إن استغفاراً واحداً بجد وصدق، يكفي لجميع هذه المصائب والكبائر.. وأما بالنسبة إلى مدى بقاء أثر هذا الاستغفار؟.. فهذا مما لا علم لنا به، ولكن ينبغي القول: نحن من الآن نقرر بأن الله –تعالى- إذا وفقنا فإننا لا نعصيه بعد هذا، ولا سيما مع جميع هذه الألطاف الإلهية؛ فإنه –تعالى- لا يجبر الإنسان على المعصية.
تتجلى الألطاف الإلهيةعلى جميع البشر، وهم في أحلك الظروف وأصعب المواقف، ولكن يبزغ نور من بعيد، وذاك هو اللطف الإلهي على بني آدم، فيظل يتفكر ويتأمل في هذه اللحظات العجيبة التي شملته.. ولولا رحمته في تلك اللحظة لحدث شيء لا يحمد عقباه،وعندما يتذكر الإنسان هذه المواقف، لا يمللك سوى أن يشكر الله -عز وجل- على هذه الألطاف في أوقات غفلته أو يقظته.
احذر أن تكون شيطاناً في صورة إنسان ، واعلم أنك إن اخترت لنفسك ذلك فقد أضعت توجّه العناية الإلهية إليك ، وأفسدت العالم كله بفسادك ، وكدّرت قلوب الأنبياء والمرسلين ، والملائكة المقربين ، وجميع أهل السموات والأرضين ، وضجّت الأرض إلى الله من مشيك عليها ، والسماء من استظلالك بها
إن الملكة التي أشار إليها الفقهاء وعلماء الأخلاق، هي هذه العادة أي التعود على ترك المعاصي وفعل الواجبات بصورة مطلقة، كالشخص الذي اعتاد على تناول المخدرات، بحيث لو تركها يوماً واحداً لفقد الراحة والاستقرار. ونحن أيضاً فإننا مقيدون بشرب الشاي فلو لم نشربه يومين فسنصاب بالصداع.
وأما بالنسبة إلى العادات وأصلها فقد وقع الاختلاف: هل هي ميل نفساني أو خوف رباني؟.. وهذا الاختلاف في ترك المحرمات وفعل الواجبات. فإنه إذا اعتاد عليه الإنسان فسيكون منشأ لخشيته من الله تعالى. والسلام!.. يكفي هذا وهذه هي الملكة.
ويا ترى هل يجب أن يكون الإنسان كسلمان؟.. لا، فإنه قد يبتلى ببعض الابتلاءات، ولكنه يلتفت بسرعة إلى قبح ما صدر منه، ويدرك سوء عمله؛ فيتوب ويرجع، إن الله يحب كل مفتن تواب.
(115)
إن الشياطين المقترنة بالعبد طوال عمره تحصي عليه عثراته ، وتحفظ زلاّتـه ، وتعلم بما يثير غضبه أو حزنه أو شهوته ..فإذا أراد التوجه إلى الرب الكريم في ساعة خلوة أو انقطاع ، ذكّره ببعض ( زلـله ) ليقذف في نفسه اليأس الصارف عن الدعاء ، أو ذكّره بما ( يثـير ) حزنه وقلقه لـيُشغل بالـه ويشتت همّـه ، وبذلك يسلبه التوجه والتركيز في الدعاء ..فعلى العبد أن يجـزم عزمه على عدم الالتفات لأيّ ( صارف ) قلبي أو ذهني ، ما دامت الفرصة سانحة للتحدث مع الرب الجليل ، إذ الإذن بالدعاء - من خلال رقة القلب وجريان الدمع - من علامات الاستجابة قطعاً .
(117)
عندما يصدر خطأ فادح بحق أحدنا، ثم يأتي صاحب الخطأ معتذرا نادما خجلا وجلا، فإننا لا نسامحه فقط، بل يتحول عداؤنا له إلى حب، وخاصة إذا رأينا أن صاحب الخطأ في مقام التعويض، بل أنه فى بعض الحالات تتوطد العلاقة إلى درجة الصداقة الحميمة.. أوَ لا نحتمل أن التائبين الصادقين، من الممكن أن يصلوا إلى هذه الدرجة من الأنس بالله -تعالى- ولو بعد عمر طويل من المعصية؟.. أوَ ليس هو الذى يصرح بأنه يحب التوابين؟.. أوَ ليس هو الذي يدعو المسرفين على أنفسهم بالعودة إليه؟!.. ما أرأفه من رب!..
(118)
من منا لا تعتريه حالة من حالات الضيق والاكتئاب الذي لا يعلم له مصدرا؟!.. ومن هنا نعلم أن شرح الصدر من النعم الكبرى، حتى أن الله -تعالى- يذكر به نبيه المصطفى (ص) من خلال سورة الانشراح.. إن قراءة هذه السورة وأختها سورة (الضحى) بتمعن ولو مرة واحدة، والحوقلة، والإكثار من الصلوات على النبي (ص) من سبل رفع الهم والغم، وخصوصا فيما لا يعلم له مصدر واضح مقتحما للنفس اقتحاما!..
(119)
يحذّر الحق المتعال من نار جهنم ويصفها بأن وقودها الناس والحجارة.. وعليه فقد يكون في وصف هؤلاء بأنهم وقودٌ لتلك النار، إشارة إلى أن منشأ ذلك هي (بواطنهم) المستندة إلى قبيح أفعالهم في النشأة الأولى، لأن تلك الأفعال كانت تستبطن النار وإن لم يشعر بها صاحبها، كما عبّـر الحق المتعال عن آكل مال اليتيم بأنه آكل للنار.. فلو استحضر العبد (نارية) الأفعال التي لا يرضى بها الحق ، لتحرّز عن كل ما يكون وقوداً لنار جهنم وإن تلذذ أهل الغفلة بالإتيان بها، جهلا بذلك الباطن الذي (يُكشف) عنه الغطاء، في وقت لا ينفعهم مثل هذا الانكشاف