يا راقد الليل مسرورا بأوله***إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
لا تأمنن بليل طاب أوله *** فرب آخر ليل أجج النارا
ذهب الجميع وبقيت وحدي مع حسن وعادت الحجرة كما كانت وزال كل ما فيها من الزينة
بينماأنا جالس مع حسن إذ قال لي :
إنك الآن لست بحاجة لي ففي المنازل الأولى بالدنيا من سن الخامسة عشرة وهي سن التكليف إلى سنة الثامنة عشرة وهي سن الرشد لا توجد عقوبات مهمة على مخالفة الواجبات والمحرمات بسبب ضعف العقل وقلة الشهوات ,
وقد خلق الله أولاً العقل وقال للعقل : بك أعاقب وبك أثيب, أي أن العقل هو الذي يدور حوله العقاب والثواب ,
وعليه فإن المراحل الثلاث الأولى تكون في الأرض مسموحة, كالمسامحة في أوائل التكليف وليس فيها مخاطر كبيرة..
وعليه فلا حاجة لك في مرافقتي سأذهب وأنتظرك في المنزل الرابع ,
وغداً عليك أن تحمل جرابك على ظهرك وتسير في هذا الطريق المتوجه إلى القبلة وتسير إلى أن تصل الي
فقلت له :يا حسن أنت تعلم أن فراقك يصعب علي وأنه مهما كان الطريق مستقيم وخالي من بعض المخاطر إلا أنه مجرد الوحده والجهل بالطريق أمر صعب
قال لي : لابد لك من الإنفراد في هذه المراحل الأولى , لأني لم أكن معك في المراحل الثلاث الأولى في الدنيا وإنما نشأت فيك بعد ذلك فلاتلمني لأن طينتي من العليين وهي الهداية والرشادوهذا القصور حصل منك فلم نفسك
ثم طار مبتعداً عني
وجلست أفكرفي ما قاله فوجدته حكيماً فأنا في السنين الأولى لم يكن ليهاد يرشدني ويوعيني كنت وحيداً , فكان السفر لوحدي
(سُنّةَ الله التِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً )
قمت وحملت كيسي على ظهري ومشيت في الطريق الذي أرشدني اليه حسن , كان الطريق ممهداً لي وخالياً من العقبات والصخور كنت أجّدُ في السير متشوقاً للقاء رفيق دربي حسن كان الجو ربيعياً إلى منتصف النهار فبدأالتعب يغشاني , أحست بالعطش والجوع ,وبدأت أسيرُ في طريقٍ ضيق مليئ بالأشواك , شعرتُ بالخوف والوحشة من الإنفراد ..
بينما أنا في مسيري إذ أستوقفني شخص , طويل القامة أغبر الوجه غليظ الشفتين ذو أسنان كبيرة وبارزة نتن الرائحة مُخيف , ألقى عليّ السلام بدون أن ينطق اللام: السأمُ عليك!!
أستغربت من طريقة ألقائه للسلام بدون اللام فأجبته :وعليكم السلام ..
سألته: إلى أين مقصدك؟
أجابني : معك
خفت منه لأني لم أرتح لوجوده معي
سألته عن اسمه فقال لي : أناعملك السيئ واسمي جهل , لقبي الأعوج وكنيتي أبو الهول وظيفتي الإفساد والفتنه ..
كان خوفي يتزايد منه كلما تكلم لأن رائحة فمه تطغى على المكان فيصبح كريهاً
سألته :أتعرف الطريق ومتى مفرقنا ؟
أجاب : لا أعرف
سألته : أبعيد مقصدنا أم قريب
أجاب : لا أعرف
قلت له : أني عطشان أفي هذا المكان ماء؟
قال : لا أعرف
قلت له : إذن ماذا تعرف؟
قال لي : كل الذي أعرفه هو أنني منذ أول يوم ملازم لك ولن أفارقك إلا إذا وفقك الله لمفارقتي ..
