وسيبقى هذا حال كل من أنقلب على عقبيه الى يوم الوقت المعلوم وقد أنذرت مولاتي الزهراء عليها السلام المسلمين من هذا الذل والهوان وخسران الدنيا والآخرة قبل أكثر من ألف واربعمائة سنة وأليكم جزء من خطبتها الشريفة بمسجد الرسول الأكرم صلّ الله عليه وسلم ومع الشرح :
، فوسمتم(1) غير إبلِكم ، ووردتم(2) غير مشربكم(3) ، هذا والعهد قريب ، والكَلكم(4)رحيب(5) ، والجرح(6) لما يندمل(7) ، والرسول لما يُقبر(8) ، ابتداراً(9) زعمتم خوف الفتنة ( ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين )(10) ، فهيهات(11) منكم ، وكيف بكم ، وأنّى تؤفكون(12) ؟ وكتاب الله بين أظهركم ، أُموره ظاهرة(13) ، وأحكامة زاهرة(14) ، وأعلامه باهرة ، وزواجره لايحة ، وأوامره واضحة ، وقد خلّفتموه وراء ظهوركم ، أرغبة عنه تريدون(15) ؟ أم بغيره تحكمون ؟ ( بئس للظالمين بدلاً )(16) ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في
--------------------------------------------------------------------------------
(1) وسم : أثر الكي ، يقال وسمته كوعدته وسماً .
(2) وقيل : أوردتم ، والورود حضور الماء للشرب ، والإيراد : الإحضار .
(3) وقيل : شربكم ، والشرب ـ بالكسر ـ : الحظ من الماء ، وهما كنايتان عن أخذ ما ليس لهم بحق من الخلافة والإمامة وميراث النبوّة . وفي كشف الغمّة : وأوردتموها شرباً ليس لكم .
(4) الكلكم : الجرح .
(5) والرحب ـ بالضم ـ : السعة .
(6) والجرح ـ بالضم ـ : الإسم ، و ـ بالفتح ـ : المصدر .
(7) أي لم يصلح بعد .
(8) قبرته : دفنته .
(9) ابتداراً : مفعول له للأفعال السابقة ، ويحتمل المصدر بتقدير الفعل . وفي بعض الروايات : بداراً . زعمتم خوف الفتنة ، أي ادّعيتم وأظهرتم للنّاس كذباً وخديعة إنّا إنّما اجتمعنا في السقيفة دفعاً للفتنة ، مع أنّ الغرض كان غصب الخلافة عن أهلها فهو عين الفتنة ، والإلتفات في سقطوا الموافقة مع الآية الكريمة . ابتدر القوم : تسابقوا في الأمر .
(10) التوبة : 49 .
(11) هيهات : للتبعيد ، وفيه معنى التعجّب كما صرّح به الشيخ الرضي (رحمه الله) ، وكذلك كيف وأنّى تستعملان في التعجّب .
(12) أفكه ـ كضربه ـ : صرفه عن الشيء وقلّبه ، أي إلى أين يصرفكم الشيطان وأنفسكم والحال أنّ كتاب الله بينكم وفلان بين أظهر قوم وبين ظهرانيهم أي مقيم بينهم محفوف من جانبيه أو من جوانبه بهم .
(13) وفي كشف الغمّة : بين أظهركم ، قائمة فرائضه ، واضحة دلائله ، نيّرة شرائعه ، زواجره واضحة ، وأوامره لائحة ، أرغبة عنه .
(14) والزاهر : المتلألىء المشرق .
(15) وقيل : تدبّرون .
(16) الكهف : 50 . أي من الكتاب ما اختاروه من الحكم الباطل .
--------------------------------------------------------------------------------
الآخرة من الخاسرين )(1) ، ثمّ لم تلبثوا إلاّ ريث(2)أن تسكن نفرتها(3) ، ويسلس(4) قيادها(5) ، ثمّ أخذتم تورون(6) وقدتها(7) ، وتهيجون جمرتها(8) ، وتستجيبون لهتاف(9) الشيطان الغوي ، وإطفاء أنوار الدين الجلي ،وإهمال(10) سنن النبي الصفي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، تشربون(11) حسواً(12) في ارتغاء(13) ، وتمشون لأهله وولده في الخمرة(14) والضرّاء(15) ، ويصبر منكم على مثل حز(16) المدى(17)
--------------------------------------------------------------------------------
1) آل عمران : 85 .
