فروى إبراهيم بن عمر، عن رجاله ، عن (فايد مولى عبدالله بن سالم ) قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله في عمرة الحديبية نزل الجحفة فلم يجد بها ماء ، فبعث سعد بن مالك بالروايا، حتى إذا كان غيربعيد رجع سعد بالروايا فقال : يا رسول الله ، ما أستطيع أن أمضي ، لقد وقفت قدماي رعبا من القوم فقال له النبي عليه وآله السلام : « اجلس» . ثم بعث رجلا آخر، فخرج بالروايا حتى إذا كان بالمكان الذي انتهى اليه الأول رجع ، فقال له النبي عليه السلام : «لم رجعت ؟» فقال : والذي بعثك بالحق ما استطعت أن أمضي رعبا. فدعا رسول الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما فأرسله بالروايا، وخرج السقاة وهم لا يشكون في رجوعه ، لما رأوا من رجوع من تقدمه . فخرج علي عليه السلام بالروايا حتى ورد الحرار فاستقى ، ثم أقبل بها إلى النبي صلى الله عليه واله ولها زجل. فكبرالنبي صلى الله عليه وآله ودعا له بخير.
حاصر رسول الله صلى الله عليه واله خيبر بضعا وعشرين ليلة ؛ وكانت الراية يومئذ لأمير المؤمنين عليه السلام فلحقه رمد أعجزه عن الحرب ، وكان المسلمون يناوشون اليهود من بين أيدي حصونهم وجنباتها. فلما كان ذات يوم فتحوا الباب ، وقد كانوا خندقوا على أنفسهم ، وخرج مرحب برجله يتعرض للحرب ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر فقال له : «خذ الراية» فأخذها - في جمع من المهاجرين - فاجتهد ولم يغن شيئا، فعاد يؤنب القوم الذين اتبعوه ويؤنبونه . فلما كان من الغد تعرض لها عمر، فساربها غيربعيد ، ثم رجع يجبن أصحابه ويجبنونه . فقال النبي صلى الله عليه وآله : «ليست هذه الراية لمن حملها ، جيئوني بعلي بن أبي طالب» فقيل له : إنه أرمد ، فقال : «أرونيه تروني رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، يأخذها بحقها ليس بفرار» . فجاؤوا بعلي عليه السلام يقودونه إليه ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : «ما تشتكي يا علي ؟ قال : رمد ما أبصرمعه ، وصداع برأسي ، فقال له : اجلس وضع رأسك على فخذي» ففعل علي عليه السلام ذلك ، فدعا له النبي صلى الله عليه وآله وتفل في يده فمسحها على عينيه ورأسه ، فانفتحت عيناه وسكن ما كان يجده من الصداع ، وقال في دعائه له : «اللهم قه الحر والبرد» وأعطاه الراية - وكانت راية بيضاء - وقال له : «خذ الراية وامض بها، فجبرئيل معك ، والنصر أمامك ، والرعب مبثوث في صدور القوم ، واعلم - يا علي - أنهم يجدون في كتابهم : أن الذي يدمرعليهم إسمه اليا، فإذا لقيتهم فقل : أنا علي ، فإنهم يخذلون إن شاء الله». قال علي عليه السلام : «فمضيت بها حتى أتيت الحصون ، فخرج مرحب وعليه مغفر وحجرقد ثقبه مثل البيضة على رأسه ، وهو يرتجز ويقول : قد علمت خيبرأني مرحب * شاك سلاحي بطل مجرب فقلت : أنا الذي سمتني أمي حيدرة * ليث لغابات شديد قسورة أكيلكم بالسيف كيل السندرة فاختلفنا ضربتين ، فبدرته فضربته فقددت الحجر والمغفر ورأسه حتى وقع السيف في أضراسه وخر صريعا». وجاء في الحديث أن أمير المؤمنين عليه السلام لما قال : «أنا علي ابن أبي طالب» قال حبر من أحبار القوم : غلبتم وما أنزل على موسى. فدخل قلوبهم من الرعب ما لم يمكنهم معه الاستيطان به . ولما قتل أمير المؤمنين عليه السلام مرحبا، رجع من كان معه وأغلقوا باب الحصن عليهم دونه ، فصار أمير المؤمنين عليه السلام إليه فعالجه حتى فتحه ، وأكثر الناس من جانب الخندق لم يعبروا معه ، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام باب الحصن فجعله على الخندق جسرا لهم حتى عبروا وظفروا بالحصن ونالوا الغنائم . فلما انصرفوا من الحصون ، أخذه أمير المؤمنين بيمناه فدحا به أذرعا من الأرض ، وكان الباب يغلقه عشرون رجلا منهم . وقد روى أصحاب الاثار عن الحسن بن صالح ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبدالله الجدلي قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : «لما عالجت باب خيبرجعلته مجنا لي وقاتلت القوم فلما أخزاهم الله وضعت الباب على حصنهم طريقا ، ثم رميت به في خندقهم ؛ فقال له رجل : لقد حملت منه ثقلا! فقال : ما كان إلا مثل جنتي التي في يدي في غيرذلك المقام». وذكر أصحاب السير: أن المسلمين لما انصرفوا من خيبرراموا حمل الباب فلم يقله منهم إلا سبعون رجلا.
