نظرة في واقعة الطف (الحلقة الثالثة)
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة على أشرف خلق الله سيدنا محمد وعلى آل بيته الميامين الأطهار
أما بعد نستكمل بحثنا عند وصول الأمور إلى مفترق الطريق بين سيدنا الحسين(ع)وبين يزيد حيث قال سيدي أبا عبد الله (ع)للوليد بن عتبة والي المدينة(( أن مثلي لا يبايع مثله لأن يزيد فاجر شارب للخمر لاعباً للنرد يحرم حلال الله ويحلل حرام الله وأنا آبى ذلك)) فلذلك أصبحت المواجهة وشيكة ولهذا قرر الذهاب إلى مكة ومنها إلى كربلاء
الطريق الى مكة :
وقد خرج من المدينة لليلتين بقيتا من رجب من عام ستين للهجرة وقد بقى فيها لمدة أربعة أشهر ومنها مضى إلى طريق الخلود وصنع الملحمة الإنسانية التي لم يجد بها التاريخ في قديمه وحاضره وتصحيح مسار ديننا لإسلامي الحنيف ولي مع هذا الموقف وقفة حيث لاحظت أن بعض الكتاب القصيري النظرة والمستشرقين أنه يتساءلون هل أصاب أم أخطاً في خروجه مع عياله وحرمه إلى كربلاء وسوف أتطرق بشيء من التفصيل لمعرفة ما هي الأسباب التي نحت بخروج أبي الأحرار الحسين(ع) وفي نقاط وهي :
1 ) أن الحسين كان أمام معصوم وهو حجة الله في أرضه ويزيد ذكر ما ذكر من كفره وطغيانه فليس من المعقول أن يبايع مثل هذا الشخص الفاجر شارب الخمر.
2 ) أن الحسين خرج من المدينة لأن المواجهة بينه وبين يزيد قد بدأت وعرفنا أن والي المدينة قد بعث له والمواجهة التي حصلت له ووجود اللعين مروان بن الحكم الذي يكن كل الكره والبغض لآل محمد فلذلك خرج متخفياً والذهاب إلى مكة.
3 ) وفي مكة ولقرب موسم الحج يستطيع أن ينشر دعوته لخلع يزيد وعدم مبايعته لتوافد الحجيج إلى مكة ويكون هناك مجال أوسع لديه للحركة.
4 ) كما أن الكعبة هي محور الدين وكان الحسين(ع) قد حج خمس وعشرين مرة ماشياً فلذلك كانوا آل بيت رسول الله كجدهم(ص) يتبركون ويكثرون من الحجيج لما فيها من بركة كما ذكر في القرآن الكريم وجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وهكذا كان سبط رسول الله(صلوات عليهم) فأراد أن يحج قبل أن يدرك منيته وسفك دمه على يدي الأوغاد الظلمة.
5) وأن الحسين خرج من مكة وفي طريقة كانت له من الكرامات الكثيرة وأذكر واحدة منها أنه مر في طريقة إلى مكة مر بابن مطيع وهو يحفر بئره فقال له أبن مطيع : أن بئري هذه قد رشحت وهذا اليوم ما خرج ألينا في الدلو شيء من الماء فلو دعوت الله لنا فيها من البركة.قال (ع) ((هات من مائها فأتي من مائها في الدلو،فشرب منه،ثم تمضمض، ثم رده في البئر فأعذب وأمهن وخرج)) فهذا الحسين(ع) الذي سبط جده الرسول (ص)الذي في حادثة سابقة أن الرسول قد تفل في بئر فجرى الماء وأنبع وهذا الذي ينبع الخير والبكرة يذبح مقتولاً عطشاناً في أرض كربلاء فيالها من مصيبة تدمع بها العيون دماً وليس دمعاً.
6 ) أن الحسين وبحكم إمامته وأنه خليفة الله في الأرض لديه من البواعث النفسية التي لا يمكن مبايعة يزيد اللعين فهو قد تربى في بيت النبوة وهو الدين الإسلامي لديه عقيدة وشرف وبيت وهذه كلها كان يحملها على عاتقة فالمسلم العادي لديه الدين عقيدة أما عند سيدي أبو الشهداء(ع) هذا الذي ذكرته فهل يصح مثل هذا الفاجر اللعين يبايعه وتصبح لتصبح سنة عندهم وما فيها من تنازلات وما فيها من تبعات تصبح لآخر الزمان وتمشي عليها الأمم كما أن الحسين (ع)التزم بما أقره أخوه الحسن(ع) مع معاوية ولكن عندما توفى أخوه أصبح في حل من هذا الاتفاق وبعد أن بدأ معاوية اللعين بأخذ البيعة ليزيد وبهذا قد جر الدين الإسلامي إلى الجاهلية الأولى بيد الذين حرفوه وهم بنو أمية الكفرة ويصبح الدين لديهم كرة بيد الكفرة من آل أبو سفيان ومروان وآل زياد يلعبون بها كيفما يشاؤون من أجل تسيير مصالحهم وحسب أهواؤهم.
