إننا إذا أردنا أن نفهرس العناصر الدخيلة في إثارة الإنسان، وإثارة شهواته في هذه الحياة الدنيا، فلا نشك بأن شهوة النساء من أقوى الشهوات في عالم الوجود.. ولهذا نلاحظ في آية حب الشهوات، أن القرآن الكريم يذكر شهوة النساء في أول هذه القائمة حيث يقول: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين ...} إلى آخر الآية.. ولابد أن نلتفت إلى هذه الحقيقة، أن المزَيَّن هو حب الشهوات، لا ذات الشهوات.. فذات المرأة ليست بمذمومة، إنما الكلام في الارتباط والعلاقة، التي هي في جانب السلب، لا في جانب الإيجاب.
ما هي التوصيات العملية في هذا المجال؟..
لا ينبغي أن ننكر بأن العلاقة بين الجنسين، أي التجاذب الموجود بينهما، ليس تجاذبا خياليا أو وهميا؛ كي نقولَ لفلان: لا تفكر فيما أنت فيه.. ولكن هنالك أجهزة في جسم الإنسان، تفرز بعض الهرمونات المهيّجة للشهوات.. وهذه الإفرازات في حدها الطبيعي ضرورية لإدامة الحركة: حركة الحياة، والتناسل.. ولكن المشكلة أن الإنسان بسوء اختياره لنظراته، ولسمعه، ولتخيله، ولممارساته.. فإنه يقلب الموازين الفسيولوجية في بدنه، فيختل توازنه الجسدي.. أي أن هنالك بعض المحطات في جسم الإنسان، تجعل الإنسان يتوجّه إلى هذا الجانب بشكل مفرط.. فالإكثار من الأفكار الشهوانية، والصور الشهوانية -سواء حقيقية أو صورية- فإن هنالك جانب من المخ، يتأقلم مع هذا الجو.. ولهذا تأتيه الهواجس في هذا المجال، فعندما ينام، فإنه يرى ما يناسب تلك الهواجس: كأن ينظر إلى المرأة البريئة، فيحولها في ذاكرته إلى صورة غير جميلة.. فعندما يصلي، ويقوم، ويقعد، فإن تلك الصورة لا تفارق مخيلته.. إن البعض يسأل كثيرا عن كيفية التخلص من هذه الهواجس المزعجة.. والحال بأنه هو الذي يثير الخيوط الأولية في هذا المجال.
إن الخطوات العملية لهذه المشكلة هي:
الابتعاد عن كل مصادر الفتنة، فأسلوب الشريعة هو أن الوقاية خير من العلاج، فـ(درهم وقاية خير من قنطار علاج).. فإذن، إن الخطوة الأولى هي في إبعاد المؤثرات السلبية.. والشريعة قد جعلت مجموعة من المحرمات في هذا المجال، ولكن البعض قد لا يستوعب حقيقة هذا الحرام فيعترض.. ومن تلك المحرمات مصافحة النساء، وقد يقول قائل: إذا صافحتُ امرأة أجنبية، وقد تكون -مثلا- مكتملة في سنها، ومتزوجة، فما الضير في ذلك؟.. إن الكلام في أصل سياسة الفصل بين الرجل والمرأة، ومنع حالة الإثارة، من خلال المصافحة، أو النظرة المريبة.
إن القرآن الكريم، وهو الكتاب الناطق عن الله عز وجل، ينهى المرأة عن الخضوع في القول {فلا تخضعن بالقول}، لماذا؟.. فمن الأسباب {فيطمع الذي في قلبه مرض}.. فليس كل الرجال في قلوبهم مرض، ولكن هنالك قسما من الناس في قلوبهم مرض.. وعليه، فإن على المرأة أن لا تخضع في القول أمام الجميع، لئلا تقع في السلب من هذه الطبقة، وقد تكون قليلة: أي قد تكون المرأة تعيش في بيئة يقلّ فيها هذا النمط.. ولكن هذه سياسة الشارع، على مستوى الكراهة والمبغوضية لا الحرمة: فامرأة جلست في مجلس، وانتقلت حرارة بدنها إلى ذلك الكرسي -مثلا- فعلى الرجل أن لا يجلس في ذلك المكان، لأن حرارة بدنها أيضا تثير عنده الغرائز.. وعليه، فإن السياسة العامة في هذا المجال، هو الابتعاد عن المثير.
{ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}.. فرب العالمين هو الذي جعل الإنسان في مستواه، ولولا هذه الرعاية: سفرا، وحضرا.. يقظة، ونوما؛ لما كان فيما هو فيه.. فإذا ارتفعت الحصانة الإلهية، صدر منه ما لا يخطر في باله أبدا.. ولهذا فإننا نقرأ في سورة يوسف هذه الآية: {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين}.. إن هذه الحماية الإلهية للمؤمن، ترتفع إذا عمل الإنسان ما يوجب رفع هذه الحماية.. ولذا فإن على المؤمن أن يكثر من الحوقلة والاستغفار، وتكرار هذه العبارة في كل زلة: (وأفوّض أمري إلى الله.. اللهم!.. لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا).. إن معايشة هذا الجو مما يرسخ جانب الحصانة في سلوك الإنسان المؤمن، في تعامله مع مفردات هذه الحياة.