(140)
إن مخالفة النفس في كثير من المواطن وخاصة في موارد ( التحدي ) الشديد ، تفتح آفاقا واسعة أمام صاحبها لم يكتشفها من قبل ..هذا ( الفتح ) وما يستتبعه من التذاذ بكشف الآفاق الجديدة في نفسه ، مدعاة له لتيسير مخالفة الهوى ، لدرجة يصل العبد إلى مرحلة ( احتراف ) مخالفة النفس ، فلا يجد كثير عناء في ذلك توقعا للثمار ، إذ يصبر أياما قصاراً ، تعقبها راحة طويلة ..شأنه في ذلك شأن أبناء الدنيا في تحمّل بعض المشاق ، وترك بعض اللذائذ الدنيوية طلبا للذة أدوم وأعمق ، كالمتحمل للغربة جمعا للمال ، وكالتارك لبعض هواه تقربا لمن يهواه.
(141)
إن إتيان المولى بالقلب السليم ، يعد أمنية الأمنيات وغاية الطاعات ..والذي يميّز القلب وهو مركز ( الميل ) عن الفكر وهو مركز ( الإدراك ) عن الجسد وهو آلة ( التنفيذ ): أن القلب يمثل مركزاً للتفاعل الذي ينقدح منه الانجذاب الشديد نحو ما هو مطلوب ومحبوب ، سواء كان حقا أو باطلا ..فلا الفكر ولا البدن يقاوم - عادة - رغبة القلب فيما تحقق منه الميل الشديد ..ولذا نرى هذا التفاني نحو المراد عند من يشتد ميلهم إليه ، ولا ينفع فيهم شيء من المواعظ والوصايا حتى الصادرة من رب العالمين ..وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) في ذيل قوله تعالى {وسقاهم ربهم شرابا طهورا}: ( يطهرهم عن كل شيء سوى الله ..إذ لا طاهر من تدنس بشيء من الأكوان إلا الله )
(142)
إن الاعتقاد بأن الشياطين ( يحومون ) حول قلوب بني آدم ، وأن له سلطاناً على الذين يتولونهم ، يستلزم ( الحذر ) الشديد أثناء التعامل مع أي فرد - ولو كان صالحا - لاحتمال ( تجلّي ) كيد الشيطان من خلال فعله أو قوله ، ما دام الشيطان يوحي زخرف القول وينـزغ بين العباد كما ذكر القرآن الكريم ، وهذا الحذر من المخلوقين من لوازم انتفاء العصمة عنهم ..ومن ذلك يعلم ضرورة عدم الركون والارتياح التام لأي عبدٍ - وإن بلغ من العلم والعمل ما بلغ - كما يقتضيه الحديث القائل: { إياك أن تنصب رجلا دون الحجة ، فتصدقه في كل ما قال }
(143)
إن أول درس في الخلق ، بعد درس الطاعة والمعصية ، هو درس ( التوبة ) والإنابة .. فكما أن القرآن الكريم يعرض صورة المعصية الأولى وهي معصية الشيطان ، ومن ثم معصية آدم التي لا تتنافى مع عصمته ، فكذلك يعرض صورة التوبة الأولى ، وهو عفوه عن آدم بعد تلقّيه الكلمات من عنده ..ومن ذلك يُـعلم أن الحق إذا أراد أن يتوب على عبده ( هيّـأ ) له الأسباب ، كما تلقى آدم من ربه الكلمات التي أعانته على التوبة ، فالدعوة إلى التوبة والرجوع السريع إلى الحق المتعال ، قارنت شروع المسيرة البشرية على وجه الأرض ، ولا غنى عن ذلك مع ( اختلاف ) رتب الخلق ..وقد روي أنه بعدما لُـعن إبليس ، وطلب الإمهال إلى قيام الساعة ، قال إبليس : وعزتك لا خرجت من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح .. فقال تعالى : { وعزتي وجلالي ، لا مَـنعته التوبة ما دام فيه الروح }.