لما فض الله تعالى جمع المشركين بحنين ، تفرقوا فرقتين : فأخذت الأعراب ومن تبعهم إلى أوطاس ، وأخذت ثقيف ومن تبعها إلى الطائف . فبعث النبي صلى الله عليه واله أبا عامر الأشعري إلى أوطاس في جماعة منهم أبو موسى الأشعري ، وبعث أبا سفيان صخر بن حرب إلى الطائف . فاما أبو عامر فإنه تقدم بالراية وقاتل حتى قتل ، فقال المسلمون لأبي موسى : أنت ابن عم الأمير وقد قتل ، فخذ الراية حتى نقاتل دونها، فاخذها أبو موسى ،فقاتل المسلمون حتى فتح الله عليهم . وأما أبوسفيان فإنه لقيته ثقيف فضربوه على وجهه ، فانهزم ورجع إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : بعثتني مع قوم لا يرقع بهم الدلاء من هذيل والأعراب ، فما أغنوا عني شيئا، فسكت النبي صلى الله عليه وآله عنه . ثم سار بنفسه إلى الطائف ، فحاصرهم أياما، وأنفذ أمير المؤمنين عليه السلام في خيل ، وأمره أن يطأ ما وجد، ويكسر كل صنم وجده . فخرج حتى لقيته خيل خثعم في جمع كثير، فبرز له رجل من القوم يقال له شهاب ، في غبش الصبح ، فقال : هل من مبارز؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «من له ؟» فلم يقم احد ، فقام اليه أمير المؤمنين عليه السلام فوثب ابو العاص بن الربيع زوج بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : تكفاه أيها الأمير، فقال : «لا، ولكن إن قتلت فانت على الناس» فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقول : «إن على كل رئيس حقا * أن يروي الصعدة أو تدقا» ثم ضربه فقتله ، ومضى في تلك الخيل حتى كسر الأصنام ، وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو محاصر لأهل الطائف . فلما رآه النبي عليه وآله السلام كبر للفتح ، وأخذ بيده فخلا به وناجاه طويلا. فروى عبد الرحمن بن سيابة والأجلح - جميعا - عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري : أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما خلا بعلي بن أبي طالب عليه السلام يوم الطائف ، أتاه عمر بن الخطاب فقال : أتناجيه دوننا وتخلو به دوننا؟ فقال : «يا عمر، ما أنا انتجيته ، بل الله انتجاه». قال : فأعرض عمر وهو يقول : هذا كما قلت لنا قبل الحديبية : (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) فلم ندخله وصددنا عنه ، فناداه النبي صلى الله عليه وآله : «لم أقل إنكم تدخلونه في ذلك العام !».
