في شهر محرم الحرام ـ الجزء الرابع ـ
نبحث ونستكمل ذلك الوهج المتألق من ثورة الحسين والتي تألقها باقي إلى يوم الساعة وظهور الحجة المهدي(عجل الله فرجه الشريف) والذي به تملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجورا.
كتب العديد من المفكرين والكتاب القصيري النظرة حول خروج الحسين مع عائلته وأن يعتبروه نوع من الخطأ(حاشا لله) في نظرتهم الضيقة والتي تلتقي مع نظرة كما قلت سابقاً مع الدواب(أجلكم الله) وهذا الرأي باطل من أساسه وغير مستند على أساس علمي أو منطقي يساير العقل والمنطق لأن نحن مذهبنا نسير مع هذين المنهجين والذي يعارض القرآن والسنة وهذين المنهجين نضربه عرض الحائط. ولهذا كان خروج الحسين مع عياله وأهل بيته له مناحي عديدة في تفسيره وسوف نوردها وكالآتي :
المنحى الأول
وهذا التفسير يفسره الكاتب والمفكر المصري عباس محمود العقاد في كتابه سيرة سيد الشهداء الحسين بن علي(ع) وهو
والحق أن مسألة خروج روحي له الفداء مع عياله وحرمه هي عادة عربية قديمة ومنذ الجاهلية وحتى في الإسلام فرسول الله(ص) كان يأخذ معه واحدة أو أثنين من نساءه وحتى في غزوات المسلمين حتى مثلاُ في معركة ذي قار أخذوا معهم حرمهم وعقلوا رواحلهم في المعركة لكي يشتدوا في المعركة ويدافعوا عن حلائلهم فالعرب كانوا يأخذون أهل بيوتهم معهم للدلالة على الشجاعة والاستبسال في خوض المعارك حيث تكون حلائلهم خلفهم ولا يقرون بالتراجع والانكفاء وأن سيد الشهداء(ع) كان يقتدي بسنة جده(ص) في هذه المسألة
المنحى الثاني
هو أن الحسين(ع)أن أخذه لحرم رسول الله أنه يضرب مثالا أنه مع مناصريه ومقاتليه وأنه مؤيديه عندما يتعرضون لأي خطر هم وعوائلهم فهو معهم في نفس الميزان وهو يكون المضحي الأول في هذا المجال لأنه معه حرم رسول الله(ص) فليس من المرؤة أن يندبهم لأمر ولا يكون لهم فيه قدوة والمسلم الذي ينصر الحسين لنسبه الشريف أولى أن غاية نصره بين أهله وعشيرته وإلا فما هو ناصره على الإطلاق فالمنتصر يكون أقوى ما يكون وهو منتصر وفي حالة الخذلان تنقلب الآية على المنتصر المقابل فينال من البغضاء والنقمة على قدر أن انتصاره الذي ينقلب عليه وهذا ما لاحظناه في قيام معسكر يزيد في نهب وترويع وسبي حرم رسول الله والفاطميات لدلالة على مدى خبثهم وأجرامهم وعدم مراعاة لعقائل رسول الله وحرمه وهذا ما قاله روحي له الفداء عندما سقط من جواده وأثخنته الجراح وهجموا على مخيمه قال(( يا شيعة أبي سفيان أن كنتم عرباً وتؤمنون بالمعاد فخلوا عن حرمي وقاتلوني)) فهنا قال لهم عرب أي أن ناشد بهم حمية العروبة ولم ينشادهم بالإسلام لأنهم بالأصل لا يؤمنون به لأنهم معسكر كفر وطغيان وإنما اتخذوا الدين الإسلامي ستار لتمرير كل مخططاتهم الإجرامية وتسييره حسب مصالحهم وأهواءهم.
هذا هو تفسير العقاد في مسألة خروج أبي الأحرار مع عياله وآل بيته.
