المتهجّدة في المحراب
• روي الشيخ الصدوق وأبو جعفر الطبري عن الإمام الحسن عليه السّلام ( والنصّ للصدوق ) أنّه قال: رأيتُ أمّي فاطمة عليها السّلام في محرابها ليلة جمعتها، فلم تَزَل راكعةً ساجدة حتّى اتّضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسمّيهم وتُكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلتُ لها: يا أمّاه، لِمَ لا تدعونّ لنفسك كما تدعونّ لغيرك ؟ فقالت: يا بُنيّ، الجار ثمّ الدار(19).
• وروى الشيخ الصدوق أيضاً عن أبان بن تَغلِب، قال: قلت لأبي عبدالله ( الصادق ) عليه السّلام: يا بن رسول الله، لِمَ سُمّيت الزهراءُ عليها السّلام زهراء ؟
فقال: لأنّها تَزهر لأمير المؤمنين عليه السّلام في النهار ثلاث مرّات بالنور، كان يَزهر نور وجهها صلاةَ الغَداة والناس في فرشهم، فيَدخُل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيضّ حيطانُهم فيعجبون من ذلك، فيأتون النبيَّ صلّى الله عليه وآله فيسألونه عمّا رأوا، فيُرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السّلام، فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي والنور يسطع من محرابها ومن وجهها، فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة.
فإذا نَصَفَ النهار وترتّبت للصلاة زَهَرَ وجهُها عليها السّلام بالصُّفرة، فتدخل الصفرة حجرات الناس، فتصفرّ ثيابهم وألوانهم، فيأتون النبيّ صلّى الله عليه وآله فيسألونه عمّا رأوا، فيُرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السّلام، فيرونها قائمة في محرابها وقد زَهرَ نورُ وجهها بالصفرة، فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجهها. فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس، احمرّ وجه فاطمة عليها السّلام، فأشرق وجهها بالحُمرة فَرَحاً وشُكراً لله عزّوجلّ، فكان يدخل حُمرة وجهها حجرات القوم وتحمرّ حيطانُهم، فيعجبون من ذلك، ويأتون النبيّ صلّى الله عليه وآله ويسألونه عن ذلك، فيُرسلهم إلى منزل فاطمة، فيرونها جالسة تسبّح الله وتمجّده ونورُ وجهها يَزهر بالحُمرة، فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها السّلام. فلم يزل ذلك النور في وجهها حتّى وُلد الحسين عليه السّلام، فهو يتقلّب في وُجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمّة منّا أهل البيت، إمامٍ بعد إمام(20).
نرى أنّ الحديث الشريف يتحدّث عن علاقة خاصّة بين الصدّيقة الزهراء عليها السّلام والمحراب والعبادة والتهجّد، فهي تسبق الناس إلى المحراب والناس في فرشهم، مجسّدةً أحد أبرز مصاديق الآية الكريمة تتجافى جُنوبُهم عن المضاجع يَدعونَ ربَّهم خوفاً وطمعاً (21). كما نلاحظ أنّ الناس كانوا يأتون النبيّ صلّى الله عليه وآله وقد عَجِبوا من النور الذي غمر بيوتهم حتّى ابيضّت منه حيطانهم، فيسألونه عن سرّ ذلك، فيُرسلهم صلّى الله عليه وآله إلى منزل فاطمة عليها السّلام، فيرونها في محرابها تصلّي، ثمّ يأتونها ظهراً فيرونها قائمة في محرابها، ثمّ يأتونها آخر النهار فيرونها جالسةً في محرابها تسبحّ الله وتمجّده.
ولا عجب، فإنّ بيت فاطمة عليها السّلام من أفضل بيوت الأنبياء ـ كما في حديث سابق ـ ومن البيوت التي أذِن اللهُ أن تُرفع ويُذكَر فيها اسمه، ومن البيوت التي ساكنوها ممّن لا تُلهيهم تجارةٌ ولا بَيع عن ذِكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
ونلاحظ من الحديث الشريف السابق أنّ ذلك النور انتقل إلى الإمام الحسين عليه السّلام، ومنه إلى الأئمّة من ولده عليهم السّلام، فهو يتقلّب في وجوههم إلى يوم القيامة، وهو في عصرنا هذا في وجه صاحب العصر والزمان عليه السّلام، فإذا أذِن الله تعالى له بالظهور، استغنى العباد بنور وجهه عن نور الشمس والقمر(22).
• وروى الشيخ الصدوق عن محمّد بن عمارة، قال: سألت أبا عبدالله ( الصادق ) عليه السّلام عن فاطمة، لِمَ سُمّيت الزهراء ؟ فقال: لأنّها كانت إذا قامت في محرابها زَهَرَ نورُها لأهل السماء كما تَزهَر نور الكواكب لأهل الأرض(23).
• ومن ألقاب فاطمة عليها السّلام: المتهجّدة الشريفة(24)، وهو لقب أُطلق عليها لكثرة تهجّدها في محرابها، وقد سبق أن ذكرنا رواية عن الحسن البصري أنّها عليها السّلام كانت تقوم في محرابها حتّى تتورّم قدماها، ورواية عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال عنها: إنّ ابنتي لَفي الخيل السوابق.
• ولقّبها أبو نعيم الاصفهاني بأنّها كانت من ناسكات الأصفياء، وصفيّات الأتقياء(25).
• وروى ابن شهرآشوب أنّها عليها السّلام ربّما اشتغلت بصلاتها وعبادتها، فربّما بكى ولدُها، فرُؤي المهد يتحرّك، وكان مَلَك يحرّكه(26).
• وروى عن الإمام الباقر عليه السّلام، قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله سلمان إلى فاطمة. ( قال سلمان: ) فوقفت بالباب وقفةً حتّى سلّمت، فسمعتُ فاطمة تقرأ القرآن من جوّا وتدور الرَّحى من برّا(27) ما عندها أنيس.
وجاء في آخر الخبر: فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال: يا سلمان، ابنتي فاطمة ملأ اللهُ قلبَها وجوارحَها إيماناً إلى مُشاشها(28)، تفرّغت لطاعة الله، فبعث اللهُ ملَكاً ( وفي خبر: جبرئيل ) فأدار لها الرّحى، وكفاها الله مؤونة الدنيا مع مؤونة الآخرة(29).
وقد أوردنا أنّ من دعائها عليها السّلام « اللهمّ فَرِّغْني لِما خَلقَتَني له ( أي لعبادتك )، ولا تَشْغَلني بما تكفّلتَ لي به ( أي بمؤونة الدنيا )... وألهِمني طاعتَك والعملَ بما يُرضيك ».
19 ـ علل الشرايع 239:1 ـ 240 / ح 1 ـ الباب 145 ، دلائل الإمامة 56.
20 ـ علل الشرايع للصدوق 238:1 / ح 2 ـ الباب 143.
21 ـ السجدة:16.
22 ـ انظر: تفسير قوله تعالى « وأشرقَتِ الأرضُ بنورِ ربِّها » في التفاسير المرويّة عن أهل البيت عليهم السّلام.
23 ـ علل الشرايع 239:1 / ح 3 ـ الباب 143.
24 ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 357:3.
25 ـ حلية الأولياء 39:2.
26 ـ المناقب لابن شهرآشوب 337:3.
27 ـ المراد بالجوّا: داخل البيت، والبرّا: ظاهره.
28 ـ المشاش: جمع المشاشة: رأس العظم الليّن.
29 ـ المناقب لابن شهرآشوب 337:3 ـ 338.
سلام الله عليها سيدتنا و مولاتنا
و صلى الله على محمد وعلى آله و عجل فرجهم
وفقك الله أخي السيد لخدمة أهل البيت سلام الله عليهم
و رزقك الله شفاعتها و قضى الله حاجتك يارب بحق سيدتي الزهراء وسرها المستودع فيها
نسألكم الدعاء و بالتوفيق دوماً
سلام الله وملائكته عليك ايتها العابدة الناسكة المتهجدة الورعة ,,
السيد الامينى جعلنا الله واياك من خدمة الزهراء يوم القيامة وفرج الله عن إبنك وعن جميع مرضى المؤمنين والمؤمنات بحق فاطمة وابيها وبعلها وبنيها وبحق السر المستودع فيها يا الله ,
بارك الله فيك على هذا الطرح المتواضع فى حق من لا مثيل لها بين النساء فهى سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين .
إيمان الزهراء عليها السّلام
• روى الحافظ الحسكاني الحنفي عن ابن عبّاس، في قوله تعالى والذينَ آمنُوا واتّبعَتْهُم ذُريّتُهم بإيمانٍ ألحَقْنا بهِم ذُرّيتَهم وما أَلَتْناهُم مِن عَمَلِهِم مِن شَيء (30)، قال: نزلت في النبيّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلام(31).
• وروى الحافظ الحسكاني أيضاً عن ابن عمر، أن رجلاً سأله عن عليّ عليه السّلام، فقال ابن عمر: ويحكَ! عليّ من أهل البيت لا يُقاس بهم، عليّ مع رسول الله صلّى الله عليه وآله في درجته، إنّ الله يقول والذينَ آمنُوا واتّبعَتْهُم ذُريّتُهم.. . ففاطمة عليها السّلام مع رسول الله صلّى الله عليه وآله في درجته، وعليّ عليه السّلام معهما(32).
• وروى الحافظ الحسكاني كذلك عن أبي سعيد الخُدْري، في قوله تعالى والذين يقولون ربَّنا هَبْ لنا مِن أزواجِنا وذُرّيّاتِنا قُرّةَ أعيُنٍ واجعَلْنا للمُتقّين إماماً (33) قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: قلتُ: يا جبرئيل، مَن أزواجنا ؟ قال: خديجة عليها السّلام. قال صلّى الله عليه وآله: ومَن ذرّيّاتنا ؟ قال: فاطمة عليها السّلام. قال صلّى الله عليه وآله: وقُرّة أعيُن ؟ قال: الحسن والحسين عليهما السّلام. قال صلّى الله عليه وآله واجعلْنا للمتّقين إماماً ؟ قال: عليّ عليه السّلام(34).
• وروى الآلوسي في تفسيره عن ابن عباس، أن قوله تعالى إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولئك هم خيرُ البريّة (35) نزل في عليّ وأهل بيته(36).
• وروى الثعلبي في تفسيره عن أنس بن مالك وبريدة، قالا: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وآله هذه الآية في بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرفَعَ ويُذكرَ فيها اسمُهُ (37)، فقام إليه رجل فقال: أيّ بيوتٍ هذه يا رسول الله ؟ فقال: بيوت الأنبياء. فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها ؟ يعني بيت عليّ وفاطمة، قال: نعم، مِن أفاضلها(38).
---
30 ـ الطور: 21.
31 ـ شواهد التنزيل للحسكاني 270:2 / ح 903.
32 ـ شواهد التنزيل للحسكاني 271:2 / ح 904.
33 ـ الفرقان: 74.
34 ـ شواهد التنزيل للحسكاني 539:1 / ح 575.
35 ـ البيّنة: 7.
36 ـ تفسير روح المعاني للآلوسي 174:18 ـ تفسير سورة البيّنة، تفسير الدرّ المنثور للسيوطيّ 203:6.
37 ـ النور: 36.
38 ـ عنه: منهاج الكرامة للعلاّمة الحلّي 121 ـ ف 3 ، العُمدة لابن البطريق 291 / ح 478.