مُحيّاكِ يُزري بالرّياضِ النّواضرِ = فما كان إلا قرّةً للنواظر
تخيّرتَهُ دونَ الشــــــموسِ ودونَهُ = معــــانٍ تجلّتْ آيةَ للبصائر
ومحرابُ حبٍّ أمَّهُ القلبُ تائباً = لما بُحْتُ من سرٍّ ومثلُكِ عاذري
فيا قِبلةَ العُشّاقِ هلا بقُبْلَةٍ = تُكَفّرُ عني مُفضِعاتِ الجرائـــــــــر
وخلّي فَماً في طاعةِ الحبِّ ناطقاً = يطوفُ ويسعى بين ثغرٍ وناظر
رأيتُكِ أجلى من بيانٍ أصوغُهُ = جمالاً وأحلى من رقيقِ المشاعر
ويُسعدني الشوقُ الذي شفّ مهجتي = ويسعفني الجمرُ الذي في مَحاجري
حَنانَيْكِ لا أسطيعُ صبراً على النّوى= فما بين أضلاعي سوى قلبِ شاعر
رعى الحبَّ ديناً لا يًدينُ بغيرِهِ = يرى تركَهُ من أمّهـــــاتِ الكبائر
وما كلُّ حُبٍّ يُبلغُ النفسَ سؤلَها = ولا كلُّ حبٍّ قدّستْهُ مشاعري
سوى حبِّ من غُذّيتُ من ثدي بَرَّةٍ = مُهذّبةٍ حتى غدا من مَآثِري
فقلتُ به شعراً إذا قمتُ شاعراً = فيسمعني نَشْوانَ زاكي السرائر
ويوسعني شَتْماً جَهولٌ مُغرّرٌ = وأنّى تُضير الطَّوْدَ هوجُ الأعاصر؟
رأيتُ سبيلَ الحقِّ صَعْباً مَسيرُهُ = فأذللتُهُ بالصبرٍ رُغْـــــمَ الدَّياجر
وما كان تقليداً فلستُ مُضللاً = يُرَدَّدُ ما بين الحصى والجواهر
وما سرتُ إثْرَ الوالدينِ مُقلّداً = وإنْ كلّ ما قالوهُ عينُ البصائر
ولكنني للذِّكْرِ يممّتُ وُجْهَتي = لأسرارِهِ مُسْتَجْلياً كلَّ خافِر
وطالعت أسفارَ المذاهبِ جلَّها = وما كنتُ يوماً عن هداهُ بحائر
فكان الذي خصّ الرّسالةَ أحمداً = يَخصُّ علياً بالعُلا والمَفاخر
وفي آيةِ التبليغِ تُغني دِلالةً = وَلايتُهُ دِرْءاً لقــــولِ المكابر
وكان بخُمٍّ للنبوّةِ موقفٌ = جَليٌّ كَرَأْدِ الشّمسِ عند الهَواجر
ينادي فمن مولاهُ كنتُ فإنما = عليٌّ له مولى وزيري وناصري
ومن شدَّ عَضْدي يومَ فلّوا سواعداً = عن الحربِ خوفاً من ركوبِ المخاطر
وأكرمَ من حاز المكارمَ فازدهتْ = أوائلُها مُزْدانــةً بالأواخـــــر
فبايعَهُ ذاك الرّعيلُ - وفيهـــــــمُ = عَديٌّ وتَيْمٌ - رافلاً بالبشـــــائر
ومن بعدِ ذاكَ العهدِ أنكر معشرٌُ = وصيّةَ حقٍّ غالها كفُّ غادر
أردوا لها شورى فخيّب ظنَّها = مقالٌ كذاك الشرُّ واهي الزّوافر
وقد قاله الثاني: (وقى الله شرّها) = أيا فلتةً أدّت لشرِّ المصائر
وهذا أخو تَيْمٍ عَديّاً مُخَلِّفـــاً = على الناسِ لا شورى ولا قولَ هاجر
أ كان أبو بكرٍ يَضَنُّ على الهدى = مَخافةَ أنْ يودى بإمرةِ فاجر
بأكثرَ ممّن أنزل اللهُ دينَهُ = عليه فما هذا ســـــــوى قولِ كافر؟
تقمّصَها هذا ليُخلي سبيلَها = إلى ذاك مذ غابت حُلومُ الأكابر
وعاد عليٌّ بالخطوبِ ولم يجد = نصيراً له من بين تلك المعاشر
رأى حقَّه نهباً فأوفى بعهدِهِ = وما ضاع عهدٌ خلفَهُ حِلْمُ صابر
وإنَّ الذي عاشَ الحياةَ مُجاهداً = عن الدين لا يُعطيهِ صَفْقَةَ خاسر
ولو قاتلتْهُ العُرْبُ رُغْمَ عَديدِها= لقاتلَها والحــــــــقُّ خيرُ مُناصر
ولكنّه بالصبرِ لاذ فخُيّبتْ = لأعدائِهِ آمالُ خُبْثِ الضّمائر
ولو أنه بالسيفِ قام لَهُدّمت = مباني الهدى من بعد شدّ الأواصر
وإذ كان بدرَ الحقِّ في الأفق مفرداً = غدا سَفَها يُنمى لتلك النّظائر
وإنَّ الذي أحيى المنابرَ وَعْظُهُ = يُسَبُّ جِهاراً فوق تلك المنابر
وإنَّ الذي أرسى الرّسالةَ سيفُهُ = غدا عِرْضُهُ نَهْباً بكفِّ العواهر
أبا حسنٍ يا من وُلِدْتَ بمكّّةٍ = وفي زمزمٍ فاضت دموعُ البشائر
لقد نَقِموا منكَ الرّقابَ بَرَيتَها= ببدرٍ وأُحْدٍ بالحُســــــــامِ المُبادر
وكونُكَ نفسَ المصطفى ونصيرَه= إذا عزَّ في يومٍ وفاءُ المُنافِر
وسيفُك يومَ الرّوع يمتارُهُ الرّدى = ليَصْدُرَ رِيَّ الصدرِ من كلّ ناحر
ولولاكَ ما قام الهدى في ربوعِهِمْ = وهل ينعمُ المَوْتورُ في ظلِّ واتِر؟
لك الخلدُ رُغْمَ المُرجفينَ وإن طغت = ضغائِنُهُمْ فالفضلُ خَيْرُ الذّخائر
وإنَّ ظلامَ الليلِ يزدادُ عُتْمَةً = فتألقُ أنوارُ النّجومِ الزّواهِـــــــــر
فيا منجدَ الإسلامِ من لُؤْمِ غاشِمٍ = ويا مُنقذَ المظلومِ من لَوْمِ جائر
رجوتُكَ يومَ الحشرِ خيرَ وسيلةٍ = إلى الله إنْ تبلو هناك سرائري
وقد أثقلتْ ظهري الذنوبُ وليس لي = سواكَ مُجيرٌ من عظيمِ جَرائري
عليك سلامُ اللهِ يا آيةَ الهُدى = وناشرَهُ في كلِّ بـــــادٍ وحاضِـــــــر
عادل الكاظمي