بعد أن قامت زرقاء اليمامة من الشام إلى مكة المكرمة واطلعت على النور العظيم الذي يحمله والد النبي (ص) وكيف أنه انتقل إلى السيدة آمنة (ع) عمدت إلى تدبير مخطط تتخلص من خلاله من آمنة (ع) وتطفئ النور الإلهي المودع في أحشائها.
وبالفعل، فقد أخذت تلك المرأة تفكر في الحيلة التي تتخلص من خلالها من السيدة فانتهى فكرها إلى ما يلي:
أن تجهز من الماشطات حتى يقتلنها، فعثرت على امرأة من الخزرج اسمها " تكنا " وكانت ماشطة للسيدة آمنة، فلما كان في بعض الليالي استيقظت تكنا فرأت عند رأس الزرقاء شخصاً يحدثها ويقول:
ويلك يا زرقاء! لقد نزل بنا أمر عظيم، كنا نصعد إلى السماء السابعة ونسترق السمع، وفي هذه الأيام الأخيرة طردنا من السماء وسمعنا منادياً ينادي في السماوات: أن الله قد أراد أن يظهر المكسر للأصنام ومظهر عبادة الرحمن فامتنعوا جملة الشياطين من السماء ورمتنا الملائكة بشهب من نار، وقد جئتك لأحذرك.
فلما سمعت زرقاء كلامه قالت له: انصرف عني، فلا بد أن أجتهد في قتل هذا المولود.
ثم إنه فارقها و تكنا تسمع ما جرى بينهما، فأتت إلى الزرقاء وقالت لها: ما لي أراك مغمومة؟
قالت لها: يا ويلك إن همي وحزني من حامل مولود يدعو إلى تكسير الأصنام ويذل السحرة والكهان، فلو وجدت من يساعدني على قتل آمنة بذلت له الجزيل من الأموال والهدايا، وعمدت إلى كيس كان معها فأفرغته بين يدي تكنا وكان مالاً جزيلاً.
فلما نظرت تكنا إلى المال أغراها وراقها بريقها، وقالت لها: يا زرقاء لقد ذكرت أمراً عظيماً إلا أنني سأفكر فيما ذكرت، ولكن كيف أجسر على ما وصفت والوصول إلى ما ذكرت؟
فقالت الزرقاء: إذا دخلت عليها وجلست عندها فاقبضي على ذزائبها واضربيها بهذا الخنجر فإنه مسموم، وإذا وقعت عليك التهمة أو وجبت عليك دية فأنا أقوم بخلاصك وأدفع عنك فما أنت قائلة؟
قالت: إني أجبتك لكن أريد منك الحيلة بأن تشغلي بني هاشم عني.
فقالت الزرقاء: لا عليك أنا أشغلهم عنك.
ثم إن الزرقاء أعطت تكنا الخنجر المسموم وقالت لها: قومي إلى حاجتك، فقامت ودخلت على السيدة آمنة (ع) فرحبت بها وسألتها عن أحوالها وقالت: يا تكنا لقد انقطعت عنا.
فقالت: اشتغلت بهمي وحزني، ولولا فضلكم علينا لكنا بأقبح حال ولا أحد أعز علي منك، هلمي يا بنية إليّ حتى أزينك.
فجاءت السيدة آمنة (ع) وجلست بين يديها، فلما فرغت من تسريح شعرها عمدت إلى الخنجر وأرادت أن تضربها به فحست كأن أحداً قبض على قلبها فغشي على بصرها فسقط الخنجر من يدها إلى الأرض، فصاحت وا حزناه.
فالتفتت السيدة آمنة (ع) إليها وإذا الخنجر قد سقط من يدها، فصاحت السيدة آمنة (ع) فتبادرت النسوان إليها وقلن لها: ما دهاك؟
قالت أما ترين ما جرى عليّ من تكنا لقد كادت أن تقتلني بهذا الخنجر المسموم.
فقلن: يا تكنا ما أصابك، ويلك تريدين أن تقتلي آمنة؟
فقالت: نعم، لقد أردت قتلها.
فقالت لها النساء: يا تكنا ما حملك على هذا؟
قالت: لا تلوموني حملني طمع الدنيا والغرور، ثم أخبرتهن بالقصة وقالت لهن: ويحكن دونكن الزرقاء اقتلنها قبل أن تفوتكن