7 ) كيف يعقل لكل هؤلاء الكتاب والمفكرين والمحسوبين على الإسلام الذين يدعون بيزيد خليفة المسلمين وكانوا يناظرون في مسألة خروج الحسين(ع)،ولكن نقول لهم أن الحسين سبط الرسول(ص)وأبن ذلك الأسد أمير المؤمنين(ع) الذي تعلم أن مداهنة الباطل والكافر هو يكون معه وأنه أبن ذلك الأمام الذي يدور الحق معه حيث دار كما قال عنه جده(ص)فهل يعقل هذا وأنه يعيش وأبوه وآل بيته يسب في المنابر حتى أصبحت سنة بحيث أذا نسى الخطيب ذلك أو تحاشاه يصرخ عليه الرعاع من المحسوبين على الإسلام أين السنة لقد نسيت السنة فلذلك وهو يرجو الإصلاح في أمة جده كما يقول في مقولته المأثورة روحي له الفداء((والله أني ما خرجت لا أشرا ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي)) فلهذا خرج من المدينة وهناك في الحج قرر أن يحج ويعتمر مفردة لكيلا يفتك به يزيد اللعين في حرم الكعبة لأنه أرسل جلاوزته للغدر به وحتى قتله على أستار الكعبة كما أمر بذلك الطاغية ورأس الشرك يزيد فلهذا قرر أن يرحل من مكة في يوم التروية(8 ذي الحجة) إلى كربلاء لأنه لا يريد تنتهك حرمة البيت العتيق بقتله فهذه عظمة أمامنا (ع)روحي له الفداء لأنه عندما وقف له أبن عباس عند خروجه إلى العراق قال(ع) ((لئن أقتل بمكان كذا وكذا أحب ألي من أن يستحل بي حرم الله ورسوله)) وهذه المأثرة مختصة بها أهل البيت عليهم السلام ولا بد أن يسجد لها المسلمون، لأن الحسين لا يريد أن يكون دمه فرصة للمجرمين الغارقين في الدناءة لقتل النفوس البريئة وهتك الأعراض وحتى هدم المدينة ومكة وحتى لا ينولهم أغراضهم الخبيثة والمجرمة وأن كان بقتله وسفك دمه كان مظلوماً، وهكذا مضى هذا الركب الخالد إلى كربلاء لصنع وتسطير ملحمة بدمه الشريف لم تسطر مثلها في التاريخ القديم والحديث.
الطريق إلى كربلاء :
خرج روحي له الفداء بعد أن وردت إليه كتب أهل الكوفة يلحون في الطلب والورود أليهم وأن سوف يخرجون معه مائة إلف من أهل الكوفة ولكنه ظل متردداً في الخروج وبقى في مكة أربعة أشهر وقرر إرسال أبن عمه مسلم بن عقيل قبله يمهد له طريق البيعة وقد أجتمع على بيعته أثنا عشر إلفا وقيل ثمانية عشر إلفاً فكتب إلى الحسين(ع) فرأى أن يبادر إليه قبل أن يتفرق شملهم ويطول عليهم الانتظار وأستشار خاصته وأهل بيته فاختلفوا في مشورتهم بين موافق ومثبط وناصح بالمسير، وكان أخوه محمد بن الحنفية (وكان في المدينة) أن يبعث برسالة الأمصار ويدعوهم إلى مبايعتهم قبل قتال يزيد فإن اجتمعوا على بيعته فذاك، وإن أجتمع رأيهم على غيره(لم ينقض الله بذلك دينه وعقله)،أما عبد الله بن الزبير فكان مراوغا ففي البداية قال (أن شئت أن تقيم بالحجاز آزرناك ونصحنا لك وبايعناك وأن لم تكن البيعة بالحجاز توليني أنا البيعة فتطاع ولا تعصى) ومن أقوال المؤرخين أن أبن الزبير كان أثقل عليه بقاء الحسين في الحجاز لأنه كان يريد السيادة ولا تتم له إلا بخروج الحسين(ع) حتى قال له عند ورود كتب مسلم إليه (فما ممسك؟فو الله لو كان لي مثل شيعتك بالعراق ما تلومت في شيء)، أما عبد الله بن عباس وهو له من القربة بأبي عبد الله ولديه الكثير من الدهاء فسأله( إن الناس أرجفوا أنك سائر إلى العراق،فما أنت صانع؟) فقال(ع) ((قٌد أجمعت السير في أحد يومي هذا))فأعذه أبن عباس بالله من ذلك وقال له(إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك.أن أهل العراق قوم غدر.أقم بهذا البلد فأنك سيد أهل الحجاز فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فليثقوا عدوهم ثم أقدم عليهم،فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن فإن بها حصوناً وشعاباً ولأبيك بها شيعة).فقال له الحسين(( يا أبن العم!إني أعلم أنك ناصح مشفق،ولكني أزمعت وأجمعت على السير)).