فأدركت في نفسي بإنه الشيطان الذي كنت في الدنيا أقع فريسة لوساوسه فأرتكب بعض الخطايا والذنوب , فصرت ألوم نفسي وأدعو الله أن يُخلصني منه , ثم مشيت ومشى هو خلفي ونحن نصعد الجبل حتى وصلت إلى قمة الجبل جلست لآخذ قسطاً من الراحة
بعد أن هدأت أنحدرنا إلى واد أرتفعنا إلى طرفه الآخر..
وإذا بوادٍ آخر في طريقنا أعمق من الأول فصرنا نهبط الوديان ونرتقي التلال في طريق كله أشواك وأحجار وحيوانات..
وأشتد علي الحر والعطش وتقرحت قدماي من الأشواك وتهالكت أعضائي من التعب ,بينما كان الجهل يستهزء ويشمت بي ..!!
و بعد عذاب وتعب شديد جلست أستريح وأحسست بكرهي الشديد للجهل الذي لازمني وصرت أدعو في نفسي بأن يخلصني الله منه ومن جهله ,..
عُدت أواصل السير مرة أخرى وقدأضرّ بي العطش ولكن لا حيلة لدي وجهل يلحق بي ...
بينما أنا أسير إذ وجدت على جانب الطريق أرضاً خضراء مشجرة وإذا بصوت الجهل يناديني من خلفي: لا شك إن في هذه الأرض ماءً فلنذهب لنروي عطشنا..
فسرنا نحو الأرض المشجرة على طريق مليء بالأشواك والأحجار تموج فيها الحيات من الزواحف وبعد مشقة وصلنا ولكن لا يوجد ماء ,
فرجعت من حيث أتيتُ حاملاً معي خيبة الأمل ..
بعد مسير طويل وصلنا إلى أرض مزروعةٍ بالبطيخ الأحمر
فتناول جهل واحدة وكسرها وبدأ بالتهامها..
قلت له: لا يجوز لك أن تأكل منها لا بد لها من صاحب؟؟
قال لي : يالك من شخص عجيب أنت عطشان فكل لكيلا يقضي عليك العطش..
أقتنعت بكلامهُ وأقول في نفسي :
(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ ولاَ عادٍ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ إنّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمَ)
أنها حالة اضطرارية وأنا الآن ليس في الدنيا يعني لا تكليف علي فأخذت بطيخةحمراء وكسرتها وما إن ذقتها التهب فمي من شدة مرارتها فرميتها من يدي وصرت أصرخ
وأقول : هذا ليس بطيخاً أحمر بل هذا حنظل!!
قال : كلا ولعل التي أخذتها حنظلة فخذ واحده أخرى ..
فذقت أخرى وكانت أشد مرارة من الأولى بينما كان الجهل يأكل
ويقول :أنهاحلوة المذاق
فاقتربت منه وذقت قليلاًمن عنده وإذا بها مرة ..
فقلت له: كيف تقول أنهاحلوة وهي مره ..!!
قال :هي في فمي حلوة وتتناسب مع طبعي
بينما نحن في الكلام وإذا بكلب يهجم علينا وخلفه رجل بيده عصا وهو يرعد ويشتم ويسب قاصداً ضربنا فاطلق الجهل رجليه وسرعان ما وصل إلى الطريق الرئيس الذي كنانسير فيه أما أنا بالرغم من سرعتي في الركض إلا أن الكلب تمكن من اللحاقِ بي ومن شدة التعب والركض وقعت على الأرض
ووصل إلي صاحب الكلب وهوى بعصاه على بدني ولم يهتم لصراخي وندائي وتبريراتي له بأني لم أكن متعمدا أكل البطيخ ولم أتمكن من الخلاص منه إلا بشق الأنفس ..
وصلت إلى الجهل وأنا أبكي جراء رضوض جسمي وقروح فمي وشدة
العطش والتعب وبعدي عن حسن ,,
وأنا أنظر إلى الجهل وعلى شفتيه ابتسامة نصر وشماته
وهو يقول:مالذي يستطيع فعله لك حسن فبمعونتي بالدنيا قد زرعت بذور الأذى بيديك والدنيا مزرعة الآخرة والآخرة يوم الحصاد .. ألم تقرأ في القرآن الكريم َ:
( وَمنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهَ)
سكتُ عنهُ وأخرجت تفاحة من الخرج وأكلتها فالتأمت جراحي وعادت لي قوتي فقمت أواصل الطريق ..
