نظرة في واقعة الطف(الحلقة السادسة)
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على خير خلق الله سيدنا أبو الزهراء وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين
أما بعد فنتابع هذا السفر الخالد لأبي الشهداء سيدي ومولاي أبا عبد الله الحسين(ع) الذي بدمه الشريف أختط الدين الإسلامي وأخذ منحاه الأصيل والذي ببطولته مع أهل بيته وأنصاره نجا ديننا الحنيف من كل براثن الانحراف والتشويه ولنبدأ بقرب وقوع الفاجعة التي ليس كمثلها فاجعة في التاريخ القديم والحديث.
حرب النور والظلام :
وبدأت طبول تقرع بين معسكرين معسكر الكرم والآباء والشموخ والذين مستعدين لبذل أرواحهم رخيصة في سبيل نصرة أبن بنت رسول الله وهو معسكر يلح عليه العطش والضيق ولكنه هذا يزيده طمأنينة في السير بمصير التضحية والخلود.
ومعسكر ذا الكثرة العددية معسكر جبن ولؤم وغدر وتخاذل وكان كل فرد منهم يخون ضميره ونفسه ارتباك وحيرة فيما يقوم به وتتملكه هواجس الندم والخوف من الاجترار بدم الحسين فهم جبناء،والجبان والذليل يكون حقده وإيذاءه في الحد الأعلى لأنه يكون معرق في الخيانة ويتصرف تصرف الأنذال ثم لا يبالي بما يقترفه من هذه الفعلة الشنيعة وهم يغالون في ذلك ليظهروا لأمرائهم الصدق والإخلاص وكسب رضائهم بزيادة العطايا والهبات والمناصب لهم فهو هذا هو مفهوم الشر والتأصل لدى هذه الفئة الباغية وغلوهم في محاربة سيد الشهداء واللئيم يكون غدره أضعاف مضاعفة الشخص العادي ويتفنن في طريقة التصريح بالغدر واللؤم ويقول الكاتب المصري عباس العقاد ((ولو كانوا يحاربون عقيدة بعقيدة،لما لصقت بهم وصمة النفاق ومسبة الأخلاق..فعداوتهم ما علموا أنه الحق وشعروا أنه الواجب أقبح بهم من عداوة المرء ما هو جاهله بعقله ومعرض عنه بشعوره،لأنهم يحاربون الحق وهم يعلمون.ومن ثم كانوا في موقفهم ظلاماً مطبقاً،ليس فيه من شعور الواجب بصيص من عالم النور والفداء..فكانوا حقاً في يوم كربلاء قوة من عالم الظلام تكافح قوة من عالم النور)).
وفي الحروب ليس في المنطق الحربي منع الماء عن أي من المعسكرين وهذا ما فعله مولانا أمير المؤمنين في معركة صفين حيث أزاح قوى البغي لمعاوية عندما منع الماء عن جيش أمير المؤمنين ولكن بدوره عندما أرادوا الماء لم يمنعهم فهذا هو الكرم وهذا الخلق السامي لبيت النبوة والذي لا تدانيها أي مرتبة في العالم ولكن معسكر يزيد الطاغية يمنع الماء حتى عن النساء والأطفال لتصورهم أن الحسين(ع) سوف يكون مضطراً للتسليم وهذا مالم ينالوه وكما وصفه الشاعر أبو العلاء المعري بعد أربع قرون بقوله :
منع الفتى هيناً فجر عظائم............... وحمى نمير الماء فانبعث الدم
