جود الإمام الكاظم وإغاثته للملهوفين
كان الإمام الكاظم من أندى الناس كَفاً ، ومن أكثرهم عطاء للبائسين والمحرومين .
ومن الجدير بالذكر أنه كان يتطلّب الكتمان وعدم ذيوع ما يعطيه ، مبتغياً بذلك الأجر عند الله تعالى .
ويقول الرواة : أنه كان يخرج في غَلَسِ الليل البهيم ، فيوصل البؤساء والضعفاء وهم لا يعلمون من أي جهة تَصِلهم هذه المَبَرّة .
وكانت صلاته لهم تتراوح ما بين المائتين دينار إلىالأربعمائة دينار ، وكان أهله يقولون : عَجَباً لمن جاءته صرار موسىوهو يشتكي القلة والفقر .
وقد حفلت كتب التاريخ ببوادر كثيرة من الحاجةوالسؤال ، ويجمع المترجمون له أنه كان يرى أنّ أحسَنَ صرفٍ للمال هو ما يَردّ به جوعُ جائع أو يكسو به عارياً .
إغاثته للملهوفين :
ومن أبرز ذاتيّات الإمام الكاظم إغاثته للملهوفين وإنقاذهم مما أَلَمّ بهم من مِحَنالأيام وخطوبها ، وكانت هذه الظاهرة من أحبّ الأمور إليه .
وقد أفتى شيعته بجواز الدخول في حكومة هارون بشرط الإحسان إلى الناس ، وقد شاعت عنه هذه الفتوى : ( كَفّارَةُ عَمَل السّلطان الإحسانإلى الإخوان ) .
ويقول الرواة : إن شخصاً من أهالي الري كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري ، وقد عَجز عن تَسديدها ، وخاف من الحكومة أن تصادر أمواله، وتُنزِل به العقوبة الصارمة .
فسأل عن الحاكم فأخبروه أنه من شيعة الإمام الكاظم، فسافر إلى المدينة .
فلما انتهى إليها تَشرّف بمقابلة الإمام وشكا إليه حالَه وَضِيقَ مجالِه .
فاستجاببالوقت له ، وكتب إلى حاكم الري رسالة جاء فيها بعد البسملة :
( اِعلَم أن لله تحت عرشه ظِلالاً يسكنه إلا منأسدَى إلى أخيه معروفاً ، أو نَفّس عنه كُربة ، أو أدخل على قلبه سروراً ، وهذا أخوك والسلام ) .
وأخذ الرسالة ، وبعد أدائه لفريضة الحج اتجهَ صَوبَ وطنه ، فلما انتهى إليه مضى إلى الحاكم ليلاً ، فطرق باب بيته ، فخرج غلامه فقال له : من أنت ؟
فقال : رسولُ الصابر موسى بن جعفر.
فَهرع إلى مولاه فأخبره بذلك ، فخرج حافي القدمين مستقبلاً له ، فعانقه وَقبَّل ما بين عَينيه ، وطفق يسأله بلهفة عن حال الإمام ( عليه السلام ) وهو يجيبه .
ثم ناوله رسالة الإمام، فأخذها بإكبارٍ وقَبّلَها ، فلما قرأها استدعىبأمواله وثيابه فقاسمه في جميعها ، وأعطاه قيمة ما لا يَقبلُ القسمة ، وهو يقول له : يا أخي ، هل سَرَرتُك ؟
وسارع الرجل قائلاً : أي والله ، وزدتَ على ذلك .
ثم استدعى الحاكم السجِل ، فَشَطب على جميع الديون التي على الرجل وأعطاه براءة منها .
فخرج وقد غَمَرَتْهُ موجات من الفرح والسرور ، ورأىأن يجازي إحسانه بإحسان ، فيمضي إلى بيت الله الحرام ويدعوا له ، ويخبر الإمام بما أسداه عليه من المعروف .
ولما أقبل مَوسم الحج سافر إلى بيت الله الحرام ،ولما انتهى إليه دعا للرجل بإخلاص ، وأخبر الإمام بما أسداه حاكم الري من الإحسان إليه .
فَسُرَّ الإمام بذلك سروراً بالغاً ، والتفت إليه الرجل قائلاً : يامولاي ، هل سَرَّكَ ذلك ؟
فقال الإمام:
( أي والله ، لقد سَرَّني ، وسَرَّ أمير المؤمنين ،والله لقد سَرَّ جَدي رسول الله ، ولقد سر الله تعالى ) .