وصلت إلى مفترق طريقين أحداهما لليمن والآخر لليسارفاخترت الأيمن وصرت أدعو في نفسي أن يرحل هذا الجهل عني لأنه قد آذاني كثيرا..
مشيت في الطريق وإذا بي أرى مدينة عامرة وأنهار جارية وخضرة وأشجار مثمرة فبعد الطريق الشاق المتعب تمنيت لو اني لاأغادر هذه المدينة التي هي بمثابة الجنة لي
هنا التقيت بعدد من طلبة العلوم الدينية الذين كنت أعرفهم ونمت تلك الليلة لأستريح من تعب مشواري وفي صباح اليوم التالي خرجنا من المدينة نتمشى حيث كان الجو ممتعاً وصرت أشكو لهم ما حدث لي في اليوم السابق وهم أيضاً يشكون الحال ويحمدون الله بإنهم تخلصو منه
(وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمين َ)
نادى المنادي بشد الرحال (حي على خير العمل) فحمل كلٌ منا خِرجه , وفي الطريق التقتيتُ بجهل , وفي الطريق صادقتنا مجموعةٌ من الحيوانات المفترسة والزاحفة .
تحرك الحصى أمامي فانزلقت قدمي وتدحرجت وكدت أسقطُ أسفل الوادي لكني تمسكتُ بالصخور والحشائش , فأُصبتُ بجروح في يدي ورجلي , و أنكسر من شدة اصطدامي بالصخورة ..
بينما جهل يضحك علي ويقول : هل سمعت "من استكبر وضعه الله , ومن استكبر أرغم الله أنفه"
ولكنك لم تتعظ فيقال لك "ذُقْ إنَّكَ أنْت الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ"
فبعد عناء طويل وجسم مجروح وصلت إلى بستان يحوي الكثير من الفواكه وبطرف النهر عدة أشخاص وما إن رأوني حتى أظهروا لي الإحترام ودعوني لتناول الطعام معهم , فجلست معهم وأكلت من تلك الفاكهة.. عندها
سألوني : مالذي جرى لك في هذا الطريق ؟
قلت : "مصاعب واجهتني في هذا الطريق ولكن كلها زالت بمجرد رؤيتي لكم"
بعد أن ارتحت قليلاً أخدتُ أجد بالمشي , فرأيت قصوراً عالية مخلوطة بالذهب والفضة فأخبرني أحد الحراس بانني المالكُ لهذا القصر , دخلته وبُهرت بدقة بنائه وفخامته وجاء الخدم متسارعين لخدمتي
"ويَطُوفُ عَلَيهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إذا رأيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤلُؤاً مَنْثُورَاً "
وفي الصباح مشيتُ نحو الطريق الرئس حيث الزهور والرياحين والأنهار باطرافه إلى أن خرجتُ من المدينة , فلم أمش طويلاً حتى التقيت بحسن مرة أخرى ,تبادلنا السلام والمصافحة وأحسست ببداية الحياة عندرؤيته ..
دخلنا القصر المعد لي وبعد الإستراحة
سألني حسن : كيف مرت عليك المنازل السابقة ؟
فأجبت : كل المخاطر التي مرت بي بسبب الجهل ولكن الحمد لله أنتهت الرحلة بسلام وبرؤيتك زالت كل الهموم والآلم السابقة .
بينما إنا أتحاور مع حسن إذا بحورية تقدمت نحوي وجلست على السرير حيث أضاءت الحجرة بنور وجهها
قال حسن : هذه زوجك جاءتك الليلة من وادي السلام ,
وخرج حسن وتركنا ..
