و راع صاحب كسرى أن رأى عمرا= بين الرعية عطلا و هو راعيها
و عهده بملوك الفرس أن لها = سورا من الجند و الأحراس يحميها
رآه مستغرقا في نومه فرأى = فيه الجلالة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملا = ببردة كاد طول العهد يبليها
فهان في عينه ما كان يكبره=من الأكاسر والدنيا بأيديها
و قال قولة حق أصبحت مثلا = و أصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهم = فنمت نوم قريرالعين هانيها
يا رافعا راية الشورى و حارسها = جزاك ربك خيرا عن محبيها
لم يلهك النزع عن تأييد دولتها = و للمنـيـة آلام تعـانيـها
لم أنس أمرك للمقداد يحمله = إلى الجمـاعة إنذارا و تنبيـها
إن ظل بعد ثلاث رأيهم شعبا=فجرد السيف و اضرب في هواديها
فاعجب لقوة نفس ليس يصرفها = طعم المنية مرا عن مراميها
درى عميد بني الشورى بموضعها = فعاش ما عاش يبنيها و يعليها
و ما استبد برأي في حكومته= إن الحكومـة تغري مسـتبديـها
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به= رغم الخلاف و رأي الفرد يشقيها
يا من صدفت عن الدنياو زينتها = فلم يغرك من دنياك مغريها
ماذا رأيت ببابالشام حين رأوا = أن يلبسوك من الأثواب زاهيها
و يركبوك على البرذون تقدمه = خيل مطهمة تحـلو مرائيـها
مشى فهملج مختالا براكبه = و في البراذين ما تزها بعاليـها
فصحت ياقوم كاد الزهو يقتلني = و داخلتني حال لست أدريها
و كاد يصبو إلى دنياكم عمر = و يرتضي بيـع باقيه بفانـيها
ردوا ركابي فلا أبغي به بدلا = ردوا ثيابي فحسبي اليوم باليها
و من رآه أمام القدر منبطحا = و النار تأخذ منه و هو يذكيها
و قد تخلل في أثناء لحيته = منها الدخان و فوه غاب في فيها
رأى هناك أمير المؤمنين على = حال تروع لعمر الله رائيها
يستقبل النار خوف النار في غده=والعين من خشية سالت مآقيها
إن جاع في شدة قومٌ شركتهم = في الجوع أو تنجلي عنهم غواشيها
جوع الخليفة والدنيا بقبضته= في الزهد منزلة سبحان موليها
فمن يباري أبا حفص و سيرته = أو من يحاول للفاروق تشبيها
يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها= من أين لي ثمن الحلوى فأشريها
لا تمتطي شهوات النفس جامحة=فكسرة الخبزعن حلواك تجزيها
و هل يفي بيت مال المسلمين بما= توحي إليك إذا طاوعت موحيها
قالت لك الله إني لست أرزؤه = مالا لحاجة نفـس كنـت أبغـيها
لكن أجنب شيء من وظيفتنا = في كل يوم على حـال أسويـها
حتى إذا ما ملكنا ما يكافئـها = شـريتـها ثـم إنـي لا أثنـيها
قال اذهبي و اعلمي إن كنت جاهلة = أن القناعة تغني نفس كاسيها
و أقبلت بعد خمس و هي حاملة = دريهمات لتقضي من تشهيها
فقال نبهت مني غافلا فدعي = هذي الدراهم إذ لا حق لي فيها
ويلي على عمر يرضى بموفية = على الكفاف و ينهى مستزيدها
ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به = أولى فقومي لبيت المال رديها
كذاك أخلاقه كانت و ما عهدت = بعـد النبـوة أخلاق تحـاكيها
في طي شدته أسرار مرحمة = تثني الخطوب فلا تعدو عواديها
و بين جنبيه في أوفى صرامته = فـؤاد والـدة تـرعى ذراريـها
أغنت عن الصارم المصقول درته=فكم أخافت غوي النفس عاتيها
كانت له كعصى موسى لصاحبها= لا ينزل البطل مجتازا بواديها
أخاف حتى الذراري في ملاعبها= و راع حتى الغواني في ملاهيها
اريت تلك التي لله قد نذرت = انشــودة لرسـول الله تهديـها
قالت نذرت لئن عاد النبي لنا= منغزوة لعلى دفّي أغنيــها
و يممت حضرة الهادي و قد ملأت = أنور طلعته أرجاء ناديها
و استأذنت و مشت بالدفّ و اندفعت = تشجي بألحانها ما شاء مشجيها
و المصطفى و أبو بكر بجانبه = لا ينكران عليها من أغانيـها
حتى إذا لاح من بعد لها عمر=خارت قواها و كاد الخوف يرديها
و خبأت دفها في ثوبها فرقا = منه ودت لو ان الأرض تطويها
قد كان حلم رسول الله يؤنسها = فجاء بطش أبي حفص يخشيها
فقال مهبط وحي الله مبتسما = و في ابتسامته معنى يواسيها
قد فر شيطانها لما رأى عمر=إن الشياطين تخشى بأس مخزيها
و فتية ولعوا بالراح فانتبذوا = لهم مكانا و جدوا في تعاطيها
ظهرت حائطهم لما علمت بهم = و الليل معتكر الأرجاء ساجيها
حتى تبينتهم و الخمر قد أخذت = تعلو ذؤابة ساقيها و حاسيها
سفهت آراءهم فيها فما لبثوا= أن أوسعوك على ما جئت تسفيها
و رمت تفقيههم في دينهم فإذا = بالشرب قد برعوا الفاروق تفقيها
قالوا مكانك قد جئنا بواحدة = و جئتـنا بثـلاث لا تباليـها
فأت البيوت من الأبواب يا عمر = فقد يُزنُ من الحيطان آتيها
و استأذن الناس أن تغشى بيوتهم = و لا تلم بدار أو تحييها
و لا تجسس فهذي الآي قد نزلت = بالنهي عنه فلم تذكر نواهيها
فعدت عنهم و قد أكبرت حجتهم = لما رأيتكتاب الله يمليها
و ما أنفت و إن كانوا على حرج = من أن يحجك بالآيات عاصيها
و سرحة في سماء السرح قد رفعت =ببيعة المصطفى من رأسها تيها
أزلتها حين غالوا في الطواف بها = و كان تطوافهـم للدين تشويـها
هذي مناقبه في عهد دولته= للشاهدين و للأعقـاب أحكيـها
في كل واحدة منهن نابلة = من الطبائع تغذو نفـس واعـيها
لعل في أمة الإسلام نابتتة = تجلو لحاضرها مـرآة ماضيـها
حتى ترى بعض ما شادت أوائلها = من الصروح و ما عاناه بانيها
وحسبها أن ترى ما كان من عمر = حتى ينبه منها عين غافـيها