المنحى الثالث
وهو منحى معطوف على المنحى الثاني وهو أنه عندما تم سبي هذه الفئة من ذرري رسول الله(ص) وسوقوا سبايا وعلى أقتاب الإبل بدون أي حرمة لحرم رسول الله(ص) واقتيادهم في الأمصار ومعاملتهم كخوارج جلدهم بالسياط من قبل الأوغاد المجرمين للأطفال وللنساء بدون أي وازع ديني وأخلاقي هو بحد حجته على عدم مراعاتهم لحرم الله ومفاهيم الدين الإسلامي بدليل عند دخول الرأس الشريف للحسين(ع) على يزيد(لعنه الله) كان يثني على الرأس الطاهر يثنايا قضيبه عند ذلك قال له أنس بن مالك مولى رسول الله(ص) أترك هذه الشفاه والخدود التي طالما لثمها وأشعبها قُبلاً رسول الله(ص).
ولنأتي الحادثة الأخرى في مجلس يزيد وهي تدلل على مصداق على ما نقول وهو أنه كان في مجلس يزيد سول من قيصر الروم فلما عن هوية الرأس الشريف الموضوع في طست من الذهب وعن سبايا قالوا هذا أبن بني رسول الله وهذه حرم رسوله وآل بيته عند ذلك أنتفض هذا الرومي وقال (عجبا لكم نحن نقيم مزار لأثر بغلة عيسى التي ركبها ونحج أليها في كل عام وأنتم تقتلون أبن بنت نبيكم وتقيمون المهرجانات والاحتفالات وتذبحوه) فخرج من المجلس وهو يقول(فلأخرج من هذه القرية الظالم أهلها لكي لا يصب الله علينا غضباً أو رجزاً من السماء)وخرج وأعلن إسلامه موالاته لأهل البيت(ع).
المنحى الرابع
والذي يتبناه كثير من الخطباء الحسينيون في المنبر الحسيني منهم الشيخ (عبد الرضا معاش) (والشيخ جعفر الإبراهيمي) وهو أن الحسين عندما خرج مع أهل بيته فإنما كانت رسالة سلام للكل في أنه كان ينشد الإصلاح في أمة جده ولا يريد إراقة الدماء كأي طالب للحكم كما يزعمون بعض المفكرين بدليل أنه طلع بهذا الكم الهائل من عياله ونسائه ومن ذراري رسول الله التي يجب أن تكون لهم رادع للمقابل في عدم الحرب والقتل وحقن الدماء والتي كان ينشدها سيدي مولاي أبا عبد الله الحسين(ع)وأنه جاء لطلب الإصلاح في أمة جده من قبل حاكم قد عطل حدود الله وسار بالدين إلى الجاهلية الأولى فلذلك يقتضي منه أقامة الحجة عليه.
من هنا أن كل ما يقوله كل كتابهم ومفكريهم الأنعام هو محض افتراء وتشويه وتزوير للحقائق والتي لا يستطيعون حجبها لأن واضحة كعين الشمس وهذه الكاتبة الإنكليزية القديرة
فريا ستارك تقول :
إن كانت قد كتبت فصلاً صغيراً عن عاشوراء في كتابها المعروف باسم (صور بغدادية) صفحة (145- 150) طبعة كيلد يوكس1947م، وقد يسمى كتابها (مخططات بغداد)، وتبدأ هذا
الفصل بقولها: إن الشيعة في جميع أنحاء العالم الإسلامي يحيون ذكرى الحسين ومقتله ويعلنون الحداد عليه في عشرة محرم الأولى كلها.. وتأتي المس فريا ستارك على ذكر واقعة الطف ومصيبة أهل البيت وإحاطة الأعداء حول الإمام الحسين (ع) ومنعهم إياه عن موارد الماء فتقول:
على مسافة غير بعيدة من كربلاء جعجع الحسين إلى جهة البادية، وظل يتجول حتى نزل في كربلاء وهناك نصب مخيمه.. بينما أحاط به أعداؤه ومنعوا موارد الماء عنه. وما تزال تفصيلات تلك الوقائع واضحة جلية في أفكار الناس في يومنا هذا كما كانت قبل (1257) سنة وليس من الممكن لمن يزور هذه المدن المقدسة أن يستفيد كثيراً من زيارته ما لم يقف على شيء من هذه القصة لأن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء..
الكاتبة الإنكليزية/ فريا ستارك..