وبدأ روحي له الفداء بالموعظة والنصيحة وأن يقرع ضمائرهم وينبههم من الغفلة الذين هم فيها ولكن لا حياة لمن تنادي فخرج إليهم (ع) بزي جده (ص)متقلداً سيفه لابساً عمامته ورداءه فكانوا أول ما صنعوه الأنذال دقوا على الطبول وأكثروا من الضجيج حتى لا يصل خطابه إلى أسماعهم ولكنهم بقى هو إلا أن ملوا فهدئوا بعد لحظات وسمعوه بعد الحمد والصلاة((أيها الناس أنسبوني من أنا..هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ألست أبن بنت نبيكم؟أو لم يبلغكم ما قاله رسول الله(ص)لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ويحكم!..أتطلبونني بقتيل لكم قتلته أو مال لكم استهلكته؟ ثم نادى بأسماء الذين استدعوه إلى الكوفة ثم خرجوا لحربه مع أبن مرجانة يا شبث بن ربعي!يا حجار بن أبجر!يا قيس بن الأشعث!يا يزيد ابن الحارث!يا عمر بن الحجاج!..ألم تكتبوا إليِّ أن قد أينعث الثمار واخضرت الجنبات،وإنما تقدم على جُند لك مجّندة))فوقعت هذه الكلمات كا لزلازل عليهم وعرف كثير منهم أنها تتحول إلى صف لن تجد فيه غير الموت العاجل ولم تستطب البقاء مع ابن زياد لاغتنام الغنيمة وانتظار الجزاء من المناصب والاموال. ولكن والقلوب الرعديدة لم تخشع ولم تعي ما يقوله أمامهم وهنا خاطبهم بقوله أيها الناي وهو يعني أنهم ليسوا بمؤمنين وليسوا بعرب بل هم شراذم من الناس ولم نلاحظ إلا ميل وهروب عدد من جيش بن مرجانة من المعركة وكذلك خطب فيهم زهير بن القين كما أسلفنا سابقاً ولكن قسم كبير من توقح وتطاول على أبي الشهداء وتوعدوا بالحسين ومن معه بالقتل.
وطال القلق بين معسكر بن زياد ولاحظ هذا القلق اللعين عمرو بن سعد فتناول سهماً ثم رمى إلى معسكر الحسين وهو يصيح (أشهدوا لي عند الأمير أنني أول من رمى الحسين) ثم تتابعت السهام فسقطت حجة السلم عند ذلك وقال لهم روحي له الفداء((قوموا يا كرام فهذه رسل القوم إليكم))وبدأ القتال،وقد تهيأ سيدنا ومولانا فأختار رابية ليطل عليها من المعركة وحفر خندقاً لا يسهل عبوره فأوقد فيه النار ليمنع الالتفاف عليه وجاء رجل يقال له أبو حوزة وقال هذا المجرم للحسين(ع) :أن هذه النار التي سوف ترد عليها وهو متبجح فدعا عليه الحسين وقال ((اللهم أحرقه بالنار)) فما كان أن جمح به الجواد والقي به في النار فأحترق اللعين فوراً وهناك كان رجل يقال له وائل بن مسروق وكان يمني نفسه بقتل الحسين(ع) وأخذ المكافأة فلما شاهد ذلك أحس بجرم ما يقوم به فهرب من معسكر أبن زياد لأنه ظالم لا محالة في حالة فعله هذا الفعل الشنيع فلاحظوا كم هو معسكر متخاذل وجبان لا يؤمن بالقضية التي يقاتل من أجلها ومن يقاتل فأنا يقاتل من أجل السلطة الدينونة.ورغم الفارق العددي إلا أن كان مع الحسين من خيرة فرسان بني هاشم وهم مشهود لهم بالشجاعة والصبر على الجراح ولنورد مثال على ذلك حيث كان رجل في زمن معاوية عند بلاد الروم وكان من جبابرة الأرض وكان يفخر به أهله فأرسله ملك الروم إلى معاوية وعجز العرب عن مصارعته لشدته وقوة بأسه ..فجلس إلى محمد الحنفية وطلب من ذلك الرومي الجبار أن يقيمه فلم يقدر لصلابة أعضائه،فلما أقر بعجزه رفعه محمد فوق رأسه ثم جلد به عدة مرات.