 148هـ. وقد دُفِنُوا إلى جنب قبر فاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام. ويظنّ البعض ـ ولعلّه ظنّ غير محقّق ـ أنّهم دُفنوا إلى جنب فاطمة الزهراء عليها السّلام.
آثار
كانت هنالك قبّةٌ تعلو قبور أئمّة أهل البيت النبويّ كالقبّة الموجودة على قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله، لكنّها هُدِمت سنة 1343 هجرية. وكان السلطان عبدالمجيد قد أمر سنة 1270 هجرية بتجديد عمارة المسجد النبويّ والقبّة النبويّة الشريفة، واستمرّ البناء نحو أربع سنين.. وكذلك أمر ببناء قبّة أئمّة البقيع بعينِ البناء الذي بنى به قبر جدّهم رسول الله صلّى الله عليه وآله. وقد بُذلت محاولات من المحبّين والموالين لآل النبيّ صلوات الله عليه وعليهم لتجليل بناء مقبرة البقيع، لكنّ المتعصّبين لأوهامهم حالوا دون ذلك.. كتب السيّد محسن الأمين. لمّا عُمِل في زماننا شبّاك لضريحهم الشريف ( أي لضريح أئمّة البقيع عليهم السّلام ) بإصفهان من الفولاذ الدقيق الصنع وبأعاليه الأسماء الحسنى لله تعالى بالخطّ الجميل المذهَّب، واستأذنت الدولة الإيرانية من الدولة العثمانيّة في وضع الشبّاك على ضريحهم المقدّس، أذِنتْ لها.. ولمّا جاء به السيّد علي القطب رحمه الله إلى جَدّه عارَضَ أهلُ المدينة ( أي المتعنّتون منهم ) في وضعه على القبور المقدّسة، فبقي الشباك في جدّة ثلاثة أعوام حتّى بذل الإيرانيون مبلغاً عظيماً من المال لأهل المدينة، فرضُوا بنقله ووضعه. ولمّا حُمل إلى المدينة المنوّرة وأرادوا إزالة الصندوق الخشب الموضوع على القبور الشريفة ووضع الشبّاك الجديد مكانه، منع أهل المدينة من ذلك بحجّة أنّ الصندوق الخشبي وقفٌ لا يجوز تغييره! فاضطُرّوا إلى وضع الشبّاك ( جانباً ) خارج الصندوق، فنقصت ألواحه الفولاذية بسبب ذلك، فاضطُرّوا إلى إكماله بقطعة من الخشب بعد دهنها بما يقرب من لونه والكتابة عليها. وقد رأيتُ القطعة الخشبية ظاهرة فيه مقصّرة عنه في الرونق عند تشرّفي بزيارة المدينة المنوّرة بعد الحجّ عام 1321 هجري، وبعد ذلك عند تشرّفي بزيارتها من دمشق عام 1330 هجري. وبقي هذا الشبّاك حتّى أزاله الوهابيّون عام 1343هجري حين استيلائهم على المدينة المنوّرة وهدمهم لقبّة أئمّة البقيع عليهم السّلام وقبورهم المقدّسة . أجل.. هدم الوهابيون هذه القبور الشريفة في الثامن من شوّال / سنة 1343 هجريّة مع جميع القباب عدا قبّة النبيّ صلّى الله عليه وآله بلا دليل، باعتقادهم أنّ بناء القبّة على القبر محرَّم شرعاً، ولم يبيّنوا علّة تركهم لقبّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وما هو المخصِّص لها دون قبور الأنبياء والأولياء! وقد تركوا البقيع خَرِبة يُذاد عنها المؤمنون والمسلمون الذين يحبّون التعرّف على الآثار الشريفة والذكريات الإسلاميّة الجليلة، والتشرّف بالمثول عند المراقد الطاهرة لأولياء الله تعالى والدعاء عندها؛ فإنّها بقاع يحبّها الله، وبقيت الحسرات تترى عن زوال تلك المشاهد المعظّمة .
التعديل الأخير تم بواسطة السراج المنير ; 27-11-2008 الساعة 07:12 PM.