ليس هناك من شكٍ في أن التربية الإسلامية قد اعتنت بالمواهب الإنسانية التي غرسها الله تعالى في النفس البشرية ، وحرصت على تنميتها والاهتمام الإيجابي بصاحبها ، ودعت إلى حُسن توجيهها والإفادة الكاملة منها بصورةٍ تُحقق النفع والفائدة المرجوة سواءً كان ذلك على المستوى الفردي أو الجماعي .
لماذا تهتم التربية الإسلامية بالموهوبين ؟
يأتي اهتمام التربية الإسلامية بهذا الجانب في شخصية الإنسان انطلاقاً من إدراكها أن الثروة البشريــة تُمثل الثروة الحقيقية لأي مجتمع من المجتمعات ، وأن من يوصفون بالمتفوقين والموهوبين في أي مجتمع إنما هم بمثابة القلب النابض والعقل المُفكر له ، نظرا لأهميتهم البالغة ، وأثرهم الفاعل والإيجابي في مواجهة مختلف التحديات في أي زمانٍ ومكان .
من هنا فإن على المهتمين بشؤون التربية والتعليم أن يزيدوا من اهتمامهم بالطلاب الموهوبين في مختلف المجالات العلمية ، وأن يحرصوا على كيفية اكتشاف المتفوقين والموهوبين ، ومن لديهم قدرة على التفكير الابتكاري من الطلاب ؛ لغرض رعايتهم و العناية بهم وحُسن توجيههم ، وصقل مواهبهم وأفكارهم والعمل الجاد على تعرف جوانب التميز لديهم ، ومن ثم العمل على تحديد أفضل الوسائل الممكنة لاستثمار تفوقهم ، وتسخيره لما فيه الصالح العام ، ولاسيما أنهم بما وهبهم الله من تفوق عقلي ، وقدرات خاصة على الفهم ، والتطبيق ، والتوجيه ، والقيادة ، والإبداع قادرون - بإذن الله تعالى - على إحداث التقدم المنشود ، وقيادة مسيرة التنمية والتطور الحضاري ، والتصدي لمختلف المعوقات والتحديات المعاصرة ، و الإسهام الفاعل في حل المشكلات المختلفة للمسيرة التنموية الشاملة .
وليس هذا فحسب فإن هؤلاء الموهوبين يُعدون - بإذن الله تعالى - أمل المستقبل ورجاله المنتظرين لقيادة البلاد في مختلف المجالات العلمية والتقنية والإنتاجية و الخدمية والمعرفية .
وحيث إن مؤسساتنا التعليمية والتربوية - ولله الحمد والمنة - تزخر بالكثير من الموهوبين والمتميزين من أبناء المجتمع في مختلف الميادين والمجالات العلمية والمعرفية فإن تربيتنا الإسلامية تفرض علينا جميعاً مزيداً من الاهتمام بأفراد هذه الفئة والعناية بهم وبمواهبهم المختلفة ، وهذا أمرٌ لا يمكن تحقيقه إلا بالتعاون بين مختلف عناصر العملية التربوية الرئيسة والتي يمكن الإشارة إلى بعض أدوارها فيما يلي :
أولاً / دور المعلم المسلم في رعاية الموهوبين والعناية بهم :
تنطلق أهمية دور المعلم في العناية بالطلاب الموهوبين على اعتبار أنه الركيزة الأساسية في العملية التعليمية والتربوية . وعليه الاعتماد - بعد الله سبحانه وتعالى - في تحقيق الأهداف التربوية والتعليمية ، ولاسيما أن على عاتقه مسئولية عظيمة في تربية النشء ، و توجيههم التوجيه الإسلامي الصحيح ، والعمل الجاد على تنمية مواهبهم، وكشف استعداداتهم ، والإفادة من جوانب تميزهم ، إلى غير ذلك من المسئوليات التي لا يمكن أن تتحقق دون توافر المعلم المسلم المبدع الذي يدرك أهمية الإبداع ، ويحرص على تنمية التفكير الإبداعي عند الطلاب ، وربطه في كل شأنٍ من شؤونه ، وكل جزئيةٍ من جزئياته بما جاء في المصادر الخالدة للتربية الإسلامية المُتمثلة في كتاب الله العظيم وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
كما أن دور المعلم المسلم يمكن أن يتضح من خلال إيجاد المواقف التعليمية التي تستثير الإبداع عند الطلاب في الفصل الدراسي ، وتشجيعهم على ممارسته بمختلف الطرائق والأساليب الممكنة ، والحرص على توجيههم بطريقةٍ إيجابية وفاعلة .
