بعد وفاة المرحوم آية الله البروجردي ، ورغم أن الدرس الأول في حوزة قم كان درس الإمام ، إلا أنه لم يكن يفكر بالمرجعية ، حتى أنه لم يكن يشترك في المجالس والمحافل ، التي كانت تعقد في قم.
ذات يوم اقترح عليَّ أحد محبي الإمام وتلامذته أن أذهب إلى سماحته ، لعلّي أحصل على موافقته على طبع رسالته.. كان الوقت صباحاً . دخلت منزل الإمام ، كان الإمام جالساً على بساط ، وكان زميلي تحدث في أن المجتمع اليوم بحاجة لكم ، ومن شدة حبه للإمام قال كلمة لعلها كانت لغواً ، أتذكر جيداً أن وجه الإمام احمر فجأة وقال : ( كلا ليس كذلك ، إن الإسلام ليس متوقفاً عليَّ).
وحتى حاشية العروة الوثقى قام عدد من الطلاب بطبعها على نفقتهم ، إلا أنهم احتاجوا مبلغاً من المال، فقلت للمرحوم إشراقي ( صهر الإمام ): إذا أمكنك أن تأخذ بقية المبلغ من الإمام.. وبعد أيام أجاب بأن الإمام قال: ( أنا لم أقل اطبعوها ).
وبعد وفاة المرحوم آية الله الحكيم ليلاً ، أعلن نبأ وفاته من المكبرات.. تلك الليلة كان الإمام ( في النجف ) على سطح، يقول أحد الأخوة: سمعت صوت بكاء الإمام، ورأيته جالساً يبكي ، وفيما بعد قال الإمام : أحضروا الجميع وقولوا لهم : ليس لكم الحق أن تدافعوا عني ، وأن تذكروا اسمي في أي مجلس . حتى إذا تلقى مصطفى ( ابن الإمام ) صفعة على أذنه .. وإذا سبوني فلا تقولوا شيئاً..
وعلى الرغم من وجود أشخاص كانوا يرسلون من يقومون بحملات دعائية لهم إلى هذه الجهة وتلك ، فإن الإمام كان موقفه كما ذكر ، بحيث أنه لم يكن يرضى أن يدعى إلى مرجعيته ، وفي تلك الأيام كان أشخاص من الموصل وكركوك يزور الإمام ويسألونه: من نقلد ؟.. فيقول : من كنتم تقلدون؟.. ويجيبون : السيد الحكيم.. فيقول الإمام : ابقوا على تقليد السيد الحكيم .
نعم ، من كان مع الله كان الله معه .. ومن هنا نرى اليوم أن الله العلي وهبه قدرة وشوكة لا نظير لها بين علماء الشيعة من الغيبة الكبرى وحتى عصرنا الحاضر.
جاء في سيرة السيد ابن طاووس عليه الرحمة : على الرغم من أنه كان أهلاً للإفتاء والمرجعية ، فلشدة تقواه لم يفْت أبداً ولم يتصدّ للمرجعية .
وحول الميرزا الشيرازي الكبير جاء أن طلاب الشيخ الأنصاري بعد وفاة الشيخ اختاروه للمرجعية ، وأصروا عليه إصراراً كبيراً حتى أقنعوه بقبول هذه المسؤولية ، فجرت دموعه على خديه ولحيته المباركة ، ثم أقسم أنه (لم يخطر في ذهني أبداً أني أحمل عبء هذه المسؤولية العظيمة).
وهذه الجملة القصيرة من الميرزا الكبير جديرة بالتأمل جداً، وينبغي على طلاب العلم أن يقتدوا به ويفكروا كما كان يفكر.