الثاني: أن يراعي حقوق الخلق في الله ، فإنّ مراعاة حق الخلق في الله مراعاة لحق الله ، كما أن إهمالها إهمال لحق الله.
فإذا أردت ذلك فاعلم أن لهؤلاء حقوقاً كثيرة يلزمك أن تعرفها حتى لا تجهل حق الله فيهم ، فإذا عرفتها استعنت بالله على أدائها ، والقيام بها ، وإذا عجزت عنها كان اعترافك بالعجز قائماً مقام القيام بها.
فأحدها : أنهم يقولون : (علي ولي الله) وكل من يقول هذه الكلمة الشريفة كيف يمكنك القيام بحقه ؟.. بل كيف يمكنك معرفة حقه؟.. بل كيف تتصور حقه ؟..
هيهات !.. هيهات !.. حق من يعترف بهذه الكلمة تابع لحق من هو منسوبة إليه وهو علي (ع)، وحقه تابع لحق رسول الله (ص) ، وحق رسول الله (ص) تابع لحق الله تعالي ، وكيف يمكن القيام بحق الله وقد قال رسول الله (ص) لأبي ذر: ( إنّ حقوق الله جلّ ثناؤه أعظم من أن يقوم بها العباد ، وإنّ نِعَم الله أكثر من أن يحصيها العباد ، ولكن أمسوا تائبين ، وأصبحوا تائبين ).
الثالث : أن يستوحش من الخلق أنسا بالله ، فإنّ العاقل يلزمه أن يكون مقبلاً على شأنه ، حافظاً للسانه ، عارفاً بأهل زمانه ، مستوحشاً من أوثق إخوانه.
فمن هو هكذا دعا له علي (ع) بقوله: شدّ الله من هذا أركانه ، وأعطاه يوم القيامة أمانه . الكافي : 1/49..
وفي الكافي عن جابر قال : دخلت على أبي جعفر (ع) فقال:
يا جابر !.. والله إني لمحزون ، وإني لمشغول القلب.
قلت : جعلت فداك !.. وما شغلك ، وما حزن قلبك ؟..
فقال : يا جابر !.. إنه من دخل قلبه خالص دين الله ، شغل قلبه عمّا سواه .
(132)
نهى الحق المتعال عن الاقتراب من الصلاة حال السكر.. وقد يُشعر النهي عن مثل هذا الاقتراب، بنوع (نفور) من الحق لمن يريد لقائه في حالته تلك.. وهنا فلنتساءل: أن الحق نهى عن القرب منه في حالة كون المتقرب إليه فاقداً للالتفات، وذلك بتأثير سكْر الخمر، أولا يستفاد من ذلك تحقق النفور بدرجة من درجاته، بالنسبة إلى من لا يعلم ما لا يقول في صلاته، متأثراً (بسُكْر) أشياءٍ أخَر؟.. وقد ورد عن الباقر (ع) أنه قال: (لا تقم إلى الصلاة متكاسلاً، ولا متناعساً، ولا متثاقلاً، فإنها من خلل النفاق، فإن الله نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى يعني من النوم).
( 133 )
هل من شك أننا نشترى الخلود في الآخرة بهذه السنوات المحدودة من الدنيا.. وبمعادلة رياضية نفهم أن اللانهاية عندما تقسم على النهاية؛ فإن النتيجة هي اللانهاية.. فمعنى ذلك: أن كل دقيقة من حياتنا تساوي اللانهائية؟.. أليست المعادلة صحيحة؟.. فلماذا نفرط في دقائق أعمارنا إذن؟!..
134)
خير ضمان لوصول العبد إلى ربه في حركة رتيبة غير متذبذبة، هو حب المولى حبا يتسلل إلى شغاف القلب، بحيث يلتذ العبد حينها بالعمل بما يريده المحبوب، لا من أجل أخذ الجوائز منه.. فهل راجعت قلبك لترى مثل هذا الحب لله -تعالى- والذي نصرفه لأولادنا وأزواجنا؟!..
حرروا أنفسكم من نير العبودية لغير الله تعالى لأنها لا تكون إلا له، ولا تأخذكم الشهوات والغفلات والملاهي والملذات فتبعدكم وتحجبكم عن الله تعالى فتكونوا عمياناً لا تبصرون، (قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى)(الإسراء: 125) فيا لها من حسرة لا تزول ولا تقاس بحسرات هذه الدنيا عندما نستفيق من غفلتنا ونومناالعميق، لنجد أن زادنا فارغ وكنا ممن يظن أنه يحسن الصنع في حياتها لدنيا
(136)
ان الانسان الحقود ، يعيش جو التوتر الباطني دائما ، فتراه في نزاع داخلي مع من افترضه عدوا له.. وهذا بدوره يؤثر على استقراره النفسي ، وجوه العبادي .. ومن الواضح ان الذي يعيش العداوة الباطنية لا بد وان ينكشف امره من خلال فلتات لسانه ، وصفحات وجهه!
(137)
إن أحدنا يرى منظرا محزنا فيتألم لذلك، ويتمنى لو كانت له القدرة على رفع تلك الأزمة عن عبد من العباد، والحال أن صاحب الأمر (ع) يعيش الكثير من آلام الأمة بما لا يخطر بالبال.. فهل حاولت التخفيف عنه بما أمكنك من موجبات رفع همه وغمه؛ عملا وقولا ودعاء، وخاصة فى ساعة الاستجابة كساعة الأذان مثلا، وهو ما أوصى به بعض كبار القوم؟!..
(138)
لو مال العبد بوجهه عن المولى ، لمال المولى بوجهه عنه ، كما ذكره السجاد (ع) عند ذكره لحقيقة الوقوف بين يدي الجبار..فلو استحضر العبد - هذه الحقيقة - في كل مراحل حياته ، لكان ذلك كافيا ( لردعه ) عن كثير من الأمور ، خوفا من الوقوع في جزاء ذلك الشرط وما أثقله من جزاء !..وإذا مال المولى بوجهه عن العبد ، فإن استرجاع التفاتة المولى مرة أخرى يحتاج إلى جهد جهيد ..فالأولى بذي اللب ( ترك ) ما يوجب ميل وجه المولى ، بدلا من ( طلب ) الالتفات بعد الميل ..ويترقى الإنسان في سلم التكامل إلى مرحلة يرى فيها جهدا مرهقا في أن يميل بوجهه إلى غير الحق تبارك وتعالى ، بل يصل الأمر في المعصوم إلى استحالة ذلك ، بما لا يتنافى مع الاختيار المصحح للمدح والجزاء.
(139)
إن الكثير من المعاني التي تستوطن ( القلب ) نحبسها في سجن عالم ( الألفاظ ) ..وكأنّ تلك المعاني تتحقق بإمرار مضامينها على اللسان لقلقة لا تدبر فيها ..فمن هذه المعاني : الاستعاذة ، والشكر ، والاستغفار ، والدعاء ، والرهبة ، وغير ذلك مما بنبغي صدورها من القلب ، تحقيقا لماهيتها الواقعية لا الإدعائية ..فالخوف المستلزم للاستعاذة ، والندم المستلزم للاستغفار ، والخجل المستلزم للشكر ، والافتقار المستلزم للدعاء ، كلها معانٍ ( منقدحة ) في القلب ..والألفاظ إنما تشير إلى هذه المعاني المتحققة في رتبة سابقة أو مقارنة ، فالحق :
إن الكلام لفي الفؤاد وانما جعل اللسان على الفؤاد دليلا