فهذه شجاعة بنو هاشم ومعه خيرة أولاد سيدي ومولاي أبا الفضل العباس (ع)مضاف إليه الأنصار فهم مقاتلين من خيرة فرسان العرب في الرماية والقتال والبأس الشديد وبدأ القتال وأستحكموا الفرسان في معسكر وتقدموا ولم يقدروا عليهم وكان أثنا وثلاثون فارسا وأربعون رجلاً واحتكموا إلى المبارزة فلم يتعرض أحد من جيش بن مرجانة إلا فشل ونكص على عقبيه فخشي رؤوس الكفر من عقبى هذه المبارزة التي لا يكون أي أمل للغلبة لهم وصاح اللعين عمر بن الحجاج برفاقه : أتدرون من تقاتلون..تقاتلون فرسان المصر وقوماً مستميتين،لا يبرز إليهم منكم أحد حتى يقتلوكم وإنهم قليل..ولو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم وخرج إليهم البطل عابس الشاكري وشرحت كيف قاتل الابطال ولم يجرؤ أحد على مبارزته وثبت وقاتل حتى قُتل وكل واحد يقتل وفي الرمق يسلم على أمامه ويقول((السلام عليك يا سيدي ومولاي أبا عبد الله))فما هذا الجيش الذي يقاتل في سبيل الحق والفكر النير لسيد الشهداء(ع)ولم يكن من أصحاب الحسين إلا من يطلب الموت ويتحرى عنه ويطلبه لمعرفته بالجنة وبالفوز العظيم الذي يلقاه في وقوفه عن أمامه والذود عن حرم رسول الله وأنه يلقى الله ورسوله بوجه مشرق.فهذا أحد الأنصار الذي هو سعيد بن مرة وقبل المعركة وكان متزوجاً حديثاً ينزل في الصباح إلى أمه ويقول لها : أمي أني متضايق فتقول : أذهب إلى البستان وستجد زوجتك تطيب لك خاطرك ويقول لها : أني تزوجت بأخرى فقالت له: كيف تزوجت ولم أعلم،قال لها : أني تزوجت بحورية من الجنة وأني قد طلقت زوجتي وذاهب مع الحسين لأذود عنه وعن حرم رسول الله،فقالت له أمه : أذهب وفقك لله وأحظى بحورية الجنة.وهذا الأنصاري عمر بن بشير الحضرمي من أصحابه الذي يأسروه الديلم في فتنة الديلم ولا يفكون أسره إلا بدفع الدية،فيأذن له الحسين بالذهاب هو في حل من بيعته ويعطيه الحسين ومن ماله دية أبنه،فأبى الرجل إباءٍ شديداً وقال: (عند الله أحتسب)ثم قال عند للحسين(هيهات أن أفارقك ثم أسال الركبان عن خبرك..لا يكن والله هذا أبداً ثم يقول أكلتني السباع حياً أن فارقتك) وهذا الأنصاري الجليل مسلم بن عوسجة وهو في الرمق الأخير ويوصي صاحبه حبيب بن مظاهر الأسدي (أوصيك بهذا )ويشير إلى سيدي ومولاي أبا عبد الله(ع) وبدل أن يوصي بعياله يوصي بأمامه والذود عنه فهل نجد هذه المآثر البطولية والشجاعة التي لا يدانيها أي شخص في معسكر الكفر والطاغوت؟ أم هل مثل هذه المواقف الخالدة موجودة في كل التاريخ القديم والحديث؟والجواب قطعاً لا.وقاتل أصحاب الحسين القتال الذي وصفه المؤرخين بالقتال الأسطوري الذي لم يشاهدوه من قبل بالرغم من العطش والضيق الذي كانوا يعانون منه وحرقوا خيم المعسكر وأصحاب يدافعونهم ويصدونهم وظل الحسين على حضور ذهنه وثبات جأشه في تلك المحنة المتراكبة التي تعصف بالصبر وتطيش بالألباب وقال لأصحابه((دعوهم يحرقونها..