ثانياً / دور المدرسة في رعاية الموهوبين والعناية بهم :
يمكن الإشارة إلى دور المدرسة كمؤسسةٍ اجتماعيةٍ تربويةٍ في رعاية الموهوبين والعناية بهم و المشاركة الفاعلة والإيجابية في هذا الشأن من خلال تقديمها للمواد الدراسية وما يتبعها من نشاطات فصليةٍ أو غير فصلية بصورةٍ حديثةٍ و شائقةٍ و جذابةٍ ، والعمل على التخلص من النمط التقليدي الذي يُركِّز دائماً على أسلوب تلقين المعرفة للطلاب بصورةٍ يكون الطلاب معها سلبيين وغير متفاعلين .
كما يمكن للمدرسة أن تعمل على وضع خطة شاملة لرعاية الطلاب الموهوبين ، وتوفير الجوّ التربوي الملائم لنمو المواهب المختلفة ، والعمل على توفير ما أمكن من الأدوات والتجهيزات اللازمة لممارسة مختلف الأنشطة التي يمكن من خلالها التعرف على المواهب وتنميتها وتطويرها .
ويأتي من مهام المدرسة الحرص على تدريب بعض المعلمين على كيفية التعامل مع الطلاب الموهوبين ، وتوجيه المعلمين إلى استخدام طرائق وأساليب تعليمية فاعله وإيجابية لهذا الشأن ، والاتصال بأولياء الأمور وتعريفهم بمواهب أبنائهم ليتحقق التكامل بين دور الأسرة ودور المدرسة في رعايتهم .
ثالثاً / دور المجتمع في رعاية الموهوبين والعناية بهم :
ويتمثل هذا الدور في أهمية الاهتمام الجماعي لمختلف القطاعات والمؤسسات الاجتماعية الأخرى في المجتمع بهذه الفئة من أبنائه عن طريق المشاركة الفاعلة ، والإسهام الجاد في توفير مختلف الظروف المدرسية والبيئية الداعمة للإبداع والمُبدعين ؛ والمُساعدة على تنميته وتطويره ، والحرص على تحقيق الفوائد والأهداف المرجوة منه ، فالأسرة والمسجد ووسائل الإعلام وأماكن العمل والنوادي ،
وغيرها من المؤسسات الاجتماعية مطالبة بالإسهام الفاعل والإيجابي في العناية بالموهوبين ورعايتهم سواءً كان ذلك بطريقٍ مباشرٍ أو غير مباشر ، ولن يُعدموا طريقةً أو وسيلةً لتحقيق ذلك متى تضافرت الجهود وصلُحت النيات وقويت العزائم .
يتوقف نجاح الطالب في دراسته بالمرحلة الجامعية - أو تلك التي تلي الثانوية العامة - على مدى توفيقه في اختيار التخصص الصحيح الذي يتناسب ويتوافق تماماً مع ميوله وقدراته واستعداداته، ويرتبط ذلك ارتباطاً مباشراً بنجاحه في حياته العملية بعد التخرج، وعلى ذلك ينبني مستقبله كله، فإن كان اختياره صائباً ومراعياً لامكاناته الذهنية ولميوله؛ فإنه بلا شك سيجد نفسه في هذا التخصص، وسيمتلك أدوات الإبحار والتعمق فيه بثقة كبيرة، وربما أصبح علماً في مجاله..
