قسم صغير
ولد في الخمسينيات من هذاالقرن الماضي هو اول اولاد ابيه
ابوه يمتهن الخياطة ملتزم الدين والاخلاق ورع صبور شكور
نعم هكذا حال ابيه وابنه احمد الابن البكر
تربي بكنف ابيه الذي علمه الدين والاخلاق والصلاة في سني عمره الاول
بدت عليه علامات الذكاء والنباهة منذ نعومة اظافره
وكان يذهب للمدرس يقرأ يكمل واجبه ويسرع الى مساعدة ابيه في محل الخياطة
وينهض من الصباح الباكر يصلي ويقرا القران الكريم ويذهب بعدها الى ارضهم الزراعية يحش الاعشاب الخضراء لحيوانتهم
ونجح بتفوق ومن الاوائل في الابتدائية
الى ان وصل الى الصف السادس الابتدائي
وذات يوم
عاهد نفسه امام الله عز وجل الا يقسم او يحلف في ذاك اليوم
نعم مر الدرس الاول والثاني
وكان احمد يقرا بكتابه في حديقة المدرسة
وصادف ان الوقت هو ربيع حيث الازهار الموردة المتفتحة بعطرها
وكان بعض الطلبة قد عبثوا بالحديقة وقطعوا بعض اورادها واوراقا
جاء فراش المدرسة وامسك بالصغير احمد
قال انت من قطعت الورود والاوراق
قال لا لم افعل
فقال له ذاك الفراش احلف بالله انك لم تفعل
قال لا اقسم
كررها الفراش مرة اخرى
قال اقسم
قال لا اقسم
ولكنني اقول الصدق
قال اقسم بالله
قال لا انا قلت الحقيقة ولم اقطع الورد
فما كان من صاحبنا الفراش الا ان ضرب ذاك الصبي احمد
اي ضربة موجعة كرر الضربة عدة مرات ومرات
واحمد لم يقسم
عاد في اليوم التالي الى الفراش الذي ضربه
قال له اقسم بالله العظيم انني لم اقطع الوردات او الورقات
بل كنت اقرا
فتعجب الفراش حينها
قال لما لم تحلف
قال لانني عاهدت الله الا اقسم في هذا اليوم
وكان الله اختبرني بك وبعقوبتك فما نكثت عهدي مع ربي
منذ نعومة اضافرة وصباه تعلم قوة الارادة والصمود
عاد الى البيت كعادته صلى الظهر نام قليلا اكمل واجبه ذهب الى السوق ليساعد والده في الخياطة وكسب قوت معيشتهم الصعبة وخصوصا انه صار لديه اخوة واخوات
ومرت الايام وتخرج من السادس الابتدائي وكان من الاوائل على محافظته
وتمر الايام والسنين
ويكمل امتحان البكالوريا
ويتخرج منه بمعدل عال جد جعله من العشرة الاوائل على المحافظات الجنوبية في العراق
ودخل كلية الطب
وهناك كان مسؤولا عن القسم الداخلي في كلية الطب
وكان دائما ما يوقظ الطلاب لصلاة الصبح
ويشد عزمهم على الصلاة والصوم
ويعظهم وينصحهم باسلوب ابوي اخوي
وتقبله كل اهل القسم
وكان يجالس اصحابه ويشرح لهم كتاب فلسفتنا للسيد الشهيد الصدر
وحوله كثير من الطلبة ملتفون
واكمل سنينه الست في كلية الطب وتخرج منها
وكان لا بد له من ان يصل الى سنة الممارسة الطبية
في هذه السنة
اعتقله ازلام النظام الصدامي البعثي
وسجن فترة من الزمن
واخرج
وعاد الى ما كان عليه
من وعظ وارشاد وصلاة وصوم
وطلب منه ان يكون بعثيا فرفض
ولم يقبل هذا الفكر
وصار يحاكي الناس عن ابعاده النتنة العفنة
عن بلاءه القادم عن حكمه
فما كان من النظام المقبور الا ان يعتقله
حيث كان احمد مسؤولا عن اخوته واخواته
بعد اعتقال والده من قبل النظام البعثي
وكان الوقت بداية السنة الدراسة الجديدة
فاخذ اخوته الثلاث الا الاخ الرابع الذي تاخر قليلا
فتبعهم الى السوق
لحق بهم
وجد اخوته الثلاث الصغار بيدهم ملابسهم الجديدة
ولم يجد اخوه الاكبر احمد
حار سؤالا
فطبع الناس ان تفرح بملبسها الجديد
الا اخوته كانوا يحملون المالبس مرعوبين خائفين وجلين
سالهم اين اجد احمد ليتشري لي ملابس مدرسة
قالوا بدمع العين
ان احمد اعتقله رجالات الامن واقتادوه الى مكان مجهول
وبقي هذا المكان المجهول مجهولا حتى وقتنا هذا ويمنا هذا اي عام 2013
معدوما مقتولا لا جثة ولا قبر ولا ضريح ولا شاهد
الا من ذكريات موجعة
وبقي ذاك الاخ الاصغر سنتها يداوم مدرسته بملابسه القديمة الممزقة البالية
نعم
هو احمد
اخي الاكبر
نعم
والاخ الاصغر الذي بقي بلا ملابس جديدة للمدرسة هو كاتب هذه القصة حميد الغانم
---------------------
لنتعلم الارادة القوية وتحمل الاوجاع والصبر من قسم الصغير احمد
وحفاظه على عهد
فلنتعلم كيف نعاهد انفسنا على الصلاح والفلاح والقوة والاراده
ومن حكايات احمد في السجن قبل ان يعدم
انه حين علقوه بالحبال ليعذبوه
وكان ازلام السجن من الوحوش الذين لا يوجد بقلبهم ذرة رحمة
كان بني امية رجعت من جديد في عهد صدام والبعث
وهو معلق الى سقف الغرفة بالحبال
ضربوه ليس بالسياط بل باسلاك الكهرباء
او كما تسمى عندنا الكيبل
مرة ومرتين وثلاث
ومائة ومائتين والف
وهو كان قد عاهد نفسه امام الله عز وجل الا يقول كلمة اخ
نعم
وكان من معه بالسجن يسمع صراخ ووجع من كان يعلق بالحبال ويضرب
وحين يصل الامر الى احمد كان يسكت
فلا يقول اي كلمة انما يسبح الله عز وجل بلسانه
فساله من كان معه
لما لا تصرخ
فقال اخاف من ان كلمه الاخ او الاه
تجر كلمة اخرى واخرى
فاضعف
لنتعلم ان نضعف امام الصعاب
من قسم طفل صغير اسمه احمد