إن علاقتنا بالخارج واضحة من خلال هذه الصورة
فإن الخارج يتحول الى صورة في قعر العين ، فتنتقل على شكل ذبذبات عصبية الى المخ ، فلا اتحاد بين الناظر والمنظور اليه إلا بهذا المقدار
لنتكلم مع انفسنا بصراحة ونقول : إن من يسترق النظر الى ما يحرم النظر اليه .. ما الذي سيحصل عليه من ذلك النظر ؟..
صور في قعر الشبكية ، وذبذبات في زاوية من زوايا المخ ، هل هذا يكفي لاقتحام حدود الملك الجبار؟..
فكم من الجهل ان لا يبقى من الحرام الا هذه الصور الفانية ، والذبذبات العصبية الزائلة ، ومع ذلك نتكالب عليها تكالب الفراشة على النار؟!..
كان بامكان الحكيم ان يتم خلقه في اقل من هذه المدة
ولكنه ابى إلا ان يكون في تسعة أشهر ، كما أبى إلا ان يكون خلق السموات في ستة أيام
إنه الدرس العملي لنا جميعا : أن امور هذا الوجود مبينة على التدرج والمرحلية ، ومنها نمو الارواح .. فالذين يستعجلون الوصول الى الكمال في طفرة غير معهودة مخطئون في تصورهم ، إذ لا بد من المجاهدة المستمرة ، وقطع المراحل المتدرجة
فإن الأمر كما قال ارباب السير عنه : إنه سهل ممتنع !.. والتدرج سنة في الخلق ، من اراد تجاوزها خاب ظنه.
كم شبيه هذا بالخبز الذي ناكله كل يوم ، ناسين شكر صاحبه الذى اخرجه لنا من الارض
ولكن ليس هذا من ذاك !.. بل انه كرية من كريات الدم الذى يحمل غاز الحياة ( الأكسجين ) الى المخ
يا ترى ما الذي يحصل لو انقطع سفره التموينى الى المخ لحظات ؟!.. اليست النتيجة هي الانتقال الى عالم القبور؟
فسبحان الذى حمل الحياة على هذه الاطباق الطائرة ، ليقوينا على طاعته باقامة عدله فى الارض!.. فهل نحن شاكرون؟
نعم انها بويضة غارقة في اعماق المبايض فى الانثي ، وكانها لؤلؤة وحيدة في صدفة!
والحق انها اشرف من كل لآلئ الارض ، اذ انها منشأ لتكون خير ما يدب على وجه الارض كخليفة له عليها!
ولكن يا للغفلة!! .. واذا بهذا الجزء الصغير الذي كان وحيدا في ظلمات الارحام ، أخذ يتحدى مالك الرقاب ناسيا اصله !
وكانها كرة زرقاء لفت بخيوط صفراء بشكل عشوائي .. ولكن هيهات ان تكون عشوائية في هذا الوجود الذي اتقنه االبديع البارئ!..
انها كرة من الكرات اللمفاوية التى تشكل حراس البدن .. اولا يذكرنا ذلك بقوله تعالى : { وما يعلم جنود ربك الاهو}
ليس هذا فقط!.. فكل شيي فى الوجود طوع ارادته .. اوهل تخاف بعدها يا بني آدم شرا ، اذا كان هو المحامي والنصير؟
انه نصير ولكن لمن ؟.. للأولياء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ..
فكما جعل له واقيه في عالم الأبدان - كهذا المخلوق الغريب - فكذلك له تعالى من يقي وليه المطيع من كل سوء فى عالم الارواح .. اذ له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله
سوط من سياط الغضب يدفع هذا الحيوان المجهرى داخل الدم ، ليتخلل كل زاوية ارادها من البدن من دون رادع ومانع
وكانه الحاكم الذي لا يحجزه حاجب ولا بواب ، الا ماشاء الله تعالى من جنود مثله فى الصغر، تسمى بالكريات البيض!..
فلنتذكر السياط العظمى التى لو حلت على العبد المسكين ، اسقطته من الوجود ، فتخطفه الطير او تهوي به الريح فى مكان سحيق!
لنتذكر نموذجا من هذه السياط كما روي عن الباقر (ع) : إنّ لله عقوبات في القلوب والأبدان : ضنك في المعيشة ، ووهن في العبادة ، وما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب!
يتبع ان شاء الله