فإنهم إذا أحرقوها لا يستطيعون أن يجوزوا إليكم منها))وهذا الفكر والحضور الذي لم يغفل أي صغيرة وكبيرة بالرغم من الحصار والعطش والضيق الذي هو فيه وأهل بيته ومعسكره. وأستشهد أغلب أنصاره وجاءت إلى بني هاشم وأولاده،وقال له أبنه علي الأكبر(ع) قبل المعركة ((يأبه ألسنا على حق))فقال له روحي الفداء((أي والله نحن على حق))فقال له أبنه(ع) ((أذن نموت معك ولا نبالي))فهذه أخلاق أولاد علي وشمائل أهل بيت النبوة وسقط هذا البطل وفي الرمق الأخير سلم على والده وقال له بعد أن غلب به العطش أن جدي رسول الله قد سقاني شربة من حوضه الكوثر ويسلم عليك والذي قال عنه أبوه(ع) : ((اللهم لقد خرج إليهم أشبه الناس خَلقاً وخُلَّقاً برسول وكنا إذا أن نشتاق إلى رؤية رسول الله فننظر إلى وجهه))فما أعظم الجرم الذي أرتكبوة هؤلاء الكفرة الطواغيت واستمرت المعركة وأستشهد كل بنو هاشم ولم يبقى إلا حامل وناصره أخوه العباس(ع) والذي كان حزام ظهره وسنده القوي في كل حياته والقصة معروفه في جلب الماء للعيال والأطفال من حرم رسول الله وبعد الرجوع تم التكاثر عليه ولم يقتلوه مباشرة للتهيب من مواجهته وجاءوه من الخلف وقطعوا يمينه وقد ذكرت لكم آنفاً أرجوزته في الدفاع عن أمامه صادق اليقين ثم قطعوا يساره وظل يقاتل ولكن المجرمين الأنذال قد تكاثروا واستشهد بين يدي أخيه وسلم عليه بعد أن رفض أخذه إلى المعسكر لحيائه من عدم جلب الماء إلى العيال وباستشهاد قمر العشيرة(ع) قال روحي له الفداء((الآن أنكسر ظهري وقطع حزامي)) وهو يمشي يخط رجله بالأرض لهول الفاجعة التي مني بها وهنا دنت الخاتمة ووضح المصير وهو كما ذكرنا سابقاً يوصي أخته كعبة الأحزان زينب(ع) بالعيال وبابنه العليل زين العابدين(ع) عندما أخذ وتوكأ على السيف ليقاتل ولكن رده إلى الخيمة لأنه بقية الله في أرضه كما قال لأخته العقيلة وصاحت وأجهشت أخته الصابرة بالبكاء وقاتلت ((وامحمداه !..وعلياه!وفاطماه!)) فصبرها وقال لها ((تأسي بالله يا أخيه))وعند ذلك طلبت منه أن يفتح قميصه لتقبله من جيده ففعل وقالت ((با أماه هذه أمانة قد ردت إليك فاقبليها)) وكانت أمها الزهراء(ع)قد أوصت بنتها وهي في اللحظات الأخيرة أن تقبل عنق الحسين في كربلاء وعندما يكون وحيداً في أرض المعركة فأي كلمات وأي عبارات تكتب في هذا الموقف الذي تعجز القلم وأي فرد في وصف هذا الحنان والحب السامي بين الأخت وأخته وتخيلوا عندما لك أخت وتودعك في السفر وهي تذرف الدموع لفراقك فكيف وهو تودعه إلى طريق لا رجعة فيه وهو طريق استشهاده ومنيته.فما أعظم المصيبة التي جوبهتم بها أهل بيت النبوة وأي مواقف وقفتم بها التي تطير بها أفئدة الرجال الشجعان وأي كلمات تكتب لكل كتب الأرض عنكم فهي قليلة بحقكم والله ولا تناسب مقامكم ومنزلتكم الرفيعة عند الله.