كانت غزاة السلسلة وذلك أن أعرابيا جاء إلى النبي عليه وآله السلام فجثا بين يديه وقال له : جئتك لأنصح لك . قال : «وما نصيحتك ؟» قال : قوم من العرب قد اجتمعوا بوادي الرمل ، وعملوا على أن يبيتوك بالمدينة . ووصفهم له . فأمر النبي صلى الله عليه وآله أن ينادى بالصلاة جامعة، فاجتمع المسلمون فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أيها الناس ، إن هذا عدو الله وعدوكم قد عمل على تبييتكم ، فمن لهم ؟» فقام جماعة من أهل الصفة، فقالوا : نحن نخرج إليهم - يا رسول الله - فول علينامن شئت . فأقرع بينهم ، فخرجت القرعة على ثمانين رجلا منهم ومن غيرهم ،فاستدعى أبا بكر فقال له : «خذ الراية وامض الى بني سليم فإنهم قريب من الحرة» فمض ومعه القوم حتى قارب أرضهم ، فكانت كثيرة الحجارة والشجر، وهم ببطن الوادي ، والمنحدر إليه صعب . فلما صار أبو بكر إلى الوادي وأراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا، وانهزم أبوبكرمن القوم . فلما وردواعلى النبي صلى الله عليه واله عقد لعمر بن الخطاب وبعثه إليهم ، فكمنوا له تحت الحجارة والشجر، فلما ذهب ليهبط خرجوا إليه فهزموه . فساء رسول الله صلى الله عليه واله ذلك ، فقال له عمرو بن العاص : ابعثني - يا رسول الله - إليهم ، فإن الحرب خدعة ، ولعلي أخدعهم . فأنفذه مع جماعة ووصاه ، فلما صار الى الوادي خرجوا إليه فهزموه ، وقتلوا من أصحابه جماعة. ومكث رسول الله صلى الله عليه وآله أياما يدعو عليهم ،ثم دعا امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فعقد له ، ثم قال : «أرسلته كرارا غير فرار» ورفع يديه إلى السماء وقال : «اللهم إن كنت تعلم أني رسولك ، فاحفظني فيه وافعل به وإفعل» فدعا له ما شاء الله . وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله لتشييعه ، وبلغ معه الى مسجد الأحزاب ،وعلي عليه السلام على فرس أشقر مهلوب، عليه بردان يمانيان ، وفي يده قناة خطية، فشيعه رسول الله صلى الله عليه واله وأنفذ معه فيمن أنفذ أبا بكر وعمر وعمرو بن العاص ، فسار بهم عليه السلام نحو العراق متنكبا للطريق حتى ظنوا أنه يريد بهم غيرذلك الوجه ، ثم أخذ بهم على محجة غامضة، فسار بهم حتى استقبل الوادي من فمه ، وكان يسير الليل ويكمن النهار. فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يكعموا الخيل ، ووقفهم مكانا وقال : «لا تبرحوا» وانتبذ أمامهم فأقام ناحية منهم . فلما رأى عمرو بن العاص ما صنع لم يشك أن الفتح يكون له ، فقال لأبي بكر: أنا أعلم بهذه البلاد من علي ، وفيها ما هوأشد علينا من بني سليم ، وهي الضباع والذئاب ، وإن خرجت علينا خشيت أن تقطعنا، فكلمه يخل عنا نعلو الوادي . قال : فانطلق أبو بكر فكلمه فاطال ، فلم يجبه أمير المؤمنين عليه السلام حرفا واحدا، فرجع إليهم فقال : لا والله ما أجابني حرفا . فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب : أنت أقوى عليه ، فانطلق عمر فخاطبه فصنع به مثل ما صنع بأبي بكر، فرجع إليهم فأخبرهم أنه لم يجبه . فقال عمرو بن العاص : إنه لا ينبغي أن نضيع أنفسنا، انطلقوا بنا نعلو الوادي ، فقال له المسلمون : لا والله لا نفعل ، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن نسمع لعلي ونطيع ، فنترك أمره ونسمع لك ونطيع ؟! فلم يزالوا كذلك حتى احس أمير المؤمنين عليه السلام الفجر، فكبس القوم وهم غارون ، فأمكنه الله منهم ، ونزلت على النبي صلى الله عليه وآله : ( والعاديات ضبحا . . . ) إلى آخر السورة ، فبشر النبي صلى الله عليه وآله أصحابه بالفتح ، وأمرهم أن يستقبلوا أمير المؤمنين عليه السلام فاستقبلوه ، والنبي صلى الله عليه وآله يقدمهم فقاموا له صفين . فلما بصر بالنبي صلى الله عليه وآله ترجل عن فرسه ، فقال له النبي عليه وآله السلام : «اركب فإن الله ورسوله راضيان عنك» فبكى أمير المؤمنين عليه السلام فرحا، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : «يا علي ، لولا أنني أشفق أن تقول فيك طوائف من امتي ما قالت النصارى في المسيح عيسى بن مريم ، لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك» .