وذلك على عكس الآخر الذي يستسلم لرغبات الأسرة، أو لما تنتج عنه استشارة الزملاء أو الأصدقاء وإن كان مصادماً لرغباته؛ فإن مثل هذا لن يحصد إلا الإخفاق والفشل، وسيواجه صعوبات كبيرة في مستقبله العملي لا محالة.. وربما يحقق الطالب نجاحاً في دراسته رغم كراهيته ونفوره من تخصصه، ولكنه لن يقوى على الانسجام معه في مستقبله العملي، وسيكون أداؤه روتينياً وضعيفاً وخالياً من التميز والإبداع، وتجده دائماً يمارس عمله وكأنه مكره عليه أو مجبر.. والشواهد والأمثلة كثيرة في مواقع العمل المختلفة.
ويحدثنا الواقع ان كثيراً من طلابنا يفتقرون إلى خلفيات كافية حول التخصصات الجامعية، ولذلك تعوزهم إمكانية اتخاذ القرار الصحيح في هذا الخصوص، وغالباً ما يلجأون إلى ما ينصح به أفراد الأسرة أو يفرضونه عليهم..
فكيف يختار ابنك تخصص ما بعد الثانوية؟ وللإجابة على هذا السؤال الذي يبدو في غاية الأهمية للآباء وللطلاب أنفسهم؛ نقول إن خلفية اختيار التخصص تبنى أساساً على اللبنات الخمس الآتية:
1- الرغبة، ونقصد رغبة الطالب نفسه في اختيار التخصص الذي يميل إليه، ويرى فيه نفسه ومستقبله، ويقبل عليه بثقة، ويحس بتوافق وانسجام معه؛ بل وبمتعة كبيرة في دراسته. أما ان أحس بأي نوع من الملل أو النفور فعليه إعادة النظر في قراره قبل انفلات الفرصة من بين يديه.
2- القدرة، ونعني هنا القدرة على اختلاف مساراتها، أي القدرة الذهنية والعلمية والجسدية والنفسية، فالتميز في المعرفة - وخاصة في بعض المجالات كالطب مثلاً - يتطلب توافر هذه القدرات، فالتخصص والممارسة في المجال الطبي ليست عملاً مترفاً؛ وإنما هي جهد عقلي وبدني يقتضي درجة عالية من الاستعداد النفسي والصبر والدقة.
3- مجال العمل، ومع توفر ما أشرنا إليه؛ ننصح الطالب باختيار التخصص الذي يتوافق مع متطلبات سوق العمل، وان الحاجة الفعلية إليه مستمرة وليست محدودة بمكان أو زمان أو وفرة، وألا يختار تخصصاً لا حاجة لقطاعات المجتمع به على الإطلاق، كأن يتخصص مثلاً في لغة لا يستطيع ممارستها إلا مع نفسه أو في نطاق ضيق ومحدود جداً، وبالتالي يجد نفسه أسيراً لبطالة طويلة، ثم يلقي اللوم على الجهات المعنية بالتوظيف.
4- المكانة الاجتماعية.. التخصص في المجالات الطبية أو العسكرية ليس وجاهة، أو استعلاء، أو مكانة اجتماعية مرموقة، بل يعني في جوهره التفاني في تقديم خدمات ضخمة للآخرين، وفي ذلك ضريبة كبيرة تتمثل في التضحية بقدر كبير من الوقت والجهد مما قد يتسبب في إضعاف اجتماعيات الفرد، أو في عدم قدرته على تلبية متطلباتها.
5- المردود المادي.. على الطالب ألا يقصر نظرته للتخصص على ما يمكن أن يحققه من دخل مالي مرتفع، ورغم ان هذا مطلوب بالفعل؛ إلا أن من المهم جداً تقدير حجم العمل ومقتضياته، فالتخصص في مجال الطب أو المجال العسكري - مثلاً - لابد ان يقترن بالمفهوم الإنساني، أي أن الجانب الإنساني فيه يطغى على عائداته المادية، ولا تقاس هذه الخدمات بمال؛ لأنها ترتبط بحياة الناس وأمنهم وراحتهم.