يتوقف نجاح الطالب في دراسته بالمرحلة الجامعية - أو تلك التي تلي الثانوية العامة - على مدى توفيقه في اختيار التخصص الصحيح الذي يتناسب ويتوافق تماماً مع ميوله وقدراته واستعداداته، ويرتبط ذلك ارتباطاً مباشراً بنجاحه في حياته العملية بعد التخرج، وعلى ذلك ينبني مستقبله كله، فإن كان اختياره صائباً ومراعياً لامكاناته الذهنية ولميوله؛ فإنه بلا شك سيجد نفسه في هذا التخصص، وسيمتلك أدوات الإبحار والتعمق فيه بثقة كبيرة، وربما أصبح علماً في مجاله..
وذلك على عكس الآخر الذي يستسلم لرغبات الأسرة، أو لما تنتج عنه استشارة الزملاء أو الأصدقاء وإن كان مصادماً لرغباته؛ فإن مثل هذا لن يحصد إلا الإخفاق والفشل، وسيواجه صعوبات كبيرة في مستقبله العملي لا محالة.. وربما يحقق الطالب نجاحاً في دراسته رغم كراهيته ونفوره من تخصصه، ولكنه لن يقوى على الانسجام معه في مستقبله العملي، وسيكون أداؤه روتينياً وضعيفاً وخالياً من التميز والإبداع، وتجده دائماً يمارس عمله وكأنه مكره عليه أو مجبر.. والشواهد والأمثلة كثيرة في مواقع العمل المختلفة.
ويحدثنا الواقع ان كثيراً من طلابنا يفتقرون إلى خلفيات كافية حول التخصصات الجامعية، ولذلك تعوزهم إمكانية اتخاذ القرار الصحيح في هذا الخصوص، وغالباً ما يلجأون إلى ما ينصح به أفراد الأسرة أو يفرضونه عليهم..
فكيف يختار ابنك تخصص ما بعد الثانوية؟ وللإجابة على هذا السؤال الذي يبدو في غاية الأهمية للآباء وللطلاب أنفسهم؛ نقول إن خلفية اختيار التخصص تبنى أساساً على اللبنات الخمس الآتية:
1- الرغبة، ونقصد رغبة الطالب نفسه في اختيار التخصص الذي يميل إليه، ويرى فيه نفسه ومستقبله، ويقبل عليه بثقة، ويحس بتوافق وانسجام معه؛ بل وبمتعة كبيرة في دراسته. أما ان أحس بأي نوع من الملل أو النفور فعليه إعادة النظر في قراره قبل انفلات الفرصة من بين يديه.
2- القدرة، ونعني هنا القدرة على اختلاف مساراتها، أي القدرة الذهنية والعلمية والجسدية والنفسية، فالتميز في المعرفة - وخاصة في بعض المجالات كالطب مثلاً - يتطلب توافر هذه القدرات، فالتخصص والممارسة في المجال الطبي ليست عملاً مترفاً؛ وإنما هي جهد عقلي وبدني يقتضي درجة عالية من الاستعداد النفسي والصبر والدقة.
3- مجال العمل، ومع توفر ما أشرنا إليه؛ ننصح الطالب باختيار التخصص الذي يتوافق مع متطلبات سوق العمل، وان الحاجة الفعلية إليه مستمرة وليست محدودة بمكان أو زمان أو وفرة، وألا يختار تخصصاً لا حاجة لقطاعات المجتمع به على الإطلاق، كأن يتخصص مثلاً في لغة لا يستطيع ممارستها إلا مع نفسه أو في نطاق ضيق ومحدود جداً، وبالتالي يجد نفسه أسيراً لبطالة طويلة، ثم يلقي اللوم على الجهات المعنية بالتوظيف.
4- المكانة الاجتماعية.. التخصص في المجالات الطبية أو العسكرية ليس وجاهة، أو استعلاء، أو مكانة اجتماعية مرموقة، بل يعني في جوهره التفاني في تقديم خدمات ضخمة للآخرين، وفي ذلك ضريبة كبيرة تتمثل في التضحية بقدر كبير من الوقت والجهد مما قد يتسبب في إضعاف اجتماعيات الفرد، أو في عدم قدرته على تلبية متطلباتها.
5- المردود المادي.. على الطالب ألا يقصر نظرته للتخصص على ما يمكن أن يحققه من دخل مالي مرتفع، ورغم ان هذا مطلوب بالفعل؛ إلا أن من المهم جداً تقدير حجم العمل ومقتضياته، فالتخصص في مجال الطب أو المجال العسكري - مثلاً - لابد ان يقترن بالمفهوم الإنساني، أي أن الجانب الإنساني فيه يطغى على عائداته المادية، ولا تقاس هذه الخدمات بمال؛ لأنها ترتبط بحياة الناس وأمنهم وراحتهم.