بينما رجلان جالسان في دهر عمر بن الخطاب إذ مر بهما رجل مقيد ، وكان عبدا ، فقال أحدهما : إن لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثا ، فقال الآخر إن كان فيه كما قلت فامرأته طالق ثلاثا ، قال : فذهبا إلى مولى العبد فقالا : إنا قد حلفنا على كذا وكذا فحل قيد غلامك حتى نزنه ، فقال مولى الغلام : إمرأته طالق إن حللت قيد غلامي ، قال فارتفعوا إلى عمر فقصوا عليه القصة ، فقال مولاه أحق به إذهبوا فاعتزلوا نساءكم ، فقالوا إذهبوا بنا إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، لعله أن يكون عنده في هذا شئ فأتوه عليه السلام فقصوا عليه القصة ، فقال ما أهون هذا ثم دعا بجفنة وأمر بقيد الغلام فشد فيه خيط وأدخل رجليه والقيد في الجفنة ، ثم صب الماء عليه حتى إمتلات ثم قال : ارفعوا القيد فرفع القيد حتى أخرج من الماء ثم دعا بزبر الحديد فأرسلها في الماء حتى تراجع الماء إلى موضعه حين كان القيد فيه ثم قال : زنوا هذا الحديد فإنه وزنه. وهذا تطبيق لقاعدة ارخميدس التي اكتشفت بعد الف سنة تقريبا.
حين جمع رسول الله صلى الله عليه وآله بني عبد المطلب في دارأبي طالب ، وهم أربعون رجلا - يومئذ - يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا - فيما ذكره الرواة- وأمر أن يصنع لهم فخذ شاة مع مدمن البر، ويعد لهم صاع من اللبن ، وقد كان الرجل منهم معروفا باكل الجذعة في مقام واحد، ويشرب الفرق من الشراب في ذلك المقام ، وأراد عليه السلام بإعداد قليل الطعام والشراب لجماعتهم إظهار الآية لهم في شبعهم وريهم مما كان لا يشبع الواحد منهم ولا يرويه . ثم أمر بتقديمه لهم ، فأكلت الجماعة كلها من ذلك اليسيرحتى تملؤوا منه ، فلم يبن ما أكلوه منه وشربوه فيه ، فبهرهم بذلك ، وبين لهم اية نبوته ، وعلامة صدقه ببرهان الله تعالى فيه . ثم قال لهم بعد أن شبعوا من الطعام ورووا من الشراب : «يا بني عبد المطلب ، إن الله بعثني إلى إلخلق كافة، وبعثني إليكم خاصة، فقال عز وجل : (وانذر عشيرتك الأقربين ) وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان ، تملكون بهما العرب والعجم ،وتنقاد لكم بهما الأمم ، وتدخلون بهما الجنة، وتنجون بهما من النار، شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فمن يجبني إلى هذا الأمر ويؤازرني عليه وعلى القيام به ، يكن أخي ووصي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي» فلم يجب أحد منهم . فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «فقمت بين يديه من بينهم - وأنا إذ ذاك أصغرهم سنا ، وأحمشهم ساقا ، وأرمصهم عينا - فقلت : أنا - يا رسول الله - أؤازرك على هذا الأمر. فقال : اجلس ، ثم أعاد القول على القوم ثانية فاصمتوا، وقمت فقلت مثل مقالتي الأولى، فقال : اجلس . ثم أعاد على القوم مقالته ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف ، فقلت : أنا أؤازرك - يا رسول الله ـ على هذا الأمر، فقال : اجلس، فانت أخي ووصي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي» . فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب : يا أبا طالب ، ليهنك اليوم إن دخلت في دين ابن أخيك ، فقد جعل ابنك أميرا عليك.
أن النبي صلى الله عليه وآله بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام ، وأنفذ معه جماعة من المسلمين فيهم البراء بن عازب - رحمه الله - فاقام خالد على القوم ستة أشهريدعوهم ، فلم يجبه أحد منهم ، فساء ذلك رسول صلى الله عليه واله فدعا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأمره أن يقفل خالدا ومن معه . وقال له : «إن أراد أحد ممن مع خالد أن يعقب معك فاتركه» . قال البراء : فكنت فيمن عقب معه ، فلما انتهينا إلى أوائل أهل اليمن ، بلغ القوم الخبرفتجمعوا له ، فصلى بنا علي بن أبي طالب عليه السلام الفجر ثم تقدم بين أيدينا، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قرأ على القوم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلمت همدان كلها في يوم واحد، (وكتب بذلك أمير المؤمنين عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ) فلما قرأ كتابه استبشر وابتهج ، وخر ساجدا شكرا لله عز وجل ثم رفع رأسه فجلس وقال : «السلام على همدان السلام على همدان» وتتابع بعد إسلام همدان أهل اليمن على الإسلام.