استشهاد أبي الأحرار :
وفي هذه اللحظات التي كان يصدم بكل عزيز لديه ويفجع بشهيدٍ واحداً تلو الآخر وهو ماضي العزم يناهض به الموت ويعرض به عن الموت وفي كل سعيد يلقاه يقول ((لا خير في العيش من بعدك)) ويردد ((لا حول ولا قوة إلا بالله ))وطلب ثياب بالية ورثة لكي تستر عليه في حالة استشهاده لمعرفته بخسة ولؤم هؤلاء الأوغاد في تجريده من ملابسه وحتى هذه الملابس جردوها وبقى وحيداً في العراء وخرج يقاتل الجموع الزاحفة بثبات وصلابة لم يعهدوها من قبل في رجل قد أخذ منه العطش منه أي مأخذ وتعرض لصنوف من القهر والعذاب ومقتل أصحابه وأهل بيته وحتى تعجب المؤرخون من شدة بأسه ومضيه في القتال فنقول لهم أن هذا الشبل من ذاك الأسد الضرغام حيدر الكرار(ع) وكان يشد على الخيل ويشق الصفوف وحيداً فتنكشف عنه الجيوش كما يكشف الذئب عن قطيع الغنم فيتفرقون ولا يتجرأ أحد على منازلته ويهم عليه المتقدمون فينكصون منه يهربون وغضب اللعين شمر وأمر الرماة برشقه بالنبل من بعيد وصاح بمن حوله : ويحكم!ماذا تنتظرون بالرجل أقتلوه؟..أقتلوه ثكلتكم أمهاتكم،ونادي المجرم الآخر عمرو بن سعد أقتلوا أبن الانزع البطين أقتلوا أبن قتال العرب ،لكي يثير عندهم النعرة الجاهلية بالثأر من الإما علي (ع)الذي قتل سادات الكفر وضربهم على خراطيمهم فاندفعت جموع الشرك والطاغوت كالنمل وضربة رجل لعنه اله يدعى أبو الحتوف بصخرة على جبهته فشج جبهته الشريفة وضربه زرعة بن شريك على يده اليسرى فقطعها وضربه آخر على عاتقه فخر على وجهه ويقوم ويكبر وهم يطعنونه بالرماح ويضربونه بالسيوف حتى سقط من جواده من كثرة الجراح ثم جاء أبن أخوه فتى صغير أسمه عبد الله بن الحسن المجتبى بعد أن أفلت من عمته وجلس مع عمه الحسين(ع) فجاء رجل يريد أن يضرب فصاح الغلام بالرجل وبكل شجاعة (أتقتل عمي يا أبن الخبيثة) فعدل هذا اللعين على الفتى وضربه فتلقى الغلام الضربة بيديه فانقطعت وقال له روحي عمه : ((بعدا لأمةٍ قتلتك))ومات هذا الطفل البريء فما أعظم الجرم الذي ارتكبوه بأي وجه يقابلون رسول الله وعلي وفاطمة والحسن(صلوات الله عليهم)وهم أنا متأكد هم أجداد النواصب والإرهابيين والقاعدة في الوقت الحاضر والذين لا يتورعون عن قتل أي واحد طفل أو شيخ كبير أو أمراة بحجة الإسلام الذين شوهوه بهذه المفاهيم الغريبة والتي كان يغذيها بهم من زمن أبو سفيان وبنو أمية لعنهم الله أجمعين.ونعود إلى موضوعنا واشتدت الطعنات والنبال والسيوف على أمامنا روحي له الفداء وسكن حراكه وكان عدد ضربات السيوف عليه ثلاثة وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة ومن النبل والسهام كان عددها مائة وعشرين،فانظروا إلى الوحشية والحقد الذين في قلب هؤلاء الكفرة.وعند ذلك نزل خولي بن يزيد الأصبحي ليحتز رأسه الشريف،فملكته رعدة في يديه وجسده لعدم قدرته على الأتيان بهذا الفعل الشنيع وقبله أراد عدة من الأوغاد فعل ذلك ولكن لم يستطيعوا لرهبتهم وخوفهم من هذا العمل الجبان ولكن في كل زمان ومكان المجرم الخسيس موجود،فنحى شمر اللعين خولي وهو يقول له : فت الله في عضدك! وجثم على جسده الشريف وكان بالحسين رمق من الحياة فقال له ((نبأني جدي الرسول(ص) يقتلك الأبرص الأشعث الكريه)) وحز رأسه الشريف من القفا بعد أن طبر رأسه الشريف أثنا عشر طبرة فهل يوجد غل وكراهية أكثر من هذا وهل يحمل هذا المجرم وكل الموجودين في معسكر يزيد اللعين أي ذرة من الإنسانية أو مقدار من المرؤة والشهامة كعرب وليس كمسلمين لأن صفة الإسلام منزوعة عنهم بالتأكيد ولا يقولوا أحد أنهم ينفذون أوامر خليفتهم الذي هو أتعس منهم وهذا الحقد على أبو الأحرار قد تزامن من قبل هذا لأبرص الكريه ومغموز النسب بن مرجانة وأميرهم بن ميسون لعراقة النسب الشريف لأبي الشهداء(ع)ليعلن عنه في