(2) ريث ـ بالفتح ـ : بمعنى قدر ، وهي كلمة يستعملها أهل الحجاز كثيراً ، وقد يستعمل مع ما ، يقال : لم يلبث إلاّ ريثما فعل كذا . وفي كشف الغمّة هكذا : لم تبرحوا ريثاً . وقال بعضهم : هذا ولم تريثوا حتّها إلاّ ريث . وفي رواية ابن أبي طاهر : ثمّ لم تريثوا أختها . وعلى التقديرين ضمير المؤنّث راجع إلى فتنة وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) . حتّها : حتّ الورق من الغصن : نثرها أي لم تصبروا إلى ذهاب أثر تلك المصيبة .
(3) ونفرت الدابّة ـ بالفتح ـ : ذهابها وعدم انقيادها .
(4) والسلس ـ بكسر اللام ـ : السهل اللين المنقاد ، ذكره الفيروزآبادي . وفي مصباح اللغة : سلس سلساً ، من باب تعب سهل ولان
(5) والقياد ـ بالكسر ـ : ما يقاد به الدابّة من حبل وغيره .
(6) وفي الصحاح : وروى الزنديري ورياً ، إذا خرجت تارة . وفي لغة أخرى : وروى الزنديري ـ بالكسر فيهما ـ وأوريته أنا وكذلك وريته تورية وفلان يستوري زناد الضلالة .
(7) وقّده النّار ـ بالفتح ـ وقودها ، ووقدها : لهبها .
(8) الجمرة : المتوقّد من الحطب ، فإذا برد فهو فحم ، والجمر بدون التاء جمعها .
(9) والهتاف ـ بالكسر ـ الصياح ، وهتف به أي دعاه .
(10) وقيل : وإخماد النار إطفاؤها بالكليّة ، والحاصل أنّكم إنّما صبرتم حتّى استقرّ الخلافة المغصوبة عليكم ثمّ شرعتم في تهييج الشرور والفتن واتّباع الشيطان ، وإبداع البدع وتغيير السنن .
(11) وقيل : تسرون ، الإسرار ضدّ الإعلان .
(12) الحسو ـ بفتح الحاء وسكون السين المهملتين ـ : شرب المرق وغيره شيئاً بعد شيء .
(13) والإرتغاء : شرب الرغوة وهو زبد اللبن . قال الجوهري : الرغوة مثلثة زبد اللبن . وارتغيت : شربت الرغوة . وفي المثل : يسرّ حسواً في ارتغاء ، يضرب لمن يظهر أمراً ويريد غيره . قال الشعبي لمن سأله عن رجل قبّل أُمّ امرأته ؟ قال : يسرّ حسواً في ارتغاء وقد حرمت عليه امرأته . وقال الميداني : قال أبو زيد والأصمعي : أصله الرجل يؤتى باللبن فيظهر إنّه يريد الرغوة خاصّة ولا يريد غيرها فيشربها وهو في ذلك ينال من اللبن ، يضرب لمن يريك أنّه يعينك وإنّما يجرّ النفع إلى نفسه .
(14) وقيل : الخمر ـ بالتحريك ـ ما واراك من شجر وغيره . يقال توارى الصيد عنّي في خمر الوادي ، ومنه قولهم : دخل فلان في خمار النّاس ـ بالضمّ أي ما يواريه ويستره منهم .
(15) الضرّاء ـ بالضاد المعجمة المفتوحة والراء المخففة ـ : الشجر الملتف في الوادي . ويقال لمن ختل صاحبه وخادمه يدبّ له الضرّاء ويمشي له الخمر . وقال الميداني : قال ابن الأعرابي : الضرّاء ما انخفض من الأرض .
(16) الحز ـ بفتح الحاء المهملة ـ : القطع أو قطع الشيء من غير إبانة .
(17) المدى ـ بالضمّ ـ : جمع مدية وهي السكّين والشفرة .