ولنأتي إلى مسألة أخذه عياله وحرمه معه وكيف أن بعض الكتاب قد ناقشوها من وجهة النظر الضيقة،والحق أن مسألة خروج روحي له الفداء مع عياله وحرمه هي عادة عربية قديمة ومنذ الجاهلية وحتى في الإسلام فرسول الله(ص) كان يأخذ معه واحدة أو أثنين من نساءه وحتى في غزوات المسلمين حتى مثلاُ في معركة ذي قار أخذوا معهم حرمهم وعقلوا رواحلهم في المعركة لكي يشتدوا في المعركة ويدافعوا عن حلائلهم فالعرب كانوا يأخذون أهل بيوتهم معهم للدلالة على الشجاعة والاستبسال في خوض المعارك حيث تكون حلائلهم خلفهم ولا يقرون بالتراجع والانكفاء وأن سيد الشهداء(ع) كان يقتدي بسنة جده(ص) في هذه المسألة وهناك نقطة مهمة أخرى أن الحسين(ع)أن أخذه لحرم رسول الله أنه يضرب مثالا أنه مع مناصريه ومقاتليه وأنه مؤيديه عندما يتعرضون لأي خطر هم وعوائلهم فهو معهم في نفس الميزان وهو يكون المضحي الأول في هذا المجال لأنه معه حرم رسول الله(ص) فليس من المرؤة أن يندبهم لأمر ولا يكون لهم فيه قدوة والمسلم الذي ينصر الحسين لنسبه الشريف أولى أن غاية نصره بين أهله وعشيرته وإلا فما هو ناصره على الإطلاق فالمنتصر يكون أقوى ما يكون وهو منتصر وفي حالة الخذلان تنقلب الآية على المنتصر المقابل فينال من البغضاء والنقمة على قدر أن انتصاره الذي ينقلب عليه وهذا ما لاحظناه في قيام معسكر يزيد في نهب وترويع وسبي حرم رسول الله والفاطميات لدلالة على مدى خبثهم وأجرامهم وعدم مراعاة لعقائل رسول الله وحرمه وهذا ما قاله روحي له الفداء عندما سقط من جواده وأثخنته الجراح وهجموا على مخيمه قال(( يا شيعة أبي سفيان أن كنتم عرباً وتؤمنون بالمعاد فخلوا عن حرمي وقاتلوني)) فهنا قال لهم عرب أي أن ناشد بهم حمية العروبة ولم ينشادهم بالإسلام لأنهم بالأصل لا يؤمنون به لأنهم معسكر كفر وطغيان.
وخرج روحي له الفداء في يوم التروية (8من ذو الحجة) وفي يوم التاسع من الشهر نفسه استشهد سفيره مسلم بن عقيل بعد ان قتله اللعين ابن مرجانة ومضى في طريق صنع الملحمة الخالدة في استشهاده ولا بأس من أن نذكر بعض الحوادث التي رافقت سيدنا أبا عبد الله(ع) فمنها وفي طريقه وخلال تخييمه في الطريق مر على خيمة فوجد فيها أمراة نصرانية فقال أين رجل البيت فقالت له لقد ذهب ليجلب لنا الماء لأن لا يوجد عندنا فقال لها ((أحفري بئراً وسوف يطلع لكم الماء))فحفروا وطلع الماء وأغدق ولما جاء أبنها وجد الماء فسألها فذكرت ما حدث معها ومع الحسين وأمرت ولدها الذي هو وهب النصراني بالالتحاق بركب الحسين فوراً لأنه يمثل الخير والنبع الصافي والبركة وهو متزوج حديثاً فالتحقوا به واستشهد بين يديه في واقعة الطف بين يدي سيدنا ومولانا(ع) كذلك أمه التي حاربت وذادت عن حرم رسول الله ودفنوا مع الأنصار رضوان الله عليهم.