(144)
إن من علامات الإيمان الكبرى هو: الإحساس بالميل والحب الشديد لمن أمرنا الله تعالى بمودتهم ، وهم آل بيت النبي (صل الله عليه وآله) وخصوصا سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) لما تحملت في سبيل الدين ما تحملت !.. اوهل تحس بمثل هذا الحب العميق ، وهل كان لك توفيق المشاركة فى مجالسها في هذه الأيام المتعلقة بها؟
(146)
إن نفوس المبتدئين في عالم تكامل ( الأرواح ) ، بمثابة نفوس الناشئة في عالم تكامل ( الأبدان ) الذين لا يجدي معهم أساليب القهر والتعسف ..بل لابد من ( الرّفق ) بهم أولا ، وإتّباع ( المرحلية ) في تربيتهم ثانيا ، والدخول إليهم من المداخل ( المحببة ) إليهم ثالثاً ..وهكذا الأمر في النفوس ، فإنها جموحة غير سلسة القياد ، فلا نكلفها فوق طاقتها ، إذ في الحديث الشريف: { إن هذا الدين متين ، فأوغل فيه برفق }..ولا نكلفها المراحل العليا ، إلا بعد استيفاء المراحل قبلها ، وينبغي ( التحايل ) عليها فنعطيها اليسير من الحلال لتمكّننا في الكثير من الطاعة ، ونرفع عنها كلفة النوافل عند الإدبار لئلا تدبر عند الفرائض ، ونرغّبها في العظيم من اللذائذ الآجلة ، لتزهد في المهالك من اللذائذ العاجلة ..وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : { خادع نفسك في العبادة وارفق بها ولا تقهرها ، وخذ عفوها ونشاطها إلا ما كان مكتوبا عليك من الفريضة ، فإنه لا بد لك من قضائها }
(147)
من الأمور الواضحة أن قراءة القرآن في كل يوم، والأدعية المناسبة للأوقات والأمكنة، في التعقيبات وغيرها، وكثرة التردد إلى المساجد والمشاهد المشرفة، وزيارة العلماء والصلحاء ومجالستهم، مما يرضاه الله ورسوله (ص).. كما يجب مراقبة البصيرة والأنس بالعبادة والتلاوة والآيات يوماً بيوم.
وعلى العكس من ذلك، فإن كثرة مجالسة أهل الغفلة تزيد من قساوة القلب وظلمته، ومن النفور من العبادات والزيارات، ولذا نجد أن الأحوال الحسنة الحاصلة من العبادات والزيارات وأنحاء التلاوة، تتبدل بسبب مجالسة ضعفاء الإيمان إلى سوء الحال والنقصان.. فمجالسة ضعفاء الإيمان إذن في غير صورة الإضطرار، أو من دون قصد هدايتهم – تسبب فقدان الملكات الحسنة للمرء، بل إنه يكتسب أخلاقهم الفاسدة:
"جالسوا من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله". أصول الكافي: 1/39 ج3
من مواعظ آية الله بهجت
(148)
الله يعلم كم من الآثار المعنوية للصلاة الواحدة [على محمد وآل محمد] التي يدعو بها المرء هنا يهدي ثوابها للميت.. وأية صورة وأية واقعية (حقيقية) لهذه الصلوات نفسها.. علينا أن لا نهتم للقلة والكثرة، بل ليكن اهتمامنا للكيفية.
لا ينبغي التوهم أن المسألة مسألة قلة وكثرة.. بل المدار على الكيفية.. فإن كان [العمل] لله [فله قيمته] حتى لو كان قليلاً، وإن كان لغير الله [فلن ينفع] ولو كان كثيراً..
من مواعظ آية الله بهجت
(149)
يطلع احدنا على مأساة من مآسي المسلمين تسلبه الراحة والنوم .. حاول ان تتذكر ماذا يجري على قـلـب صاحب الأمر (ع) الذي مرت وتمر عليه المآسي العظام ، ولا ناصر له ولا معين؟!..