وما منع الماء عن العيال عن النساء والأطفال إلا دليل على إصرارهم على الغدر والحقد على أهل بيت النبوة الذين هم معدن الرسالة ومهبط الوحي ومختلف الملائكة والذين هم بهم الله يفتح ويستفتح فلهذا كان هذا المنحى الذي يتبناه الكثير من المفكرين من الشيعة وعلماؤنا.
المنحى الخامس
وهذا الرأي يتبناه أغلب علماء الشيعة من أمثال الشيخ المفيد واالطوسي (رض) وعميد المنبر الحسيني الشيخ د.أحمد الوائلي(طيب الله ثراه) في خطبه المتعددة حول ثورة الحسين والقريب إلى مفهوم أغلب العموم الشيعي وهو أن سيدي مولاي أبا عبد الله الحسين (ع)باعتبار أمام زمانه وحجة الله على خلقه فهو لديه تكليف شرعي وخروجه بهذا الكم الهائل من عياله ونسائه والتي تتحدث بعض الروايات كان(83) فهو أمام ويعرف التكليف الشرعي عندما أخذ هذا العدد الكبير من آل بيته وهو في تقديري المتواضع مصداقاً لقوله أخته الحوراء زينب(ع) عندما يوصي بالعيال وبابنه زين العابدين(ع) فيقول لها روحي لها الفداء((تأسي بالله أخيه،شاء الله أي يراني مقتولاً وشاء الله أن يراكن سبايا))فهذا الحديث لسيد الشهداء هو حديث لأمام معصوم أخبر به من قبل جده وأبيه وأمه(صلوات الله عليهم أجمعين) وهو أمر من الله سبحانه وتعالى لكي يهب هذه المكانة وهو ماكتبته سابقاً في قول رسول الله(ص) ((أن لك مكانة عند الله لن تنالها إلا بالشهادة))فإذن عندما يقوم الحسين(ع) بهذا التكليف الشرعي فهو أمر وبلاء من الله وإلا أن قام بهذا الأمر من الفراغ أي عبث فهذا يفسر أن الله يقوم بأمر عبثي وهذا مستحيل لأن العبث وأوامره.
ونأتي إلى مسألة مهمة وهي الإمامة فالحسين(ع) أمام وهذا مذكور في حديث شريف عن النبي(ص)وموجود في كل كتب العامة والخاصة وفي البخاري والصحاح الستة وهو قول ببينا الأكرم (ص) ((الحسن والحسين إمامان أن قاما وأن قعدا))وهو قول عن نبي لا ينطق عن الهوى إن هوى وحيٌ يوحي والإمام معصوم من الخطأ وفي القرآن الكريم يقول في محكم كتابه ((يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً))الإسراء آية 71. من هنا فإن الإمامة شيء منزل من الرب وليس شيء وضعي وأنت الذي يختاره الله للإمامة لا يقوم بأمور عبثية لأن هذا يعني أن الله يقوم بأمور عبث(معاذ الله)وهذا يعتبر من المستحيلات لأن الكمال لله وحده وتعالى فأئمتنا هم منزلون من حل وعلا وباختيار من الله سبحانه وتعالى وإمامتهم مفروضة من الله على عباده وهذا يستوجب العصمة للأئمة وطاعتهم والالتزام بهم لأنهم هم لديهم مواريث الأنبياء وعلم الساعة وعلم الأولين والآخرين.
ولهذا كان سيدي ومولاي أبي الأحرار قد قدم البطولة والاستشهاد والمبادئ والأيمان والإباء واليقين والشموخ والقيم بأعلى قيمها السامية وقدم سيفه ونحره ودمه الشريف الزكي هو وأخيه وأهل بيته وأصحابه في سبيل أصلاح أمة جده وتعديل الاعوجاج الذي طرأ على الأمة ولتكون ملحمة الطف ملحمة خالدة على مر التاريخ وتعلم كل الأحرار والثائرين ما هو معنى الانتصار وما هو معنى التضحية والطريق لكي يتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولكي نستكمل هذا الموضوع الثري والغني بكل معانية سوف نتابع ذلك في جزء آخر أنشاءالله.
إن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.