أن المشركين حضروا بدرا مصرين على القتال ، مستظهرين فيه بكثرة الأموال ، والعدد والعدة والرجال ، والمسلمون إذ ذاك نفر قليل عددهم هناك ، حضرته طوائف منهم بغير اختيار، وشهدته على الكره منها له والاضطرار، فتحدتهم قريش بالبراز ودعتهم إلى المصافة والنزال ، واقترحت في اللقاء منهم الأكفاء ، وتطاولت الأنصار لمبارزتهم فمنعهم النبي صلى الله عليه وآله من ذلك ، وقال لهم : «إن القوم دعوا الأكفاء منهم» ثم أمر عليا أمير المؤمنين عليه السلام بالبروز إليهم ، ودعا حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث - رضي الله عنهما- أن يبرزا معه. فلما اصطفوا لهم لم يثبتهم القوم ، لأنهم كانوا قد تغفروا فسألوهم : من أنتم ،فانتسبوا لهم ، فقالوا : أكفاء كرام . ونشبت الحرب بينهم ، وبارز الوليد أمير المؤمنين عليه السلام فلم يلبثه حتى قتله ، وبارز عتبة حمزة - رضي الله عنه - فقتله حمزة ، وبارز شيبة عبيدة ـ رحمه الله - فاختلفت بينهما ضربتان ، قطعت إحداهما فخذ عبيدة، فاستنقذه أمير المؤمنين عليه السلام بضربة بدر بها شيبة فقتله ، وشركه في ذلك حمزة- رضوان الله عليه - فكان قتل هؤلاء الثلاثة أول وهن لحق المشركين ، وذل دخل عليهم ، ورهبة اعتراهم بها الرعب من المسلمين ، وظهر بذلك أمارات نصر المسلمين . ثم بارز أمير المؤمنين عليه السلام العاص بن سعيد بن العاص ، بعد أن أحجم عنه من سواه فلم يلبثه أن قتله . وبرز إليه حنظلة ابن أبي سفيان فقتله ، وبرز بعده طعيمة بن عدي فقتله ، وقتل بعده نوفل بن خويلد - وكان من شياطين قريش - ولم يزل عليه السلام يقتل واحدا منهم بعد واحد، حتى أتى على شطر المقتولين منهم ، وكانوا سبعين قتيلا تولى كافة من حضر بدرا من المؤمنين مع ثلاثة آلاف من الملائكة المسومين قتل الشطر منهم ، وتولى أمير المؤمنين قتل الشطر الآخر وحده ، بمعونة اللة له وتوفيقه وتاييده ونصره ، وكان الفتح له بذلك وعلى يديه ، وختم الأمر بمناولة النبي صلى الله عليه وآله كفا من الحصى ، فرمى بها في وجوههم وقال : «شاهت الوجوه» فلم يبق أحد منهم إلا ولى الدبر لذلك منهزمأ، وكفى الله المؤمنين القتال بامير المؤمنين عليه السلام وشركائه في نصرة الدين من خاصة (آل الرسول ) - عليه وآله السلام - ومن أيدهم به من الملائكة الكرام عليهم التحية والسلام كما قال الله عز وجل وكفى الله المؤمنين القتال وكان ألله قويا عزيزا).
روى عبد الرزاق ، عن معمر، عن الزهري قال : لما عرف رسول الله صلى الله عليه واله حضور نوفل بن خويلد بدرا قال : اللهم اكفني نوفلا« فلما انكشفت قريش رآه علي بن أبي طالب عليه السلام وقد تحير لا يدري ما يصنع ، فصمد له ثم ضربه بالسيف فنشب في حجفته فانتزعه منها، ثم ضرب به ساقه - وكانت درعه مشمرة - فقطعها، ثم أجهزعليه فقتله . فلما عاد إلى النبي صلى الله عليه وآله سمعه يقول : «من له علم بنوفل ؟ فقال له : أنا قتلته يا رسول اللة» فكبر النبي صلى الله عليه وآله وقال : «الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه».