|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77449
|
الإنتساب : Feb 2013
|
المشاركات : 320
|
بمعدل : 0.07 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الرحيق المختوم
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 9
بتاريخ : 22-05-2013 الساعة : 10:19 AM
إن النظرة العامية، بالإضافة إلى أن بإمكانها تهيئة الأرضية لاستغلال الأعداء، يمكنها أن تعبّد الطريق لانحراف الأصدقاء أيضاً. فمن الانحرافات التي قد تظهر في بحث المنقذ والمهدوية هي سوق الناس إلى مجرّد الارتباط العاطفي والشخصي مع الإمام المهدي (عج). فإنّ هذا الارتباط العاطفي جيّد ولابد من تنميته، وبالطبع فإنه سينمو عبر ازدياد المعرفة والدقة في أداء التكاليف الإلهية، سوى أنّ التوجيه الصرف للارتباط العاطفي وجعل الهدف الأول والأخير للمنتظرين هو اللقاء السرّي والتشرف بالإمام، من دون النظر إلى مستلزماته وحقائقه الاجتماعية، يهيّء الأرضية للانحراف الذي قد تظهر من مكنونه الكثير من المسائل المخالفة لنهج الإمام المهدي (عج) المتمثل بالإسلام الأصيل.[1]
3. إيجاد الخمول بين المنتظرين
والأثر السلبي الثالث للنظرة العامية، هو «الخمول» الذتي توجده بين المنتظرين. وبعبارة أخرى فإن النظرة العامية تكون سبباً لترك المنتظرين وظائفهم وعدم معرفتها. كم هي حالة سيئة بأننا كمنتظرين كلما نتذكّر الإمام المهدي (عج)، نتنفّس الصعداء ونقول: «سيظهر الإمام إن شاء الله» ومن بعدها نعود إلى حياتنا المليئة بالأخطاء. وهذه آفة وضرر بأن انتظارنا لا يوجد في حياتنا أيّما تغيير. فمن الطبيعي أننا إذا ما نظرنا إلى موضوع الانتظار بنظرة سطحية، لا يمكننا أن نستخرج التكاليف المتشعبة منه لأنفسنا وأن نجد حركة في وجودنا وأن نشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا.
4. معاداة الإمام (عج) بعد الظهور
وبالتالي فإن الأثر السلبي الأكبر للنظرة العامية، هو التأثير الذي قد تتركه في نفوس المنتظرين وتسوقهم إلى سوء العاقبة. وبعبارة أخرى، قد تكون عاقبة المنتظرين الذين ينظرون إلى موضوع المنقذ والمهدوية بنظرة عامية، هي أن يدخلوا في عداد أعداء الإمام (عج) بعد الظهور. كما صرّحت بذلك الروايات أن البعض يقف أمام الإمام ويقول: «ليس هذا من آل محمد»[2]، والحال أنه كان منتظراً للإمام بنحو من الأنحاء.
كيف يعادي الإمام من كان منتظراً له في السابق؟
لماذا يعادي الإمام بعد ظهوره من كان منتظراً له في غيبته؟ لأنه كان يحمل تصوّراً خيالياً وهمياً عن الإمام (عج)، وعندما يرى وجوده الحقيقي المقدس ويجده لا ينسجم مع صورته الخيالية، ينهض لمعاداته ومخالفته. فإنّ الذي يحمل نظرة عامية وتشتدّ عقيدته بها بحيث تظهر فيه بصمات من الانحراف، لا ينفع الإمام، بل سيتسبب له الأذى والألم بعد حضوره.[3]
وإن أمثال هؤلاء يدّعون لأنفسهم شيئاً سيما وهم يحملون من قبل بعض المعلومات؛ ويقولون على سبيل المثال: «كلا، إنه ليس صاحب الزمان؛ نحن نعلم، نحن نعرف، نحن كنّا ننتظر، واليوم نحن نُشخّص هل هذا هو الإمام أم لا.»
علماً بأن البعض يخالفون الإمام بسبب عدم بناء هويتهم الإنسانية وتعارض أوامر الإمام مع منافعهم الذي قد يكون هذا التعارض بنحو من الأنحاء ناجماً من نفس ذلك التصور الخاطيء حول المنقذ.
كما حدث ذلك لليهود في المدينة أيضاً. فإنهم دوماً ما كانوا يتفاخرون على أهل المدينة قبل بعثة النبي الأكرم (ص) بأن النبي الموعود سوف يظهر وعلاماته كذا وكذا. ولكن ما إن وصلت دعوة النبي إلى المدينة وأسلم عدد من أهل المدينة، عمدوا إلى المخالفة محتجين بأن «هذا الشخص ليس هو النبيّ الموعود.»[4]
علماً بأن هذه «المخالفة بعد الموافقة»، تعود إلى نفس تلك التصوّرات الخاطئة التي كان يحملها اليهود بالنسبة إلى النبي الموعود. حيث كانوا يتصوّرون بأن النبي الموعود سيكون منهم أو قريباً منهم على أقل تقدير. ولم يتصوّرا بتاتاً بأن ظهوره سيشكّل خطراً على منافعهم. ولعلهم لو كانوا يحملون صورة صحيحة عن النبي في آخر الزمان، لأعدوا أنفسهم قبل مجيئه حتى لمواجهته وعدائه.
وفي خصوص المهدي الموعود أيضاً، بما أن نظرة البعض ممن يدّعي الانتظار نظرة خاطئة ويحملون تصوّراً باطلاً حول المنقذ، لا يمكنهم متابعة الإمام بعد ظهوره. وعندها يرون الإمام، يعرفون أنهم لم يكونوا منتظرين لمثل هذا الشخص على الإطلاق. وهذا هو ناتج عن تلك الذهنية الخاطئة، ولم تتولّد لهم هذه الذهنية سوى أنهم لم ينظروا إلى موضوع المنقذ بنظرة علمية.
النظرة العامية لمعاجز الظهور = التشكيك في كفاءة الدین
لو أردنا استقراء الآثار السلبية للنظرات العامية لطال البحث. ولكن واحدة من الآثار المهمة الأخرى الجديرة بالذكر، هي أنه لو بقيت عقيدتنا حول معاجز الظهور وإطلاق عنانها في إصلاح الأمور على مستوى النظرة العامية – التي ذُكرت خصائصها – ستصبح كفاءة الدين والمعتقدات الدينية عرضة للتشكيك والتساؤل. ويعني ذلك أن البعض سيقول: «هل رأيتم أن دين الله لا يمكن تطبيقه؟ هل رأيتم بأنه لم يستقم أمر أيّ أحد من الأنبياء؟ ولم يستطيعوا جمع الناس تحت لواء التوحيد والإيمان بالله وتشكيل حكومة شاملة ثابتة؟ وبالتالي أصلح الله الأمور كلها من خلال المعجزة.»
الظهور، تابع للقواعد والسنن الإلهية
هل سيأتي الإمام (عج) ليقول: «أيها الإنسان! نحن قد أيسنا من إصلاحك، ولهذا سنقوم عبر عناية معنوية بتغيير قلبك»؟ هل حقيقة سيكون ذلك؟ هل أن الناس الذين تحمّلوا الكثير من العناء والألم لتزكية أنفسهم، كانوا يعملون عبثاً؟ والحال – كما أشرنا إلى ذلك – أن مسألة الظهور وإقبال الناس على حكومة الإمام ودوام هذا الإقبال، لا ينبغي أن تكون ظاهرة بعيدة عن القواعد والسنن الإلهية، وهذا أمر طبيعي جداً. ولو كان المقرّر أن يتحقق هذا الإقبال واستدامته عبر تعطيل بعض القواعد والسنن الإلهية، لتبيّن أن دين الله أساساً لا يحمل قابلية التطبيق على أساس نفس هذه القواعد والسنن الطبيعية التي كانت حاكمة في العالم حتى الآن، وبالتالي سنثبت من الآن بأن أحكام الله غير عملية.
يتبع إن شاء الله ...
[1]. يقول آية الله الشيخ البهجة (ره): «لا يجب على الإنسان السعي للتشرف بخدمة ولي العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بل لعل ركعتين من الصلاة ثم التوسل بالأئمة عليهم السلام أفضل من التشرّف؛ لأن الإمام يرانا ويسمعنا أينما كنّا، والعبادة في زمن الغيبة أفضل من العبادة في زمن الحضور؛ وزيارة أي واحد من الأئمة الأطهار عليهم السلام كزيارة الحجة عجّل الله تعالى فرجه الشريف.» در محضر بهجت، ج1، الرقم277. وقال أيضاً: «هل من الصحيح أن نركن إلى الراحة وننظر وإخواننا وأخواتنا في الدين تحت وطأة الظالمين؟! ... هل يمكن أن يكون زعيمنا ومولانا ولي العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف حزيناً، ونحن مسرورون؟!» نفس المصدر، ج2، الرقم267.
[2]. الإمام الباقر (ع): «... حَتَّی یَقُولَ کَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ لَیْسَ هَذَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ...» الغیبة للنعماني، ص231. وكذلك عن الإمام الصادق (ع): «إِذَا خَرَجَ الْقَائِمُ خَرَجَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَدَخَلَ فِي سُنَّةِ عَبَدَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ.» الغیبة للنعماني، ص317. وروايات مشابهة أخرى تدل على مخالفة البعض من أهل جبهة الحق للإمام، ذكرناها في هامش الصفحة 37.
[3]. عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) يَقُولُ: «إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ، اسْتَقْبَلَ مِنْ جَهْلِ النَّاسِ أَشَدَّ مِمَّا اسْتَقْبَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) مِنْ جُهَّالِ الْجَاهِلِيَّةِ. قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) أَتَى النَّاسَ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْحِجَارَةَ وَالصُّخُورَ وَالْعِيدَانَ وَالْخُشُبَ الْمَنْحُوتَةَ، وَإِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ، أَتَى النَّاسَ وَكُلُّهُمْ يَتَأَوَّلُ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِهِ.» الغیبة للنعماني، ص296.
[4]. «وَلَمَّا جاءَهُمْ کِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَکانُوا مِنْ قَبْلُ یَسْتَفْتِحُونَ عَلَی الَّذِینَ کَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا کَفَرُوا بِه، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَی الْکافِرینَ!» سورة البقرة، الآية 82.
|
|
|
|
|