وقيل أن الحسين(ع) لقي الشاعر الفرزدق في طريقه فسأله عن الناس فقال له ك (قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية،والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء)فقال له (ع) ((صدقت لله الأمر من قبل ومن بعد يفعل ما يشاء،كل يوم ربنا في شأن،أن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر،وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعد من كان الحق فيه،والتقوى سريرته))فأي كلام وأي فصاحة في أمامنا الجليل الذي وكان يعرف بحق أن منيته هي في كربلاء وان بخط استشهاده يصحح الإسلام وتنتصر قضية ويصبح الدين محمدي وينجو من كل آفات التشويه والأنحراف.
وللدلالة على انهم أهل بيت نبوة وعلم نسوق هذه الحادثة ففي يوم من الأيام وفي بيت الإمام علي (ع) كانت العقيلة زينب (ع ) نائمة في حوش البيت وفي الظل وبما انه من البيوت الشرقية انحسر الظل وجاءتها الشمس وجاء الحسين فظلل عليها إلى أن استيقظت فقالت لآخوها نور عين ياحسين انت تظللني من الشمس فمن يا ترى يظلل جسدك يوم عاشوراء ،فهنا يستدل من هذا الكلام أنهم عارفين بقضاء الله الذي لا يرد ولا يبدل وسنأتي في مقالات أخرى للعقيلة زينب (ع ) بطلة كربلاء .
وعند وصول ركب الحسين (ع) الى مشارف العراق وصله نبأ استشهاد مسلم بن عقيل (ع) وعند ذلك خطب بجماعته وخيرهم بين العودة أو الذهاب معه فأنسحب قسم كبير منهم وبقى معه أهل بيته الطالبيين وبنو هاشم وأنصار أبو عبد الله(ع) وكان لا يتجاوز عددهم الثلاثة وسبعون ،وعند وصول الركب الى العراق فإذا ابن مرجانة اللعين قد أرسل جيش بقيادة الحر ابن يزيد الرياحي ومعه ألف فارس لكي يجعجع بالحسين (ع) إلى ارض مكشوفة يقال لها كربلاء لكي يتم محاصرته هناك .
نستخلص من هذا أن سيدي ومولاي أبا الأحرار (ع) كان عارفاً بمنيته راضياً بقضاء الله سبحانه وتعالى الذي لا يرد ولا يبدل محتسباً إليه ومخاصم قتلته إلى البارئ عز وجل في قتل ابن بنت نبيهم ومدرك أن باستشهاده وسفك دمه الشريف من قبل يزيد وجلاوزته إنما كان يقوّم ويصلح دين جده وكلنا يعرف مقولته الشهيرة روحي له الفداء ((إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني)) .
ونستكمل في حلقاتنا القادمة إنشاء الله مسيرة الخلود وصنع التاريخ الإنساني لسيدي و مولاي سيد الشهداء الحسين (ع) والذي بدمه الشريف صحح مسار الأمة الإسلامية وكتب بأحرف من نور هذا السفر الخالد و الذي يتشرف مذهبنا بهذه الملحمة العظيمة لإمامنا الجليل والمطلوب لكل شيعي أن يتشرف بهذا السفر الخالد والذي يجب أن يضعه أمام عينيه دوماً لكي يتخذه أبناء مذهبنا مناراً في حياتنا اليومية .
وأخر دعوانا الحمد لله رب العالمين والصلاة على خير من مشى على الأرض نبينا الأعظم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين
----------------------------------------------------------------------
المصادر :
1 – أبو الشهداء الحسين بن علي.الكاتب المصري عباس محمود العقاد.نهضة مصر للطباعة والنشر
2 – أعلام الهداية : سيد الشهداء الأمام الحسين بن علي (عليه السلام).المجمع العلمي لأهل البيت.قم المقدسة.
3 – خطب من المنبر الحسيني وصفحات من الأنترنيت.
4 – الأمام الحسين حياته واستشهاده .الكاتب المصري مأمون غريب ، مركز الكتاب للنشر
5 - الحسين سماته وسيره.تأليف السيد محمد رضا الحسيني الجلالي،دار المعروف للطباعة والنشر