في الصباح واصلنا الطريق أنا و حسن مررت ببعض المصاعب وتجاوزناها في حين آخر فقد كانت رحلتي ما بين عملي الصالح و السيئ , ففي ذات يوم ألتفت لي حسن وقال :
(هنا أرض السلام , حيث يستتب في ربوعها الأمن والسلام )
فسرنا حتى أنتهينا إلى باب قصر رأينا على حافته حوض ماء من قطعة واحدة من البلور , كان طعم الماء زلالاً , والبلور رائقاَ بحيث تخاله ماءً قائماً بغير إناء , أو إناء قائماً بغير ماء ,
رقّ الزجاج ورقّت الخمرُ فتشابها فتشاكـل الأمـرُ
فكأنّما خمـر ولا قـدحٌ وكأنّما قـدح ولا خمـرُ
وتناثرت حول حوض الماء مقاعد مريحه ومناشف من الحرير , فخلعنا ملابسنا وأغتسلنا في ذلك الماء الطاهر , فزال عنا كل شعر ظاهر على البشرة ولم يبق سوى شعر الرأس والحاجبين والرموش , وهي التي تضفي لجمال على الإنسان
سألت حسن عن أسم هذه العين ؟ فقال :
(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْر)
بعد أن تطهرنا أرتدينا الملابس الفاخرة المخصصة لنا فكانت ملابسي من الحرير الأخضر وحسن من الحرير الأبيض ,
ثم طرق حسن الباب , وفتح لنا الباب شاب , حسن الهيئة طلب منا بطاقة الدخول فأعطيته البطاقة فقبل التوقيع وقال مبتسماً :
(وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُوْرِثْتُموهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
فدخلنا ونحن نفول:
(الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أنْ هَدَانَا اللهُ)
تقدمني حسن إلى غرفة مصنوعه من البلور , فيها سرر من الذهب , عليها فرش من المخمل الأحمر , رُتبت عليها وسائد لطيفة , والسقف يعكس صورنا , وكانت مائدة الطعام قد مُدت , وفوقها أنواع من الأطعمة والأشربة , وأصطف فتيان وفتيات لخدمتنا , فجلسنا فوق تلك الأسرة وأنا أتذكر قوله تعالى :
(عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئينَ عَلَيْها مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأكْوابٍ وَأبارِيقَ وَكَأسٍ مِنْ مَعِين * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ولا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كأمْثالِ اللُؤْلُؤِ المَكْنُونِ * جَزاءُ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تأثِيماً * إلاّ قِيلاً سَلاَمَاً سَلاَمَاً )
تناولنا الطعام وجلسنا لنستريح ولم تمض ساعه حيث أرتفعت الانغام القدسية والترنيمات الروحانية التي تسلب اللب وتسحر القلب ..
جلست على السرير ولاحظت وجود خمسةُ أعمدة يتوسطها عمود من الذهب الخالص المرصع بالأحجار الكريمة أحلى من تلك الأعمدة ,
فسألت حسن عن الأعمدة ؟
فأجاب : كل القصور تحتوي على هذه الأعمدة , فقد بُني الأسلام على خمس (الصلاة , الصوم , الحج , الزكاة , الولاية)
وهذا العمود الأوسط هو عمود الولاية فهو الأكبر وعليه يعتمد ثقل القصر (وَمنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خيراً يَرَهَ )
ذلك ابو الحسن عليه السلام خير العمل ..
فمما تقدم اخي المؤمن اختي المؤمنه هلا تداركت نفسك
مازال لديك متسعٌ من الوقت وفسحةٌ من الزمن لتزداد
مصاحبة حسن لك بالعمل الصالح وتبتعد عن جهل
وصحبته التي لا تطاق وتتدارك نفسك بزيادة حسناتك
وبالاكثار من قول(لا اله الا الله ، لا قوة الا بالله )
والصلاة على محمد وآل محمد
لما لها من اثقال الموازين ثم تصل ارحامك
وتعود المريض فان عيادة المريض والتخفيف عنه وادخال
السرور على المؤمنين جزاءه ان الله سبحانه يرد لك تلك
الزيارة
اغتنم اخي المؤمن اختي المؤمنه هذه الفرصة الثمينه من العمر
فلو ان احدنا قد توفاه الله سبحانه ثم اعاد له الحياة بقدرته
لقضى بقية عمره ساجدا لله
فتخيل نفسك انك انت ذلك الشخص فكيف تتصرف
بعد ان رأيت الحقيقة
ولا تنسى نصيبك من الدنيا كما قال سبحانه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مبتهلين الى الله سبحان بان يحسن عواقب اعمالنا
الى خير بحق محد وآل محمد