هذه الصورة الآثمة والبشعة لسفك الدم الشريف للحسين(ع) وهو غدر وحقد ما بعده حقد وغدر وليصور الكتاب المأجورين في طمس الحقيقة وتضليل البسطاء بتحريف التاريخ وتزويره والذين كان في ذلك أمراؤهم من بني أمية الدور وتوزيع الأموال في سبيل حجب الحقيقة وأن الشمس لا تحجب بغربال كما يقال والحقيقة واضحة وضوح الشمس وقد قال نفر من عسكر بن سعد : لو كنت فيمن قتل الحسين،ثم أدخلت الجنة ،لاستحييت أن أنظر إلى وجه رسول الله(ص)،فهم حتماً لن يدخلوا الجنة وهم في النار خالدون ولكن أنظر إلى مدى التردي والضلال والتخلف في الشعور والبعد عن الإسلام.
ثم أمر اللعين بن سعد أن تطأ الخيل جسد الحسين الشريف بحسب أوامر من الطاغية أبن زياد وبقي عارياً في الشمس فأي لؤم ورذالة وخبث نذالة وهم يدعون أنهم مسلمين ولكن بقدرة الله عز وجل تم أكساء جسده الشريف بالرمال وغطت جسده الشريف والرأس المقطوع على القنا يدار به في الكوفة وحتى العقيلة زينب(ع) قالت لهم ((أما فيكم مسلم)) فلم يجبها أحد لمعرفتهم بأنهم مجرمين وأن من يقوم بهذا الأجرام ليس بمسلم وأن هذا ألأمر يقزز الشعور ويجرح العاطفة ويستدر العبرة وهم يدعون بأنهم مسلمين وعرب ولكن الحسين (ع) قد فند أقوالهم حين صاح بهم ((ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان!إن لم يكن لكم دين،وكنتم لا تخافون المعاد،فكونوا أحراراً في دنياكم،أن كنتم عرباً كما تزعمون؟))فنفى عنهم صفة الدين لأنهم لا يخافون المعاد ونفى أنهم عرب لأن العروبة لها قوانين وسنن وآداب وموازين أقلها الشعور بالتحرر والإباء والحمية والمرؤة والتأنف من ارتكاب المآثم الدنيئة أما هؤلاء فهم ممسوخين مغمورين في الرذيلة والبعد عن الحق وانضوائهم تحت لواء الباطل ويقول الكاتب والمؤرخ السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ((وظلت كربلاء ويوم عاشوراء وصمة عار على جبين التاريخ الإسلامي وعلى جبين أهل القرن الأول،لا يمحوها الدهر،ولا يغسلها الزمن)).
وقد بكت السماء والجن على هذا الذبيح الغريب العطشان وأورد بعض ما ذكره المؤرخون والناس،يقول أبن سيرين: (لم تبك السماء على أحدٍ بعد يحيى بن زكريا،إلاّ على الحسين بن علي)مختصر تاريخ دمشق لأبن منظور،وقالت نصرة الأزدية :لما قتل الحسين بن علي أمطرت السماء دماًُ فأصبحت وكل شيءٍ لنا ملآن دماً.وقلت أمراة : كُنا زماناً بعد مقتل الحسين،وأن تطلع الشمس تطلع محمرة على الحيطان والجدران بالغداة والعشيّ وكانوا لا يرفعون حجراً إلا وجودوا تحته دماً..وقال خليفة : لمُا قتل الحسين اسودّت السماء وظهرت الكواكب نهاراً،حتى رأيت الجوزاء عند العصر وسقط التراب الأحمر.وقال معمر : أول ما عرف الزهري تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك،فقال الوليد : أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قُتل الحسين بن علي،فقال الزهري : بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط. وتقول أم سلمة زوجة نبينا الأكرم والتي عندما علمت باستشهاد الحسين(ع) من القارورة التي أعطاها الرسول لها والتي فارت دماً عبيط.أنها شهقت شهقة أغمي عليها وقالت : قتلوه!قتلهم الله،قتلوه!أذلهم الله،قتلوه!أخزاهم الله!ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً ووقعت مغشية عليها.وقالت أم سلمة سمعت الجن تنوح على الحسين يوم قتل،وهن يقلن :
أيّها القاتلون ظلماً الحسين...........أبشروا بالعذاب والتنكيل
كلّ أهل السماء يدعو عليكم................من نبي ومرسل وقتيل
قد لعنتم على لسان ابن داود....................وموسى وصاحب الإنجيل
وكانت كربلاء يسمعون فيها نوح الجن وهذا ما ذكره ابو جناب الكلبي ويقول : وكان الجصاصون إذا خرجوا في السحر يسمعون نوح الجن على الحسين وينوحون عليه بالشعر.
وأن يوم العاشر من عاشوراء يوم عظيم عند الله فهو الذي عفا فيه رب العز والجلالة عن نبينا آدم(ع) وذلك بقوله تعالى ((فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم))البقرة آية 37 وهو عندما استشفع بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها فعفا عنه في يوم العاشر من محرم،ونوح نجا ومن معه عندما استوت السفينة على الجودي في يوم العاشر من محرم،وموسى عندما أخذ الألواح وكلم ربه ففي يوم العاشر من محرم ،فهو يوم مقدس وعظيم لدى رب العالمين والأنبياء وجعله هذا اليوم بهذه القدسية لاستشهاد سيد الشهداء وريحانة رسول ونبيه المصطفى في هذا اليوم وكل الأنبياء لو تبحثون ستجدون أنه حدثت أمرهم العظيمة في هذا اليوم.
والخلاصة أنه مهما عمل بنو أمية وأحفادهم لطمس وتزوير الحقائق فلن يقدروا لأن الله متم نوره ولو كره الكافرون وهذا ما ذكره البارئ العليم وما قالته الحوراء زينب(ع) للطاغية أبن زياد ((أمكر مكرك وكيد كيدك فو الله لن تمحو ذكرنا))وبقى ذكر أبي الأحرار وأخيه العباس(عليهم السلام) وأنصاره في عليين وخالدين إلى يوم القيامة وبقت أضرحتهم شاهدة على عظمتهم وعظمة العمل البطولي الذي قاموا به أما هم فأين قبورهم فأنها قد تحولت إلى مزابل ويبول عليها الكلاب أجلكم الله.وقد ذكر الله تعالى لنبيه الكريم(ص) كما جاء في الحديث ((أوحى الله تعالى إلى محمد (ص) : أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين إلفا،وأنا قاتل بابن بنتك سبعين إلفا وبعين إلفا))،وقد أخبر روحي له الفداء عن بعض هذه النتائج قبل خروجه كربلاء وقال : ((والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي!فإذا فعلوا،سلط الله عليهم من يذلهم،حتى يكونوا أذلّ من فرم الأَمة))وهذا ماسوف نتحدث به ونناقشه في حلقتنا القبلة إنشاء الله هذه الأمور إذا كان لنا في العمر بقية وبقوة الله وتوفيقه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والصلاة على النور الأنور أبو القاسم وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
-----------------------------------------------------------------------------------
المصادر :
1 – أبو الشهداء الحسين بن علي.الكاتب المصري عباس محمود العقاد.نهضة مصر للطباعة والنشر
2 – أعلام الهداية : سيد الشهداء الأمام الحسين بن علي (عليه السلام).المجمع العلمي لأهل البيت.قم المقدسة.
3 – خطب من المنبر الحسيني وصفحات من الأنترنيت.
4 – الأمام الحسين حياته واستشهاده .الكاتب المصري مأمون غريب ، مركز الكتاب للنشر
5 - الحسين سماته وسيره.تأليف السيد محمد رضا الحسيني الجلالي،دار المعروف للطباعة والنشر